وصايا الرسول | حـ 28 | أ.د علي جمعة

وصايا الرسول | حـ 28 | أ.د علي جمعة - سيدنا محمد, وصايا الرسول
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. اليوم نعيش مع صحابي مصري سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمدح أهل مصر
ويمدح هذه البلاد التي سُمِّيَت بعد ذلك بأم الدنيا وسُمِّيَت بعد ذلك بالمحروسة لأن الله يحرسها من الفتن. مصر عبر التاريخ لم تحدث فيها حرب أهلية. مصر منبسطة تستقبل ضيوفها وتعاملهم كأنهم من أبنائها. مصر يروي لنا عمرو بن الحمق. رضي الله تعالى عنه وأرضاه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتنة أسلم الناس فيها الجند الغربي، فلذلك
قدمت مصر". رواه الحاكم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ستكون فتنة، نعم وقد كانت. كانت هناك فتنة في مقتل... عثمان وكانت هناك فتنة فقُتل علي وخرجت الخوارج، وكانت هناك فتنة بين الدولة الأموية والدولة العباسية، وكانت هناك فتنة بين الدولة العباسية وبين المماليك الذين ظهروا من الديالمة ومن غيرهم في الدولة العباسية، كلام يطول. كانت هناك فتنة ولا
يزال الجيش المصري يحافظ على البعد عن الفتنة عبر التاريخ، لكن... عندما أطبق الهمُّ وهجم الصليبيون، انكسروا في المنصورة التي نصر الله فيها الجيش المصري على أعدائه. ولكن عندما أطبق الهمُّ وجاءنا المغول، انكسروا على يد قطز وعلى يد بيبرس الذين تربوا في المدارس الداخلية المصرية التي كانت تسمى عبر التاريخ بالطباق. المدارس الداخلية كانت تأخذ الطفل فتعلمه فنون القتال وتعلمه. الدين وتعلُّمه، واللغات وتعلُّمها، والآداب وتعلُّمها، فخرجت هذه الطائفة التي دافعت عن الإسلام في العالم. لم
نرَ أمةً قط كأمة المصريين الذين قدّموا الكفاءة على كل اعتبار. لم يكن هناك عبر التاريخ ولا في أي مكان ما يُسمّى بدولة المماليك. دولة المماليك عبيدٌ أرقاء، لكنهم أصحاب كفاءة فتولّوا الحكم. جاء سلطان العلماء العز بن عبد السلام رضي الله تعالى عنه، ورأى أنهم لا بد أن يُباعوا أولاً، فباع المماليك، باع الحكام، ولكنه أقرهم على حكمهم، لم ينازعهم الحكم؛ لأن المصريين فهموا النص، فهموا "يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء"، فهموا قول النبي صلى
الله عليه وسلم إن... هذا الأمر لا نوليه لمن يطلبه. فهموا أنه عليك بالسمع والطاعة ولو كان عبداً حبشياً رأسه كزبيبة. ولذلك تولى الإخشيد الدولة الإخشيدية، وتولى ابن طولون حكم مصر. لماذا يقبلون هذا؟ لأنهم يعرفون معنى الدين، ولأنهم يعرفون. هكذا نقرأ التاريخ. غيرنا يقرؤه وهو متشوق وعنده شوق لأن يتولى الحكم، وعندما تولى. الحكم اصطدم بحائط القدر لأنه ليس من رجال الدول. النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصف الجند الغربي وسمى جند مصر بالجند الغربي
لأنه غرب المدينة المنورة. النبي وهو يتكلم مع أصحابه في المدينة المنورة كانت مصر في جهة الغرب، الشمال بيت المقدس، الجنوب مكة المكرمة، وعلى الغربي مصر فالجند. الغربي هو أهل مصر. الجند الغربي هم جند مصر، ولذلك فعمر بن الحمق يقول: "إنني أتيت مصر من أجل أنني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر مصر ويذكر سلامتها من الفتنة". مصر لم تجد فيها فتنة، لم تقم فيها حرب أهلية أبداً عبر التاريخ. مصر كانت دائماً تحت الراية. ونهى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم عن أن نقاتل تحت راية عمية يعني لا نعرف من الذي نقاتله وتحت أي راية نحزب بعضنا ضد بعض. كان سيدنا عمر يقول: "أفيضوا بينكم مجالسكم". فهذا التحزب الذي رأيناه في بلاد أخرى والذي وقعت بلاد أخرى في الفتنة بموجبه، والفتنة أشد. من القتل والفتنة تسيل الدماء الزكية الطاهرة على الأرض، ولكن ماذا كان من شأن مصر؟ مصر صبر أهلها، ومصر التف أهلها حول راية واحدة، وكان المصريون - والحمد لله - أكرم الناس. كان عمرو بن الحمق يقول: "إنني أتيت مصر
من أجل أنني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر..." هذا الحديث يخبر أنه ستكون فتنة أسلم الناس فيها الجند الغربي، وكلمة "أسلم الناس" تقتضي - وهي أفعل المشاركة - أي أنه يمكن أن تحدث فتنة ولكنها ستكون فتنة منتهية، ستكون فتنة ويستطيع المصريون أن يرجعوا مرة أخرى. وهذا المكان لو تأملناه على واقعنا الحاضر لوجدنا مصر قد أحيطت بالبلاء كله من قتل وقتال. في كل مكان في غربها وفي جنوبها في شرقها
وفي شمالها قتال في كل مكان، وهذا ما لا نرجوه لبلاد العرب ولا لبلاد المسلمين، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يدرأ هذه الفتنة العمياء الصماء التي شملت هذه البلاد، وأن يهدئ البال، وأن يصلح الحال، وأن يجمع الكلمة، وأن يجمع القلوب. لأن القلوب لا بد أن تتفرغ لعبادة الله ولا بد أن تتفرغ لبناء الحضارة وليس للنزاع والقتال والدماء، ولكن في النهاية نجد مصر من أكثر الدول حفاظاً على نفسها وأكثرها هدوءاً، ويحاول الإرهابيون في كل مكان أن يثيروا الفتن
وأن يوقعوا بين أهلها، فإذا بأهلها يتحدون أكثر وأكثر. صدقت يا سيدي عمرو بن الحمق وصدقت يا رسول الله، هكذا كان الجند الغربي أبعد الناس من الفتن وأسلم الناس في الفتنة. مولاي صلِّ وسلم دائماً أبداً على حبيبك خير الخلق كلهم. اللهم صلِّ وسلم دائماً أبداً على حبيبك خير الخلق كله.
اللهم صلِّ وسلم دائمًا أبدًا على حبيبك خير الخلق كلهم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.