أرفض الزواج وأمي تصر فهل هذا عقوق؟ | أ.د علي جمعة

أنا بنت عندي ثلاثين سنة ولا أريد أن أتزوج حتى أحقق آمالي وأمي ترفض ذلك، فمن الذي على صواب أنا أم أمي؟ الشريعة لا تمنعك أصلاً أن لا تتزوجي، إن شاء الله إذا لم تتزوجي فأنت حرة، وهي ليس لديها رغبة في الزواج طبعاً لكي تسكت. تسألها أمها: "ماذا الآن أو الآن أو بعد ذلك؟"، وفيما يتعلق بتأثير العزوبة والعلم على
الزواج، يعني أن هناك من كان عازباً من العلماء من الرجال والنساء، وأثّر العلم على زواجهم. السيدة الفاضلة شيخة الإسلام كريمة الدمشقية، وعندما كنا نقرأ البخاري في الأزهر الشريف، كيف يتصل سندنا؟ يعني لكي نصل. للبخاري يجب أن تظهر في كريمة الدمشقية، يجب كريمة الدمشقية. كريمة الدمشقية لم تتزوج، وماذا يعني تفرغت للعلم؟ حسناً، لكن هناك غيرها من العالمات الفاضلات الفضليات تزوجن. لكن مثلاً يعني كريمة لم تتزوج،
فعندنا أمثلة لهذا: الإمام النووي من الرجال لم يتزوج أبداً وآثر العلم على الزواج، ليس له. شيء في الزواج وكان يصوم الدهر في الروضة يقول إن في صيام الدهر اثني عشر قولاً لأجل إخواننا الذين هم الشافعية ليكون عندهم خبر، لأن هناك نهياً عن صيام الدهر. قال: لا، هذا النهي فيه اثني عشر قولاً للعلماء، اثني عشر مذهباً أو اثني عشر حالاً، فالإمام النووي كان يصوم الدهر أبداً كل يوم صائم، وكان الإمام النووي هذا أعجوبة زمانه، كان يقرأ اثني عشر علماً في اليوم، اثني عشر درساً يعني، وظل
سنتين لا ينام على جنبه. ما هذا؟ ما هذا؟ سنتين لا ينام على جنبه رضي الله تعالى عنه وأرضاه. يذاكر، يذاكر، ذاكر، يذاكر، يضبط. ولم تكن هناك أية ثغرة كما نقول في لغتنا العامة تمر عليه، فذهب وألَّف كتاباً ضبط فيه أسماء الرواة وضبط فيه الكلام الوارد في الحديث وضبط فيه أموراً أخرى، وسماه "تهذيب الأسماء واللغات"، مجلدين كبيرين هكذا. كان "تهذيب الأسماء واللغات" هذا في الماضي مجلدين، أما الآن عندما قاموا بطباعته أصبح أربعة. هل أخذت انتباهك أنه عندما طبعوه بتنسيق وهكذا خرج في أربعة مجلدات،
لكننا في أيامنا كان مجلدين "تهذيب الأسماء واللغات". هذا الشخص اسمه "أبي" أم اسمه "أبي"؟ سيضبطها لك ويخبرك عنها. هذه الكلمة "خُلوف" أم "خَلوف"؟ لا، "خُلوف في فم الصائم" أم "خَلوف في فم الصائم"؟ نعم. يذهب ليرتبها لك ويقول لك كل شيء وارد في الآية، شريعتنا هكذا في القرآن، في السنة، في الفقه، وغير ذلك، يرتب لك الأمور. إنه رجل دقيق، مضى عليه سنتان يا إخواننا، سنتان وهو عندما يأتي ليدرس، يدرس هكذا والكتاب أمامه، يجلس يحسبها حساباً دقيقاً، ثم كيف ينام بعد ذلك؟ كيف ينام؟ هكذا هو ينام وهو جالس، ما هذا المجهود
الفظيع! فالآخر مات وهو في الخامسة والأربعين من عمره، خمسة وأربعين سنة. كان شخص يُدعى علاء الدين العطار يخدمه، خادم الإمام النووي، فذهب وألّف سيرة موجزة في ترجمة الإمام النووي فقال: كان يصوم الدهر كله، حسناً، فعلى ماذا يفطر إذن على... قرص إما سادة أو بعجوة، قرص كهذا تصنعه له أمه. في قرية "نوى" أم سيدنا الإمام النووي. سُمي النووي لأنه من قرية تبعد ستين كيلومتراً من دمشق اسمها "نوى"، فالنسبة إليها "نووي". كان كل شهرين يذهب ليزور أباه
وأمه، يقطع الستين كيلومتراً ويمكث عندهم. يومين أو ثلاثة ويعود مرة أخرى إلى بر الوالدين، ولكن يأخذ الحقيبة، ماهي هذه الحقيبة؟ إنها حقيبة صغيرة فيها رغيف، فيقوم يأكل من هذا الرغيف، نعم، وبعد ذلك ماذا؟ وبقية الطعام؟ لا توجد بقية طعام، حياته تعتمد على هذا الرغيف، لماذا؟ ألم يكن يعمل مدرساً كبيراً، أستاذاً كبيراً في دار الحديث؟ يشتري له شيئاً من الفاكهة، قال: لا، لم يكن يأكل فاكهة أبداً. لماذا؟ أهي حرام؟ قال: لا، ليست حراماً، إنما هو شك في أنها
موقوفة، يعني فاكهة الشام موقوفة، فقال: أتنزه عنها أفضل. لم يأكلها. ما هذا! ما هذا! هذا الرجل عندما مات في القرن السابع الهجري، نحن نتحدث عنه الآن، لماذا؟ لأنه أخلص النية لله، إن لله عباداً فطناء طلّقوا الدنيا وخافوا الفتن، نظروا فلما رأوها أنها لم تكن قبل لحي وطناً، جعلوها لجّة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفناً. هذا الكلام يورده الإمام النووي في رياض الصالحين. في البداية وجدت خيراً يا نوى، ووقيت من ألم النوى، فلقد نشأ بك عالم لله. أُخلص
ما نوى وعلى علاه وفضله فضل الحبوب على النوى. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.