إشراق القلب | الحكم العطائية | حـ13 | أ.د علي جمعة

الله هو مقصود الكل حالاً ومآلاً، فأريد أن أسعى إلى الله، أن أسير في سبيل الله. وسبيل الله أي طريق الله، فكيف أكون كذلك؟ وكيف أصل إلى الله؟ وكلمة "أصل إلى الله" بعضهم يسأل عنها، يعني ماذا تقصد بالوصول إلى الله؟ أن يكون الله حاضراً في حياتي، هذا معنى الوصول. أن أربط كل سلوكي بالإقدام والإحجام، بالفعل وبالترك، أربطه بالله سبحانه وتعالى. هذا معنى الوصول إلى الله، وهذا يستلزم
أن أذكر الله في كل وقت وحين، في كل نفس خارج ونفس داخل. إذاً هذا يحتاج مني إلى عدم الغفلة وإلى يقظة قد لا يجدها كثير منا في نفسه أن يكون. هكذا مع الله ويذكر الله في كل لحظة وفي كل نفس داخل وخارج منه وفي كل حال من الأحوال فهذا هو معنى الوصول إلى الله سبحانه وتعالى أن نصل إلى هذه الحالة وهو أن يكون الله سبحانه وتعالى أمامنا نعبده كأننا نراه وكأننا في حضرته سبحانه وتعالى فيقول وهو يرسم الطريق إلى ذلك أسئلة وهذه الأسئلة نسميها في اللغة العربية أسئلة استنكارية والسؤال الاستنكاري
في قوة النفي يعني كأنه ينهانا وينفي هذا الأمر الذي يستنكره ولذلك سميت استنكاراً. كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته؟ شبّه القلب لأنه كالمرآة وهذا الكون شغل هذه المرآة. المرآة أصبحت مشغولة بالصورة فلا. تتحمل أي صورة وراء هذا الكون الذي حجب كل ما وراءه إذا مرآة القلب إذا انطبعت فيها
وانطبعت فيها، الانطباع هنا معناه الالتصاق، ومن غريب اللغة العربية أن هذه المادة طبع فيها شيء من النقص والنجاسة، عندما تقول انطبع يعني تنجس، والتطبيع التنجيس، كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في. مرآته، يعني لوثت مرآته وسدتها فأصبحت غير قابلة لتلقي أي صورة ثانية، أم كيف؟ وهذا السؤال الثاني: يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته. الشهوات مثل الحبل وهو مكبل
بها، يعني مربوط بها. وبعد ذلك قلنا له: امشِ. كيف يمشي؟ إنه يريد أن يسرع في طريق الله سبحانه وتعالى ولكن الشهوات. وقفت حائلاً بينه وبين الحركة أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته؟ الإنسان عندما يكون غير مغتسل وعليه جنابة فإنه لا يدخل المسجد ولا يستطيع أن يصلي، فكذلك الغفلات ونسيان ربنا سبحانه وتعالى يجعل الإنسان في حائل بينه وبين الله سبحانه وتعالى، كيف يرجو؟ أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب منها فواته أربع أسئلة كلها بمعنى
النفي: لا يُشرق القلب الذي انطبعت في مرآته صور الأكوان، ولا يرحل إلى الله من كبّل نفسه بالشهوات، ولا يدخل حضرته سبحانه وتعالى وعليه جنابة الغفلات، ولا يرجو أن يفهم دقائق الأسرار عن الله ويفهم مراد الله. سبحانه وتعالى وهو ليس تائباً من الهفوات، إذاً هناك ما يمكن أن نرسم به الطريق المربع على أربع مراحل، وهناك عوائق في كل مرحلة من المراحل. أنا أريد في المرحلة الأولى أن يشرق القلب، وذلك بمحو صور الأكوان منه، وهذا
لا يتأتى إلا إذا دعونا الله سبحانه وتعالى أن يجعل. الدنيا في أيدينا ولا يجعلها في قلوبنا وهو من دعاء الصالحين: "اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا"، وهذا عندهم بألا نفرح بالموجود ولا نحزن على المفقود. ندرب أنفسنا، نربي أنفسنا على أن الشيء إذا فُقد منا نقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وأن الله إذا امتحننا... بالعطاء وأفاض علينا من العطاء، حينئذٍ نشكر الله سبحانه وتعالى ولا نفرح فرحةً تلهينا عن شكر الله. إشراق القلب هو المرحلة الأولى، والمرحلة الثانية الرحيل إلى الحضرة، وهذا يتأتى بمقاومة
الشهوات. يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. الشهوات نقاومها بذكر. الله بكثرة الصدقة بكثرة الصلاة بكثرة العبادة بالتأمل والتدبر بقراءة القرآن. الشهوة لا تنتهي كما أن الأحوال القلبية لا تنتهي. ربنا قال: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس". إذا هناك غيظ وهناك غضب يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". فأنا لا أريد أن أقضي على الغضب ولا الغيظ ولا كذا، إنما أريد أن أتعامل معه المعاملة الصحيحة. ولذلك في الحديث وحسّنوه: "من عشق فعفّ فكتم
فمات، مات شهيداً". العشق جائز، ولكنه حكَمه بضوابط الشرع إلى أن حدث كمد عنده فمات، فهو معدود له أجر الشهيد. لماذا؟ لأن هذا الشيء... الطبائع التي خلقها الله في القلب وهي الحب والعشق، لم تجعله يرتكب الحرام، وأمسك بنفسه وسيطر عليها، وخرج عن هذه الحالة إشراق القلب أولاً، ثم الرحيل إلى الحضرة، وثالثًا الدخول إلى الحضرة. والدخول إلى الحضرة يتطلب أن يكون الإنسان متيقظًا وبعيدًا عن الغفلات، وأن يغسل غفلاته هذه كما... يغسل الجنابة التي تمنعه من الصلاة وتمنعه من دخول المسجد. الرابعة: التهيؤ لمعرفة
دقائق الأسرار حتى نفهم مراد الله سبحانه وتعالى. وفي دعاء الصالحين: "اللهم فهمنا مرادك من كتابك، اللهم فهمنا مرادك من خلقك". المراد أن أكون عند مراد الله سبحانه وتعالى، أريد أن أكون كذلك، فأول شيء هنا هو أنني افهم مراد الله سبحانه وتعالى، ففي الاطلاع على دقائق الأسرار لا بد من أن يكون الإنسان مهيئاً لذلك. إذاً هناك أربع مراحل يعالجها الشيخ ابن عطاء في هذه الحكمة: إشراق القلب بنفي صور الأكوان، فلا نفرح ولا نحزن على الموجود والمفقود، والأمر الثاني
الرحيل إلى الحضرة بالتخلي عن الشهوات، والأمر... الثالث الدخول في الحضرة بالتخلي عن الغفلات، والأمر الثالث التهيؤ للاطلاع على دقائق الأسرار. وفي هذه الحالة نتهيأ لمعرفة مراد الله، فإذا بنا نزداد إيماناً ويثبت الإيمان في قلوبنا. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.