ابنتي تريد الزوج من غير مسلم سيشهر إسلامه .... | أ.د علي جمعة

قال: "أنا أعيش في بلد أوروبي وابنتي تريد أن تتزوج من أجنبي غير مسلم، لكنه قرر أن يشهر إسلامه، وأخشى أن يكون قلبه بخلاف ظاهره، وأن يكون يفعل ذلك من أجل الزواج. فما حكم ذلك في دين الله؟ الزواج عبادة وكل أحكامه تعبدية، أرشدنا
الله إلى عمود النسب فحرم علينا." أمهاتنا وبناتنا وخالاتنا وعماتنا وحرم علينا أن نتزوج بأم زوجتنا وبربيبتها حتى لو ماتت أو طُلِّقت أو انتهت العلاقة بأي شيء كان، يحرم علينا أن نتزوج، وحرم علينا من الرضاع ما حرم من النسب. فما علة ذلك؟ لا نعرف. الله - لأن عقد الزواج إنما يتم باسم الله، ولذلك في صيغته. نقول على كتاب الله وسنة سيدنا رسول الله، ويقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوفى الشروط ما استحللتم به الفروج". فإنكم قد استحللتموهن بكلمة الله، يعني قبل الكلمة كانت حراماً، وبعد الكلمة أصبحت حلالاً. فيصبح تعبُّداً على الدوام، فما الفارق يعني مع هذه المرأة الخالية من الموانع الشرعية قبل؟ ما تقول زوجتك نفسي وبعد أن أقول قبلت، القبل والبعد ما الفارق؟ هي هي بملابسها، بوزنها، بشكلها، بقلبها، كانت حراماً فأصبحت حلالاً. إذاً هذا أمر لله
لا دخل لنا فيه، فالبحث عن العلل التي وراء هذا إنما تتلخص في قول المؤمنين: "سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير"، ولا توجد هناك علة. سوى هذا ولو أن الله أباح لنا أن نتزوج المحارم لما كنا محارم أصلاً وكان يجوز أن يتزوج. ولذلك في أديان كان الرجل يتزوج عمته. أبو سيدنا موسى، كانت لم تنزل اليهودية بعد، فكان على ديانة إبراهيم، فكان يجوز للرجل أن يتزوج عمته، فتزوج عمران
أبو موسى يوكابد أمه. موسى التي ذُكرت في القرآن وكانت عمته، هل يحل هذا في اليهودية؟ لا يحل في اليهودية، بل حُرّم على يد موسى في التشريع. هل يحل في المسيحية؟ لا يحل في المسيحية. هل يحل في الإسلام؟ لا يحل في الإسلام، وكان في أول الأمر حلالاً. ما هو إذاً الحلال والحرام؟ إن الحكم إلا لله. يصبح إذاً أن الذي يعطينا (افعل) و(لا تفعل) هو الله، فمن ذلك أنه حرّم زواج
المسلمة من غير المسلم، فهذا الأمر مثل تحريم زواجي من خالتي أو من عمتي أو من حماتي، إنه مماثل لها تماماً، وأباح للمسلم أن يتزوج من غير المسلمة، فهذا الأمر مشابه لذلك. أين العلة؟ لا توجد علة، فالعلة أن ربنا... قال هكذا وعقد الزواج عقد لاهوتي (إلهي) الذي نقول عنه ماذا؟ إلهي. الجماعة في المسيحية يقولون لك ماذا؟ لاهوتي. ماذا يعني لاهوتي؟ يقول إلهي، يعني لاهوتي أي منسوب إلى الإله، أي إلهي. ولذلك كان من أسرار الكنيسة السبعة. ستذهب وتقول للكنيسة: لماذا تقولون هكذا ولا تقولون كذا؟
ما نعرفه هكذا. وما لدينا لا يصلح إلا هكذا. لماذا؟ لأنها مسألة إلهية، ونحن في الإسلام نعتبر هذه مسألة إلهية أيضاً، واليهود يقولون لك أيضاً إنها مسألة إلهية. هل أنت منتبه؟ إذاً "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، فلماذا عندما نأتي، أنتم تحرمون أن تتزوج المرأة المسلمة. بغير المسلم ليس نحن الذين حرَّمنا، ولا نحن الذين قلنا، ولا شأن لنا أصلاً. إنما الذي حرَّم هو ربنا، والذي منع هو رسوله. انتهينا، خلاص. الزواج مسألة إلهية. عندما جاءت العلمانية
ونحَّت الدين عن الحياة، قالوا: "الله، ماذا لو افترضنا أن شخصاً ليس لديه رغبة في أن يتبع الأديان؟ ألا يمكن أن يذهب..." للشهر العقاري ويتزوج وانتهى الأمر، حسناً. فصارت أمم على هذا وسموه الزواج المدني. والزواج المدني هذا يعني ليس زواجاً ربانياً، يعني ليس زواجاً إلهياً، أي أنه لا علاقة له بالله، وهو حرام. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لكننا سندخل في إرباك الأفكار، وهو لماذا حرمتموها ولماذا أحللتموها، نحن الذين أحللنا. شيء من الأشياء حرمنا شيء، هذه مسألة إلهية وربانية. قال لي: امشِ يميناً، قلت: حاضر. قف، قلت: حاضر. لا تتزوج كذا وكذا،
قلت: حاضر. ويحل لك كذا وكذا، قلت: حاضر. وأنتِ يا بنت لا يصح أن تتزوجي غير المسلمين، قلت: حاضر. هذا ما كان. ما الذي حدث في تاريخ الإسلام؟ دعونا نتأمل، هيا لنتأمل في بلادنا. هل تعلمون أن الإسلام عندما دخل مصر، وبعد مائة سنة، كان خمسة في المائة فقط من شعب مصر من المسلمين، وخمسة وتسعون في المائة من غير المسلمين؟ بعد مائة سنة من الدخول، بعد مائة سنة من عمرو بن العاص، كان خمسة في المائة مسلمين وخمسة وتسعون في المائة ليسوا مسلمين. حسناً، وكيف ارتفعت نسبة هؤلاء الخمسة في المائة؟ كيف بعد مئتين سنة وقليل أصبحوا
خمسة وعشرين في المائة؟ بعد سبع مئة سنة من دخولهم، أي في القرن السابع والثامن الهجري، أصبحوا تسعين في المائة وفوق التسعين في المائة. ما الذي حدث؟ كيف تحولت العائلة؟ كيف عندما دخل المسلمون تزوج الرجال، وعندما تزوجوا أنجبوا؟ لدينا قاعدة في... يعني الإسلام أن الأطفال الذين يولدون من مسلمين يكونون مسلمين، فالأطفال أصبحوا مسلمين. خالهم ليس مسلماً،
خالهم أخو أمهم ليس مسلماً، وأمهم ليست مسلمة. وعندنا في الإسلام جائز أن يترك له هذا الشيء. الأمر الثاني الذي لا يعجبها أبداً هو تعدد الزوجات، أن يتزوج واحدة واثنتين وثلاثاً وينجب من هذه ستة أطفال. ومن هذه ستة ومن هذه ستة ومن الرابعة ستة فيصبحون أربعة وعشرين ما شاء الله. حسناً، عندما أُنجب الأربعة والعشرين، أين الأمهات؟ الأمهات على غير الدين ماتوا. هذا الجيل رحل وجاء الجيل الذي بعده. الأولاد الأربعة والعشرون المسلمون تزوجوا بنات خالهم وبنات خالتهم الذين ليسوا مسلمين
وعاشوا في حب وهناء. وأنجبوا بنين وبنات حتى الموت، فاستمر الإسلام ينتشر عبر العائلة. بعض الأحكام: الحكم الأول أن المسلمة لا تتزوج إلا مسلماً، الحكم الثاني يجوز للمسلم أن يتزوج من غير المسلمة، الحكم الثالث التعدد، الحكم الرابع جواز الطلاق، الحكم الخامس نسبة الأولاد إلى الإسلام. مجموع هذه الأحكام هي التي نشرت الإسلام من غير. سيفٌ أو دمٌ مُهراق، وبعد ذلك يأتي إليك شخصٌ أحمق يقول لك إن الإسلام انتشر بالسيف، فتقول له: لا، لم يحدث ذلك، لأنه بعد مائة
سنة كان خمسة في المائة فقط من الناس قد دخلوا فيه، وبعد مائتين وخمسين سنة كان خمسة وعشرون في المائة فقط هم من أصبحوا مسلمين. ومن أين جاء هذا؟ من العائلة، من العائلة، العائلة هي... التي فعلت ذلك إذاً فالأحكام التي لم تكن تعجب الناس تأثراً بالنمط الغربي باعتبار أحادية الحضارة وأن الحضارة الغربية هذه هي فقط التي في الدنيا وأي حضارة أخرى لا تنفعنا، هذه الأحكام الفقهية هي التي نشرت الإسلام، فالإسلام انتشر وأصبح الآن أكبر دين موجود في العالم. أعلنت الكاثوليكية في التسعينيات أن الإسلام تفوق تماماً في العدد، كان
في السابق الكاثوليكي أكثر عدداً، والآن الإسلام أكثر عدداً. فالفتاة التي تسأل: "هل أتزوج غير مسلم؟" نقول لها: "لا". قالت: "طيب، هو سيُسلم". آه، هذه مسألة أخرى مختلفة عن كل ما نقوله. ما نقوله هو أن المسلم يتزوج غير المسلمة، لكن المسلمة لا. تتزوج هذا ما تقوله الشريعة، فالفتاة تقول: حسناً. هو عندما عرف ذلك قال: أنا سأُسلم، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وهل ذهب وغير اسمه أم لم يغيره؟ وما الأمر الآخر؟ هل يجوز ذلك؟
نعم يجوز. تفضل حضرتك، أنت مسلم الآن، تستطيع أن تتزوج هذه الفتاة. والدها يقول: لكنني خائف. من قلبه وما شأنك بقلبه، فقلبه هذا مع ربه، وقلبه هذا هو الذي سيُدخله الجنة أو يُدخله النار. ليست مسؤوليتنا، ولسنا نعرفها ولا نعرف عنها شيئاً. ما نعرفه هو هذه الدنيا وهذا الظاهر، والله يتولى السرائر. جاءني شخص كان اسمه جون وسمى نفسه محمد، جون محمد، جون يريد أن يتزوج. فاطمة تفضلي تزوجي محمد جون، وأنت يا فاطمة هل تريدين الزواج من محمد جون؟ قالت: نعم، إنه حبيبي.
حسناً، تزوجيه لأن الزواج صحيح من أجل الظاهر. ثم تبين يوم القيامة أن محمد جون لا يريد الإسلام ولا يريد المسيحية وليس له علاقة بهذا الأمر كله. الله سيحاسبه وليس سيحاسبنا نحن. أنا سلكت الطريق الصحيح. سرت على القواعد لكن سنجلس نفتش في القلوب، فمتى يكون الإنسان مسلماً عندنا؟ انظر إلى الكلمة عندنا نحن، لا عند الله. عندنا نحن حين يشهد الشهادتين فقط، نعم فقط كذلك، ببساطة تامة، هكذا هم أهل السنة والجماعة. لا يوجد تفتيش ولا معرفة ولا شيء آخر، أيها الأب القلق: لا، لا تقلق. يعني هل كانت ابنتك
رابعة العدوية؟ لقد أحبت جون. ها هو ذا في الكفاءة، والشاب قال: حسناً، أنا أحبها أيضاً وسأسمي نفسي محمد جون، محمد جون، محمد جون. المهم أن يكون اسمك محمد أو أن تشهد الشهادتين: "أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله". الله تزوج، والذي في القلوب يعلمه ربنا، وما شأني بما في القلوب؟ وهل كنت تعلم ما في قلبي أنا؟ أم أنا أعلم ما في قلبك أنت؟ حسناً، أنت من أبناء المسلمين، هل تعرف ما في قلبك؟ والله لا أعرف. وعندما تصلي، هل أعرف ماذا تفعل مع ربنا؟ والله لا أعرف. لا أعرف ولا أحد يعرف، فالقاعدة الشهيرة بين أهل السنة والجماعة وبين المسلمين: علينا
بالظاهر والله يتولى السرائر. ولا دخل لنا، فلا تُدخل نفسك فيما ليس لك به علم، ولا تكلف نفسك فوق ما تطيق. وقد كان هناك طائفة اسمها طائفة المنافقين، ربنا حذَّر منهم وقال إن المنافقين في الدرك الأسفل. من النار والنبي لم يدعوهم يتركون نساءهم، ولا عندما جاء قالوا: لا، أنت تصنيفك منافق فلا يصح، وأنت تصنيفك ليس منافقاً لا يصح. والله لم يحدث هكذا، وأصبحت الأمور كما هي، ولذلك نقول قضيتين: الرجل أسلم فلا نفتش لأن الدين قال لنا لا تفتشوا، ويجوز حينئذٍ. اختصر وقال: "لا، أنا
رجل ملحد ولن أترك إلحادي بسبب كلامكم الفارغ هذا. خلاص، لا يوجد زواج، لا يصلح الزواج". تحمّقت الفتاة وذهبت إلى عمدة المدينة وتزوجته ليس زواجها. فالعلاقة التي بينهما تكون علاقة زنا، وإذا أنجبا فسيكون الولد القادم مسلماً ابن زنا. سيكون ابن زنا ومنسوباً إلى أمه المسلمة التي عصت فزنت فولدت، فالولد الناتج من هذه المعصية هو معصية لأنها خرجت عن نطاق ما شرعه الإله الرب
سبحانه وتعالى. هذه هي القضية، وليس فيها إشكال ولا أمر آخر في ظل الحريات العارمة التي يدعو إليها البشر للبشر. الناس مع عقائدها. هل لدي حرية للإلحاد فقط ولا توجد لدي حرية للإيمان؟ ما هذه السخافة! أنت أبحت الإلحاد وتركت الناس تلحد ولا مانع، فدعني أنا أيضاً أتمسك بمعتقدي. تركناكم تدخلون النار دون صدام أو جدل، فاتركونا ندخل الجنة دون صدام. ولا جدل في أن الزواج إطار
إلهي لا علاقة لنا بأفكارنا أو غيرها إلى آخره، فلا يأتي أحد ليقول أنه بسبب العصر لم يعد مناسباً. الله سبحانه وتعالى هو الذي وضع هذه القيود وهذه الأحكام، وها قد تبين لنا أن هذا وقى الناس من القتل. هذا فقط للمعلومية. هذه ليست علة، وليس لها علة، ولكن انظر إلى فعل الله في شرعه وفي كونه، كان فعلاً حسناً، وطوال عمره هكذا فعلاً حسناً عندنا، فنحن مطمئنو القلب أن هذا الدين متين، ولا نستطيع أن نغير معالمه ولا ملامحه، كمن يريد أن يجدد
الشمس والقمر والليل والنهار، يعيش حياته، هذا هو الأمر. لكن ستظل الشمس شمساً والقمر قمراً والسماء سماءً والأرض أرضاً والليل ليلاً والنهار نهاراً