الإشراق | الحكم العطائية | حـ 27 | أ.د علي جمعة

الإشراق | الحكم العطائية | حـ 27 | أ.د علي جمعة - الحكم العطائية, تصوف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات الحِكَم العطائية. سيدنا ابن عطاء الله السكندري ترك لنا هذه الحِكَم من أجل أن يصف لنا الطريق إلى الله وكلها تشرح هذا الكنز المخفي تحت العرش كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا حول ولا قوة إلا بالله" ولا حول ولا قوة إلا بالله في حقيقتها هي ذكر من الأذكار العشرة من
الكلمات الطيبة العشرة والعشرة الطيبة منها خمس يسميها أهل الله بالباقيات الصالحات وذلك لأنها تبقى من بعدنا، تذهب العبارات والصراعات والاختلافات ويتبقى عند ربنا سبحانه وتعالى الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبقية العشرة الطيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون، حسبنا الله ونعم الوكيل، أستغفر الله. توكلت على الله والصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه العشرة معروفة لدى المسلمين، وهم يسبحون ويحمدون ويكبرون
في أثر الصلاة في دبر كل صلاة بعد انتهائهم من الصلوات، ودائماً يستغفرون الله ويهللون بلا إله إلا الله، ودائماً عندما يصابون بشيء يقولون إنا لله وإنا إليه راجعون. وعندما يستدعون كفاية الله سبحانه وتعالى لهم ويقولون حسبنا الله ونعم الوكيل سيغنيهم الله من فضله ورسوله، يقولون كثيراً توكلنا على الله، ويقولون كثيراً لا حول ولا قوة إلا بالله. إن هذا الذكر يقوم ويغسل الإنسان من أدرانه، إن هذا الذكر هو أول الطريق، فإن الطريق في الحقيقة مقيد بالذكر. والفكر الذين
يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار. ففي بداية الطريق لا بد من الذكر ومن الفكر، والذكر قد يكون باللسان وقد يكون بالجنان وقد يكون بهما، والجنان هو القلب. إذاً، فعندنا في الشريعة برنامج كامل. يستطيع المسلم أن يتبعه وأن يقوم به وأن يسير عليه برنامج كامل ليس فيه توهيمات بل فيه تكليفات أوامر ونواهي ولكن
أيضاً عندنا تفاصيل، فعندما يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغفر الله وهو يقوم بأن يستغفر الله في اليوم مائة مرة، عندما نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله بها عليه عشرا، ومن صلى عليَّ عشرا صلى الله بها عليه مائة، ومن صلى عليَّ مائة صلى الله به عليه ألفا". هذه الأحاديث تبين فضل صلاة المؤمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله وملائكته يصلون على النبي. يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. ذكر عندنا معروف التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل لا إله إلا الله، ومعروف
الاستغفار، ومعروف كذا وكذا إلى آخره. برنامج يستطيع المؤمن أن يجعل لنفسه وردًا يوميًا من أجل الذكر، وهذا الذكر كما يكون باللسان وله ثواب فإنه يكون أقوى إذا كان بالقلب. مع اللسان واستحضار القلب لذكر الله سبحانه وتعالى وذكر عظمته، إذا بدأنا بالذكر والفكر فإننا نكون قد بدأنا بالنور، ولذلك تحدث أنوار في القلوب وأنوار في العقول، وتتفتح هذه العقول للهداية. يقرأ القرآن فيجد نفسه فاهماً، لأن القرآن حينئذٍ بعد أن فُتحت القلوب والعقول هدىً للمتقين. يقول ابن عطاء.
في هذا المعنى من أشرقت بدايته أشرقت نهايته. من أشرقت بدايته، هنا يتحدث عن قضية تصحيح البدايات حتى يصح السير في الطريق فتصح النهايات. تصحيح البدايات يكون بأن تكون بداية مشرقة. كيف تكون البداية مشرقة؟ قالوا بأمرين: بالتخلي والتحلي. التخلي من كل قبيح والتحلي بكل صحيح. هيا بنا نسير. ومعنى
هذا البرنامج أولاً أن ندرب أنفسنا على أن نخلي قلوبنا من القبيح، وأقبح القبيح الكِبر، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبر". القبيح أيضاً الحسد، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تجسسوا". ولا تجسسوا وكونوا عباد الله إخوانًا، نهانا عن الغيبة وعن النميمة، والإمام النووي ينبهنا على أن هناك غيبة ونميمة قلبية، يعني لساني لم يتحرك بغيبة أحد ولا نميمة أحد، ولكن هناك غيبة
ونميمة قلبية، وذلك بالتعالي على الآخرين وباحتقارهم وبوضعهم في وضع فيه بطر للحق. أحاول أن أخلي قلبي من كل هذه الصفات القبيحة، القلب لا يعرف الفراغ، لا يعيش في فراغ. إذا ما خلّيناه من الكِبر وخلّيناه من الحسد ومن الحقد ومن الغيبة والنميمة ومن التعالي ومن التبرم ومن الغضب الشديد ومن الغيظ، فإنه تحل مباشرة مكان هذه المعاني: الحب والتواضع والكرم والجود. الفرق بين الكرم والجود... أن الكرم هو
عطاء لمن طلب، يعني شخص يطلب منك شيئاً وأنت تعطيه له، أما الجود فهو العطاء من غير طلب، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كريماً فحسب، بل إنه كان جواداً، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان كأنه الريح المرسلة، فالجود فيه عطاء من من غير طلب ومن غير مقابل ومن غير موجب لهذا العطاء، أما الكرم ففيه عطاء ولكن عندما يطلب منك الإنسان أو أن هناك موجباً قد دفعك وجعلك تفعل هذا. التخلية والتحلية إذا حدثت تخلية القلب من القبيح وتحلية القلب بالصحيح يحدث ما يسمى
بالتجلي، فإن الله سبحانه وتعالى وهو نور يتجلى. للإنسان في قلبه يفتح على الإنسان فكأنه يرى الله، اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك ويراقبك، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، كما قيل: رأيت الله في كل شيء، يعني رأيت أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق وهو القادر وهو الذي إليه. منتهى من أشرقت بدايته، كيف تشرق البدايات بالتخلي والتحلي بالذكر والفكر، ثم بعد ذلك يحدث التجلي وهو الإشراق. من كان هكذا حاله أشرقت نهايته، فاللهم اجعلنا من أولئك الذين أشرقت بدايتهم حتى تشرق نهايتهم.
إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.