2011 11 11 جهاد النفس

شكراً
شكراً أهلاً بكم أستاذنا الأستاذ الدكتور طه أبو كريشة نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أرحب بفضيلتكم دكتور طه، أهلاً وسهلاً بكم. مرحباً بالأستاذ الدكتور حسن عبد السلام الأستاذ بجامعة الأزهر، أهلاً بك دكتور حسن، أهلاً وسهلاً. نتحدث عن مجاهدة النفس وما أصعب وأقسى هذا الأمر فضيلة المفتي. ونحن بحاجة إلى مجاهدة دائمة، أي حتى نسير في الطريق الصحيح. في البداية ما هو
مفهوم جهاد النفس وكيف يكون؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أصل هذا المصطلح "جهاد النفس" وُجد في حديث مروي عن سيدنا رسول الله. صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البيهقي في الزهد له كتاب اسمه الزهد أسند فيه إلى رسول الله: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ألا وهو جهاد النفس". فظهرت كلمة جهاد النفس كأحد أنواع الجهاد في المفهوم الإسلامي الذي جاء فوسَّع معنى الجهاد وجعله لا يقتصر على القتال في سبيل الله وهو نوع من أنواع الجهاد، بل هو أساس هذا الجهاد الأصلي الذي أسماه
رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالجهاد الأصغر، ولأنه يأخذ مدة صغيرة: شهراً أو شهرين، سنة أو سنتين، يعني لا تدوم الحروب مدداً طويلة، لكن جهاد النفس يأخذ العمر كله، فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهاد بمفهوم وأطلقه على مفهوم واسع، نعم شمل جهاد النفس وشمل أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشمل أيضاً الحج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحج حج المرأة والطفل والشيخ الكبير جهاد، إذاً وسّع مفهوم الجهاد، جهاد
النفس لما ربطه رسول الله صلى الله عليه. وسلّم بالجهاد الأصغر وجعله هو الجهاد الأكبر. ما الذي يشعر به الجندي في المعركة؟ في المعركة يشعر الجندي بالقوة والفتوة، بأنه قادر على دحر العدو، بأنه قادر على إيقاع الأذى به وعلى إيقافه عند حدّه. يشعر بهذا وهو بين أحد أمرين: إما أن ينتصر فيرجع بنفسه وبقوته وبفتوته، وإما أن يُهزم. فيرجع منكسراً، حينئذ سندخل في دائرة الجهاد الأكبر
في جهاد النفس. يا سلام! لأنني رجعت من المعركة منتصراً وتركت نفسي لهذه النشوة، أفتري على خلق الله وأتعالى على جيراني وأهلي وأظن أنني قادر على كل شيء، حاشية، وأنا لست كذلك، فأنا عبد ضعيف قام بمهمة، هذه المهمة مكلف بها من. عندَ اللهِ أن أدافعَ عن عقيدتي أو عن أوطاني أو عن حوزتي وأهلي وهكذا، نعم. لكن عندما أرجع يجب عليَّ أن أضبط نفسي تماماً وأن أتذكر ربي سبحانه وتعالى، وأن أجاهد نفسي من أن تخرج عن حدودها وعن تكاليفها وعن أوامر الله فيها. هذا هو الجهاد الحقيقي، أن لا أرجع. بنشوة النصر فأؤذي
الآخرين أو أرجع بانكسار الهزيمة فأنسحب من المجتمع، لأنني لو كنت قد رجعت بانهزام وانكسار الهزيمة لا بد علي أن أعيد البناء ولا أيأس وأن أبدأ من جديد حتى نصل إلى الدرجة التي توصلنا إلى النصر الحقيقي. إذاً، هذا هو حقيقة جهاد النفس: لا إفراط ولا تفريط. هذه هي حقيقة جهاد النفس، وهو الخضوع لأوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه وتكاليفه، وعدم الخروج عن المنظومة التي وضعها لنا الله سبحانه وتعالى. أنقل حديثي وسؤالي لفضيلة الأستاذ الدكتور طه أبو قريشة: هل هناك مراتب معينة في جهاد النفس أو وسائل
نواجه بها الأمر السيء أو الذي تأمرنا به أنفسنا؟ دائماً بها النفس، وكما حدثتنا الآيات الكريمة في غير موضع، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وبعد، ففي القرآن الكريم بيان لما فُطرت عليه النفس، وأن النفس الإنسانية لم تُفطر على الخير وحده، ولم تُفطر كذلك على الشر. وحدها وإنما فيها النوازع إلى الخير ونوازع إلى الشر بنص قوله تعالى: "ونفسٍ وما سوّاها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها، وقد خاب من دسّاها". إذن
هذه الميول الموجودة في النفس، المؤمن القوي الثابت في ميدان الجهاد هو الذي يؤثر التقوى على الفجور، يؤثر الخير على الشر، يؤثر الاستقامة. على الانحراف يؤثر الحق على الباطل لأنه في مجال الاختيار أمامه الأمران كيف يختار هذا أو يختار هذا. المؤمن الصادق الإيمان المتصل بربه سبحانه وتعالى الذي تزود بكل القيم الإيمانية التي تربطه برب العالمين سبحانه وتعالى هي التي تعينه على الثبات في هذا الميدان، ميدان الجهاد النفسي، ثبات
على الطاعة. بمعنى أنه لن يقصر فيها وسوف يواظب على هذه الطاعات وقتاً بعد وقت دون أن يقصر في أدائها ودون أن يخل بها، فيزداد إيمانه يوماً بعد يوم. فزادهم إيماناً وزادهم هدى، هذه الزيادة لن تأتي إلا من خلال الثبات في ميدان الجهاد النفسي الذي فيه اختيار هذه الأمور الطيبة. على تلك الأمور الأخرى التي نهانا عنها رب العالمين، فالمؤمن يجمع بين أمرين: يثبت على الطاعة ويثبت على امتناعه عن مقارفة المعاصي، بمعنى أنه لن يكون مهزوماً أمام أي إغراء من الإغراءات التي تغريه بارتكاب الحرام
في صوره المتعددة. قد يُعرض عليه رشوة، تُعرض عليه... مسائل أخرى تجعله ينحرف عن صراط الله المستقيم، فاتصاله بربه سبحانه وتعالى وتزوده بهذه الأسلحة يعني أننا إذا كنا نقارن بين جهاد الأعداء وجهاد النفس، فإن الجهاد ضد العدو هناك أسلحة يتزود بها المقاتل لأنه لن يدخل ميدان القتال مجرداً من السلاح أو مجرداً من التدريب على هذا السلاح كما نعلم. بالنسبة لإعداد الجنود في ميدان القتال، كذلك الذي يجاهد نفسه لا بد أن يتزود بأسلحة تعينه على الثبات في ميدان جهاد النفس. هذه الأسلحة يأتي في مقدمتها يقينه بأن الله
تعالى معه، ويقينه بأن الله تعالى لا تخفى عليه خافية، ويقينه بأن الله تعالى مع المحسنين. المتقين مع الصابرين كما ورد في كثير من الآيات القرآنية، هذا هو السلاح الأكبر الذي يصاحب المؤمن في كل وقت من أوقاته. فإذا عُرضت عليه زينة من زينة الحياة الدنيا ورأى أن هذه الزينة سوف تبعده عن صراط الله تعالى المستقيم، فإنه يتذكر ما نُهي عنه في كتاب الله. عزّ وجلّ ويتذكر الثواب العظيم الذي ينتظر من يُعرِض عن هذه الأمور ويتمسك بأمور الطاعة حتى ولو كان العائد من ورائها
قليلاً. وقد ضرب لنا القرآن الكريم مثلاً في ذلك: "قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث". هذه الآية الكريمة تبين لنا أن الإنسان قد يجد في حياته قوماً أو فرداً أقبلت عليه الدنيا من كل جانب إما بالمال وإما بالمنصب أو الجاه وهو في الوقت نفسه بعيد عن صراط الله المستقيم، بينما يرى في المقابل أن هناك من يلتزم ويلازم صراط الله تعالى المستقيم ويعني نصيبه من الدنيا قليل، فهنا هل يدور في خلده أن هذا الذي انحرف بعيدًا كان على الصواب، وأن الذي ثبت على صراط الله المستقيم كان على الخطأ، فلا بد أن يتوجه إلى الجانب الذي يراه هناك. هنا يأتيه هذا الأمر الإلهي: "قُلْ لَا يَسْتَوِي
الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ". كيف لا يستويان؟ ما مال الخبيث وما مال الطيب؟ الطيب القليل. ماله الجنة والثواب العظيم في الآخرة، أمَّا مال الخبيث إذا كان حراماً فهو كبيرةٌ من الكبائر، فماله العذاب الأليم في الآخرة. هنا تصدق هذه الحقيقة الإلهية: "لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث". ومن هنا فإنه يدير ظهره مباشرةً أمام أي إغراء من الإغراءات الدنيوية التي تبعده عن صراط الله. تعالى المستقيم، وهنا يكون قد كبح جماح نفسه، ولذلك يقول تعالى: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى". لكن
الذي لا يخاف مقام ربه ولا يستحضر مقام ربه سبحانه وتعالى، فإنه يسير في دنياه ويعبد هواه، أي يسير مغمض العينين أمام الهوى. وأما النوازع النفسية فهي جزء من تركيب الإنسان، ولكن المؤمن الصادق الإيمان يكون على خلاف ذلك، وهنا يحدث الانتصار في مواقف الامتحان والاختبار في مثل هذا الذي عرضت له هذه الآية الكريمة. ومن هنا فإن مراتب جهاد النفس هي مراتب متعددة، قد تكون من مراتبها ما يتعلق. بالأمور الداخلية في الإنسان، بالأفكار، بالظنون الموجودة في الإنسان، قد يكون فيما يتعلق بالمجتمع الذي يعيش فيه.
أمامه في المجتمع صور متعددة: صور مستقيمة، وصور منحرفة، وصور لا تعبأ بالدين، وصور أخرى يتمسك فيها الناس بدينهم. فهنا في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يُعتبر هذا أيضاً مرتبة. من مراتب الجهاد جهاد النفس في هذه الحياة. دكتور حسن عبد السلام، أي دكتور طه، يحدثنا عن مراتب النفس هنا. المغريات كما ذكر فضيلته كثيرة في هذا المجتمع الذي نعيش فيه الآن، ومن السهل أن يقع الإنسان فريسة لهذه المغريات. في حالة المقاومة، هل يعظم أجره عملاً من مبدأ الثواب؟ العقاب يعني أو الجزاء من جنس العمل، وإذا لم يستطع فأيضاً عقابه يكون أشد. وطبعاً قبل أن أجيب على هذا السؤال أحمد الله وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام. وأبدأ حديثي
فأقول إن النفس الإنسانية لغز محير في طبيعتها ونوازعها وتقلباتها وأحوالها، ولذلك استحوذت على اهتمام الفلاسفة. والعلماء والشعراء والأدباء، وأصبح الآن في دنيا الناس علم قائم بذاته يُسمى علم النفس، والاهتمام بأمر النفس قديم منذ الفلاسفة الأوائل. ابن سينا، فيلسوف العرب وفيلسوف المسلمين، له بحوث في النفس وله قصيدة مشهورة تبدأ بقوله: "هبطت إليك من المحل الأرفع" و"ورقاء ذات تعزز وتمنع"، وفيها يقول عن هذه النفس. محجوبة عن كل مقلة عارف
وهي التي سفرت ولم تتبرقع، فهذه النفس الواضحة الغامضة، المتقلبة المستقيمة المنحرفة، لا بد أنها تتأثر بالمغريات والإغراءات، ومن هنا يأتي القدر الكبير والثواب العظيم للذين يجاهدون أنفسهم ويلزمونها بالحق ويقهرونها ويسيطرون عليها، والقرآن الكريم وهو أصدق الحديث فيه إشارات كثيرة وفيه أحاديث متعددة عن النفس الإنسانية والله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذه النفس وهو أعلم بطبيعتها. في القرآن الكريم إشارة إلى أن النفس أمارة بالسوء "إن النفس لأمارة بالسوء إلا
ما رحم ربي"، وهذا القول جاء على لسان امرأة العزيز في القصة المعروفة قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وفي القرآن الكريم قسم بالنفس. الإنسانية، أقسم الله سبحانه وتعالى بأشياء من خلقه، والأشياء التي يقسم الله سبحانه وتعالى بها أشياء معظمة لا شك، ويأتي الحكم من الله سبحانه وتعالى بالفلاح والنجاح والتوفيق لأولئك الذين يستطيعون السيطرة على أنفسهم وحملها على الحق وإلزامها به. "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا" أي أدّبها ورباها وألزمها بالحق وباعد بينها وبين الباطل. وبين الباطل، ولذلك نجد أيضاً في القرآن الكريم إشارة إلى النفس اللوامة أيضاً في
سياق القسم: "لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة". وورد في التفسير حول هذه الآية قولاً منسوباً إلى الحسن البصري رحمه الله، يقول: "إن المؤمن والله ما نراه إلا لائماً لنفسه، معاتباً لها"، يقول... في مكانة أكلتي، في مكانة كلمتي، في ما كانت كذا وكذا من أفعالي، يعاتب نفسه دائماً ويلومها. وقالوا أيضاً: النفس اللوامة هي التي تلوم في الخير وفي الشر. فالنفس اللوامة صاحبها يُرجى له النجاة لأنه يقظ لهذه النفس، يحاول
إلزامها بالحق، يحاول إبعادها عن الشر، ما يزال في هذه الدرجة من. المجاهدة ومحاولة إحكام السيطرة على هذه النفس وحملها على الحق وإلزامها به، حتى إذا استطاع أن يذلل هذه النفس وأن يجعلها مطيعة له ومحبة للخير ومقبلة عليه، يمكن أن ينتقل إلى درجة أعلى وهي درجة النفس المطمئنة. أعلى درجات النفس هي درجة النفس المطمئنة، أعلى درجات النفس، ولذلك كان حديث القرآن. عن هذه النفس حديث مبشر وحديث مبهج وحديث يدخل السرور على من جاهدوا أنفسهم حتى استطاعوا أن يسيطروا عليها وأن يكون الخير
لنفوسهم يكاد يكون جبلة وطبعاً. "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي". هذا، دكتور حسن، يعني لا فضة فوق شكراً وهذا. الكلام الطيب يدفعني لسؤال فضيلة المفتي. يعني الملمح الذي عرضه الدكتور حسن، فضيلة مفتي الديار، فيما يتعلق بأن النفس المطمئنة هي النفس التي نودي جميعاً أو نسعى للوصول إليها مجاهدةً. أنواع النفس التي تحدث عنها الدكتور حسن، هل كل نوع من هذه النفس في حاجة إلى نوع جهاد أو... مجاهدة مختلفة وكيف يكون ذلك ما عليه أهل الله عبر القرون أنهم نظروا إلى النفس المثلثة نعم وبعضهم نظر إليها تفصيلاً فجعلها مسبعة نعم ومن هؤلاء شيخ
مشايخنا الشيخ عبد الخالق الشبراوي فألف في مراتب النفس كتاباً له يجيب على سؤالك يعني سؤالك هذا مؤلف في كتاب لكن هذا الكتاب هو جمع تجربة سنوات طويلة في قراءة الكتاب والسنة من ناحية وفي التعامل مع الله سبحانه وتعالى على مقتضى الكتاب والسنة من ناحية أخرى، ولذلك قالوا إن العلم بين كتاب القرآن وكتاب الأكوان، أو كما قالوا بين الكتاب المسطور والكتاب المنظور، أو كما قالوا بين الكتاب الكبير الذي هو القرآن والكتاب. الصغير الذي هو الكون قالوا أشياء كثيرة والرازي فصّل في هذا وابن العربي وكذا إلى آخره، كيف نأخذ مصادر معرفتنا
من الأمرين معاً؟ "ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين"، فهناك خلق وهناك أمر، هناك ما قد صدر خلقاً وما قد صدر أمراً، القرآن كتاب الله غير مخلوق ولذلك... فهو من عالم الأمر والأكوان، إنما هي من عالم الخلق، وكلاهما من عند الله، تبارك الله رب العالمين. اقرأ باسم ربك الذي خلق، وبعد ذلك مرة ثانية يقول: اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم وهو القرآن. وعكسها: الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان. إذاً فهي دائرة من حيث بدأت ستصل. النفس المثلثة تحدثوا فيها كما أفاض الدكتور حسن عن النفس ذات المراتب الثلاث، أولاً أنها أمارة بالسوء، ثم اللوامة لأنها تلوم صاحبها، ثم المطمئنة التي هي أعلى هذه الدرجات الثلاث،
وذلك لأنها اطمأنت من الأمر بالسوء واطمأنت أيضاً من اللوم والمنازعة، فأصبحت وكأن الخير لها سجية وغريزة طبيعية. هنا علماء النفس المشهورون فصّلوا قليلاً فيها. فقالوا هي أمارة ولوامة وملهمة، فألهمها إذاً. فوضعوا الملهمة في الطريق هكذا، وبعد ذلك المطمئنة، ثم الراضية والمرضية التي هي نتيجة الاطمئنان. طبعاً كل هؤلاء يمكن وضعهم في المطمئنة، ثم بعد ذلك الكاملة التي يصل إليها الصديقون والأنبياء والعارفون بالله، بحيث تنكشف لهم أيضاً حقائق الأكوان، وتنكشف لهم معنى لا. لا حول ولا قوة إلا بالله فإنه
لا يكون في الكون إلا ما أراد، فيحسن بذلك توكله ويحسن بذلك رضاه ويحسن بذلك تسليمه لرب العالمين، وهكذا يصل في مجاهدة النفس إلى مرتبة عين اليقين أو علم اليقين. هو في علم اليقين فعين اليقين فحق اليقين، كل هذا مرتبط بالنفس وبجهادها. فإذا النفس لها مراتب، فهل لكل مرتبة من هذه المراتب برنامج؟ هل لكل مرتبة وظائف لا بد علينا أن نراعيها وأن نلتفت إليها؟ نعم، هذا البرنامج يتلخص في كلمتين أخذوهما من سورة آل عمران: "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا
ما". خلقتَ هذا باطلاً سبحانك فقِنا عذاب النار. يصبح الفكر موزوناً هكذا لكي يحفظوه. الذكر والفكر، إذا تعمقنا في الذكر فهو معين إعانة تامة لجهاد النفس، ونجده بأجمل صورة في القرآن: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون"، "والذاكرين الله كثيراً والذاكرات". وفي هذا المجال، في مجال الذكر، جعل الله سبحانه وتعالى. الأسماء الحسنى من الذكر، وجعل القرآن من الذكر، وجعل الدعاء من الذكر، وجعل المناجاة من الذكر. والذكر مفهومه واسع، "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، حتى أن بعض المفسرين حملوا الذكر على السنة أيضاً، "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم"، يعني كان الذكر هو السنة، وهكذا
في... آيات كثيرة غير متناهية في مفهوم الذكر والذاكرين. الذكر ينشئ إنسان الحضارة، الذكر ينشئ إنسان العمارة، الذكر ينشئ الإنسان إنشاءً لأنه يساعد أولاً وأخيراً على جهاد النفس. ثم لا يكتفي بذلك الذكر الذي يقول فيه رسول الله: "لا يزال لسانك رطباً بذكر الله"، وإنما ننتقل إلى ملف ودائرة الفكر أُمرنا. أن نعمل عقولنا أمرنا أن نتدبر، أن نسير في الأرض فننظر، والسير في الأرض والنظر إنشاء لعلوم كثيرة حتى نجرد المعاني والقواعد، حتى نصل بهذا النظر الدقيق إلى عمارة الدنيا على علم. ولذلك العلم
لا يعرف الكلمة الأخيرة، وكلما اكتشفنا شيئاً منه زاد قولنا منبهرين: سبحان الله، سبحان الله حقاً لأن... كلما حللت مشكلة أصبحت عندي ألف مشكلة بناءً على الحل، لهذا فتحت الباب فوجدت ألف باب مغلق، فاضطررت أن أفتح باباً واحداً منها فوجدت ألف باب آخر. والبقية هذه ألف باب لم ندرسها بعد. فكلما ازداد علمي كلما ازداد تواضعي لله، فالعلم أحد مقومات وأسباب الخضوع لله وجهاد النفس يكون عندنا. الذكر وعندنا الفكر وعندنا العلم نحن نبني برنامجاً وهذا البرنامج موجود في الكتب وهذه الكتب ألّفها علماؤنا منذ ألف سنة. "إحياء علوم الدين" اقرأ أبا طالب المكي
في "قوت القلوب" اقرأ "الرسالة القشيرية" اقرأ. لكن الحقيقة أن الهجمة الشرسة على المتصوفة أخذت معها قتل التصوف الذي هو علم والذي له ملامح التصوف الذي هو جزء من الدين يدافع عن مرتبة الإحسان وينشئ المسلم السوي الحقيقي الذي أمرنا أن نكونه رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنما الهجوم الغبي هو أنك إذا أردت إن لم يعجبك المسلمون فعليك بالقضاء على الإسلام، وإن لم يعجبك بعض المتصوفة فعليك بالقضاء على التصوف. هذا المنطق سيطر على عقول... كثير من الناس قد حرموا الخير كله. الخير هو الواقع، فالبدعة بدعة، والشيطنة شيطنة، والأبلسة أبلسة، والكتاب
والسنة كتاب وسنة، والمفاهيم الرائقة الفائقة في بناء الإنسان هي هي. فيجب علينا أن نستفيد من خبرة أجدادنا وألا نغيب عن عصرنا، وهو ما يسمونه الأصالة والمعاصرة. كل ذلك هو جزء من جهاد النفس لدينا. نريد أن نعمل نعم، والمستقبل والأيام تحتاج منا العمل، لكن تحتاج منا العمل الصحيح. فضيل بن عياض يقول: "بالإخلاص والصواب يتقبل الله العمل، من غير إخلاص ومن غير صواب لا يتقبل الله العمل". أما الإخلاص فـ"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، وأما الصواب فبالعلم، "من سلك طريقًا يلتمس..." من يطلب العلم يسهل الله له طريقاً إلى الجنة. هكذا تقول الشريعة لي: جاهد نفسك لتكون على الصواب، واحرص على محاسبة نفسك قبل
أن تُحاسب. هل تعلم أن علة ما حدث في مصر خلال الستين سنة الماضية هي أن كثيراً من الناس لا يحاسبون أنفسهم. لو أننا في نهاية كل يوم حاسبنا أنفسنا. لانتقلنا من النفس الأمّارة إلى اللوّامة إلى الملهِمة إلى المطمئنة إلى الراضية إلى المرضيّة إلى الكاملة من غير حولٍ منا ولا قوة، لكن عندما يكون كل واحد منا يفكر في روح السلطان وهو غير راضٍ أن يجاهد في نفسه، فماذا سنفعل به إذاً؟ هذا صحيح، إنا لله وإنا إليه راجعون، حاسبوا أنفسكم قبل. أن تحاسبوا، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وكيفية كبح جماح النفس، وصولاً
- دكتور طه بكري - يعني إذا فهمنا أن الجهاد ليس فقط هو جهاد الأعداء، نعم، ولكن جهاد النفس أيضاً، جهاد هو الجهاد الأكبر، هو الجهاد الأكبر، نعم، هل من تفصيل وتوضيح في هذا الأمر لو تفضلت، نعم، يعني لماذا كان. جهاد النفس جهاد أكبر، نعم، هذا يرجع إلى أمور متعددة. كل معركة لها زمان ولها مكان ولها بشر أو جنود. جهاد الأعداء محدود المكان محدود الزمان، بمعنى أن الإنسان أو المعارك
تُدار في مواقع معينة تُعرف مسبقاً أو يُعرف احتمالات قدوم العدو منها، فالدولة أو القوات المسلحة تعمل له حساباً. لذلك إذا كان هناك استعداد مسبق للمكان الذي من الممكن أن يأتي منه العدو، أما بالنسبة للنفس فليس مكشوفاً لها من أين يأتي العدو الذي يهاجمها من داخلها أو من خارجها. إذاً النفس في حالة ترقب مستمر، قد يأتيها من اليمين أو يأتيها من اليسار أو من الخلف أو... من الأمام بالنسبة للزمان كما قلت، المعركة مع العدو قد تُحسم في يوم واحد ويتم هذا منتصراً
وهذا منهزماً، لكن جهاد النفس كما قال فضيلة المفتي هو جهاد يصاحب الإنسان مدى طول العمر، فالزمن متصل، ولذلك الذي يجاهد نفسه هو في حالة استنفار وحالة الطوارئ لديه معلنة بصفة عامة مستمرة. مستمرة من ناحية العدو الذي يهاجم في ميدان القتال البشري، فالأعداد معروفة، أو العدو يُدرس عنه دراسات واستخبارات إلى آخره. لكن جهاد النفس له ميادين متعددة، ميدان داخلي في داخل النفس نراه بالنسبة للأهواء والغرائز، وهي أيضاً تصاحب الإنسان طوال عمره، لأن الله تعالى خلقه وفيه هذه الميول، ميول
الخير. وميول الشر، نعم هناك عدو خارجي في المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، وهو يعني ميداناً متعدداً. قد يكون بالنسبة للأصدقاء الذين يختلط بهم الإنسان، وقد يكون بالنسبة لمكان، أو في مكان آخر غير البلاد الإسلامية، ويوجد فيها كذا وكذا مما لا يتفق مع العادات والتقاليد والقيم الدينية إذاً. العدو متعدد بالنسبة لجهاد النفس ومن هنا استحقت أن تأخذ مصطلح الجهاد الأكبر في القرآن الكريم ما يبين لنا كيف يواجه المسلم المؤمن الصادق الإيمان كل نوع أو كل عدو من هذه الأعداء؛ الهوى النفسي والغرائز النفسية
هذه أمور داخلية في داخل النفس، الله تعالى قال لنا. وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، يعني يجد مقام ربه أمامه، أن الله تعالى يعلم كل صغيرة وكبيرة، في النظرة التي تنظر بها العين، وفي الكلمة التي ينطق بها اللسان، وفي الحركة التي تتحرك بها اليد، فإذا أرادت الأهواء النفسية أن تستعين بأي جارحة من هذه. الجوارح وكان هو يخاف مقام ربه فإنه ينجح في هذا الجهاد ويصد هذه الأهواء النفسية. طيب ماذا يصنع بالنسبة للشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق والذي توعد الإنسان "ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين" الله عز وجل. بيّن لنا السلاح
الذي يمكن أن نهزم به هذا العدو الشيطان: قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس. أيضاً: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم. إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان. تذكروا، تذكروا من، تذكروا ربهم سبحانه وتعالى، تذكروا الحياة، تذكروا عقابًا. هذا التذكر يأتي من ورائه اليقين فيتوقف عن الاستجابة لهذا الشيطان، ولذلك تذكروا فإذا هم مبصرون. ما معنى مبصرون؟ ليس هو البصر الحسي، وإنما مبصرون بنور القلب الذي يجعلهم يثبتون على صراط الله المستقيم فيثبتهم على الطاعة التي يريد. الشيطان أن يصحبه
منها ويعينه على أن يبتعد عن المعصية التي يريد الشيطان أن يدخله فيها، فهذه البصيرة الإيمانية تأتي من هذا التذكر العميق الذي أشار إليه فضيلة المفتي بالنسبة للآيات الكثيرة التي جاء فيها الحديث عن ذكر الله تعالى: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب". هذا بالنسبة للعدوّ الداخلي - الأهواء والشيطان. أما بالنسبة للعدوّ الخارجي، فقد نضرب مثالاً لعدوّ من هؤلاء الأعداء بالنسبة لأصدقاء السوء. الله تعالى يقول: "ولا تُطِعْ مَنْ أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه"، ولا تُطِعْ ولا تَسِرْ. وعلماً أنّ الأحاديث النبوية كثيرة بالنسبة للجليس الصالح وجليس السوء، والتنفير والإغراء. بالجليس الصالح والتنفير من جليس السوء، وتشبيه هذا ببائع المسك
وهذا بنافخ الكير إلى آخره. كل هذا متى استوعبه الإنسان، متى استوعب الإنسان هذه - يعني نحن كانت لنا دراية وعشنا فترة من الفترات من عمرنا في خدمة القوات المسلحة، وعرفنا الدورات التدريبية، الدورات إما علمية وإما... ميدانية وعرفنا منها كيف نواجه الأمور المحتملة في ميدان القتال، فهذا البرنامج التدريبي المنهجي يتضمن نظرية وتطبيقًا، نظرية مما نعرفه في كتاب الله تعالى ومما نعرفه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم التدريب العملي إنما هو من خلال هذه المواجهات مع هؤلاء الأعداء سواء كانوا أعداء من الداخل أو كانوا
أعداء من الخارج، ومن هنا فإن المؤمن الصادق الإيمان يكون فعلاً في جهاد أكبر لا يُقاس بجانبه الجهاد الأصغر، جهاد الأعداء في ميدان القتال. القتال فقط، هذه هي الحقيقة فضيلة الدكتور. الذي أريد أن آخذه من كلام فضيلتكم وتوضّحها أستاذ دكتور حسن، كيف يعني يصبح جهاد النفس؟ سلوكاً عملياً في حياة المسلم أو في حياة المواطن المصري الذي يتعرض لبعض الاضطرابات النفسية الآن. دكتور حسن، في الحقيقة، على ذكر المواطن المصري في هذه الأيام، ما أحوج المواطنة المصرية وكل مواطن مصري إلى أن يدرب نفسه على جهاد النفس وحملها على الحق في هذه الأيام التي اختلط فيها الحابل. بالنابل وأصبح الكلام فيها أكثر من العمل وكل طرف يظن أنه امتلك الحقيقة وأن
غيره لا يملك شيئًا من الحقيقة، وهذا بالتأكيد يمكن أن يكون ناتجًا عن الغرور، غرور النفس. غرور النفس عندما يغتر الإنسان بعلمه أو يغتر بعقله أو ذكائه أو جهده فإنه يظن أنه امتلك مفاتيح كل شيء. ويصم أذنيه عن الاستماع للآخرين ويعتقد أن ما يراه هو الحق وليس غير ذلك، وهذه من الأمور التي تجر المجتمع إلى ويلات كثيرة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا إياها. صحيح، ولو أننا تأملنا في القرآن الكريم وأيضاً أخذنا طرف الكلام من كلام فضيلة المفتي وكلام أستاذنا الدكتور طه حول القرآن. القرآن الكريم يذكر
لنا في قصص الأنبياء نماذج عالية وأمثلة راقية يجب أن نتعلم منها كيف يكون الصبر وكيف يكون التواضع وكيف يكون الشكر. الأنبياء رسل الله الذين هم بالنسبة لجميع المؤمنين نماذج عليا قدوة، ومثل سيدنا إبراهيم عليه السلام يقص علينا القرآن صبره على الابتلاء، هذا اختبار للنفس في غريزة. هي من نماذج عملية مهمة للمسلمين. طبعاً هذه نماذج عملية في جهاد النفس. هذا امتحان في غريزة من أقوى الغرائز وحب للولد. "إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى". ونجد في النموذج الآخر
إسماعيل عليه السلام قال: "يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين". وهنا يأتي التثبيت الذي أشار إليه أستاذنا الدكتور طه، فلما أسلم وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم، وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، إنا كذلك نجزي المحسنين. فالذي يجاهد نفسه ويحاول أن يلزمها بالحق لا بد أن يأتيه التثبيت من الله وأن يأتيه المدد من السماء، لكن الذي يتبع... نفسه هواها هذا يهلك نفسه وتهلكه نفسه أيضًا. من النماذج العالية التي نجدها في القرآن الكريم سيدنا يوسف عليه السلام وكيف انتصر على هذا الابتلاء العظيم، وهو أيضًا يقاوم شهوة عاتية من أعتى الشهوات التي تهلك كثيرًا من الناس،
فيتعفف ويسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبته ويقول: "رب السجن أحب". إلى ما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصبو إليهن وأكون من الصاغرين، فيثبته الله وينجيه. وأيضاً في موقف النعمة والملك العظيم والقوة الزائدة نجد هذا المثل في سيدنا سليمان عليه السلام، سيدنا سليمان الذي آتاه الله ملكاً لم يكن لأحد من بعده كما قال، وأعتقد أنه لم يكن لأحد. من قبله حيث سخر الله له الجنة والإنس والطير وعلمه منطق الطير ومنطق غير الطير، وعندما يسمع النملة قالت: "يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده
وهم لا يشعرون"، فتبسم ضاحكاً من قولها، وماذا قال؟ وقال: "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي"، وعندما جاءه العرش. ملكة سبأ أيضاً لم يغتر بهذا المُلك ولم يغتر بهذا السلطان العظيم. قال: هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر. ونستمر فنجد في سير الأنبياء والمرسلين سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام كيف يتواضع لمعلمه العبد الصالح وكيف يجتهد في طلب العلم، ونتعلم من هذا الحوار الراقي الذي يَسرُدُ علينا القرآنُ كيف يكونُ طالبُ العلمِ
مؤدّباً مع مُعلّمِه، وقِسْ على هذا الصغيرَ مع الكبيرِ، والمبتدئَ مع مَن له خبرةٌ، وهذه أمورٌ يجبُ أن نقفَ عندَها ونتأمّلَها ونتعلّمَ منها. أيضاً سيّدُ الخلقِ عليه الصلاةُ والسلامُ، سيّدُنا محمدٌ عليه الصلاةُ والسلامُ، وهو الذي جاهدَ طوالَ عمرِهِ الجهادَ الأكبرَ والجهادَ الأصغرَ. حياة سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام كلها جهاد وكلها ابتلاءات صعبة. الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُبتلَ أحد من الناس بشيء إلا وابتلي الرسول صلى الله عليه وسلم بأشد منه. الرسول ابتلي بتكذيب قومه وإخراجهم إياه من مكة وتعذيب أصحابه وإشاعة أقوال السوء
في عرضه والوقوف له ولدعوته بكل. مرصد ومحاولة إطفاء نور الله بكل وسيلة وحمل السلاح من أجل القضاء عليه وعلى أصحابه، ولو تأملنا في غزوات الرسول نجد أن أول الغزوات بدر وأُحد، الاثنتان في المدينة، نعم، والرسول عليه الصلاة والسلام في موقف الدفاع، وتستمر هذه الحياة الطويلة العريضة من الجهاد والإخلاص والصبر. وينتصر الرسول صلى الله عليه وسلم في النهاية ويدخل مكة ظافراً منتصراً فاتحاً، وهنا الدرس. نعم، يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة مطأطئاً رأسه، يقولون حتى أن لحيته كانت تلامس ظهر
الناقة، ويأتيه قومه الذين ناصبوه العداء طوال عمره، ويقول: "ما تظنون أني فاعل بكم؟" فيشهدون له بما كانوا. ينكرونه منذ قليل ويقولون أخ كريم وابن أخ كريم فيقول اذهبوا فأنتم طلقاء. وفي حياة الصحابة أمثلة كثيرة لجهاد النفس. في حياة سيدنا عمر رضي الله عنه كيف ترفع عمر عن متاع الدنيا، وكيف ضرب نموذجًا فريدًا في العدل، وكيف كان زاهدًا في متاع الدنيا، وهو الذي أتته كنوز كسرى. ولم يُطغِه شيءٌ من هذا ولم
يُنسِه شيءٌ من هذا واجبَه وإيمانَه وعدلَه وقيامَه على أمر رعيتِه بما يجب، وغيرُ سيدنا عمر كلُّ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، حتى هناك نماذجُ كثيرةٌ في سلفنا الصالحِ من التابعين ومن علماءِ هذه الأمةِ المخلصين، والخيرُ في هذه الأمةِ إلى أن. تقوم الساعة إن شاء الله، الكل في حالة استنفار ويُداوم على مجاهدة النفس. والختام في عجالة مع فضيلة المفتي، يعني درسًا نختم به أو نصيحة للأمة وللمشاهدين الكرام عن الاستمرار في مداومة كبح جماح النفس. النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل". وكان يحب دائماً الزيادة في العمل ومنه الجهاد النفسي، وكان صلى الله عليه وسلم تصفه
عائشة رضي الله تعالى عنها فتقول: كان عمله دوماً، نعم، يعني مستديماً، لا يدخل في عمل ثم يتركه حتى يصير هذا العمل ملكة، والملكة كيفية راسخة في النفس، فحتى يتحول الأمر من عمل إلى ملكة. وهذا يعني نقل المسائل من كثرة الكلام التي نشكو منها إلى واقع السجية والطبيعة والعمل، والملَكة التي لا يستطيع الإنسان التخلص منها بعد ذلك. فهذه هي النصيحة التي نتوجه بها إلى إخواننا وننصحهم بنصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعملوا واستديموا في العمل، اطلبوا ديمومة العمل واجعلوا عملكم دائمًا.
دائماً وأحب الأعمال إلى الله كما تفضلت فضيلتكم أدومها وإن قل. أشكر ضيوفي الكرام، وكنا نتحدث عن جهاد النفس في هذه الحلقة. فضيلة مفتي الديار المصرية العلامة الأستاذ الدكتور علي جمعة، شكراً جزيلاً. أهلاً وسهلاً الأستاذ الدكتور طه أبو كريشة عضو مجمع البحوث الإسلامية، الأستاذ الدكتور حسن عبد السلام الأستاذ. في جامعة الأزهر ندعو الله أن نكون جميعاً من أصحاب النفوس الآمنة المطمئنة، ودائماً نراكم على خير. إلى لقاء في الأسبوع المقبل وحلقة جديدة من "كلمة حق". حتى ذلك الحين نترككم في أمان الله ورعايته. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.