فن الدعاء | حـ #26 | تجويد الدعاء | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد مع فن الدعاء. مرة دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المسجد. فإذ بأحدهم يقرأ فقال لمن معه من الصحابة أتراه مرائيًا، فسكت الصحابي وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد
إخباره بأن هذا الإنسان مرائي، لكن النبي لم يقصد هذا، وإنما هذا الذي قصده الصحابي في نفسه. الرجل كان جميل الصوت عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، فلما أنهى تلاوته قال: "اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي
إذا دُعي به أجاب". ثم أتى في اليوم الثاني فوجد الرجل وهو يصلي بصوت رخيم جميل وبصوت يسمعه الناس في جانب المسجد، فقال له: "هذا صاحبك الأشعري". قال له: "يا رسول الله، أهو مرائي من أجل الكلمة التي تراه مرائياً التي تكلم بها الرسول أمس؟" قال: "لا، بل هو عبد منيب، بل هو عبد منيب". صحح
له ما فهمه خطأً من رسول الله. الله أمس قال إن صاحبك الأشعري هذا قد أوتي مزماراً من مزامير آل داود. سيدنا داود كان جميل الصوت جداً حتى أن ما أوحى الله إليه كان مجموعة من الأدعية والتوسلات والمناجاة سُميت بالمزامير، وهذه المزامير كان يجودها داود تجويداً حسناً. فنأخذ من هذا أن الله سبحانه وتعالى يحب التجويد. الدعاء ولذلك عندما قلنا إنه يُكره السجع في الدعاء، قلنا ولكن إذا وجدت قلبك فيما قد صاغه أولياء الله الصالحون ممن لا يتكلف، فالمكروه هو التكلف.
المكروه أن تقرأ القرآن بتكلف، ولكن إذا قرأت القرآن بلا تكلف كما يقول ابن الجزري في شأن التجويد أن يكون بلا تكلف، يعني... لا تحاول إخراج مخارج الحروف أن تكون متكلفة فيشعر السامع بعدم الرضا، ولكن نحتاج إلى عدم التكلف في الدعاء. هذا هو هذا، أوتي مزمارًا من مزامير آل داود، مزمار داود. هذا كان بحسن الصوت، فحسن الصوت هو جزء لا يتجزأ من استجابة الدعاء. ونحن
نقرأ السنة أو القرآن نقرأهما جملة. إن الصوت الحسن يحبه الله ورسوله، فإن الله جميل يحب الجمال، ولكن لا يعني هذا أن من لم يُؤتَ بصوت حسن أنه لا يُقبل دعاؤه أبداً، وإنما هذا من المبشرات ومن نِعَم الله سبحانه وتعالى عليه، فإن الله كما أخبرنا رسول الله أن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى ما في قلوبكم، لكن لما جاء عبد الله بن زيد وقد رأى في المنام قصة الأذان، قال:
"علّمه بلالاً فإنه أندى منك صوتاً"، وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤذنين بلال، ومن المؤذنين رجل كان من قبيلة صداء، أن أخا صداء قد أذّن ومن... إذن فهو يقيم، ومن المؤذنين ابن أم مكتوم، ومن المؤذنين أبو محذورة في مكة، فهؤلاء هم الذين أذنوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اختارهم لحسن أصواتهم، فالدعوة إلى الله تحتاج إلى كفاءات، ولكن إذا الإنسان أربع على نفسه كما قال رسول الله: "اربعوا على أنفسكم"، فخاطب الله. بطريقة فيها أدب وسكينة وضراعة
كان هذا الصوت مرضياً عنه من الله حتى أنه في القراءة الشاذة أخذ بعضهم منها وهي تقول يزيد في الحلق ما يشاء حسن الصوت في حين أن القراءة الصحيحة يزيد في الخلق ما يشاء لكن قراءة شاذة وردت بالأحد يقول يزيد في الحلق ما يشاء يعني الصوت الحسن والله يحب الصوت الحسن، في المقابل لا يحب هذه الطريقة في الأداء التي تعد طريقة سوقية، طريقة ليست مهذبة، في قوله في نصيحة لقمان لابنه: "واغضض
من صوتك"، ثم يقول له: "إن أنكر الأصوات لصوت الحمير" لأن صوت الحمير ليس فيه تناسق، والله سبحانه وتعالى خلق الكائنات. في هذا الكون على التناسق نأخذ من هذا كله أن الدعاء ينبغي ألا يكون متناقضاً بعضه مع بعض، أوله ينقض آخره وكأن الداعي محتار، بل اعزم أمرك ولا تكن متردداً في دعائك، فإن العزم أحد أركان استجابة الدعاء والإسراع في هذه الاستجابة. كل هذا يمكن أن نقف عنده وقفات، ولكن... الذي يهمنا هو اسم
الله الأعظم واختلف العلماء وأخفى الله سبحانه وتعالى اسمه الأعظم في سائر أسمائه الحسنى في الكتاب والسنة. الاسم الأعظم إذا دُعيَ به الله أجاب من مؤمن أو من غير مؤمن، يعني كان هناك ارتباط عضوي، كان هناك ارتباطاً عضوياً بين اسم الله الأعظم وبين الإجابة، ولذلك. جلس كثير من المسلمين من أجل البحث عن هذا الاسم الأعظم حتى يدعو الله به في مجاميع نشير إلى بعضها في لقاءاتنا القابلة. إلى لقاء آخر، استودعكم الله، والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.