وصايا الرسول | حـ6 | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. اليوم نعيش مع وصايا جديدة. لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعيش مع سيدنا أبي الدرداء. عن
أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشرك بالله شيئاً وإن قُطعت وحُرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمداً، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح..." كلُّ شرٍ. أخرجه ابن ماجة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. أوصاني خليلي. هل تتذكرون ما قاله أبو ذر: أوصاني خليلي؟ هل تتذكرون ما قاله؟ أبو هريرة أوصاني خليلي وهذا ثالثهم يقول
وهو أبو الدرداء أوصاني خليلي، إذ إن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ملأ قلوبهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. شاهدوا الجمال والجلال والهيبة والحب والرحمة في رسول الله صلى الله عليه وسلم. رسول الله كان طاقة حب كبيرة ملأت. الأكوان حتى أحبته الدواب وأحبه الجماد، فحنّ إليه الجذع بعدما تركه وترك الخطابات عليه، فسمع مَن في المسجد أنين الجذع يبكي. حتى إذا ما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتضنه وتكلم معه، مع الجذع سكن. فقالوا له:
"يا رسول الله، ماذا قلت له؟" قال: "قلت له ألا..." تحب أن تكون رفيقي في الجنة؟ فسكن كل الكائنات في عهد رسول الله كانت تحب رسول الله. عندما قاسوا الشجرة المباركة التي كانت أمام البحيرة، عندما استظل بها رسول الله في رحلته وهو طفل صغير مع عمه عند راهب البحيرة، قاسوا الترددات التي حولها فقالوا: هذه شجرة مليئة بطاقة غريبة. عجيبة هي طاقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حبه لهذا الكون ولتلك الحياة، وحب الحياة
يختلف اختلافاً كبيراً عن حب الدنيا. حب الحياة لأننا نحب الله، والله هو الذي خلق الحياة، فنحن نحب الحياة. ولكن حب الحياة الدنيا أو حب الدنيا يعني حب الشهوات والرغبات التي تزين للناس. أوصاني خليلي أبو الدرداء مستمراً في إعلان المحبة وفي إعلان الخُلَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: "ألا تشرك بالله شيئاً وإن قُطِّعت وحُرِقت". وهذا تعبير عربي يفهمه النابتة فهماً آخر يتوافق مع مشربهم العنيف، ولكن إياك إياك أن تشرك بالله، يعني مهما كان، أي
في أسوأ الظروف. تعبير وتركيب عربي يفهمه العرب من التعبيرات العربية "ثكلتك أمك" من التعبيرات العربية "تربت يداك" من التعبيرات العربية "مات حتف أنفه" أي توفي في فراشه وليس في معركة من التعبيرات العربية. وهكذا هناك تعبيرات للغة لكنهم يأخذونها واحدة واحدة، يقول مثلاً أن "مات حتف أنفه" معناها مات من نزيف من الأنف. مثلاً هذا خلل في الفهم وسوء قصد ولن يصل إلى معاني القرآن ولا إلى معاني السنة. "عليم بذات الصدور" يعني ما معنى "بذات الصدور"؟ هل هي نفس الصدور أم داخل الصدور أم ناتج الصدور؟ هذا إذا
لم يفهم أن هذه العبارات من تعبيرات اللغة العربية، فلا بد أن يعرف قانونها ولا تُترك الصلاة. مكتوبةٌ متعمّداً إياك أن تترك الصلاة المكتوبة عن عمدٍ، أما عن نسيانٍ أو عن نومٍ أو عن سهوٍ أو عن إكراهٍ فهذا شيءٌ آخر. رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ. إذن، لكن العمد هو أن تكون حاضراً قادراً وأن تكون... حاضراً قادراً، ثم تدعي الصلاة وأنت متذكر، بعض الناس يختل ويعتقد أنه صلى، هذا لا شيء عليه، لكن
الشيء كل الشيء فيمن ترك الصلاة عامداً، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة. أيضاً نهيٌ شديد لأن الصلاة عماد الدين، الصلاة هي التي نشرت الإسلام، الصلاة هي التي حببت الناس بصلتها. مع الله في الإسلام، الصلاة ركن الدين، الصلاة لا يتم الدين إلا بها. ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر، ولذلك هذه الفتنة العارمة التي تحدث في المجتمع الآن من أن يتصدر بعضهم ويذهب فيقول إن الخمر هذه من العنب فقط، إذاً فالويسكي حلال، والشامبانيا حلال، وهذا حلال. وهذا حلال
وجعل كثيراً من الناس يقع في الخطيئة بعد أن امتنع عنها سنين طويلة، ويحكي لي الناس وهم يبكون أنهم قد ضعفت إرادتهم ووقعوا في الخطيئة وشربوا الخمر - والعياذ بالله تعالى - من هذه الفتاوى والسير التي لا يراعي فيها أصحابها وجه الله، والتي يريد بها أصحابها فتنة عمياء صماء. لا معنى لها ولا طعم لها ولا لون لها. أجمعت الأمة من شرقها إلى غربها، من سلفها وخلفها، بقرآنها وسنتها على حرمة الخبر، ثم نأتي من أجل أن نشكك الناس في الثوابت. مرة ذكرت لأحدهم: "لماذا تشككون الناس في الثوابت؟ وما الذي سوف
يناله مشروعكم من هذا؟" قالوا: "نحن..." نريد أن نشكك الناس في الثوابت وإن كنا متأكدين من أنها ثابتة حتى نربيهم على العقلية الناقدة لأن هذه العقلية الناقدة هي التي تركت أوروبا وتقدمت بها أوروبا وجعلتها على هذا الحال. قلت لهم أن الظرف التاريخي لأوروبا يختلف عن الظرف التاريخي للعرب وللمسلمين، فعند المسلمين ليس هناك تناقض بين كتاب الله المسطور وكتاب الله المنظور، في أوروبا كان هناك تناقض، ولذلك أرادوا العقلية الناقدة حتى تتخلص من سلطان الخرافة وتصل
إلى مقتضيات العلم. ولكننا لا ننكر العلم ولا نتأخر في الأخذ به، لأن عقيدتنا أن كتاب الله المنظور - الكون الذي يجري فيه العلم التجريبي - وكتاب الله المسطور - الوحي - كلاهما متوافقان. من عند الله وعلى ذلك فلا تناقض أصلاً في أصل العقيدة، إلا له الخلق الكون والأمر الوحي، تبارك الله رب العالمين، فكلاهما من عند الله. اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم. يتكلم عن الخلق ويتكلم عن الوحي ولا تناقض بينهما. ألقِ القراءتين بين الكتابين بين المعنيين، ولذلك
لسنا في حاجة إلى أن نشكك الناس في الثوابت. سيأتيك من هذا سيل عرم، لأن الخطة تسير على هذا. مرة سيشككونك في رمضان، ومرة سيشككونك في الجمعة، ومرة سيشككونك في الحجاب للمرأة المسلمة، ومرة يشككونك في الخمر، ومرة يشككونك في يوم الجمعة لعله. أن يكون يوم السبت وهكذا من خبل وعته، ليس لأنهم في حالة شك، بل لأنهم يريدون الشك في الثوابت. ربنا سبحانه وتعالى ينجينا من هذه الفتن بالتمسك بوصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي يقول فيها لأبي الدرداء: "ولا تشرب الخمر فإنها
مفتاح كل شر"، وورد أنها تسمى. أم الكبائر وأم الخبائث، لماذا؟ لأن الإنسان إذا فقد عقله فقد فقد تكليفه، وإذا فقد عقله فقد فقد سيطرته على نفسه، وإذا فقد عقله فهو ألعوبة للشيطان من كل جهة. نسأل الله السلامة. هذا الحديث أخرجه ابن ماجة وهو حديث حسن في باب الصبر على البلاء. انظر كلام العلماء فإننا... يجب أن نصبر على البلاء الذي ابتلانا الله به من هذا الشيوع أو محاولة إشاعة الفاحشة في الناس ابتغاء الدنيا لا ابتغاء الآخرة.
إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.