الارتباط بين العمل الصالح والإيمان | المبشرات | حـ 5 | أ.د علي جمعة

الارتباط بين العمل الصالح والإيمان | المبشرات | حـ 5 | أ.د علي جمعة - المبشرات
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. الحلقة الخامسة من برنامج المبشرات، البرنامج اليومي في رمضان مع فضيلة الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك يا أهلاً وسهلاً بكم. كنا بالأمس في الحلقة التي قبل البارحة يا مولانا، وفي آخرها طرحنا على فضيلتكم سؤالاً عن الارتباط بين العمل الصالح والإيمان. نعم، سنستكمل في حلقة اليوم. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. عندما يوفق الله سبحانه وتعالى العبد العمل الصالح فهذه أول البشرى، أول البشرى، لأن الإنسان لا حول له ولا قوة، نعم، والله سبحانه وتعالى هو الهادي وهو المضل، هو الموفق وهو الخاذل، وهو الذي يُرجى
للتوفيق للعمل الصالح. فإذا كان قد وفقني للعمل الصالح فهذه أول البشرى، جميل. ويأتي شخص ويقول: أنا أريد أن... أعلم إذا ما كان الله سبحانه وتعالى يرضى عني أو لا يرضى عني، وتجد عنده شيئاً من القلق والحيرة. ولا أريد أن أقول أن هذا يؤدي في بعض الأحيان إلى الوسواس. جميل وإلى عدم الثقة بالنفس. فنسأله: هل تصلي؟ فيقول: طبعاً، هكذا بكل بساطة، هكذا طبعاً، وينسى أنها لكبيرة. إلا على الخاشعين، إن هذه الصلاة والحفاظ عليها أمر عظيم وهذه نعمة. فعندما يرى الإنسان نفسه يصلي فلا يغتر ولا
يملأه الاعتماد على عمله. "لا يدخل أحدكم الجنة بعمله"، قالوا: "ولا أنت يا رسول الله؟"، قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته"، حتى نتبرأ من حولنا ومن قوتنا ونعلم. أن الذي وفقنا للعمل الصالح هو الله وأن الله سبحانه وتعالى لما وفقنا للعمل الصالح فكأنه خاطبنا بالبشرى الجميلة، وعلى ذلك فمن ابتلي بالمعصية فعليه أن يعلم أنه على خطر عظيم وأنه يجب عليه أن يقلع عن هذه المعصية مع الرجاء في وجه الله سبحانه وتعالى والثقة فيه وفي ما عنده وعدم اليأس من روح الله، فكوني أعصي فهذا لا يؤدي إلى اليأس، وإنما يا ابن آدم لو أتيتني بقراب
الأرض ذنوباً ثم جئتني تائباً لغفرت لك، فهذا وعد، فيجب علي أن أبادر وأن أسارع وأن أفر إلى الله سبحانه وتعالى عندما أجد المعصية، إذاً فالعمل الصالح عملاً وإيجاباً. وفعلاً هو بداية البشرى والعمل الصالح سلباً وحرماناً، يعني افترض أنني حُرمت من العمل الصالح، نعم، تكون هناك بشرى أخرى وهي الوعد بالتوبة وبالقبول. الوعد بالتوبة، انظر كيف أن العمل الصالح في جانبه الإيجابي والعمل الصالح في جانبه السلبي. في جانبه الإيجابي أعتبره بشرى أن الله سبحانه وتعالى راضٍ. عني لأنه وفقني لهذا العمل الصالح ولا يوفقني إليه إلا هو. حسناً، لنفترض أنه لم يوفقني للعمل الصالح، فيكون معنى ذلك أنني مقصر، ولكن أين البشرى
هنا؟ البشرى هنا في قبوله للتوبة وللأوبة وللعودة. كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. عندما أتأمل في هذا الحديث، لو أتيتني بقُراب. الأرض ذنوباً، هذا الحديث غريب جداً. ما معنى "بتراب الأرض"؟ أي بحبات تراب الأرض، أي بعدد حبات تراب الأرض، وهو عدد لا يُحصى. حسناً، وكم يبلغ هذا العدد؟ إنه عدد كبير جداً. طيب، لو عشتُ مائة سنة، كم سيكون عدد لحظات حياتي؟ عدد لحظات حياتي عبارة عن مائة سنة في وأربع وعشرين ساعة في
ثلاثمائة خمسة وستين يوماً في ستين دقيقة في ستين ثانية. ستون ساعة ماذا؟ أربع وعشرون، يعني ثلاثمائة خمسة وستون يوماً في أربع وعشرين في ستين في ستين في مائة سنة. في مائة سنة سيخرج رقم، سيخرج رقم. هذا الرقم كبير أم صغير؟ هو رقم موجود، الرقم. هذا ليس شيئاً مقارنة بعدد حبات التراب، إنه لا شيء على الإطلاق. نعم، يعني هذا سيكون بضعة آلاف أو ملايين أو شيء من هذا القبيل، لكن ذلك رقم غير محسوب وغير منطوق. غير منطوق صحيح. تفضل، لقد قلت لنا أن الواحد أمامه مائة صفر يسمى جروجول جرجول أو جرجول أو حتى جرجول، واسمح لنا، هذا شيء غير منطوق. حسناً، أنا أريد أن أرتكب ذنباً كل لحظة في حياتي حقاً لمدة مائة سنة والعياذ بالله تعالى. هل
تتصور؟ لا أعرف حقاً ما هذا! ما هذه الرحمة! أتتصور أنني لا أعرف، لا أعرف أن أفعل ذلك لأن ثلث... حياتي أنام أساساً ثماني ساعات في اليوم تقريباً، النوم أو من ست إلى ثمان ساعات، وثلث منها يذهب في النوم، فلست أعصي وأنا نائم مثلاً، صحيح؟ وبعدين أنا أريد أن أعصي بأفعالي، هل هذا ممكن؟ صحيح، لن ألحق، لن ألحق. طيب، عصيت بتروك تركت كذا وتركت كذا وتركت كذا، فكنت على معصية أبداً، طيب، ما هو لا تستطيع أن تأتي بشيء من تراب الأرض حقاً، فكيف أصل إلى عدد تراب الأرض ذنوباً؟ لا أعرف. إذاً، إذا كان هذا فرضاً، كأنه... ماذا؟ افتراضي يعني؟ نعم، عملية افتراضية أنه حتى لو استطعت أن تأتي بتراب الأرض، هل تستطيع يا عاجز؟ إنك لتعجز يا... ابن آدم، عن معصيتي، انظر إلى جمال هذا
الكلام، يا عاجز. أنت لست عاجزاً عن أن تعطي، بل أنت تعجز عن معصيتي، أنت تعجز عن معصيتي. لا إله إلا الله. حسناً، افترض أنك فعلت هكذا وفعلت ما لا يمكن تصوره، وذهبت وارتكبت معاصي بقدر تراب الأرض، ثم جئتني تريد... التوبة التي لا يمكن أن تقوم بها ولا يمكن أن تستطيع أن تفعلها، أنا سأتوب عليك. جميل، فهذه بشرى عظيمة جداً. هذه بشرى لنا معشر المسلمين أن ربنا فتح باب رحمته، أن ربنا فتح باب التوبة، أن ربنا سبحانه وتعالى جعلنا فرحين مستبشرين غير مكتئبين، مقبلين لا. مقبلين عندنا همة للتوبة وللرجوع، ليس عندنا خوف من هذه التوبة ومن هذا الرجوع. إذاً
هذه علاقة العمل الصالح فعلاً إيجاباً وهو أول البشرى، أو سلباً وهو قبول التوبة والعودة والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى. جميل هنا يا مولانا في سنة لله في الكون من ضمنها سنة التدرج، أن ربنا سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام. هناك أناس يتهمون الإسلام يا مولانا أنه انتشر بحد السيف. كنا نريد من فضيلتكم أن تخبرنا أن الإسلام انتشر بسنة من سنة التدرج، انتشر تدريجياً. كيف انتشر الإسلام يا مولانا؟ كنوع من أنواع المبشرات مبشرات، ونرجع أيضاً إلى كلامنا في الحلقة الأولى فيها أنه يجب علينا أن ندرك الحقائق على ما هي عليه بالإحصائيات وبالواقع الذي حدث. دخل الإسلام في الشرق والغرب، دخل مصر وأفريقيا، دخل
فارس وواصل حتى الهند والصين. فما الذي حدث؟ الواقع، دعنا نرى الواقع، وجدناه نظيفاً، إسلاماً نظيفاً جميلاً. ماذا يعني إسلام نظيف؟ يعني لم تتم عملية استعمارية. كيف تتم العملية الاستعمارية والله هؤلاء الناس جاؤوا أساساً من الحجاز، وفي أكثر الأحوال جاؤوا من الجزيرة العربية بشكل عام، لكنهم أساساً قادمون من الحجاز. عندما جاؤوا من الحجاز إلى مصر، أخذوا خيراتها وأرسلوها إلى الحجاز، وبنوا بها كما حدث مع الإنجليز والفرنسيين والألمان والهولنديين
وغيرهم، وبنوا هناك مترو الأنفاق الذين تحت المدينة صحيح لم يأخذوا خير البلد، لم يأخذوا خير المفتوحة، أخذوها عندهم، لم يأخذوا، لم يحدث، لم يحدث. كان في عام المجاعة حدث ومصر مفتوحة يعني كان هناك، كان هناك رمادة في الجزيرة العربية ومصر كان فيها خير وفيها خير صحيح. إذن لم يأخذ الخير من أهله ما دخل أهله أخذوه إلى الحجاز وجعل الحجاز بساتين ومروجاً خضراء نعم، وتجري تحتها الأنهار وترك هذه البلاد، يعني تصرخ جميل، لم يحدث، لم يكن استعمارياً، فلم يكن هناك استعمار، هذا هو التاريخ الصحيح، هل سنأتي بتاريخ من عندنا؟ ألّف من عندنا. النقطة الثانية: ريتشارد بليو ألّف عن الحضارة الإيرانية وأتى بإحصاءات. مرتبطة بقضايا الجزية وقضايا العشور وقضايا الخراج وقضايا الإنتاج وعدد
السكان وما إلى ذلك، فوجد أموراً غريبة جداً. بعد مائة سنة، كان عدد المسلمين في مصر خمسة في المائة، وعدد غير المسلمين خمسة وتسعين في المائة. وكذلك في الشام وغيرها، أربعة في المائة، ثلاثة في المائة، خمسة في المائة، هكذا. خذ الشام، خذ العراق، خذ إيران. كنموذج آنذاك يُجري إحصاءً لعدد المسلمين بعد مائة سنة من دخول الإسلام، وكان يمثل خمسة في المائة فقط. كيف أصبح هذا؟ أي سيف هذا؟ أين السيف؟ صحيح أن بعد مائة سنة كنا نمثل خمسة في المائة فقط. أقلية عظيمة هذه. أي سيف الذي... يجعل خمسة في المائة فقط مسلمين وخمسة وتسعين ليسوا مسلمين. حسناً، بعد مائتين وخمسين سنة أصبح عدد المسلمين خمسة وعشرين في المائة، خمسة وعشرين في المائة، بدأ العدد يزيد تدريجياً هكذا. حسناً، بعد أربع مائة سنة من دخولهم أصبح المسلمون خمسة وسبعين في المائة. حسناً،
بعد سبع مائة سنة أصبح... المسلمون فوق التسعين في المائة، جميل. سيف أي؟ سيف أي؟ صحيح، أين السيف؟ هذا السيف كان يعني إما أن تُسلم وإما أن تهلك، فكان يخلص. كيف انتشر الإسلام إذاً؟ انتشر عن طريق العائلة، نعم. المسلم لديه بعض الأحكام الفقهية، فالمسلم عندما دخل إلى مصر مثلاً وإلى العراق وإلى الشام رقم واحد يحق له أن يتزوج من أهل الكتاب، أي فيتزوج من أهل الكتاب. فعندما يتزوج الرجل المسلم والمرأة يهودية أو مسيحية، حسناً يا مولانا، دعنا نرى ما هي أسباب انتشار الإسلام تدريجياً بعد الفاصل إن شاء الله. فاصل، نعود إليكم فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عدنا إليكم الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامج المبشرات، فضيلة المفتي كان قد أخبرنا
أن الإسلام انتشر تدريجياً، وهذا من مبشرات الإسلام، وسنعرف كيف انتشر الإسلام تدريجياً. تفضل يا مولانا، في مصر حدث الانتشار عن طريق العائلة بأحكام فقهية. نعم، كثيراً ما نسمع انتقادات للإسلام عن الأحكام الفقهية هذه التي أدت بالإقناع بانتشاره بالعائلة بانتشاره بالتدريج بانتشاره بالحلاوة والجمال والحب لا بغيره. جميل. رقم واحد: جواز زواج المسلم من غير المسلمة. نعم. رقم اثنين: عدم جواز تزوج المسلمة من غير المسلم. نعم. الحكمة الآن، بعض الناس الحقوقيين وغير الحقوقيين يقولون لك: لماذا لا تجعلونها؟ فالذي ينشر الإسلام بالهدوء من... غير عنف ومن غير صدام ومن غير قتال، صحيح هذا يكون رقم ثلاثة أن الأولاد ينسبون إلى أبيهم المسلم. جميل،
رقم أربعة جواز تعدد الزوجات، رقم خمسة جواز الطلاق عند الحاجة. هذه الأحكام التي لم تعجب بعض الناس لأنها تخالف ثقافات أو تخالف أديانًا أو تخالف مذاهب أخلاقية. أو تخالف أي شيء هي التي كانت سببًا في عدم انتشار الإسلام بالسيف ولا بالعنف ولا بالإكراه ولا بتربية منافقين في المجتمع لأننا لا نربي منافقين في المجتمع. هي التي أدت إلى حرية الاعتقاد وحرية الدعوة وحرية الانتقال وهكذا. هي التي جعلت الإسلام له هذه الحضارة وهي التي قُبِلت بالإسلام. التعددية والمواطنة وما إلى ذلك، ولذلك فبهذه الأحكام البسيطة التي يعترض عليها بعضهم انتشر الإسلام عن
طريق العائلة كالآتي: تزوجت امرأة وأنجبت، حيث كان المسلمون يحبون الإنجاب الكثير، "تناكحوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة" عليه الصلاة والسلام، فيُنجب عنده، وفكرة تعدد الزوجات مباحة في دينه فيتزوج امرأة أخرى. واثنان وثلاثة ويموت هذا الجيل. ماذا يعني الزواج؟ يعني الحب، يعني العشرة، يعني الحياة. تخيل هكذا أن رجلاً متزوجاً امرأة هي أم أطفاله، وهذه المرأة ليست مسلمة. ماذا يعني أنه متزوجها؟ يعني أنها هي التي تحضر له الطعام، وهي التي تطعمه هو وأطفاله، وهي التي تنجب، فيفرح بالإنجاب. إن هذا هذه أسرة بدأت ترى كيف أن الإسلام يجعل زوجي طيباً وحنوناً. لم تُسلم بعد، فهو يأخذ الأمور خطوة بخطوة،
دون إجبار أو ضغط. هو متزوج منها وكفى، تزوجها وأحبها، نعم، وهي أحبته أيضاً، وأنجبت منه وأحبت أولادها. إنه أبو أولادها، وهي وأخوها مختلفون. أصبح المسلم خالًا للأولاد، وحتى الآن في الصعيد عندنا يقول لك خالى فلان الذي هو على المسيحى جميل! يقول لك "خال فلان" أو "خال فلان"، نعم، حتى يومنا هذا. نعم، بعد ذلك مات هذا الجيل، الأول هذا، وهو الأب الذي كان متزوجًا، الأب الذي كان أولاده كلهم مسلمين، صبيانًا تزوج هؤلاء الصبيان أبناء خالهم، نعم الذي مات هو الثاني، نعم بنات خالهم الأولاد الصبيان أبناء الأولاد، تزوجوا، بنات خالهم نُدخل إليهم المسيحيين أيضاً أو اليهود أو غيرهم من غير المسلمين، وأنجبوا منهم بأسرة ثانية في الجيل الثاني،
فانتشر الإسلام، انتشر الإسلام، انتشر الإسلام لأن الجيل الجديد كله أصبح مسلمين بالتربية، بالحب، بالأسرة، وهكذا، بعض الأحكام الفقهية يُعترض عليها. لم يطلب من زوجته أن تُسلم، هو وأولاده منها مسلمون. ليست سيئة، والإسلام سينتشر سواء أسلمت هي أم لم تسلم. من الذي أسلم من هؤلاء؟ ربما عشرة في المائة، نعم، والتسعون في المائة لم يسلموا ولم يعترضوا عليهم أنهم لم. يسلموا نعم ولم يكرهوهم لم يجبروهم لا إكراه معنوي ولا إكراه مادي ولا إكراه واقعي ولا إكراه بالمال ولا أي شيء. لا إكراه في الدين، لا إكراه في الدين. وعايشوهم و قبلوهم حسناً، تعال اليوم إلى الواقع وليس الخيال، وليس الخبر، وليس الرأي. الواقع
الذي نعيش فيه من المحور الإسلامي كله. تجد فيه الهندوس حسناً، ولم نحملهم قسراً على الإسلام. لماذا؟ تجد فيه المجوس إلى الآن، تجد فيه المسيحيين، تجد فيه اليهود. تجد فيه أننا لم نُبِد شعوباً، جميل، نحن لم نُكره أناساً على ترك دينهم، ليس في تاريخنا محاكم تفتيش. نعم، صحيح، ليس في تاريخنا. إنْ نحن سرقنا أحداً وجعلناه عبداً، نعم خطفناهم من بلادهم واستخدمناهم للسخرة، ما فعلنا ذلك. نحن فعلنا شيئاً لم تفعله أمة في الأرض إلى الآن. جميل أن العبيد الذين لدينا جعلناهم حكاماً، نعم الحكام. صحيح في مصر كان هناك مماليك يحكموننا في مصر والشام والحجاز، ما هذا! هل توجد أمة عبيدها عليهم
حكامٌ حتى اليوم. صحيح، يعني حتى اليوم نقول إن هناك ديمقراطية وحرية، ونحن كلما سمعنا عن الحرية والشورى والديمقراطية، نفرح على الفور ونذهب إلى هذا. فأمريكا هي مثال للحرية والديمقراطية وكل شيء، ألم يأتها رئيس أسود؟ نعم، لكن حتى اليوم ما زال الأمر كذلك. هؤلاء في شخص مُرَشَّح هكذا وترشَّح منذ سنة ثمانين، يترشح دائماً لكن لم تأتِ له حتى اليوم أبداً لم تأتِ له امرأة مثلاً أبداً. لدينا تسعون امرأة تولت الحكم في التاريخ الإسلامي وسميت سلطانة وخاتون، نعم، وهانم وملكة، بهبال هي زوجة صديق حسن خان القِنَّوجي المؤلف المعروف.
العالم المعروف هو من؟ هو زوج ملكة بلا عقل؟ هذه زوجته هي الملكة صحيح، زوجته هي. ما هو زوج الملكة هو زوج الملكة. فإذا كان لدي تاريخ مضيء، تاريخ يحكي عن نفسه، تاريخ حقاً، تاريخ حضارة، تاريخ شيء جميل. يقول أحدهم: لله، أين الدماء التي كانت فيه وأين؟ لا أعرف ماذا، اسأل نفسك إذاً... أرنا أين أنت الدماء... قل إنك تصف... عندما تأتي لتدرس دراسة متحيزة لا ترى البشرى، وعندما تدرس دراسة واقعية ترى البشرى. بمعنى ماذا؟ عندما أجد كتاباً مثل "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" لأبي نعيم الأصفهاني، أبو نعيم هذا عالم ومن...
أصفهان وألَّف الكتاب الخاص به لكي يُخبرنا عن الناس الطيبين الذين كانوا في هذا العصر، فألَّف حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. عندما تقرؤه يا أخي تجد أنهم أناس كالملائكة أو شيء آخر مختلف. وفي نفس الوقت نجد الأصفهاني أبو الفرج الأصفهاني، وليس أبا نعيم، ليس أبا نعيم هذا أصفهاني. وهذا من أصفهان، نعم، الاثنان من أصفهان. نعم، أبو الفرج هذا صاحب كتاب الأغاني للأصفهاني، ألّف كتاب الأغاني. نعم يا أخي، لو قرأت كتاب الأغاني تقول ما هذا الفسق حقاً، ما هذا الفجور! هؤلاء الناس لم يكن لهم إلا النساء والخمر وكذا لكن هذا أيضاً ليس إنصافاً بالفعل عندما تقرأ الحلية وتطبع وتعمم، والتعميم من أنواع الشغب والتحيز، أن تطبع العصر كله بأنهم جميعًا كانوا حلية الأولياء. لا، بل كانوا موجودين. هذا
الرجل ليس كاذبًا. وعندما تطبع العصر كله بالفجور والمروق وما إلى ذلك، فهذا الكلام خاطئ. لكن هذا كان موجودًا، وذاك كان موجودًا، والحضارة كانت موجودة، والعلم كان موجودًا، والقوة السياسة كانت موجودة، والحالة الاقتصادية كان حالها هكذا، وتُدرَس دراسة كاملة. جميلٌ، فكون أن أحداث تاريخ الإسلام فيها حوادث، نعم فيها حوادث، نعم فيها قصور أو تقصير، نعم بالطبع فيها قصور وتقصير، لكن المجمل ماذا حدث؟ المجمل الذي حدث هو الذي نحكيه، وهو أنه لا الإسلام انتشر بالسيف ولا... الإسلام لم ينتشر بالإكراه، ولم يُقِم محاكم تفتيش، ولم يَفرض عبودية مُهلِكة للبشر، ولم يظلم البشر، ولم يُهلك شعوباً، ولم يُبِد أمماً، وهكذا. هذا ما
حدث بالفعل. أما كون أنه وُجِد حكام ظلمة، فبالطبع وُجِد حكام ظلمة وأيضاً وُجِد حكام أتقياء. وفي حكام أتقياء وكان في العصور السابقة موجودين في المجتمع طبعاً قطعاً، وجُهِلَت وبُنيت حضارات وانهارت حضارات، طبعاً لا بد هذه حركة الحياة. فنحن لا نتكلم عن مثالية وخيال ورغبات وشهوات وافتراءات وتعميمات، وإنما نتكلم عن واقع وعن أناس عاشوا، وعن هؤلاء الناس الذين صنعوا أحداثاً وأثاروا فتناً وسفكوا دماء. وعملتُ في نفس الوقت عمارة وفنوناً وآداباً، لكن أبداً يا أخي، نحن لا نطبّع تاريخنا كما يُراد أن
يُصوَّر بغير الواقعية وبغير المبادئ العليا التي سار عليها المسلمون عبر التاريخ. جميلٌ يعني فضيلتك وضَّحتَ لنا أننا ننظر للأمر بحيادية، ومن جميع الزوايا. سننتهي من حلقة اليوم يا مولانا، وإن شاء في الحلقة القادمة سنتحدث عن أهداف التشريع الإسلامي الذي هو تعمير الأرض وتزكية النفس، لكن في الحلقة القادمة إن شاء الله وسنربطها بالبشرى. اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. على وعدٍ باللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله. نستودع الله دينكم وأماناتكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته