اجتهاد النبىﷺ |أ.د علي جمعة

يقول أنه نقل عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه أن كلما ورد عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم فمما فهمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن. هذا الكلام نقله بأسانيده الإمام البيهقي عن سيدنا الإمام الشافعي وهو صحيح. قال فهل هذا يتناقض مع العلماء الذين قالوا أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجتهدًا. قضية اجتهاد النبي قضية أنشأوها عندما اطلعوا على
كلام لأرسطو وهو أن الإنسان إذا كان عنده طريق قطعي لتحصيل المعرفة وعنده أيضًا طريق ظني لتحصيل نفس المعرفة، فهل يجوز له أن يعدل عن الطريق القطعي إلى الطريق الظني؟ ولم يجدوا مثالًا. لها فأثاروا قضية هل النبي اجتهد أو لم يجتهد، والراجح عند الأولياء أن النبي ليس مجتهداً بل هو نبي موحى إليه، وأن الوحي يدله قطعاً على حكم الله، فليس
له أن يعدل عن هذا القطع إلى طريق يرتب فيه المقدمات حتى يصل إلى النتيجة، ولذلك اختلف العلماء على تسعة أقوال. في المسألة والراجح عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مجتهدا وإنما هو موفق ومؤيد من الله سبحانه وتعالى وأن الله سبحانه وتعالى أوحى له أن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى وأنه لا ينطق عن الهوى وأنه صلى الله عليه وآله وسلم معصوم ظاهرا وباطنا ومعصوم من الكبائر ومن الصغائر وإن قلت فهو معصوم ومحفوظ
بإذن الله وذهب بعض العلماء إلى أن الأنبياء يمكن أن يقعوا في الأخطاء وفي بعض الصغائر قال الإمام النووي والراجح بخلافه والصحيح أنهم لا يقعون في مثل هذا فهم معصومون ظاهرا وباطنا فالنبي وهو سيدهم معصوم ظاهر وباطن وما ورد من النصوص بخلاف ذلك في ظاهرها مؤولة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كل ما صدر عنه إنما يجوز تقليده ولكن بالفهم الصحيح، وعلى ذلك يأتي السؤال: فإذا كان الأمر كذلك، فهل يتعارض هذا مع ذلك؟
لا تعارض لأن ما يذهب إليه النبي من فهمه للقرآن إنما هو بقطع من الوحي. ولذلك فإن القرآن هو الوحي المتلو والسنة هي الوحي غير المتلو، فهي وحي أيضاً. وورد عن الإمام الشافعي أنه سمى النبي صاحب الوحيين، فوحي السنة شيء ووحي القرآن شيء آخر. وعلى ذلك فلا اختلاف بين أن يقول النبي قولاً من فهمه للقرآن وبين أن يسمى هذا اجتهاداً لأن ما فهمه. من القرآن إنما هو كان على سبيل الوحي والقطع
واللزوم والحفظ وليس شأنه شأن المجتهد الذي يخطئ فيأخذ أجرا ويصيب فيأخذ أجرين بل هو صلى الله عليه وسلم في مقام التبليغ عن ربه ولذلك فلا يسمى أبدا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجتهادا إنما هو تبليغ ما على الرسول إلا البلاغ، ولم يقل: ما على الرسول إلا بذل الوسع أو الاجتهاد أو المحاولة إلى آخره، بل إن كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو في حد العصمة، وهو في حد الأسوة الحسنة، "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله". واليوم الآخر
وذكر الله كثيرا وكل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سنته الشريفة المنيفة إنما هو ترجمة واقعية لفهمه المعصوم المحفوظ الموحى إليه به من القرآن الكريم، فإذا كان القرآن قد عُصم عن الزلل والخطأ والتحريف والتخريف ولم ينله شيء من هذا فسنة النبي أيضا. حفظت كذلك عن كل هذا ولذلك فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا