إثبات الصفات بين الأشاعرة وغيرهم | أ.د علي جمعة

يقول: وُلدت وترعرعت - أي كبرت - في الجزائر، نتبع مذهب الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعقيدة الإمام الأشعري. تناقشت مع بعض الأصدقاء الذين يثبتون صفة اليد لله، وعندما رجعت إلى كتاب "الإبانة عن أصول الديانة" صُدمت لأن الإمام أبا الحسن يثبت هذه الصفة. أرجو التوضيح من فضيلتكم. الإمام أبو الحسن ليس له علاقة بهذه المسألة. الإمام أبو الحسن يتبع القرآن ويثبت ما أثبته القرآن، والله تعالى يقول: "بل يداه مبسوطتان"، "لما
خلقت بيدي". خلاص، الله سبحانه وتعالى أثبت لنفسه يداً. ماذا نسمي هذا؟ هذا هو النص، النص هكذا: "بل يداه مبسوطتان"، ولكن هناك تفسير للنص عندنا. ثلاث أمور ذكرناها: النص، وتفسير النص، وتطبيق النص. النص يقول: "ولتُصنَع على عيني". نسب العين لنفسه سبحانه وتعالى، "بل يداه مبسوطتان". لكن الإمام أبو الحسن يقول إن الله سبحانه وتعالى له يد. لكن هذا ما قاله، فأين التفسير إذاً؟ ماذا يعني أن له يداً؟ هل يعني يداً مثل يدك هذه التي لك؟ أنت هذه ليست يدًا
تليق بجلاله سبحانه وتعالى أو لها معنى يليق بجلاله مثل القوة أو مثل الخالقية، فإنه خالق وقوي. وتقول له عليَّ يد، له عليَّ يد، يعني يده عليك هكذا. لا، له عليها يد يعني له عليها نعمة، وهو المنعم سبحانه وتعالى. ما تفسير الكلام؟ نعم، هذا ما نقلناه. الملف تاني، إنما ذلك المشبه المجسم الجاهل بن الجاهل الذي لا يعرف عربية ولا يعرف فرقًا بين النصوص والتفسير، يقول: "لا، أنا فاهم في عقلي أنه يد"، ويصنع لك يده هكذا. قال الإمام مالك:
"فإن فعل قطعت يده". نقول له: حسنًا، تعال، ها أنا أقطع لك يدك، لكن يد الله... ليست هكذا سبحانه وتعالى، وأشار أحدهم أمام الإمام مالك أيضًا، قال أن السماوات والأرض بين إصبعين من أصابع الرحمن وحرك يده هكذا. قال: "مُشبِّه، أرى أن تُقطع أصابعه". يعني طبعًا هو لن يقطع شيئًا، لا، إنه جاهل، وإنما هذا مثل ماذا؟ يعني يحذرنا تحذيرًا شديدًا من هذا الجهل المنتشر. هذا سَفَهٌ من أنواع السَّفَه. فالذي قاله أبو
الحسن في الإبانة يقول أن الله سبحانه وتعالى نثبت له يداً. لماذا؟ لأنها القوة. في كتاب آخر قال إنها القوة وانتهى الأمر. فالنص شيء والتفسير شيء آخر. "أأمنتم من في السماء" الذي هو مَن؟ الذي في السماء هو الله. فجاء ولد. لا يعرف العربية، فقال: "هل الله داخل السماء هكذا، كما نحن في المسجد؟" فقال له: "لا". فقال له: "هل ستنكر القرآن؟ {أأمنتم من في السماء} ها هو". فقال له: "نعم، ولكن كلمة (في) هنا يا جاهل ليس معناها الظرفية بل معناها الفوقية". فقال
له: "جميل، فوق السماء". هكذا يعني جالس هكذا فوق السماء، قال له: ما هو يا جاهل، ربنا منزه عن المكان وعن الزمان، فالفوقية فوقية مكانة لا مكان، وأنت لست منتبهاً. إنهم يجلسون ليزعجوننا، فهو سلسال من الأرض. حسناً، إذا كنت أنت الماحي في جميع النواحي، فما شأنك بهذا الأمر؟ قال. لا، ما أنا أدافع الآن عن الصفات حتى لا نكون معطلين. لست جاهلاً فحسب، بل أنت جاهل بعمق، أنت جاهل من الدرجة الأولى. لكن القرآن هو الذي قال، وليس أبو الحسن ولا شيء آخر. سيدنا أبو الحسن الأشعري ليس هو الذي قال: "أأمنتم من في السماء"، هذا رب العالمين،
الرحمن على... العرش استوى فكيف استوى؟ فقال: استوى يعني استولى. لقد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق، يبقى الاستواء يحدث بالاستيلاء بلا غلبة. طيب ابن الأعرابي يقول أنه الاستيلاء بغلبة، فهل الله غلب الخلق؟ إذاً غلب من وهو القاهر فوق عباده؟ "ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين". والله يخيرهم في أمر مستحيل: "ائتيا طوعاً أو كرهاً"، يعني إن لم تكونوا راغبين فستأتون حتماً. يخاطب
الله من؟ السماوات والأرض، فقالت السماوات والأرض: "أتينا طائعين". لا، دعنا من هذا الحديث، فنحن نعلم أن "الرحمن على العرش استوى"، أي استولى بغلبة أو بغير غلبة، احسبها أنت كما تشاء. أكنتَ حاضراً عندما استوى الرحمن على العرش لترى أبغلبة أم بغير غلبة؟ إنها مسألة مغيظة! ماذا سيحدث لو كان بغلبة؟ وماذا سيحدث لو كان بغير غلبة؟ إن العرش مثل السماوات والأرض، خضع لله وهو أكبر مخلوق في الأرض، أو ربما العرش أدرك أن الله ربما وعده. لا نعرف لكن احتمال يعقل أنه إما أتى ساجداً راكعاً "أتينا
طائعين"، وإما أتى وهو يتبختر قليلاً هكذا ويرى نفسه سيقهر وهو القاهر فوق عباده. أليس العرش هذا من عباده؟ من عباده. "وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم". حسناً، ولماذا قال دعوهم يقولون هكذا؟ تجعلها أن الله تعالى جالس فوق على كرسي كبير هكذا، وله يمين، وكلتا يديه اثنتان هكذا، له يمين، وله عين واحدة. قال تعالى: "ليس كمثله شيء". نعم، ماذا نفعل إذن؟ من أين أتى الأطفال بهذا الكلام؟ أتوا به من قوله تعالى: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض". جهلوا أن القرآن كالجملة الواحدة.
هذه هي الحكاية: القرآن يُقرأ متكاملاً هكذا، وليس أن تأخذ جزءاً منه وتتجاوز الباقي. "فويل للمصلين"، لا، أكمل. "لا تقربوا الصلاة"، لا، أكمل. لا بد أن تكمل. "وقاتلوا"، لا تتوقف، أكمل "في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين". لا تتوقف، أكمل. ولكن هناك شيء يسمى منهج الانتقاء، خذ ما... على رأسك، ولذلك تجد الفرقة والتي تعارضها، كلاهما يستدل بالقرآن، حتى حيّروا - يا عيني - الجماعة المثقفين. يقولون: "نحن لا نفهم، لم نعد
نفهم". حسناً، هل فهمتم شيئاً من قبل لكي تفهموا هذا؟ ياه! كل شيء مختلط ببعضه. دعوا الخبز لخبازيه الذين جلسوا ورسموا المنهج. واعرفوا مَنْ خبراؤه هؤلاء: الإمام النووي، وابن حجر العسقلاني، وابن فورك، والغزالي. لقد عكفوا عليها حتى اتضحت الصورة لهم. فلماذا هكذا؟ لأن الله تعالى رتبها وقال: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". أي لا تفتِ بما لا تعرف، فالله قد أمرك وأنت الذي عصيت، ولا تقفُ. ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً. إن هذا الأمر لا نوليه من طلبه، وقد تصدروا قبل
أن يتعلموا وتكلموا قبل أن يتفهموا. شهوة التصدر، شهوة التصدر هي التي جعلت هذا الصنف من الناس.