ابني مراهق وأخاف عليه من الفساد فأقوم بتفتيش أغراضه فهل هذا جائز؟ | أ.د علي جمعة

ابني مراهق  وأخاف عليه من الفساد فأقوم بتفتيش أغراضه فهل هذا جائز؟ | أ.د علي جمعة - فتاوي
ابني مراهق، والمراهق في اللغة يعني من راهق الحلم، أي أنه لم يبلغ بعد، لكننا نستعملها استعمالاً آخر، فعندما يصبح الولد بالغاً وما إلى ذلك، ويدخل في مرحلة الشباب، نطلق عليه "مراهق"، وهذا استعمال خاطئ. والمقصود هنا أنه أصبح شاباً فتياً، وليس مراهقاً، هذا هو. شاب يعني فتى فتى فتى يقول ماذا يا بني، شاب فتى فخافوا عليه من الفساد، إنه مراهق في اللغة العربية معناها الصبي الصغير الذي قارب على البلوغ،
لكن هنا معناها الشاب الفتى ستة عشر سنة أصبح وسبعة عشر سنة وهكذا، وخائف عليه من الفساد، فمن الحين إلى حين آخر أقوم بتفتيش أشيائه. وهاتفه، فهل هذا يجوز؟ الذي سأل هذا السؤال غالباً ما تكون امرأة، أمٌّ قلقة عليه، قلقة على الولد، فماذا تفعل؟ تفتش على مكالماته، ماذا سجَّل، ما الصور التي يشاهدها، وتتابعه هكذا. هو قال: أنا عليه قلبها قلق. ما دام قلبكِ هو الذي دفعكِ لهذا، فأنا لا أرى بذلك بأساً.
بأسه رأبيه ولكن أنت الآن تنتهك خصوصيته وهذا أمر مخالف للشفافية، إنما مع مخالفته للشفافية إلا أننا قد نحتاج إليه لشيوع الفساد وكثرة البلاء، ويحدث لكم من الأمر بقدر ما تحدثون، فالدنيا انفلتت، وقلق الأم والأب أيضاً هو قلق طبيعي، خلقه الله في قلوبهم هكذا رعاية للشباب وللأولاد وما شابه، فما لا تأتي وتقول له: "لا تفعل
ذلك"، وبعد ذلك تقول له: "أين كنت؟". بل أولاً، إذا اكتشفك هذا الولد، اعتذري له فوراً لكي نُعلِّمه أن التفتيش في أغراض الآخرين خطأ. بمجرد أن يكتشفك قل له: "أنا مخطئ، إنني أفعل ذلك من قلقي عليك، سامحني هذه المرة". لن أفعل ذلك مرة أخرى لأن هذا الفعل يعني ماذا؟ دعنا نترك مسألة الحلال والحرام. هذا الفعل غير لائق، غير لائق، غير لائق بين الزوج
والزوجة، غير لائق بين الجار والجارة، غير لائق بين الصديق وصديقه. فلماذا استقبحناه هنا إذن؟ للضرورة، للحاجة إليه، لكنه في حد ذاته سيء. ماذا؟ سأمسك ألف من أغراضك لأجل... هكذا هو في ذاته سيئ، حسناً قلت له: لماذا تفعله ما دام سيئاً؟ لأنه سيترتب على عدمه ما هو أسوأ منه، فيصبح الأمر كما قال العلماء: ارتكاب أخف الضررين واجب. فهذا يكون مثل الذي يمشي على الحبل في السيرك، إذا ملت يميناً أقع، وإذا ملت شمالاً أقع. فهنا تكون فتوى وليست حكماً. ما الفرق بين الفتوى والحكم الواقع؟ هو أننا في عصر خير، لو كنا في عصر
خير وليس هناك شيء يعني وكل شيء على ما يرام، لكنت قلت لها: لا تفعلي هكذا ولا تفعل هكذا، لكن لما كان الأمر ليس كذلك، والله أعلم بما هنالك، ارتكبنا أخف الضررين فأجزنا لها النظر رعايةً وعنايةً. اكتشفْها! الولد أصبح خارجاً من الحمام فوجدتْه ماذا؟ يعمل في الهاتف المحمول أو في الآيباد أو في الحاسوب المحمول أو في غيرها من الوسائل الإلكترونية. إذاً ماذا نفعل؟ ماذا تفعلين يا أماه؟ والله كنت سأعاقبك. قومي بتعليمه الصدق وتعليمه الاعتراف بالخطأ وتعليمه مدى قلقك عليه وتعليمه بأنه مهما يكن
عند امرئ من خليقة وأظنها تخفى على الناس. علِّميه قيماً من خلال هذا الخطأ أو من خلال هذه الإجازة لهذا الحال، فلا نأخذها مطلقاً. يجوز للزوجة أن تتجسس على زوجها والرجل يتجسس على امرأته؟ لا، فهؤلاء بالغون، يعني سيترتب عليها أضرار أكثر. لكن الولد الصغير الذي يحتاج إلى عناية ورعاية، لا نفعل. هكذا مع الاستعداد الفوري للشفافية والاعتراف بالخطأ والتقويم، لأن قلبي لا يطيق أن أتركك هكذا. أنا أراك معوجًا وفيك علامات. هل تنتبه كيف أصبح الأطفال
الآن يدمنون، وكيف أصبح الأطفال الآن ينحرفون، وكيف أصبح الأطفال الآن يكوّنون عقائد فاسدة في عقولهم للتعامل مع البشر. فيجب علينا أن نراقب ويجب علينا أن نربي، وهكذا يقول أحمد. يقول ابن حنبل رضي الله تعالى عنه: "تسعة أعشار التربية في التغافل"، أي أن تكون قد عرفت واكتشفت وتتظاهر بأنك لم تنتبه. تتغافل كم مرة؟ يعني تسعة من عشرة، فما هي تسعة أعشار إلا تسعة مرات نتغافل ومرة واحدة نؤاخذ، فنوجه ونعاقب ونفعل شيئاً كهذا،
إنما تسعة أعشار التربية في التغافل. التغافل، أي أن نتظاهر بعدم الانتباه، فهذا يُبقي على هيبة الولد والبنت، بمعنى أن يظل لديهما احترام ومكانة.
    ابني مراهق وأخاف عليه من الفساد فأقوم بتفتيش أغراضه فهل هذا جائز؟ | أ.د علي جمعة | نور الدين والدنيا