وصايا الرسول | حـ 25 | أ.د علي جمعة

وصايا الرسول | حـ 25 | أ.د علي جمعة - سيدنا محمد, وصايا الرسول
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مع حلقة جديدة من وصايا الرسول أرحب بكم، ونقول بسم الله الرحمن الرحيم، عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير اليوم.
نعيش مع أبي ذر رضي الله تعالى عنه، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستفتحون أرضاً يُذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً". يعني بالقيراط أن أهل مصر يسمون أعيادهم وكل مجمع لهم القيراط، يقولون: "نشهد القيراط". أخرجه ابن... حبان وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بتلك الأرض التي
يُذكر فيها القيراط كمقياس للمساحة، فإن لهم ذمة ورحماً. فلما بحث الصحابة أي البلاد هذه، هل الشام؟ هل العراقان؟ والعراقان يعني العراق وإيران الآن، هل اليمن يُذكر فيها القيراط؟ لم يجدوا. إلا أهل مصر هم الذين يستعملون هذه المقاييس، فعندهم أرض زراعية ضخمة اختل فرعون في فهمها. قال: "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟" يعني اختل من كثرة الخضرة الموجودة في مصر. أهل
مصر منذ القديم يقسمون مساحات أراضيهم إلى ما يسمى بالفدان، وهو وحدة كبيرة تساوي أربعة. آلاف ومائتا متر مربع هذا الفدان يقسمونه أربعة وعشرين قيراطاً. ها ذُكِرَ القيراط. قيراطٌ في الشام كانوا يتحدثون عن الدونم وعن الهكتار، والهكتار ألف متر، ولكن الفدان أربعة آلاف ومائتا متر. فإذا الفدان أربعة وعشرين قيراطاً، ومعنى هذه الكلمة في استعمالات العامة يقولون لك: "والله هذه أربعة وعشرون قيراطاً" يعني... تامة
كاملة أي هذا هذه القراريط عندما ضُمَّ بعضها إلى بعض كوَّنت الوحدة الكبيرة التامة التي هي الفدان، أربعة وعشرين قيراطاً. بعد ذلك، القيراط مائة وخمسة وسبعون متراً. القيراط قصب أربعة وعشرين سهماً، أي إذا المائة وخمسة وسبعون متراً تقع في أربعة وعشرين سهماً، أربعة وعشرين سهماً يعني كان السهم... سيساوي حينئذ سبعة أمتار وقليلاً (حوالي ثمانية أمتار)، فثمانية في أربعة وعشرين تساوي مائة واثنين وتسعين. يعني إذا كانت
سبعة أمتار، فسبعة أمتار هذه تعني سبعة أمتار مربعة تساوي السهم. عندما دخل الصحابة مصر، وكثير منهم دخلها، وجدوا أهلها يتعاملون بهذه الكلمة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي كلمة. قيراط وبدأ الصحابة الكرام يتنبهون إلى شيء لم يلتفت إليه كثيرون لكنهم وجدوه صحيحاً. أولاً وجدوا أن مصر قد ذُكرت في القرآن بأنواع مختلفة من الذكر، فذُكرت باسمها الصريح، وذُكرت أيضاً بالإشارة إليها، وذُكرت بالكناية،
وذُكرت بأماكن فيها حلّها الأنبياء، وذُكرت بالإشارة، وذُكرت بالضمير الذي يرجع إليها، فتنبهوا. وذُكرت بالاسم الموصول وبدأ... الناس في التأليف وفي الجمع لِمَ ذُكِرت مصر كل هذا الذكر في القرآن الكريم ولماذا اختُصَّت من دون البلاد بهذا الذكر مكة التي هي قبلة العالمين والتي هي سرة العالم والتي هي مدينة الكعبة المشرفة والتي هي محل نظر الله سبحانه وتعالى والتي هي مولد النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم ذُكِرت التي ببكة
مباركة وهدى للعالمين، فذُكِرت مرة أو مرتين فقط وبهذه الكيفية يثرب ذُكِرت مرة، لكن مصر لماذا ذُكِرت بهذا العدد الكبير؟ ذُكِرت باسمها أربع مرات ومنوَّنة مرة "اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم"، ثم أكثر من ثلاثين مرة، وقيل بل ثمانين مرة بهذا الموصوف. والضمير والإشارة وهكذا فوجدوا أن مصر بلد خير والنبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بأن نستوصي بأهلها خيراً ثم ينبهنا إلى أن بيننا وبينهم كما يقول ذمة ورحم، فما
الذمة وما الرحم بيننا وبين مصر؟ رحم هي هاجر، وذمة هي مارية القبطية. المقوقس عظيم الروم وكان يمتلك الإسكندرية لما أرسل. أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي بكتاب يدعوه فيه إلى الإسلام، فأرسل إليه هدية، أرسل إليه مسرتين، وأرسل إليه مارية، وأرسل إليه بغلاً اسمه دلدل، وأرسل إليه عسلاً من بنها، ولذلك تسمى إلى الآن بنها العسل أو بنها العسل والنسبة إليه بنهاوي. أرسل إليه هذه الهدية عندما عُرض عليه الإسلام.
على البنتين فأسلمت مارية ولم تُسلم نسرين فأعطاها إلى أحد الصحابة الكرام، وكان يستعمل هذا البغل. وقَبِلَ الهدية من المقوقس. ماريا أنجبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم، ومات صغيراً وبكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك". يا إبراهيم إنّا لمحزونون، ولكنه يعني صبراً لأنه محكوم ألا يبقى له ولد، لأن أبناء الأنبياء عادة ما يكونون من الأنبياء، والنبي خاتم النبيين، فلم يكن له ولد
ذكر. النبي بيننا وبين أهل مصر نسب وصهر، صهراً ونسباً. الصهر متمثل في مارية، أما النسب فهاجر هي أميرة مصرية من الصعيد. تزوجها إبراهيم عليه السلام وأنجب منها سيدنا إسماعيل، وسيدنا إسماعيل هو أبو العرب وهو الذي كان إماماً وأباً لكل القبائل العربية المستعربة التي أتت من بعده. إذاً فلنا مع مصر وقفات ووقفات من وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوصى بأهلها خيراً، والله وصفها
بالخيرية، ونوح عليه السلام قال لحفيده وقد آمن به ونصره قال: "اللهم أسكنه خير البلاد أو أم البلاد وغوث العباد"، فسكن مصر، فكانت مصر أم الدنيا. السلام عليكم ورحمة الله.