الأربعين في أصول الدين للإمام الغزالي | المجلس الرابع | أ.د علي جمعة

الأربعين في أصول الدين للإمام الغزالي | المجلس الرابع | أ.د علي جمعة - الأربعين في أصول الدين, تصوف
اللهم صل على سيدنا محمد سيدي انطلق البث. أضع فقط رابطه للأحبة ونبدأ يا سيدي. أبدأ دقيقة يا سيدي. هذا هو الذي أخاف منه. لا يا سيدي، البث الآن موجود. نحن في البث الآن، البث موجود ولكن نبدأ. لا، دقيقة يا سيدي. نبدأ في مشكلة يا سيدي. هذا هو، هذا هو. الكلام نعم يا سيدي حفظكم الله يا سيدي. سيدي،
نبدأ بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سيدي، توقفنا في باب الذكر، في ذكر الله. تعالى في كل حال. نعم تفضل. لم تتمكن من الصفحة إذاً. في ذكر الله تعالى في كل حال. قال الله تعالى: "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم" وقال: "اذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون" وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "اذكر اسم ربك" وتتمنون
أن تلاقوا أعداءكم وتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم. قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ فقال: ذكر الله عز وجل. وقال صلى الله عليه وسلم: سبق... "سبق المفردون" فقيل: ومن هم يا رسول الله؟ فقال: "المستهترون بذكر الله، وضع ذكر الله عنهم أوزارهم، فوردوا القيامة خفافاً". واعلم أنه قد انكشف الأمر، لكن يعني الضبط الصحيح "المستهترون بذكر الله"، نعم، وليس "المستهترون". المستهترون بذكر الله، ووضع
ذكر الله عنهم أوزارهم، فوردوا القيامة خفافاً. واعلم. أنه قد انكشف لأرباب البصائر أن الذكر أفضل الأعمال، ولكن له أيضًا قصور ثلاثة، بعضها أقرب إلى اللب من بعض، وله لب وراء القصور الثلاثة. وإنما فُضلت القصور لكونها طريقًا إليه، فالقصر الأعلى من ذكر اللسان فقط، والثاني ذكر القلب إذا كان القلب يحتاج إلى مراقبة. حتى يحضر مع الذكر ولو ترك وطبعه لاسترسل في أودية الأفكار، وطبعه لأنه مفعول معه، وطبعه يعني مع طبعه، نعم، وطبعه، وأولمعية صار الجيش والنهر
يعني بجوار النهر أو مع النهر، نعم، والثالث أن يتمكن الذكر من القلب ويستولي عليه بحيث يحتاج إلى تكلف في صرفه عنه إلى... غيره كما احتاج في الثاني إلى تكلف في قراره معه ودوامه عليه، والرابع وهو اللباب أن يستمكن المذكور من القلب وينمحي الذكر ويخفى، وهو اللباب المطلوب، وذلك بأن لا يلتفت إلى الذكر ولا إلى القلب، بل يستغرق المذكور جملته، ومهما ظهر له في أثناء ذلك التفات إلى الذكر فذلك حجاب. شاغل ويخفى وينمحي الذكر ويتلاشى أي لا يوجد له أثر، ولكن المذكور هو
الذي يبقى في القلب. نعم، وهذه الحالة هي التي يعبر عنها العارفون بالفناء، وذلك بأن يثنى عن نفسه حتى لا يحس بشيء من ظواهر جوارحه ولا من الأشياء الخارجة عنه ولا من العوارض الباطنة فيه، بل يغيب عن جميع ذلك ويغيب عن جميع ذلك ذهاباً إلى ربه أولاً، ثم ذهاباً فيه آخراً. فإن خطر له في أثناء ذلك أنه فني عن نفسه بالكلية، فذلك أيضاً شائبة كذرة وكدورة، بل الكمال في أن يفنى عنه. ويفنى عن الفناء أيضاً فإن الفناء عن الفناء غاية
الفناء، وهذا قد يظنه الفقيه الرسمي أنه طامات غير معقولة، وليس كذلك، بل هذه الحالة لهم بالإضافة إلى محبوبهم، فحالتك في أكثر أحوالك بالإضافة إلى محبوبك من جاه أو مال أو معشوق، فإنك تصير مستغرقاً فإنك قد تصير مستغرقاً لشدة الغضب بالتفكير في عدوك، ولشدة شهوتك بالتفكير في معشوقك، حتى لا يكون فيك متسع لشيء أصلاً. فتُخاطَب فلا تفهم، ويجتاز أمامك أحد فلا تراه، يعني يتكلم معك الناس وأنت غائب عن كلامهم، فتُخاطَب فلا تفهم، فتُخاطَب فلا تفهم، ويجتاز بين
يديك غيرك فلا تسمع، كأن بأذنيك صمماً. وأنت في هذا ويتكلم عندك فلا تسمع وما بأذنيك صمم، يعني أذنيك سليمة ولكنك لا تسمع من شدة انشغالك بعدوك أو معشوقك. نعم، وأنت في هذا الاستغراق غافل عن كل شيء وعن الاستغراق أيضاً، فإن الملتفت إلى الاستغراق معرض عن المستغرق به. إنما سموا هذه الحالة فناءً وإن كان الشخص والظل باقيان لأن الأشخاص والظلال بل سائر المحسوسات ليس لها حقيقة الوجود، بل الوجود الحقيقي لعالم الأمر والملكوت،
والقلب من عالم الأمر. قال الله تعالى: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾، والقوالب من عالم الخلق. وأعني بالقلب اللطيفة الذاكرة العارفة التي هي مهبط الأنوار الإلهية التي هي مهب. هي هي مهبط الأنوار الإلهية دون القلب الظاهر، فإن ذلك من عالم الخلق. ولا تفهم من هذه إشارة إلى قدم الروح وحدوث القالب، بل هما جميعاً حادثان. وإنما أعني بالخلق ما تقع عليه المساحة، ما تقع عليه مساحة التقدير وهي الأجسام وصفاتها. وأعني بعالم الأمر ما لا يتطرق إليه تقدير. والعالم الجسماني ليس له وجود حقيقي بل هو من ذلك العالم كظل من الأجسام، وليس لظل
الإنسان حقيقة الإنسان، وليس للشخص حقيقة الوجود بل هو ظل الحقيقة، والكل من صنع الله تعالى، ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو. والآصال وسجود عالم الأمر تعالى طوع سجود الظلال كرهاً وتحته سراً، بل أسرار تحرك أوائلها سلسلة المجانين والحمقى فضلاً عن أواخرها، فلنتجاوزها. طيب، هناك عدة ملاحظات ابتداءً من قوله وإن كان الشخص والظل باقيين. لأن الأشخاص والأطلال - والأطلال هي بقايا المباني بعد
هجران الحبيب منها، فالأطلال جمع طلل - ولكن الظل الجمع الشائع له ظلال وليس أظلال، فهو يبدو هنا أن الأشخاص والأطلال بل سائر المحسوسات ليس لها حقيقة الوجود، بل الوجود الحقيقي لعالم الأمر والملكوت. وثانياً، ولا تفهم من هذا إشارة إلى قدم. الروح وحدوث القالب بفتح اللام، القالب هو كجسم الإنسان الذي يوضع فيه الشيء كالإناء، فهو قالب. ولكن القالب اسم فاعل من قلب. وثالثاً
يقول: وسجود عالم الأمر لله تعالى طوعٌ. مبتدأ خبر، وسجود عالم الأمر لله تعالى طوعٌ. "ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين". وسجود الظلال كره لأن الإنسان... عندما يتحرك يتحرك معه ظله كرهاً، ليس بإرادة هذا الظل، ولكن الظل هو امتناع ضوء الشمس من الوقوع على الأرض لحجاب الجسم، فهو تابع لهذا الجسم. فكذلك نحن نتبع وجود الحق، هناك جزء منا بالطاعة والطوع، وهناك جزء آخر بالكره كما تكلم
الله. فهذا أفهمناك ما أرادوه بالفناء. أكمل. فقد أفهمناك ما أرادوه بالفناء فدع عنك الغيبة والتكذيب بما لم تحط بعلمه كما قال الله تعالى: "بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه" وقال الله تعالى: "إذ لم يهتدوا به وسيقولون هذا إفك قديم". فإذا فهمت الفناء في المذكور فاعلم أنه أول الطريق وهو الذهاب إلى الله تعالى وإنما الهدى. بعده أعني بالهدى هدى الله تعالى كما قال الخليل عليه السلام إني ذاهب إلى ربي سيهدين فأول الأمر ذهاب إلى الله ثم ذهاب في الله وذلك هو الفناء والاستغراق به ولكن هذا الاستغراق أولاً يكون كبريق خاطف قلما
يثبت ويدوم فإن دام ذلك وصار عادة راسخة وهيئة ثابتة عرج به إلى العالم الأعلى وصاعداً إلى الوجود الحقيقي الأصفر، وانطبع فيه نقش الملكوت، وتجلى له قدس اللاهوت، وأول ما يتمثل له من ذلك العالم جوهر الملائكة وأرواح الأنبياء والأولياء في صورة جميلة، يفيض إليه بواسطتها بعض الحقائق، وذلك في البداية إلى أن تعلو درجته على المثال، فيكافح بصريح الحق في كل شيء. فإذا رُدَّ إلى هذا العالم الحادث الذي هو كالظلال، نظر إلى الخلق نظرة مترحم عليهم لحرمانهم من مطالعة جمال حضرة القدس، وتعجب
منهم في قناعتهم بالظلال وانخداعهم بآلام الغرور وآلام الخيال. فيكون معهم حاضراً بشخصه، غائباً بقلبه، يتعجب من حضورهم ويتعجبون هم من غيبته، فهذه... ثمرة لباب ذكر وإنما فهذه ثمرة لباب الذكر وإنما مبدؤها ذكر اللسان ثم ذكر القلب تكلفاً ثم ذكر القلب طبعاً ثم استيلاء المذكور وانمحاء الذكر وهذا سر قوله صلى الله عليه وسلم من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله تعالى بل سر قوله صلى الله عليه وسلم يُفضل الذكر الخفي على الذكر الذي تسمعه الحفظة سبعين ضعفاً، واعلم أن كل ذكرٍ يشعر به
قلبك تسمعه الحفظة، فإن شعورهم يقارن شعورك وفيه شرك خفي، حتى إذا غاب ذكرك عن شعورك بذهابك في المظهور بالكلية فيغيب ذكرك عن... شعور الحفظة وما دام القلب يشعر بالذكر ويلتفت إليه فهو معرض عن الله تعالى وغير منفك عن شرك خفي حتى تصير مستغرقاً بالوحدة الحقيقية بالواحد الحقيقي، فذلك هو التوحيد. كذلك القول في المعرفة، فمن طلب المعرفة للمعرفة فقد قال بثانٍ، ومن وجدها كأنه لا يجدها بل يجد المعرفة. بها فهو الذي تمكّن من حقيقة الوصال وحلّ
"يحبون" وحلّ "يحب" في سعة ورحابة حظيرة القدس، وحلّ في سعة حظيرة القدس. والبحبوحة هي السعة والشيء الواسع. فإن قلت، فإن قلت، فإن قلت، فلما، فلما اختصت هذه المكاشفات، هذه المكاشفات بحال الفناء، فاعلم أن هذه قصة يطول فيها نظر الناظر، ولكن إذا تأملت... لم تقصر عن أن تدرك أن الحواس وعوارض النفس وشهواتها جاذبة إلى هذا العالم المحسوس، عالم الزور والغرور، ولذلك ينكشف صريح الحق بالموت لبطلان سلطان الحواس والخيالات التي تولي بوجه القلب إلى عالم السفل. فإذا
قصر عنك سلطان الحواس بالنوم، طالعت شيئاً من الغيب على قدر استعدادك وقبولك وهمتك بمثال يحتاج. لا حاجة إلى تغيير، وما أظن أنك لم تصادف من نفسك رؤيا صادقة اطلعت بها على أمر مستقبلي، لكنك بالمثال إذ الخيال لا يفتر في النوم وإن توقفت الحواس، فلذلك يضعف الظلال ولا يخلو من شوب المثال. وأما الفناء فهو عبارة عن حالة تتوقف فيها الحواس ولا يشتغل الخيال ولا تشتغل الحواس ويسكن فيها الخيال. فلا يوسوس، فإن بقيت فيها فلا يوسوس، فلا يتشوش. فإن بقيت في الخيال بقية مغلوبة لم تؤثر إلا في محاكاة ما يتجلى من عالم القدس حتى يتمثل
الأنبياء والملائكة والأرواح المقدسة في قوالب الخيال. فهذه الأمور نبهتك عليها لتكون متشوقاً إلى أن تصير من أهل الذوق لها، فإن لم تكن فمن أهل العلم بها، فإن لم تكن فمن أهل الإيمان بها، ويرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات. آمنوا منكم، آمنوا منكم، الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات. وإياك أن تكون من المنكرين لها، فتلقى العذاب الشديد إذا كُشفت بالحق عند سكرات الموت الذي كنت منه تحيد. وقيل إنها
متباعدة، فإن العينين مثلاً يُتصور أن يصدق بوجود شهوة الواقع لغيره بأن يقبل البارحة الوقاع لغيره. الوقاع لغيره شهوة الوقاع، يعني الشهوة التي بين الرجل والمرأة. نعم، بأن يقبل ذلك ممن يُحسن ظنه به ولا يتهمه بالكذب، وذلك إيمان. ويُتصور أن يعلم بالبرهان. وجوده لغيره وهو علم ومأخذه القياس إذ ينظر إلى شهوته للطعام مثلاً فيقيس بها
شهوة الوقاع وكل ذي التهمة فاجتهد أن تصير من أهل المشاهدة فليس الخبر كالمعاينة، فإن قلت: فقد عظّمت أمر الذكر، فهو أفضل أم قراءة القرآن؟ فاعلم أن قراءة القرآن أفضل للخلق كلهم إلا للذاهب. إلى الله فهو أفضل
للذاهب إلى الله في جميع أحوال بدايته وفي بعض أحواله وفي بعض أحواله في نهايته، فإن القرآن هو المشتمل على صنوف المعارف والأحوال والإرشاد إلى الطريق، فما دام العبد مفتقراً إلى تهذيب الأخلاق وتحصيل المعارف فالقرآن أولى به، فإن جاوز ذلك واستولى الذكر على قلبه بحيث يُرجى له أن يؤدي به ذلك إلى الاستغراق، فمداومة الذكر أولى به، فإن القرآن يجاذب خاطره ويسرح به في رياض الجنة، والمريد الذاهب إلى الله تعالى لا ينبغي له أن يلتفت إلى الجنة ورياضها، فينبغي له أن يجعل
همه همًا واحدًا وذكره ذكرًا واحدًا حتى يدرك درجة الفناء والاستغراق، ولذلك قال الله. عز وجل ولذكر الله أكبر، وكذلك من ينتهي إلى درجة الاستغراق ولا يدوم ولا يثبت، فقط تنفعه تلاوة القرآن. وهذه حالة نادرة عزيزة كالكبريت الأحمر، يُتحدث به ولا يوجد، فتكون تلاوة القرآن أفضل مطلقاً لأنها أفضل في كل. حال إلا في حال من شغله المتكلم عن الكلام، إذ لُباب القرآن معرفة المتكلم بالقرآن ومعرفة جماله والاستغراق به، والقرآن سائق إليه. وهذه النحوة، ومن أشرف على المقصد لم يلتفت
إلى الطريق. فاعلم أن الأفضل كما ذكرناه استيلاء المذكور على القلب، وهو شيء واحد لا كثرة فيه حتى تختار أفضله. وذلك عين الجمع والتوحيد، وإنما التفرقة والكثرة قبل ذلك ما دمت في مقام الذكر باللسان أو القلب، وعند هذا ينقسم إلى أفضل وغير أفضل. وفضله بحسب الصفات التي يُعبر عنها بالأذكار، والصفات والأسماء الواردة في... حق الله سبحانه وتنقسم إلى ما هو حقيقة في حق العباد مؤولة في حقه سبحانه كالصبور والشكور والرحيم المنتقم، وإلى ما هو حقيقة في حقه سبحانه وإذا استعمل في حق غيره كان مجازاً، فمن أفضل الأذكار لا
لا إله إلا الله الحي القيوم، فإن فيه اسم الله الأعظم، وإذ قال صلى الله عليه وسلم: "اسم الله الأعظم في آية الكرسي وأول آل عمران"، ولا يشتركان إلا في هذا، وله سر يضيق عن فهمك ذكره، والقدر الذي يمكن. الرمز إليه أن قولك لا إله إلا الله يشعر بتوحيد ومعنى الوحدانية في الذات والرتبة، والرتبة حقيقية حقيقية في حق الله تعالى غير مؤولة، بل هي في حق غيره مجاز ومؤولة. وكذلك الحي، فإن معنى الحي هو الذي يشعر بذاته ويعلم
ذاته، والميت هو الذي لا خبر له من ذاته. وهذا أيضاً حقيقي، هذا أيضاً حقيقي لله تعالى غير مؤول، والقيوم يشعر بكونه قائماً بذاته وأن كل شيء قيامه به، وهذا أيضاً حقيقي له عز وجل غير مؤول، لا يوجد لغيره بل لا يُتصور لغيره، وما عدا هذا من الأسماء الدالة على الأفعال كالرحيم والمقسط والعدل وغيره فهو دون ما... يدل على الصفات لأن مصادر الأفعال هي الصفات، فالصفات أصل والأفعال تبع، وما عداها من الصفات التي تدل على القدرة والعلم والإرادة والكمال والسمع والبصر، فذلك مما يُظن أن ثابت منها لله عز وجل مفهوم ظواهرها، وهيهات! فإن المفهوم من
ظواهرها أمور تناسب صفات الإنسان وكلامه وقدرته. وعلمه وإرادته وسمعه وبصره بل لها حقائق يستحيل ثبوتها للإنسان فتستخرج من هذه الأسماء بنوع من التأويل. فهذا ينبهك على ما يحتمله فهمك من اختصاص هذه الكلمات بكونها أعظم. ويقرب منه قولك سبحان الله. ويقرب منه قولك سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
شيطان بلا تأويل. وهو تبارك وتعالى المستوجب للحمد وحده إذ لا شركة لأحد معه في فعله أصلاً والبتة كما لا شركة للقلم مع الكاتب في استحقاق المحمدة عند حسن الخط. واعلم أن كل من سواه ممن ترى منه نعمة فهو مسخر له كالقلم فهذا مثال. ينبئ عن تفرده باستحقاق الحمد. لا إله إلا الله، فقد عرفتَ أنه التوحيد الحقيقي. وقولك: "الله أكبر" ليس المعنى به أنه أكبر من غيره، إذ ليس معه سبحانه غيره حتى يقال إنه أكبر منه، بل كل ما سواه فهو نور
من أنوار قدرته، وليس لنور الشمس من الشمس رتبة. المائية حتى يقال إنها أكبر من رتبة التبعية، بل معناه أنه أكبر من أن ينال بالحواس ويُدرك جلاله بالعقل والقياس، بل أكبر من أن يُدرك كنهه. جلال كُنْه جلاله أكبر من أن يُعرف، بل أكبر من أن يعرفه غيره، بل أكبر من أن يدرك كُنْه جلاله غيره، بل أكبر من أن يعرفه غيره، فإنه لا يعرف الله إلا الله، فإن منتهى معرفة عباده أن يعرفوا أنه يستحيل منهم
معرفته. الحقيقة ولا يعرف ذلك أيضاً بكماله إلا نبي أو صديق. أما النبي فيعبر عنه فيقول: "لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك". وأما الصديق فيقول: "العجز عن إدراك الإدراك إدراك". فإن تطلعت إلى زيادة تحقيق في هذا المعنى واستنكرت قولي: "لا يعرف الله إلا الله"، فاطلب معرفة حقيقته. بالبرهان من كتاب المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، ويكفيك الآن هذا القدر من الرموز إلى أسرار الذكر. وأفضل الأذكار منها هذا أصل عظيم في الطريق إلى الله، وهو الذكر وأسرار
الذكر. والطريق إلى الله مبني على الذكر والفكر، كآية أهل عمران: "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً". وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار. وعلماء المسلمين كالإمام الغزالي رضي الله تعالى عنه تعمقوا في الذكر وفي الفكر وكتبوه بمثل هذا التفصيل الذي قرأناه أو تحدثنا حوله لأن هذا لا ينتهي في إيضاحه ولا في درجات معرفته وعمقه وفهمه. وقد كُتِبَت فعلاً آلافُ الصفحات بل آلافُ الكتب في ذكر الله
أكبر، فتكلموا عن ذكر اللسان وعن ذكر القلب استرجاعاً وعن ذكر القلب قطعاً وعن الفناء عن هذا الذكر وبقاء المذكور وحده سبحانه وتعالى، حتى لا يرى المرء في الكون شيئاً إلا من خلال إيمانه بالله سبحانه وتعالى وصفاته وبعد. ذلك نذهب إلى لُبّ الذكر وهو هذه الحالة التي يكون فيها القلب دائماً ضارعاً مع الله. ينتج من هذا أنهم التفتوا إلى هذه الدقائق أن الاشتغال بالذكر والالتفات إليه هو نوع حجاب يحجبهم عن دخول
الحضرة القدسية التي هي الغاية في النهاية من ذلك الذكر، بل إن الإنسان لا يلتفت. حتى إلى الذكر كما قيل لأبي يزيد البسطامي: ما لنا نعبد الله ولا نجد حلاوة العبادة؟ قال: عبدتم العبادة، اعبد الله تجد لذة العبادة. بمعنى أن الإنسان لو افتخر في نفسه بأعماله، كما هو شأن النابتة الآن في الأرض، يفتخرون بأعمالهم ويرون أنفسهم أنهم قد فعلوا وفعلوا، وأن الناس لا تفعل مثل ما فعلوا وكأنهم أفضل من الخلق، فكل هذا حجاب لا يجعل الإنسان يصل إلى اللبوة، إلى مرحلة القلوب الضارعة. فيجب
علينا أن نلتفت إلى هذه المعاني التي أشار إليها السيد الإمام أبي حامد، أبو حامد الغزالي. بعد ذلك هو يتكلم عن أن الرسوم التي حولنا قائمة بالله. وليست قائمة بنا أو بنفسه، القائم بنفسه وحده هو الله سبحانه وتعالى، ومن هنا سُمِّي بالقيوم، الحي القيوم، لأنه قائم بنفسه لا يحتاج إلى غيره. وكل هذا العالم الذي نحن حوله يحتاج إلى غيره، فهو بالتقريب على ما وهبنا الله من مخترعات حديثة هو يُمثّل شيئاً مثل التلفاز أو السينما. وعندما دخلت السينما بلاد المسلمين والعرب
سمّوها خيال الظل، أي أنهم سمّوها كأنها خيال لأنها فجأة إذا أُغلقت آلة العرض اختفت الصورة. فهكذا نحن، الله سبحانه وتعالى - ولله المثل الأعلى - كأنه سبحانه أوجد هذا الكون، ولكنه في أي لحظة يمكن أن يُفنيه، "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"، "كل ما عليها فانٍ". فإن ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، حينئذٍ الإنسان لا يموت وإنما يفنى وينتهي، أي لا وجود له مثل صورة السينما أو صورة التلفاز إذا ما انطفأت. والإمداد الذي يمده الله سبحانه وتعالى للبشر جعل أهل السنة والجماعة يتكلمون عن أن العرض لا يقع زمانين ولا يقوم
في محلين ولا ذلك فنحن في خلق مستمر، كل يوم هو في شأن. فأنا في وجودي الآن لست هو أنا بالأمس ولا في اللحظة السابقة، فإن الله ما زال يخلقني، فهو الخالق على الدوام. هذا المفهوم يجعل فهماً عميقاً لكلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله"، يعني الإنسان لا يملك حال نفسه والإنسان. ليست له قوة مستقلة ولا حقيقية، فإذا شعر الإنسان باحتياجه إلى الله وبمنة الله عليه، فإنه يتعلم الحب ويتعلم الصبر ويتعلم الشوق إلى العبادة ويتعلم التوكل ويتعلم التسليم ويتعلم كل تلك المعاني التي نذكرها، لكنها من بدايتها من
فهم "لا حول ولا قوة إلا بالله"، ولذلك رسول الله يقول لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز العرش، فهي كنز لأنها بها المبتدأ وإليها المنتهى، وبها التقويم وإليها الفعل. فيجب علينا أن نعتقد في هذه الأشياء التي ذُكرت لنا قضية الحقيقة وقضية المجاز وقضية أسماء الله الحسنى، وما يُبنى عليها من عقائد، وما يُبنى عليها أيضاً من عمل. وهنا أشار إشارة عجيبة أن فقهاء الظاهر قد ينكرون هذا الكلام لأنهم يركزون في صحة
الأعمال الظاهرة، وأشار إشارة أخرى إلى أن القرآن وإن كان هو من الذكر إلا أنه لعموم الناس بجميع درجاتهم، فإنه هو الذي له أثر كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ ولا ذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنع، فهذا هو ما تعلمناه اليوم في هذا الأصل، وهو أصل أصيل وأصل مهم، وينبغي أن نقرأه مرات ومرات حتى نستوعب هذا الكلام العجيب الذي وفَّق الله الإمام الغزالي لشرحه، لأنه موافق لأهل السنة والجماعة، ولأنه موافق للحقيقة ونفس الأمر، ولأنه
موافق لبرنامج العمل. الصوفي الذي يسير فيه الإنسان مع التزامه بالشريعة الغراء التزاماً تاماً إلى الله سبحانه وتعالى ويحافظ على ما في الكتاب وما في السنة ولكنه أيضاً يعمل بلسان ذاكر بقلب ذاكر بسر فانٍ حتى يصل إلى الله من كل جهة. الأصل السابع، الأصل السابع، الأصل السابع: طلب الحلال. قال الله سبحانه وتعالى كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً، والحرام خبيث وليس بطيب، وقد قرن عز وجل أكل الطيبات بالعبادات، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلب الحلال فريضة على كل مسلم بعد الفريضة"، طلب الحلال فريضة
على كل مسلم بعد الفريضة، أي بعد فريضة الإيمان والصلاة، وقال صلى الله عليه وسلم. مَن أكلَ الحلال أربعين يوماً نوَّر الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، وفي رواية زهَّده الله في الدنيا. وقال صلى الله عليه وسلم: إن لله تعالى ملكاً على بيت المقدس ينادي كل ليلة: من أكل حراماً لم يُقبل منه، لم يُقبل منه صرفاً ولا عدلاً، صرفاً ولا. عدلاً، نعم، لم يقبل منه صرف ولا عدل، فالصرف النافلة والعدل. وقال صلى الله عليه وسلم: "من اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفي ثمنه درهم حرام لم يقبل الله منه صلاته ما دام عليه منه شيء". وقال عبد الله بن عمر
رضي الله عنه: "لطُليتم حتى تكونوا". كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، لم يقبل الله ذلك منكم إلا بورع حاجز. وقيل إن العبادة مع أكل الحرام كالبنيان على السرجين. السرجين هو - في لغتنا الحديثة - كالبنيان على الرمل، أي على شاطئ البحر، بحيث أنه لو جاءت موجة لهدمته. إذاً فهو ليس بنياناً متيناً ولا قوياً. نعم في بيان درجات الورع، واعلم أن طيب المطعم له خاصية عظيمة في تصفية القلب وتنويره وتأكيد استعداده لقبول أنوار المعرفة، وفيه
سر لا يحتمل هذا الكتاب ذكره، ولكن ينبغي أن تفهم أن درجات الورع أربعة: الدرجة الأولى درجة العدول، وهي التي يجب الفسق باقتحامها. وتزولُ العدالةُ بزوالِها وهي التي تُحرِّمُها فتوى الفقهاءِ. الثانيةُ وَرَعُ الصالحين، وهو الحَذَرُ مما يتطرقُ إليه احتمالُ التحريمِ وإن أفتى المفتي بحِلِّهِ بناءً على الظاهر، وهو الذي قال فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُك". الثالثة وراء المتقين: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس".
وعن عمر رضي الله عنه: "كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام". ومن هذا الأصل كان بعضهم إذا استحق مائة درهم اقتصر على تسعة وتسعين وترك الواحدة حاجزاً بينه وبين النار لخوف الزيادة، وكأن بعضهم يأخذ ما يأخذ بنقصان حبة حبة ويعطي ما يعطي بزيادة حبة، ولذلك أخذ عمر بن عبد العزيز رضي امسك الله عنه بأنفه حذراً من ريح المسك الذي كان يوزن بين يديه لبيت المال، وقال لما سُئل عن ذلك: وهل ينتفع إلا بريحه. ومن ذلك أن يتورع عن الزينة
وأكل الشهوات خيفة من أن تجمح النفس فتدعوه إلى الشهوات المحظورة، ومن ذلك. ترك النظر إلى تجمل أهل الدنيا فإنه يحرك دواعي الرغبة في الدنيا، ولذلك قال الله تعالى: "ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا"، ولذلك قال عيسى ابن مريم عليه السلام: "لا تنظروا إلى أموال أهل الدنيا فإن بريق أموالهم يذهب بحلاوة إيمانكم". ولذلك قال السلف رقَّ دينه، والحلال الطلق الطيب كل حلال، فكأن مثل هذه المخافة ولا توجد فيه آفة. الرابعة وهو الحذر
عن كل ما لا يُراد بتناوله القوة عن طاعة الله تعالى، أو كان قد تطرق إلى بعض أسبابها، قد تطرق إلى بعض. أسبابها معصية، فمن ذلك ما حُكي أن ذا النون المصري كان محبوساً جائعاً. هل في مشكلة؟ نعم أستاذي، بعض الأحباء يتركون الميكروفون. ومن ذلك ما حُكي أن ذا النون المصري كان محبوساً جائعاً. تفضل.
ومن ذلك أن امرأة صالحة أرسلت من طيب مالها طعاماً على يد السجان، واعتذر بأنه جاءني عن طريق ظالم أي. يَدُ السجان، ومِن ذلك أنَّ بِشْرَ الحارثيَّ كان لا يشرب الماء من الأنهار التي حَفَرَها السلاطين، وأطفأَ بعضُهم سراجاً أشعله غلامُه من بيت ظالم، وشرب بعضُهم دواءً فأشارت عليه امرأتُه بالمشي والتردُّد، وقال: هذه المِشْيَة لا أعرف لها وجهاً وأنا أُحاسِبُ نفسي على جميع حركاتها، وهذه رُتْبَةُ أقوامٍ وَفَوْا بقوله. تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون، فاعتبروا كل ما لم يكن لله وحده حراماً، وليس هذا من شأنك، بل اهتم بحالك واسمع
نصيحة الناصح لك، فامضِ واجتهد أن تكون في مستوى الورع الذي يفتي به الفقهاء. نعم، يعني هذه الدرجة من درجات ورع الصديقين قد لا تناسبك في هذا. فقال في العصر: ليس بعشكِ فادرُجي، يعني هذه ليست مهنتكِ أيها الصديقون، لأنها قد تصعب عليك ولا تستطيع إطلاقاً أن تفعلها. فليس بعشكِ فادرُجي، يعني ليس هذا عشكِ أيها الطائر الضعيف. اذهب إلى عشك ولا تأتِ إلى عش النسر. هذا عش النسر، ولذلك الأوكار تختلف. فكأنه بعد ما ذكر ذلك قال... هذا لا أنا وصلت إليه ولا أنت وصلت إليه، الذي هو ورع الصديقين. هذا خوفاً على القارئ
من أن يحاول أن يقلد هذا فيفشل، فيصاب بالإحباط أو يصاب بترك الدين بالكلية، أو يصطدم مع المجتمع والناس الذين حوله. وليس الغرض من هذه النصائح هذا الكلام، إنما الغرض هو أن يعلمنا. الدرجات ووصف كل درجة وأحوالها إلى آخره، واعلموا أن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، فكل إنسان لا ينقل نفسه مما أقامه الله فيه كما يقول ابن عطاء، ولكن يدعو الله سبحانه وتعالى هو الذي ينقل. نعم، سيكمل. تفضل تفضل سيدي الزكريا، وبإسنادكم سيدي إلى الإمام الغزالي رحمه
الله. تعالَ على صوتك ذكرية، نعم على صوتك، نعم ينبغي أن تضيف إليه شيئين: أحدهما أن تحذر عن مواقع غرورهم ولا تلتفت إلى قولهم مَن وهب في آخر السنة ما له زوجته واستوهب منها مالها سقطت الزكاة عنهما، وإنه من عنى به أن السلطان ليطالبهما بالزكاة لأن مطمح نظره ظاهر الملك. فهو صدقة ودرجة الفقهاء وفتواهم ذِكْرُ ما يتعلق بالظواهر، فيحكمون بالبراءة عن الزكاة إذا سقط طلب الساعي، ويحكمون بصحة الصلاة إذا امتنعت القتل على السلطان بجريان صورة الصلاة، إذ ليس بأيديهم من القوانين إلا القانون الذي يستعمله السلطان في السياسة لينتظم أمر. المعيشة الدنيوية التي هي منزل من منازل الطريق كما سبق. وأما أنت إذا كنت تنظر إلى ما ينفعك غداً عند
جبار الجبابرة وسلطان السلاطين فلا تلتفت إلى هذا واعلم أن مقصود الزكاة إزالة رذيلة البخل فإنه مهلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات: شحٌ مطاعٌ، وهوى متبعٌ، وإعجاب المرء بنفسه. الحديث وهيبة مال الزكاة هي أنها تجعلها تيقن مطاعاً، فكيف يكون ذلك منجياً وكذلك. من يُسيءُ معاشرةَ زوجتِهِ حتى تُبرِئَهُ عن المهرِ فلا يَحِلُّ له المهرُ بينه وبين اللهِ عز وجل وإن كان الفقيهُ يُفتي بسقوطِ المهرِ وصحةِ الإبراءِ بأنَّ اللهَ تعالى قال: "وإن طِبْنَ لكم عن شيءٍ منه نفساً فكُلُوهُ هنيئاً مريئاً"، وليس هذا طِيبَةَ النفسِ بل طِيبَةَ القلبِ، والفقيهُ لا يُميِّزُ بين. الأمرين لأن شغفه بقطع الخصومات
الظاهرة لا غير، والحجامة وشرب الدواء البشع لا تطيب به النفس بل يطيب به القلب، وكذلك كل ما يأباه الطبع ويريده العقل لمصلحة البدن في العاقبة. وهذا باب طويل، وأصله أن لا تستحل مال غيرك إلا برضا مطلق صافٍ، وينبغي أن لا تأكل من السؤال. فإن سألت أحداً فاحذر أن تسأل على الملأ فلربما تُعطى بالحياء وذلك ليس مقروناً بالرضا، فإن المستحي يؤثر ألم إزالة المِلك على ألم الحياء، ولا فرق بين أن تأخذ ماله بضرب ظاهره بالسوط وبين أن تأخذه بضرب باطنه بسوط الحياء، فالكل مصادرة. واحذر أيضاً أن يعطيك بالدين وذلك بأن يعطيك. لظنه أنك ورع تقي وتأكل بالدين، ويكون من شرط حله أن لا يكون في باطنك ما لو اطلع عليه المعطي لمنعك من الإعطاء. فلا فرق بين من يأخذ بالتصوف
والتقوى وهو ليس متصفاً بها باطناً، وبين من يزعم أنه علوي ليُعطى وهو كاذب، فكل ذلك حرام عند ذوي البصائر. وإن أفتى الفقيه بالحل بناءً على الظاهر، الفن الثاني أن تراجع قلبك وإن أفتوك، فإن الإثم حواز القلوب، فالذي يضرك ما حاك في قلبك، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استفتِ قلبك وإن أفتوك وأفتوك"، وهذا السر يطول ذكره، ولكن اعلم على الجملة أن المحظور من الحرام إظلام القلب، والمطلوب من الحلال تنويره، وذلك يتشعب من اعتقادك لا من نفس المعتقد. فمن واقع امرأة على ظن أنها أجنبية (غريبة عنه) فإذا هي زوجته، حصل إظلام للقلب، ولو واقع أجنبية (غريبة) على ظن أنها زوجته لم يحصل. وكذلك في النجاسات والطهارات المؤثرة في تنوير القلب بهمّك
واعتقادك، أُمرت بأن تصلي وثوبك طاهر، بل أن تصلي وأنت تعتقد أنه طاهر، فاستشعار الطهارة مؤثر في إشراق القلب وإن لم يكن على وفق الحال، ولذلك نقول إن من صلى ثم تذكر أنه كان معه. نجاسة فليس عليه الإعادة على الأصح لأنه صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في أثناء صلاته لما أخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بأن عليهما نجاسة واستمر فيها، ولذلك يُشدد الأمر على الموسوس، فإنه ما لم يطمئن قلبه باعتقاد الطهارة فيجب عليه الاستقصاء والمعاودة، وأولئك قوم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم. الله عليهم وهلكوا باستقصائهم كما قال صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون". فكذلك في الحلال، أنت متعبد بما يطمئن إليه قلبك لا بما يفتي به المفتي، فاستفت
قلبك وإن أفتوك. فصل في النقطة عند هذا الفصل، وهذا الذي ذكره الإمام يعني ينبهنا على أهمية الظاهر لأنه هو الإناء الذي نضع. فيه كل الأعمال وكل التجليات وكل الأسرار والأنوار وكل التقدمات والترقي ولذلك فهو الأهم الذي يجتمع فيه جميع المسلمين، ولا يجوز لمن حصل درجة الفناء أو القلب الضارع أو لب اللباب أن يُسقِط شيئاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم زاد من عبادته بعد أن ترقى هذا الطرف الذي
معه. خيرُ الخلقِ أجمعين وأصبحَ معه سيدا المرسلين وأصبحَ معه أسوةُ العالم إلى يوم الدين وما أرسلهُ ربُّه إلا رحمةً للعالمين وكلما ترقَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مراتبِ العبودية كلما ازدادَ من التمسكِ بالشريعة، "أفلا أكونُ عبداً شكوراً"، وهو الأسوةُ الحسنة، ولو أنَّ شيئاً من الشريعة يذهبُ بالترقي. لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك، ولهذا فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين متمسكين بالكتاب والسنة وبالشريعة الغراء، والشريعة والحقيقة وجهان لعملة واحدة، هذا ظاهر وهذا باطن، والله سبحانه وتعالى يجمع
بينهما في المسلمين، والحمد لله رب العالمين. هناك بعض الناس تسأل هل مفهوم كلام أرسطو الحقيقة... متعددة والحق واحد، يعني كأنه يقتضي أو يعني مع كلام الإمام النسفي أن حقائق الأشياء ثابتة، حقائق الأشياء ثابتة والإيمان بها متعين، لأنه إذا خرجنا عن هذا الحد من ثبات الحقيقة فإننا نصل إلى السفسطائية، والسفسطائية كانت تريد هدم إقامة الدليل العقلي الظاهر على وجود الله سبحانه
وتعالى، ولذلك سُمّوا. بالعدميين لأنهم يرون كل شيء صحيحاً، فالحلال صحيح والحرام صحيح والكفر صحيح والإيمان صحيح، فكل شيء يصح عندهم بهذه الطريقة التي يجعلون فيها الحقيقة غير ثابتة. إن حقائق الأشياء ثابتة قطعاً، وهذا ما يتفق عليه العقلاء، أما عند المشاغبين كالسفسطائية فإن أرسطو قد رد عليهم. أما كلام أرسطو من أنه جعل كلمة حقيقة للنسبي وأن... كلمة حق للمطلق فهذا أمر آخر لا يعني ما يقوله الإمام النسفي من أن حقائق الأشياء ثابتة، نعم حقائق الأشياء ثابتة ولكن هذه الحقيقة نسبية،
وهذا الحق إنما هو واحد لا يتعدد وهو مطلق، ولذلك من أسمائه تعالى الحق. الحقيقة النسبية ليس معناها أنها ليست ثابتة، ليس معنى النسبية العدم. الثبات ليس معناه هذا إطلاقاً. الحقيقة هي ثابتة وهي نسبية أيضاً في نفس الوقت. الكعبة ثابتة في مكانها لكن إذا أتيتها من جهة الباب رأيتها بنياناً له باب، لكن إذا أتيتها من الضلع المقابل لذلك، الشأن الغربي من الضلع الغربي، وجدته من غير باب. هل الكعبة لها باب أم الكعبة... ليس لها بابٌ، كذلك الكعبة ثابتة، هذه هي الحقيقة.
ولكنك إذا سرت وجعلتها على يسارك قلت إنني كان البيت على يساري. حسناً، إذا عكست وجعلتها على يمينك - وهو طوافٌ باطلٌ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصنعه ولم يأمر به - يكون إذاً الكعبة على يميني؟ نعم، الكعبة على يسارك. عندما كانت هناك نسبية أن كنت على يمينها والكعبة على يمينك، وعندما كان هناك نسبية أنك على يسارها، ولذلك هذه أمور نسبية والكعبة ثابتة. بمثل هذا يتضح الحال أن الثبات لا علاقة له بالنسبية. النسبية حاصلة للحقيقة مع وجود الثبات، فالحقيقة سُميت
حقيقة لما فيها من الحاء والقاف، والقاف من... حقٌّ هذه معناها الثبوت، فهي ثابتة، ولكنها في ذات الوقت نسبية لأنها قد يُدخَل إليها من مداخل شتى، فتكون على درجات شتى، وتكون لها أوضاع شتى. وهذا لا علاقة له بالثبات الذي أقرَّه أهل السنة والجماعة، والذي أقرَّه الحقيقة العقلاء أيضاً. قال: ما معنى الملكوت وما معنى اللاهوت؟ الله. والعالم الرب رب والعبد عبد وهناك فارق بين المخلوق والخالق. الله كان ولم يكن شيء معه. الإله
نسميه اللاهوت وقد يكون هو اشتقاق منه (الله)، ولكن العالم المخلوق هذا نسميه العالم. والعالم إما أن يكون مشاهداً للبشر مدركاً للبشر أو تُدرك آثاره كالكهرباء مثلاً، ندرك منها النور ولكن لا ندرك. ذات الكهرباء لا نراها، فهذا يُسمى عالم الملك، كل ما يدركه البشر بحسه المعتاد أو يدرك آثاره فهو من عالم الملك. وهناك في المخلوقات أشياء لا يراها البشر مثل الجن، مثل الملائكة، مثل العرش، مثل الجنة، مثل النار، هذه أشياء،
ولذلك الاعتقاد فيها يُسمى بالسمعيات لأنها جاءت لنا عن طريق... اجتماعنا للنبي صلى الله عليه وسلم صاحب الوحي من عند الله هذا هو الملكوت، فالملك والملكوت كلاهما مكون لعالم الغيب والشهادة. الشهادة هي الملك والغيب هو الملكوت، في مقابل هذا العالم رب العالم، فالرب رب والعبد عبد. هذا الرب ليس داخلا في ذلك العالم، هذا الرب ليس معتمدا على هذا. العالم هذا يتجلى الرب على هذا العالم ومن تجليه الخوف، إذاً فالملكوت هو ما لا نراه واللاهوت أيضاً لا نراه. ولكن ما
معنى الذكر الخفي؟ الذكر الذي لا يطلع عليه أحد، إما أن يكون بالقلب وإما أن يكون بالسر أو بالروح أو بالخفية أو بالأخفى، وتلك هي اللطائف التي تكلم. عنها المسلمون أنها تعمل بالذكر الخفي. نلتقي إن شاء الله الأسبوع القادم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يا شيخ، أنا للذين رجاءوا والدعاء، الدعاء معناه والدعاء لهذا البلد الكريم مما يحاولون فعله به. طيب، نرجو منكم الدعاء. حاضر، لكن أنت تقصد أي البلاد؟ كل بلاد المسلمين يا سيدي، كل البلاد. المسلمون نعم، لأن المغرب ومصر وسائر بلاد المسلمين هي في أذهانهم، وليست الحرب حديثة. الحرب
كانت موجودة منذ أيام الفرس والروم، ومنذ أيام التتار والصليبيين، ومنذ أيام الاستعمار، وما زالت الحرب مستمرة. يخافون كل الخوف من أن يعود المسلمون مرة أخرى إلى حضارتهم وإلى دينهم وإلى أخلاقهم. والإسلام في انتشار، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين والمغرب ومصر وسائر بلاد المسلمين من كل شر، وأن يجعل كيدهم في نحورهم، وأن يُفشل كل خططهم، والله من ورائهم محيط. ونتوسل إليه بسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظر إلينا بنظر الرحمة وأن لا يؤاخذنا. بما نسينا أو أخطأنا وأن يتوب علينا وأن يرجعنا إليه رجوعاً طيباً يرضاه وينقلنا
من دائرة سخطه إلى دائرة رضاه بحق المصطفى وأهل بيته الكرام يا رب العالمين، اللهم آمين. جزاكم الله خيراً يا سيدنا، بارك الله فيكم، مع السلامة.