أُناسا يدعون مذهب السلف الصالح لكنهم ينتقدون الإمام الشافعي ويرفضون المذهبية ، فمن هم السلف ..

يسأل أحدهم أن أناساً يدّعون مذهب السلف الصالح لكنهم ينتقدون الإمام الشافعي ويرفضون المذهبية، فمن هم السلف؟ وهل هناك مذهب اسمه مذهب السلفية؟ الحقيقة أن السلف فترة زمنية وليس مذهباً لا فقهياً ولا عقدياً، إنما هي فترة زمنية طيبة كثر فيها الإيمان وكثر فيها العمل الصالح وكان
الناس من الله. عليهم فيها بالثبات وبالإيمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وقال صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور". فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا، لكن مما أرشدنا إليه أيضاً أنه لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة، ومن هنا قال العلماء: الخير في أمة محمد إلى
يوم القيامة. أما أن هناك مذهباً فقهياً أو عقدياً يسمى بالسلفية فلا يوجد، السلف الصالح كانوا فاهمين للكتاب والسنة، كانوا علماء أتقياء أنقياء، وكانوا مدركين للغة. العرب وكانوا مطلعين اطلاعا دقيقا على سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسانيدها فجمعوا أدوات العلم ومنهم الإمام أبو حنيفة وقد
مات سنة مائة وخمسين من الهجرة ومنهم الإمام مالك إمام أهل المدينة ومات سنة مائة أربعة وسبعين من الهجرة ومنهم الإمام الشافعي ومات في سنة مائتين وأربعة من الهجرة فلم يتجاوز هؤلاء الأئمة القرون الثلاثة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. الإمام الشافعي كان حافظاً للقرآن وكأنه سطر واحد أمامه. نزل مرة عند الإمام أحمد وكان
يعظمه غاية التعظيم، وتأثرت ابنته من تعظيم أبيها له رضي الله تعالى عنهم أجمعين، فلاحظت عبادته بالليل فوجدت. أنه بعد أن عاد من صلاة العشاء لم يقم الليل، فتحدثت مع أبيها أن هذا الذي تمدحه لم يقم الليل، وقيام الليل كان عندهم يحافظون عليه. "قُمِ الليلَ إلا قليلاً، نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه، ورتل القرآن ترتيلاً"، "ومن الليل فتهجد
به نافلة لك عسى أن يبعثك". ربك مقاماً محموداً يقول: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً. إلى غير ذلك مما ربط القرآن بالليل: إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم. إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر. شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان إلى غير ذلك مما وجهنا الله إليه، فسمعها الإمام الشافعي وهي تتعجب
من شأنه مع أبيها، وقال لها: "يا بنية، كنت مستيقظاً الليل كله أقرأ القرآن وأبحث عن حلِّ معضلات المسلمين ومشكلاتهم"، يعني الرجل لم ينم الليل وكان القرآن كالستر الواحد. أمامه وكان يجريه على قلبه فيختمه مرة في النهار ومرة في الليل، وكنا إذا قرأنا هذا لا نصدقه، كيف هذا يعني يصل الإنسان إلى هذه الدرجة، وكيف يكون، لم نرَ حتى
التقينا بشيخنا الشيخ إسماعيل الهمداني رحمه الله تعالى، وكان الناس يقرؤون حوله، أربعة قراء من الطلبة، هذا يقرأ في الفرقان وهذا يقرأ في آل عمران وهذا يقرأ في جزء عمه وهذا يقرأ في طه ويصحح الجميع وهو جالس في حالة لا يصدقها إلا من يراها، وخطر في بالي ما هذا، هذا بشر؟ أو أنه قال ولم
يخطئ مرة واحدة في الرد، فنظر إليّ وكأنه كاشفني بما أقول في ذهني. وقال والله يا شيخ علي ما نظرت في المصحف منذ أربعين سنة. قلت له: النظر في المصحف عبادة يا مولانا. قال: لكن القرآن لم يغب عني فكأنه سطر أمامي. واختبرني: قل لي كم في القرآن "عزيز رحيم". سأفعل هكذا وسأقول لك: قل كم في القرآن "عزيز حكيم"، كم في القرآن. عليم حكيم اختبرني،
قلت له: "اختبر ماذا يا مولانا؟ اختبر ماذا وماذا لم يختبر؟ أنا مصدقك يا مولانا". وكنت أدخل من الأزهر الشريف وهو يسند ظهره الشريف إلى رواق الأتراك، بيننا هكذا مسافة وكأنها تصل إلى مائة متر، ففكرت وقلت: "يا رب، هذا له تحريرات على الشيخ محمد المتولي الكبير". وهذا أعلى ما وصل إليه متخصص في علمه، فلِمَ ضيقت عليه هذا لأنه كان رقيق الحال في الأرزاق؟ وتجعله هنا
بدلاً من أن تهب له قصراً منيفاً وخدماً وحشماً ودنيا طويلة عريضة. ثم وصلت إليه فقال لي: "أتعلم يا شيخ علي، والله لو رزقني ربنا بثلاثمائة جنيه في الشهر ما أنا..." جالس القاعدة هذه، قلت له: "إلى أين ستذهب؟"، قال لي: "خلاص، سجاد وبساط وقهوة بسكر زيادة"، قلت له: "حسناً، ابق جالساً كما أنت، وسيكون ربنا كريماً معك في الجنة"، قال لي: "نعم، الله لا يحاسبني من شدة ما رأيت في هذه الدنيا"، هذا بالسند
المتصل إلى الأئمة الكرام كانوا. أرسلت أم الشافعي ابنها إلى البادية حتى يتعلم لسان العرب. قام الأصمعي بتصحيح أشعار الهذليين له قائلاً: "اقرأ أشعار الهذليين وتعال لمقابلتي إذا فهمت منها شيئاً". كان الأصمعي إماماً كبيراً في اللغة، لكن الشافعي كان أعلى منه في المعرفة بالقرآن والسنة والأسانيد ولغة العرب وأقوال الناس ممن سبقوهم وبالإجماع ومواطنه وبالملكة الفقهية.
التي مكنت أمثال الشافعي أن يكتب الرسالة في أصول الفقه، كل ذلك هيأهم لأن يكونوا سلفًا صالحًا لنا. عندما نتأمل كلام الشافعي في "الأم" نتعجب: كيف هذا العمق؟ وهل خطر في باله كل هذا العمق؟ كيف هذا؟ هذا لا يأتي إلا عن توفيق، ولذلك تجد أصحاب المذاهب المرعية الشرعية المنقولة. لهم أسانيد، هناك سند للشافعي وسند لمالك وسند لأبي حنيفة وسند لأحمد وسند لجعفر الصادق وسند لزيد بن علي وسند، وهكذا أسانيد
نرويها كابراً عن كابر، فأين سند السلفية؟ يعني لا يوجد شيء اسمه سلفية أصلاً. فأين أيها السلف رويت عن شيخك أيها المبتدع الذي أحدثت في دين الله ما؟ ليس منه الذي خالفت ميراث نبيك وتركته، الذي اعتديت على سلفك الصالح وتكبرت. أين سندك المُدَّعى؟ لا وجود له. جاء بعضهم بسذاجته المعهودة وتفاهته الشائعة وركب سنداً وقال: "هذا سندنا"، فصار أضحوكة بين
العلماء وغير العلماء، فسحبوا هذا الأمر وسكتوا بعد هذه المحاولة التي تشبه محاولات المستشرقين في التلفيق، ولذلك... ديننا موروث وسندنا محفوظ، وفي النهاية الشافعي هو السلف الصالح، ومالك هو السلف الصالح، وأحمد هو السلف الصالح، وغير ذلك لا نعرفه ولم نسمع عنه. وهؤلاء يدّعون الاجتهاد في الفروع ويدّعون التقليد في الأصول، وهو عكس ما عليه الأمة، فالله سبحانه وتعالى قد عكس قلوبهم وجعلهم لا يدركون الواقع ولا.
يدركون النص الشريف