الأربعين في أصول الدين للإمام الغزالي | المجلس الثاني| أ.د علي جمعة

إن شاء الله وعليكم السلام تفضل ابدأ نعم نعم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه قال المصنف رحمه الله ونفعنا بعلومه في الدارين آمين واعلم أن قضاء الله على أربعة أوجه قضاء الطاعة والمعصية
والنعمة والشدة المذهب المستقيم في ذلك إذا قضى لعبد الطاعة فعليه أن يستقبله بالجهد والإخلاص حتى يكرمه بالتوفيق لقوله تعالى: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾، يعني الذين جاهدوا في طاعتنا وفي ديننا لنوفقنهم لذلك. وإذا قضى المعصية فعليه أن يستقبله بالاستغفار والتوبة والندامة حتى يرزقه قبول التوبة لقوله تعالى: ﴿إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾. وإذا قضى النعمة فعليه أن يستقبلها بالشكر والسخاء حتى يكرمه الله بالزيادة لقوله تعالى: "لئن شكرتم لأزيدنكم"، وإذا قضى الشدة فعليه أن يستقبلها بالصبر والرضاء حتى يعطيه الله
الكرامة في الآخرة لقوله تعالى: "والله يحب الصابرين"، وقال: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"، ذكر الإمام مولانا علاء الدين رحمه الله. في أوقاته الخاصة، ثم إن المسلمين في مسألة القدر على اختلاف، فمنهم من ذهب إلى أن كل ما يجري في العالم من الخير والشر والأفعال
والأعمال بقضاء الله وقدره، ولا اختيار للعباد فيه، ويُسمى هؤلاء القوم جبرية، والجبر هو القهر والإكراه، فيقولون أجبر الله عباده على أعمالهم وأفعالهم من غير اختيار. منهم فيها ويزعمون أن إضافتها إليهم كإضافتها إلى الجمادات مثل قولنا دارت الرحى وجرى الميزاب، وهذا المذهب باطل، لأنهم إن قالوا هذا القول ليُسقطوا عن أنفسهم التكاليف ويشبهوا أنفسهم بالصبيان والمجانين في عدم جريان الخطاب فقد كفروا، لأن مذهبهم يُفضي إلى إبطال الكتب والرُسل، يُفضي - عفواً - يُفضي إلى إبطال. الكتب والرسل وإن قالوا ذلك لتعظيم الله وتحقير أنفسهم وعجزهم عن دفع قضاء الله فهم مبتدعون لمخالفتهم
الإجماع. ومنهم من ذهب إلى أن كل ما يصدر عن العباد عقيب قصدهم وإرادتهم يكون واقعاً بقدرتهم واختيارهم، ولا يتعلق بها بخصوصها قدرة الله وإرادته. ويُسمى هؤلاء قدرية لنفيهم القدر لا لإثباتهم، وهذا. المذهب أيضاً باطل لأنهم إن قالوا هذا القول عن اعتقاد جواز العجز عن التقدير لله فهم كافرون، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ومن قالوا عن خطأ اجتهاداتهم وتنزيه الحق عن تقدير أفعالهم القبيحة وخلقها فهم مبتدعون لمخالفتهم الإجماع. ومن هذه الطائفة من يقول: الخير بتقدير الله والشر ليس بتقديره. والمذهب الحق هو أن المؤثر مجموع القدرتين
قدرة الله وقدرة العباد، فالأفعال الصادرة عن العباد كلها بقضاء الله وقدره، ولكن للعباد اختيار، فالتقدير من الله والكسب من العباد، وهذا المذهب وسط بين الجبر والقدر، وعليه أهل السنة والجماعة. انتهى كلامي. وقال الإمام حجة الإسلام الغزالي رحمه الله في كتاب المقصد. الأقصى تدبير رب الأرباب ومسبب الأسباب. أصل وضع الأسباب يتوجه إلى المسببات حكمه ونصبه. أصل وضع الأسباب وضع الأسباب. أصل وضع الأسباب أصل وضع الأسباب يتوجه إلى المسببات حكمه ونصبه. الأسباب الكلية الأصلية الثابتة المستقرة التي لا تزول ولا تحول كالأرض والسماوات
السبع والكواكب والأفلاك وحركاتها المتناسبة الدائمة التي لا. تتغيروا أو تنعدموا إلى أن يبلغ الكتاب أجله، قضاؤه كما قال: "قضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها"، وتوجيهه هذه الأسباب بحركاتها المناسبة المحدودة المقدرة المحسوبة إلى المسببات الحادثة منها لحظة بعد لحظة. قدر الحكم هو التدبير الأول الكلي والأمر الأزلي الذي هو كلمح البصر، والقضاء هو... الوضع الكلي للأسباب الكلية الدائمة والقدر هو توجيهه الأسباب الكلية بحركاتها المقدرة المحسوبة إلى مسبباتها المعدودة المحدودة بقدر معلوم لا يزيد ولا ينقص، ولذلك لا يخرج شيء عن قضائه
وقدره. إذ القضاء يتعلق بالعلم، والقدر يتعلق بالإرادة، القدر يتعلق بالفعل، والقضاء يتعلق بالقوة، كما قسموا ذلك أن الشيء له. قوةٌ وله فِعل، فالسيف في غمده قاطعٌ بالقوة، لكنه عندما يقطع فعلاً فهو قاطعٌ بالفعل. فالقضاء هو علم الله، هو تدبير الله وترتيب الله، ولكنه عندما ينفذه ويُخرجه ويُنجزه فيكون ذلك قدراً أنه يطبقه في الحياة
الدنيا التي خلقها الله سبحانه وتعالى. فهذا ملخص ما قاله وهو أن الله سبحانه. وتعالى إذا فهمنا الكلام على مستوى الربوبية فهو خالق كل شيء وهو عليم بكل شيء فهو الذي علم وهو الذي دبر وهو الذي خلق. أما إذا نزلنا إلى الإنسان وجدنا أن بعض أفعاله إجبارية ليس له فيها اختيار كالميلاد وكالوفاة وكاللون وكجنسه أنه ذكر أو أنثى، وهناك أفعال أخرى متعلقة. به له فيها اختيار، وهذا هو الذي سيُؤاخذ عليه. لا يُسأل أحدنا
لِمَ وُلِد في هذا العصر ولِمَ مات في هذا العصر ولِمَ احتاج جسمه إلى الطعام أو إلى الراحة أو إلى العلاج، لكنه يُسأل في الأفعال الاختيارية التي فيها اختيار واضح نفهمه ونعيشه ونراه دون... إشكال يأتي الإشكال عندما نخلط ما بين المقام الإلهي والمقام البشري، بين الخالق والمخلوق. فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد خلق كل شيء بعلمه وقدرته، فكيف يحاسب على هذا الاختيار؟ وهنا يبدأ بعد هذا الخلط ما بين المستوى الإلهي والمستوى البشري تأتي
مشكلة القدر. وحاول أهل السنة التفهيم أنه سبحانه... وتعالى يخلق كل شيء ونحن في هذا الشيء الذي خلقه نختار في داخل هذا الشيء الذي هو خلقه كله بما فيه نحن وبما فيه إرادتنا وبما فيه آثار هذه الأفعال، خلق كل ذلك ونحن في داخل هذا نختار، فهذا هو الكسب الذي أتى به الأشعري أن الخلق من عند الله. والكسب اختياراً من عند العبد وعلى هذا الاختيار تتم المحاسبة. إذا أردنا أن نتعمق أكثر من ذلك في حل مشكلة القدر
والقضاء فإننا لا بد أن نتخيل أو أن نصدق أن الله خارج الزمان، خارج المكان، خارج الأشخاص، خارج الأحوال. الله سبحانه وتعالى الذي هو خارج الزمان ليس... هل لديه زمن أصلاً حتى يكون لديه ترتيب؟ فهو يرى بداية الخلق ويرى نهاية الخلق في لحظة لطيفة واحدة إن صح التعبير، لأنه أيضاً حتى هذه اللحظة غير موجودة لأنها مقدرة بالزمان. إنما هذا الكون الذي هو الله سبحانه وتعالى ليس داخلاً فيه، ولأن هذا الكون يحتوي، هو خارج عن هذا. الكون... خلق هذا الكون وأجراه وعلم ما به في ظاهره
وباطنه، في جليله ودقيقه، وقليله وكثيره. الله سبحانه وتعالى خلق وعلم ما الذي يحدث داخل هذا المخلوق. أنني أختار بمحض إرادتي. ينزل الله الكتب ويرسل الرسل ويقول لي: صلِّ وصم، لا تسرق، لا تقتل، لا تكذب، وأنا أختار. إذا كنت أفعل هذه الأشياء أو لا أفعلها، فإذا اخترت الخير فخير، وإذا اخترت الشر فعلى نفسي وتكون هناك العقوبة يوم القيامة. إذاً والله سبحانه وتعالى لا يظلم عنده أحد، والله سبحانه وتعالى لما خلق، لأنه خالق، كيف يتفق الإسلام، يتفق إذا
ما صدقنا أن الله لا يحتويه زمان ولا. مكان ومن هنا تسقط ثلاثة أرباع أسئلة الحيارى والملحدين والذين لا يؤمنون بالله: من الذي خلق الله؟ كيف وُجِد الله؟ متى وُجِد الله؟ إلى أي مآل يؤول الله؟ كل هذه الأسئلة لا مكان لها في المنطق والسؤال فيها خطأ لأن الإجابة هي أن الله خارج الزمان، وما دام هو خارج الزمان والمكان... فهو ليس كمثلنا ولا ينضبط بقوانيننا لأن قوانيننا هو الذي خلقها ويستطيع أن يخلق غيرها. هذا هو ملخص ما قرأناه
إلى الآن. تفضل ولا تفهم ذلك إلا بمثال، ولعلك شاهدت صندوق الساعة التي بها يُتعرَّف على أوقات الصلوات، وإن لم تشاهده فجملة ذلك أنه لابد فيه من آلة على شكل أسطواني. أسطوانة تحوي مقداراً معلوماً من الماء وآلة أخرى مجوفة موضوعة فيها فوق الماء وخيط مشدود أحد طرفيه في هذه الآلة المجوفة وطرفه الآخر في أسفل ظرف صغير موضوع فوق الآلة المجوفة وفيه كرة وتحته طاس بحيث لو سقطت الكرة وقعت في الطاس وسُمع طنينها ثم تُثقب أسفل الآلة الأسطوانية. بقدر معلوم ينزل الماء منه قليلاً قليلاً،
فإذا انخفض الماء انخفضت الآلة المجوفة الموضوعة على وجه الماء، فامتد الخيط المشدود بها، فحرك الظرف الذي فيه الكرة تحريكاً يقربه من الانتكاس إلى أن ينتكس، فتتدحرج منه الكرة وتقع في الطاس وتطن، وعند انقضاء كل ساعة تقع واحدة، وإنما يُقدَّر الفصل بين الوقعتين. بتقدير الخروج المائي وانخفاضه وذلك بتقدير سعة الثقب الذي يخرج منه الماء، ويُعرف ذلك بطريق الحساب، فيكون نزول الماء بمقدار مُقدَّر معلوم بسبب تقدير سعة الثقبة بقدر معلوم، ويكون انخفاض أعلى الماء بذلك المقدار، وبه يُقدَّر انخفاض الآلة المجوفة وانجرار الخيط بها المشدود، وتولُّد
الحركة في الظرف الذي فيه الكرة. كل ذلك يُقدَّر بتقديرٍ سببه لا يزيد ولا ينقص، ويمكن أن يجعل وقوع الكرة في الطاسة سبباً لحركة أخرى، وتكون الحركة الأخرى سبباً لحركة ثالثة، وهكذا إلى درجات كثيرة حتى تتولد منها حركات عجيبة مقدرة بمقادير محدودة، وسببه الأول نزول الماء بمقدار معلوم. فإذا تصورت هذه الصورة فاعلم أن واضعها يحتاج إلى ثلاثة أمور: أولها التدبير، وهو الحكم بشأن ما الذي ينبغي أن يكون من الآلة والأسباب والحركات حتى يؤدي إلى حصول ما ينبغي أن يحصل، وذلك هو الحكم. والثاني إيجاد هذه
الآلة التي هي الأصول، وهي الآلة الأسطوانية لتحتوي الماء، والآلة المجوفة لتوضع على وجه الماء، والخيط المشدود بها. والظرف الذي فيه الكرة والطاس الذي تقع فيه الكرة وذلك هو القضاء الثالث، نصب سبب يوجب حركة مقدرة محسوبة محدودة، وهو ثقب أسفل الآلة، ثقبة مقدرة الساعة يحدث بنزول الماء منها حركة في الماء تؤدي إلى حركة وجه الماء بالنزول، ثم إلى حركة الآلة المجوفة الموضوعة على وجه الماء، ثم إلى حركة الخيط ثم إلى حركة الظرف الذي فيه الكرة ثم إلى حركة الكرة ثم إلى الصدمة بطاس ثم إلى الطنين الحاصل منها ثم إلى تنبيه الحاضرين واستماعهم ثم إلى حركتهم في الاشتغال بالصلوات والأعمال
عند معرفتهم بانقضاء الساعة وكل ذلك يكون بقدر معلوم ومقدار مقدر بسبب تقدر جميعها بقدر الحركة الأولى وهي حركة المائة، فإذا فهمت أن هذه الآلات أصول لا بد منها للحركة، وأن الحركة لا بد من تقديرها ليُقدَّر ما يتولد منها، فكذلك فافهم حصول الحوادث المقدرة التي لا يتقدم منها شيء ولا يتأخر إذا جاء أجلها، أي حضر سببها، وكل ذلك بمقدار معلوم. إن الله بالغ. أمري قد جعل الله لكل شيء قدراً، فالسماوات والأفلاك والكواكب والأرض والبحر والهواء وهذه الأجسام العظام في العالم كتلك الآلات، وسبب المحرك للأفلاك والكواكب والشمس والقمر بحساب
معلوم كتلك الثقبة الموجبة لنزول الماء بقدر معلوم، وإفضاء حركة الشمس والقمر والكواكب إلى حصول الحوادث في الأرض كإفضاء حركة الماء إلى حصول تلك الحركات المفضية إلى سقوط الكرة المعرفة لعي حركات هفو ومثال تداعي حركات السماء ومثال تداعي حركات السماء إلى تغييرات الأرض هو أن الشمس بحركتها إذا بلغت إلى المشرق فاستضاء العالم وتيسر على الناس الأبصار فيتيسر عليهم الانتشار في الأشغال فإذا بلغت المغرب تعذر عليهم ذلك فرجعوا إلى المساكن وإذا اقتربت من وسط السماء وعلت
رؤوس أهل الأقاليم، حمي الهواء واشتد الحر. الحر مولانا بالكسر وعلت رؤوس أهل الأقاليم، حمي الهواء واشتد الحر. واشتد الحر وحصل نضج الفواكه، وإذا بعدت الحواجز حصل الشتاء. سامحني، نضج النضج بضم النون، وحصل نضج الفواكه، وحصل نضج الفواكه، وإذا بعدت حصل الشتاء. واشتد البرد، وإذا توسطت حصل الاعتدال فظهر الربيع، وأنبتت الأرض وظهرت الخضرة. الخضرة بفتح الخاء. الخضرة الخضرة، وقسم هذه المشهورات
التي تعرفها والغرائب التي لا تعرفها. اختلاف هذه الفصول كلها مقدرة بقدر معلوم لأنها منوطة بحركات الشمس والقمر. والشمس والقمر منوطة بأنها منوطة بحركات الشمس والقمر، بأنها منوطة بحركات الشمس. والقمر والشمس والقمر بحسبان أي حركتهما حركتهما بحساب معلوم، فهذا هو التقدير، ووضع الأسباب الكلية هو القضاء، والتدبير الأول الذي هو كلمح البصر هو الحكم. وكما أن حركة الآلة والخيط والكرة ليست خارجة عن مشيئة مشيئة وضع الآلة، بل ذلك هو الذي أراده بوضع الآلة، كذلك كل ما يحدث في العالم من الحوادث شرها وخيرها
نفعها وضررها غير خارج عن مشيئة الله تعالى، بل ذلك مراد الله تعالى ولأجله دبر أسبابه. وتفهيم الأمور الإلهية بالأمثلة العربية عسير، ولكن المقصود من الأمثلة التنبيه، فدع المثال وتنبه للغرض واحذر من التمثيل والتشبيه. إذاً فهذا كله يسمونه بعلم التوقيت والحركة وعلم التوقيت والحركة. هو الذي وراء نظرية الآلات، وهذا يعني تطور من كلام هؤلاء العلماء في الزمن الأول إلى أن اخترعوا الآلة بتروسها وقدرها وتوقيتها حتى لا يختل
نظام الحركات. ومن هنا أنشأوا آلات كثيرة بهذه النظرية، نظرية التتالي ونظرية التوقيت ونظرية الحركة في مواقيتها المقدرة، وبدأ كل شيء من ماكينة الخياطة وماكينة. كل أنواع الإنتاج تسير بهذا الحكم والقضاء والقدر بهذا الترتيب الذي ذكره الإمام، وضرب لنا مثالاً ونبهنا إلى أنه يجوز للمعلم أن يضرب الأمثال من أجل تقريب المفاهيم
الإلهية أو الشرعية. وكثيراً ما نستعمل المرآة في ضرب المثال، واستعملوا النقطة في ضرب المثال، والدائرة كذلك، والخط المستقيم، إلى آخر ما استعملوه. تقريباً بالمعاني الإلهية أو الشرعية للبشر، فضرب المثال إذاً جائز وإن كان كما قال عسيراً، لأنه قد لا يكون منضبطاً شاملاً لكل دقيقة من دقائق الأمر الإلهي أو الشرعي، في حين أن المثال قد يقصر عن كمال التوحيد. ولكن بالرغم من قصوره ومن صعوبته، إلا
أنه وسيلة جيدة للتعليم، وهذا الذي شرحه في الساعة بشكلها البسيط يُسمى بالساعة الرملية أو بالساعة المائية عندما تكون المادة التي تنساب منها رملاً، والرملية إذا كانت بالرمل. ولكنهم ركبوا عليها ساعات تتحرك فيها هذه الدوائر مثل حبات السبحة، حتى إذا ما رأينا أو سمعنا صوت الساعة عرفنا كم تكون، وتحركنا بناءً على الأصل السادس وأنه تعالى. سَمِيعٌ بَصِيرٌ يَسْمَعُ
وَيَرَى، لَا يَعْزُبُ عَنْ سَمْعِهِ مَسْمُوعٌ وَإِنْ خَفِيَ، وَلَا يَغِيبُ عَنْ رُؤْيَتِهِ مَرْئِيٌّ وَإِنْ دَقَّ، وَلَا يَحْجُبُ سَمْعَهُ بُعْدٌ، وَلَا يَدْفَعُ رُؤْيَتَهُ ظَلَامٌ، يَرَى مِنْ غَيْرِ حَدَقَةٍ وَأَجْفَانٍ، وَيَسْمَعُ مِنْ غَيْرِ أَصْمِخَةٍ وَآذَانٍ، كَمَا يَعْلَمُ مِنْ غَيْرِ قَلْبٍ، وَيَبْطِشُ بِغَيْرِ جَارِحَةٍ، وَيَخْلُقُ بِغَيْرِ آلَةٍ، إِذْ لَا تُشْبِهُ صِفَاتُهُ. صفات الله تعالى كما لا تشبه ذاته ذات المخلوقات، فذاته تعالى لا تشبه ذات المخلوقين، ولا تشبه ذاته ذات المخلوقات. السابع: الكلام، وأنه تعالى متكلم آمر ناهٍ واعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته، لا يشبه كلام المخلوقين، فليس
بصوت يحدث من انسلال هواء واصطكاك أجرام. اشتكاك أجرام ولا بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان. وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله، وأن القرآن مقروء بالألسن، مكتوب في المصاحف، محفوظ في القلوب. وأنه مع ذلك قديم قائم. ذات الله تعالى لا تقبل الانفصال والافتراق بالانتقال إلى القلوب والأوراق، وأن موسى، سيدنا موسى عليه السلام، سمع كلام الله تعالى بغير صوت ولا حرف، كما يرى الأبرار ذات الله سبحانه من غير شكل ولا لون. وإن كانت له هذه الصفات، كان حياً عالماً قادراً مريداً سميعاً
بصيراً متكلماً بالحياة. والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام ليست بمجرد الادعاء، إذاً هو هنا يتكلم رداً على المعتزلة الذين ينكرون الصفات ويقولون إنه عليم بذاته، قدير بذاته، مريد بذاته، ويقول إن هذه صفات مختلفة فلا بد أن تكون زائدة على الذات وفي نفس الوقت لا يمكن أن تكون منفصلة، فهي ليست هي الذات وليست غير الذات، ليست غير الذات بمعنى أنها ليست منفكة ولا منفصلة ولا أننا نعبد آلهة متعددين قدماء، بل إنها ذات واحدة اتصفت بكل هذه الصفات وأكثر. الله أكثر من تعليمنا هذه
الصفات في الكتاب والسنة وفي كتبه المنزلة، أنه رحمن رحيم، أنه مريد، أنه عالم، أنه... متكلمٌ ولا يزال متكلمًا لأنها ليس حولها زمن إلى آخر، ما هنالك أن هذه صفات قائمة بالذات، فهي غير الذات لأنها قائمة بالذات، وهي ليست أعراضًا كصفاتنا نحن في أجسادنا، بل هي قديمة، ولذلك فهي غير الذات، وليست منفكة عن الذات. فهذه العبارة التي قد يراها بعضهم أنها متناقضة. هي في الحقيقة غير متناقضة لأنها تثبت حقيقة وهي أن الصفات غير الذات باعتبار التعدد وأنها هي عين الذات باعتبار القيام
بها، فهذا هو كلامنا. وكما قلنا في الدرس السابق، فقدرة وإرادة وسمع وبصر وعلم وحياة وكلام، هذه السبعة هي الصفات الذاتية التي يجب أن نحفظها. تفضيل الأصل الثامن في الأفعال وأنه تعالى لا موجود سواه إلا وهو حادث بفعله وفائض من عدله على أحسن الوجوه وأكملها وأتمها وأعدلها، وأنه حكيم في أفعاله عادل في أقضيته، ولا يقاس
عدله بعدل العباد، إذ العبد يتصور منه الظلم بتصرفه في ملك غيره، ولا يتصور الظلم من الله سبحانه. فإنه لا يصادف لغيره مُلكاً حتى يكون تصرفه فيه ظلماً، وكل ما سواه من جن وإنس وشيطان وملك وسماء وأرض وحيوان ونبات وجوهر وعرض ومدرك ومحسوس حادث اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعاً، وأنشأه بعد أن لم يكن إنشاءً، إذ كان في الأزل موجوداً وحده ولم يكن معه غيره. فأحدثَ الخلقَ بعد ذلك إظهاراً لقدرته وتحقيقاً لما سبق من إرادته ولما حقَّ في الأزل من كلمته، لا لافتقاره إليه وحاجته، وأنه
متفضلٌ بالخلق والاختراع والتكليف لا عن وجوب، ومتطولٌ بالإنعام والإصلاح لا عن لزوم، فله الفضل والإحسان والنعمة والامتنان، إذ كان قادراً على أن يصبَّ على عباده أنواع العذاب. ويبتليهم بذنوب الآلام والأوصاب، ولو فعل ذلك لكان منه عدلاً ولم يكن قبيحاً ولا ظلماً، وأنه يثيب عباده على طاعته بحكم الكرم والوعد لا بحكم الاستحقاق واللزوم، إذ لا يجب عليه فعل ولا يتصور منه ظلم، ولا يجب عليه لأحد حق، وأن حقه في الطاعة وجب على الخلق بإيجابه على. لسان أنبيائه، لا بمجرد العقل، ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات
الظاهرة، فبلّغوا أمره ونهيه ووعده ووعيده، ووجب على الخلق تصديقهم فيما جاءوا به. ضابطها أنها لا تقتضي في نفيها نقص الذات، يقتضي نفيها نقصاً يعني عيباً أو خطأً. لا يجوز أن نقول إن الله ليس بعليم، نفينا عنه العلم ليس. ليس بمريض، ليس بحي، ليس بسميع، ليس ببسيط - إذا نُفيت صفات الذات فهذا كفر.
ولكن الأفعال مثل أنه رحمن، فنقول إن الله قد يرحم المشرك الكافر، وقد يرحم المؤمن التقي، وقد يرزق من يشاء، وقد يُقدِّر الرزق عمن يشاء، وقد يخلق لفلان ولداً، وقد لا يخلق لعلان ولداً، فيخلق أو لا يخلق، يرحم. أو لا يرحم يرزق أو لا يرزق، إذاً فهذه صفات أفعال نفيها لا يلزم نقصها، أما صفات الذات فنفيها يلزم نقصها. الأصل التاسع في اليوم الآخر وأنه يفرق
بالموت بين الأرواح والأجساد، ثم يعيدها إليها عند الحشر والنشور، فيبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور، فيرى كل مكلف. ما عمله من خير أو شر محضراً، ويصادف دقيقة ذلك وجليله مستوراً بكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ويعرف كل واحد مقدار عمله خيره وشره بمعيار صادق يعبر عنه بالميزان، وإن كان لا يساوي ميزان الأعمال ميزان الأجسام الثقيلة، كما لا يساوي الأسطرلاب الذي هو ميزان المواقيت والمسطرة. التي هي ميزان المقادير، والعروض الذي هو ميزان الأشعار، وسائر الموازين، ثم
يحاسبهم على أفعالهم وأقوالهم وسرائرهم وضمائرهم ونياتهم وعقائدهم، مما أبدوه وأخفوه. فإنهم يتفاوتون فيه إلى مناقش في الحساب، وإلى مسامح فيه، وإلى من يدخل الجنة بغير حساب. وأنهم يُساقون إلى الصراط، وهو جسر ممدود بين منازل الأشقياء. والسِراط الممدود على جهنم أحدُّ من السيف وأدق من الشعرة، يخفُّ عليه من استوى في الدنيا على الصراط المستقيم الذي يوازيه في الخفاء والدقة، ويتعثر به من عدل عن سواء السبيل المستقيم، إلى من عُفي عنه بحكم الكرم والجود، وأنهم عند ذلك يُسألون، فيُسأل
من شاء، فيُسأل من شاء من الأنبياء عن تبليغ. الرسالة ومن شاء من الكفار عن تكذيب المرسلين ومن شاء من المبتدعة عن السنة ومن شاء من المسلمين عن أعمالهم فيسأل الصادقين عن صدقهم والمنافقين عن نفاقهم ثم يساق السعداء إلى الرحمن وفداً والمجرمون إلى جهنم ورداً ثم يأمر بإخراج الموحدين من النار بعد الانتقام حتى لا يبقى في النار مَن في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ويخرج بعضهم قبل تمام العقوبة والانتقام بشفاعة الأنبياء والعلماء والشهداء ومن له رتبة الشفاعة، ثم يستقر أهل السعادة في الجنة مُنَعَّمين أبد الآبدين مُمتَّعين بالنظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى، ويستقر
أهل الشقاوة في النار مُردَّدين تحت أنواع العذاب مُبعَدين عن النظر بالحجاب. إلى وجه الله ذي الجلال والإكرام، إذًا فهذا هو القسم الثالث من التوحيد وهو السمعيات، وأهم هذه السمعيات هو اليوم الآخر الذي هو ثمرة الدنيا. لا بد من الحساب، من الثواب والعقاب، بهذه المشاهد الجليلة التي ذُكرت في الكتب وخاصة القرآن. الأصل الثاني هو هنا، عُدَّه العاشر أو القسم الثاني. في توحيد الإلهيات الأول فقال الأصل العاشر في النبوة وأنه خلق
الملائكة وبعث الأنبياء وأيدهم بالمعجزات وأن الملائكة كلهم عباد لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون بل يسبحون الليل والنهار لا يفترون وأن الأنبياء رسله إلى خلقه وينتهي إليهم وحيه بواسطة الملائكة فينطقون عن وحي يوحى لا عن الهوى وأنه بعث النبي الأمي القرشي سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم برسالته إلى كافة العرب والعجم والجن والإنس، فنسخ بشرعه الشرائع إلا ما قرر، وفضله على سائر الأنبياء، وجعله سيد البشر، ومنع كمال الإيمان بشهادة التوحيد وهو قول "لا إله إلا الله" ما لم تُقرن بها شهادة
الرسول. وهو قولُك يا سيدنا محمد رسول الله، وألزَمَ الخلقَ تصديقَه في جميع ما أخبر عنه في أمر الدنيا والآخرة، وألزمهم اتباعَه والاقتداءَ به، فقال: "وما آتاكُمُ الرسولُ فخُذوه وما نهاكم عنه فانتَهوا". فلم يُغادر شيئاً يُقرِّبُهم إلى الله تعالى إلا أمرهم به ودلَّهم على سبيله، ولا شيئاً يُقرِّبُهم إلى النار. ويبعدهم عن الله تعالى إلا نهاهم عنه وعرفهم طريقاً لأن ذلك أموراً لا يرشد إليها مجرد العقل والذكاء بل هي أسرار يكاشف بها من
فضيلة نانسي قر