اشتغل بمطعم يقدم الخمور في بلد أجنبي ولا أجد عمل غيره فماذا افعل؟ | أ.د علي جمعة

أنا شاب مغترب في بلد أجنبي وأعمل في مطعم يقدم الخمر. حاولت أن أجد عملاً آخر ولكن إلى الآن جميع المحلات التي أعرف فيها تبيع الخمر، فهل علي ذنب؟ الإمام أبو حنيفة يجيز بيع الخمر في بلاد غير المسلمين لغير المسلمين ونص على ذلك الأحناف في المبسوط للسرخسي أنه هذه البلاد. ليست محلاً لإقامة الإسلام، ولذلك يجوز فيها كل ما جاز في مكة
مع غير المسلمين، لكنه لا يشرب الخمر ولا يعاقرها لأن الأحكام النهائية أنها حرام. من قال بأنها نسخت ومن قال إنها لم تنسخ بل هي محرمة من الأول، هناك وجهان عند الفقهاء: هل كانت حلالاً فحرمت أو... كانت حراماً فاستمر التحريم وجهان، بل هناك من فقهاء الإسلام من يقول إنها كانت محرمة في كل ملة ودين، أي الخمر، ولكن الآن اليهود يشربون الخمر والمسيحيون قالوا قليل منه يصلح المعدة، والمسلمون يرون أن النقطة منه نجسة ولا
تصلح معدة ولا غيرها. اليهودي تجده شارباً إلى حد الثمالة يعني. السَّكران سُكراً بين المسيح المتدين تجده يشرب كأساً هكذا قبل أن ينام أو شيئاً لأجل إصلاح المعدة ومساعدتها على الهضم، لكن المسلم يحرم الخمر تماماً، بل يُحرِّم فيها عشرة أشياء. أما العقود والخدمة في بلاد غير المسلمين فهي أمر آخر، فالخمر حرام شراؤها وحرام بيعها وحرام شربها وحرام كذا إلى آخره. ولو وقعت على ثيابه يُطهر ثيابها فهي نجسة، ولكن هناك مدخل آخر وهو أن العقود الفاسدة مع غير المسلمين في بلاد غير المسلمين
جائزة عند الإمام أبي حنيفة، واستدل على ذلك بأدلة منها أن العباس كان يرابي مع أهل مكة، وأن الراجح أن العباس قد أسلم في بدر، هذه بدر. كانت في السنة الثانية ولكنه ظل في مكة مسلماً من السنة الثانية إلى الفتح في السنة الثامنة، يعني أنه خلال هذه السنوات الست ظل في مكة. حُرِّم الربا في المدينة وهو يتعامل بالربا مع المشركين في مكة، فلما دخل النبي مكة فصارت دار إسلام قال: "ألا إن ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي". قدمي هذه وأول ربا وضعوه ربا
العباس عمي. يعلم سيدنا أن العباس كان يتعامل بالربا، ولكنه لم يقل له توقف عن الربا إلا يوم الفتح، لأنها عندما أصبحت مكة دار إسلام والحمد لله رب العالمين، فهي كذلك كما بشّر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة. ستظل المدينة ومكة دار. إن الإسلام يحرم فيه العقود الفاسدة كالربا وبيع الخمر ونحو ذلك من الأمور الفاسدة التي هي في ذاتها حرام، إلا أنه يُؤخذ من ذلك أنه في ديار غير المسلمين، ولأن الإسلام ليس هو الأعلى فيها، ولأن أهلها لا يريدون الإسلام ولا أحكامه بل ولا يعرفونه، ولو عرفوه لأبوا، فلم يكن. كما يقول الإمام
السرخسي محلاً لإقامة الإسلام فيها، فيجوز فيها العقود الفاسدة. واستدلوا بحديث ركانة أن النبي صلى الله عليه وسلم صارع ركانة على ثلث ماله. ركانة هذا رجل متخصص في المصارعة، مصارع روماني كبير هكذا، هو ضخم الجسم هكذا، فالنبي عليه الصلاة والسلام صارعه على ثلث ماله، قال له. يُصارعني يا محمد، هو يريد أن يضرب النبي، نيته هكذا. قال: "وصارعك". فصرع. قال: "أنت غلبتني على غفلة، وأنا طيب، فلنقم مرة أخرى". فقام مرة أخرى. قال
له: "أتصارعني ثانية؟" قال له: "نعم". قال له: "حسناً، ولكن هذه المرة على ثلث مالك". فصرع. قال له: "ما هذا؟ لم يصرعني أحد قط! هذا قوي". الأول (البريمو) أصابني بالدهشة مرة أخرى، أنا فقط كنت على ما يبدو أتشكك هكذا أو أتبنى كلام الأولاد، فتعجبت المرة الثانية عن ثلث ماله الثاني ثم عن ثلث ماله الأخير، فيكون ماله كان ذلك كله أصبح للنبي. قال الحنفية: هذه رهان، والرهان والمضاربات هذه بطريقة الرهان هذه حرام، فكيف يفعل النبي هذا؟ قالوا: لأنه في مكة مع رُكانة فالعقد الفاسد هنا جاز لما أن كان أولاً في ديار غير المسلمين مع غير المسلمين،
فيصلح هذا الأمر، واستدلوا بحديث أبي بكر في مسألة "الم غُلِبَت الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بِضْعِ سِنِينَ"، في بضع سنين، فأبو بكر قال لهم في خلال أربع أو خمس سنين، ثلاث أو أربع سنين، وهو البضع من ثلاثة إلى تسعة، ثلاث أو أربع سنين هكذا، يحدث أن الروم ستغلب لأن الروم أهل كتاب والآخرون، الفرس، هؤلاء يعبدون النار. فنحن ماذا؟ أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب. فقالوا له: على مائة،
على عشرة. قال لهم. على عشرة من الإبل رهانٌ، على عشرة، وذهب إلى سيدنا وقال له هذه العبارة، فقال له: "زِدْ في الأجل وزِدْ في الرهان". فذهب فجعل الرهان مائة وجعل الزمن تسع سنين بدل ثلاث أو أربعة، فيصبحون تسعة، لأن نهاية هذا الإله نقمة، مكر الله، ما يمكن أن ربنا يؤخرها حتى النهاية. البضع في الذكاء هكذا، إنَّ أصحاب المال يعرفون هذا الاحتياط. يقولون لك: "الاحتياط واجب". هل انتبهت؟ الحيطة والحذر. فذهب مؤجلاً مزوداً الزمن ومزوداً الرهان. فالحنفية يقول: هذا عقد باطل؛ لأنه فيه مقامرة، ولكن بالرغم من ذلك جاز لأنه مع غير المسلمين في بلاد غير المسلمين. النظام يقول هكذا، قانونهم. هو الذي يقول هكذا
ولهم ثمانية أدلة استدلوا بحديث مكحول لربه في دار الحرب وهو حديث طبعاً منقطع حيث أن مكحول هذا هو تابعي، سيدنا مكحول تابعي. المهم ركانة أسلم، ركانة في الثالثة، قال له: "لا لا لا، هذا أمر آخر، هذا ليس له علاقة بقواعد المصارعة ولا..." أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فيكون ذلك قد أتى بفائدة. فقال النبي: رددت عليك مالك، لا أريد منكم شيئاً. قل: لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى.