وصايا الرسول | حـ 26 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة من وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. مع وصايا الرسول نشعر بأن رسول الله. صلى الله عليه وسلم يحبنا ونشعر أنه دائماً، جزاه
الله عنا خير ما جازى نبياً عن أمته، وصلى الله عليه وسلم ورزقه الفردوس الأعلى وآتاه الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة يوم القيامة. نراه دائماً يقدم لنا مفاتيح الخير، يلخص لنا الأمر كله، ورأينا كيف أنه أوصى بأهل مصر، لكن هذه... الوصية كانت وصية متكررة وليست وصية واحدة سمعها أناس كثيرون من الصحابة الكرام فجاءوا إلى مصر ومنهم من أقام في مصر من أجل سماعه هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أتى مصر كثير
من الصحابة واستقر بها واشتهر فيها أكثر من ثمانين صحابياً حتى نُسبوا إلى مصر. ألّف الإمام السيوطي رحمه الله تعالى كتاب "در السحابة فيمن نزل مصر من الصحابة"، جمع فيه أكثر من ثمانين من الصحابة الكرام لازموا مصر، جلسوا في مصر، استوطنوا مصراً. ولما استوطنوا مصر رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، كانوا بخلاف من أتى مصر ثم خرج منها مرة أخرى، وكانوا بخلاف من أتوا. مصر للدفاع عن الحق، نحن لدينا شهداء في منطقتين كبيرتين في مصر: الأولى في البهنسة،
والبهنسة مليئة بشهداء الصحابة الكرام وهم يحررون الصعيد لأهل مصر من أيدي الرومان، وهناك الشهداء، والشهداء قرية من قرى المنوفية، وهذه الأماكن كانت فيها معارك بذل فيها الصحابة الكرام أرواحهم في سبيل الله سبحانه وتعالى. الصحابة الكرام عندما دخلوا مصر وأقام فيها أكثر من ثمانين صحابياً تزوجوا من أهل مصر وظلوا يراعون وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل مصر. عن عمرو بن حريث، وعمرو بن حريث كان من التابعين
وهو هنا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عمرو بن... حُرَيث رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم ستقدمون على قوم جُعد رؤوسهم، فاستوصوا بهم فإنه قوة لكم وبلاغ إلى عدوكم". وهذا نسميه بالحديث المرسل حيث أن عمرو بن حريث لم يلقَ رسول الله ولم يسمع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. مباشرة ولكن
سمعه من أحد الصحابة الكرام عن رسول الله، هو لم يذكر لنا ذلك الصحابي، وسبب ذلك أو بعض أسباب عدم ذكر الصحابي أنه يريد أن يستدل مباشرة بمقولة رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقلها لمن بعده، ومن هذه الأسباب أنه سمع هذا من الصحابة كثيراً فلم يلتفت. إلى أن يقول حدثني فلان وفلان وفلان وفلان وفلان، بل إنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت هذه المقولة معروفة مشهورة منتشرة عن الصحابة، حيث سمعوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. كل الصحابة عدول، ولذلك فعدم علمنا بالصحابي الراوي لا يضر درجة
هذا الحديث عند. المحدثين الذين أفنوا حياتهم في التوثيق عن عمرو بن حريث مرسلاً قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم ستقدمون على قوم جعد رؤوسهم" يعني شعرهم ليس منسدلاً، شعرهم الذي نسميه في عامية المصريين "أكرت". الشعر الأكرت هو الشعر الجاف، فأنتم ستأتون لقوم شعورهم جعدة. رأسهم والأجدر هو الجاف فاستوصوا بهم فإنه قوة لكم وبلاغ
إلى عدوكم بإذن الله يعني نفس عمرو بن حريث وهو يفسر قال فإنهم قوة لكم أهل مصر في رباط إلى يوم القيامة أهل مصر هم خير أجناد الأرض وهذا ليس فقط رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقوم هذا أو ذاك من جماعات الإرهاب بتخلف عقلي واضح فينكر الرواية الصحيحة عن رسول الله، لا بل إن التاريخ يثبت كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظلت مصر حصينة ضد كل عدوان خارجي، وظلت
مصر هي التي يذوب فيها من اعتدى عليها وهي لا تذوب في شيء. هذا، ظلت مصر قائمة بنفسها، نضرب لذلك الأمثال لمن لا يفقهون. مصر هي التي صدت المغول، مصر هي التي صدت الصليبيين، مصر هي التي لم يستطع الفرنسيون، وقد جاءوا بخطة محكمة وبجيوش جرارة، أن يبقوا فيها إلا ثلاث سنوات، سنة منهم فر بعدها نابليون، والسنة الأخرى قُتل كليبر على يد. سليمان الحلبي والسنة الثالثة أسلم عبد الله مينو فتزوج زبيدة بنت البكري. هل رأيتم في العالم
بلاداً عبر التاريخ مثل هؤلاء؟ هل استطاع هؤلاء أن يبيضوا المصريين أبداً؟ لم يحدث! وذهب الفرنسيون وجاء الإنجليز، وجاء فيهم شخص كان اسمه دلب، وهذا دلب غيَّر لغة التعليم في مصر حتى تتحول إلى... الإنجليزية وظل هكذا نحو اثني عشر سنة ومستشار وزارة التربية والتعليم التي كانت تسمى بالمعارف قديمًا يغير لغة التعليم من أول سنة إلى آخر سنة، اللغة التي بذل فيها محمد علي باشا في بناء مصر الحديثة ما بذل باللغة العربية. كنا ندرس الطب بالعربية، ندرس الهندسة بالعربية، كان رفاعة الطهطاوي. يترجم كل منتجات العلم في
العالم إلى اللغة العربية، فجاء دلب وفعل هذا ففشل وأغلق هذا المشروع بعد اثني عشر سنة من تلك المحاولات، وخرجت مصر سالمة مما أصاب كثيراً من بلاد الناس في الفرنكونية وفي الإنجليزية في الهند مثلاً وغيرها من البلدان. حافظت مصر على هويتها، هوية الحضارة. الإسلامية وهوية اللغة العربية لأنها خير أجناد الأرقاء آخر استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته