الحكم العطائية | من 106 - 110 | أ.د علي جمعة

الحكم العطائية | من 106 - 110 | أ.د علي جمعة - الحكم العطائية, تصوف
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، اللهم نعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، اللهم يسر غيوبنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، اللهم استجب دعاءنا وتقبل صالح أعمالنا وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة. وقِنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار، اللهم من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم نسألك في هذه الأيام الكريمة
العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، افتح علينا فتوح العارفين بك واسلك بنا الطريق إليك وافتح. لنا وعلينا من خزائن رحمتك يا أرحم الراحمين ما تُثبت به الإيمان في قلوبنا. حبب لنا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره لنا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين ومع القوم الصادقين، وانصرنا على القوم الكافرين. اللهم أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين. اللهم إنا نسألك أن تقينا الفتن. ما ظهر منها وما بطن فتنة المحيا والممات، اللهم نعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال، اللهم إنا نعوذ بك من كل ما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعبادك الصالحون،
ونسألك من كل خير سألك منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون، قال رضي. الله تعالى عنه ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين. من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره. قَدَرٌ ولطف. انظر إلى العوام وما يأتوننا به من هنا. كلام العوام كله حِكَم آتية من المشايخ، لأنه لولا الأزهر لكفر الناس منذ زمن بعيد. فالعلماء علّموا الناس، فانظر ماذا يقول عن ولطف قدر ولطف، إياك أن تظن أن القدر فيه بلاء محض أو انتقام محض لك.
فقد يبتليك بالبلية لكي تراجع نفسك، وقد يبتليك بالبلية لكي يرفع درجتك عنده، وقد يبتليك بالبلية لكي يصرف عنك بلية أشد منها، وقد يبتليك بالبلية فتكون سبب سعادتك في الدنيا والآخرة، وقد يبتليك بالبلية فيتنزل. عليكَ من رحماتِه سبحانه وتعالى ما يُلقي القبولَ عليك، وألقيتُ عليكَ محبةً مني ولتُصنَعَ على عيني. ما هو كان فرعونُ ينظرُ إلى سيدنا موسى فيَقومُ بحبِّه. انتبه، هو يعلمُ أنَّ فيه هلاكَه، لكن أول ما ينظرُ إليه هكذا يحبُّه. واعلمْ أنَّ اللهَ يَحولُ بين المرءِ وقلبِه. يريدُ أن يقتلَه بعقلِه وزراؤه يقولون
له اقتله، وعندما يلتقي به يقول له ماذا؟ ألم يكن فرعون هذا يقتل بمجرد النظرة؟ أي أنه كان يجلس هكذا وينظر هكذا، ينظر نظرة بعد نظرة، فيقوم السيّاف الخاص به بقطع رقبة من نظر إليه فرعون. ماذا سنفعل له؟ لكن عندما يقابل سيدنا موسى يقول له... ماذا قال: ألم نربك فينا وليداً؟ يا الله، لماذا أتيت إلى هنا هكذا؟ قال: ألم نربك فينا وليداً؟ هل ستفتح معه حواراً أم ماذا؟ قال: ألم نربك فينا وليداً؟ يعني يا ولد استحِ. أين الفرعون الجبار؟ واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، إذا كان يحول بين المرء وقلبه فإنه بين المرء وعقله وبين المرء ونفسه وبين ما هو القلب فوق كل
هذا ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين؟ هذا يطيل الكلام معه، وطول الكلام يدل على استعظام الأنس. ما كان يقول له اخرج خارجاً وانتهى الأمر، اقتلوه وانتهى، لكن لا، إنه يريد أن يطيل الكلام معه. هذا أيضاً حدث مع سيدنا موسى مع ربنا، إذ قال له: "وما تلك بيمينك يا موسى"، كان يمكنه أن يقول: "هي عصاي" وينتهي الأمر، لكنه قال: "هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى". انظر كيف أطال في الإجابة، لأنه مسرور وفرحان. إن هذا الإنسان يفرح من الخارج شيء ومن الداخل شيء آخر، لكن انعكس الأمر هنا،
فصار من الخارج سواد ومن الداخل رخام. فإياك أن تظن أن القدر قد خلا من اللطف، فهو قدر ولطف. الحمد لله في جميع الأحوال والحوادث. وماذا تقول؟ قدر ولطف، الحمد لله. يستحق الحمد لأنه أهل لكل الثناء سبحانه وتعالى لا يكون منه إلا الخير، حسناً. والذي لا يتذكر ذلك فهو - ولا مؤاخذة - ليس لديه نظر. ماذا يعني نظر؟ يعني اعتبار، يعني تفكر، يعني فهم صحيح. إذاً ليس لديه نظر، وانفتح لكن جاء انفتاحه ليس في محله. ليس لديه نظر، ليس لديه فكر. من دلائل انفكاك لطفه عن سبحانه، فذلك لقصور
نظره. قال رضي الله تعالى عنه ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: "لا يُخاف عليك أن تلتبس الطرق عليك، وإنما يُخاف عليك من غلبة الهوى عليك. كل الطرق توصل إلى الله عندما تكون مقيدة بالكتاب والسنة، فإن انحرفت فبقدر انحرافها عن الكتاب والسنة تنحرف عن الوصول". إلى الله، الجُنَيْد يقول: "طريقنا هذا مُقَيَّد بالكتاب والسنة". ما الفرق بين عبادة المسلمين وعبادة الهندوس؟ فهذا يعبد وذاك يعبد، لكن المهم أن نلتزم بالكتاب والسنة. فإذا أردت أن تعبد الله على هواك، فتلك نزعة إبليسية، فهو أراد أن يعبد الله على هواه عندما قال له: "اسجد
لآدم". أنت فقط اسجد لآدم، وفي الأثر يُروى في الحكايات المضحكة أن إبليس جاء لموسى فقال له: "يا موسى، ألن تحل لنا مشكلتنا مع الله؟ أنا أريد أن أتوب"، وهو كاذب. سيدنا موسى، لأنه رجل طيب وصالح من أتباع الله، نبي من قول العزيز، دعا. قال له ربه: "يا ربنا، إبليس مخلوق ونريده". قال له: "هذه مسألة بسيطة جداً، ونحن موافقون أيضاً على التوبة، لكن قبر آدم في مكان كذا، فليسجد إليه وتنتهي المشكلة". فقال له: "يا إبليس، لقد جاءك
الفرج، اذهب واسجد في المكان الفلاني لقبر آدم، والله يتوب عليك وانتهى الأمر، ونتخلص من له يا سلام يا أخي! يا سلام عليكم يا أخي! إذا كنت لم تسجد له وهو حي، اسجد له ميتاً. هذا إبليس وهذا الذي حدث لنا. لماذا؟ هكذا يقول لك: القضية ليست تلبيس الطرق عليك، القضية هي الهوى. إبليس هذا عنده هوى لا فائدة منه، فاتخذ إلهه هواه. فهل يعني يا رب هكذا تكون أنت عليه وكيلاً؟ فالقضية ليست قضية كثرة الطرق الموصلة إلى الله، هذه رحمة، ولكن القضية قضية هواك. فاحذر أن تتبع هواك إلا أن يكون تابعاً لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وآله
وسلم، كما ورد في الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون تَبعًا لِما جِئتُ به يعني أن تتحول إلى عبدٍ نبويٍّ محمديٍّ، بمعنى أن تُحبَّ ما أحبَّ وتكره ما يكره صلى الله عليه وسلم. وذلك عندما تختلط السنة بعظمك وعصبك، وإذا قال لك أحدهم: "هذا حديث ضعيف"، فقل له: "ليس لك شأن بذلك". قال رضي الله تعالى عنه: "سبحان من ستر وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية سبحانه، يعني تنزه الله عن كل نقص. ستر أشياء منها سر الخصوصية. إنه سيدنا محمد، هذا فيه أعظم منه؟ لا يوجد أعظم
منه. وبعد ذلك يقول ماذا؟ "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي". حسناً، هذه "يوحى إليها" من أين تأتي بها؟ إنه لا... لم يعد مثلنا، أي أنه لم يعد مثلنا يوحى إليه، خلاصة الأمر أنه خرج من دائرة المعتاد إلى دائرة الخصوصية. حسناً، لماذا لم ينزله الله ملكاً أو يظهر لنا حقيقته التي هي عنده نور على نور؟ سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، هو سراج منير، وذلك حتى يتم الخطاب وحتى يكون وحتى تستطيع أن تفعل ما فعل ولا تتحجج، لا تقل: "كيف أكون مثله؟ هذا مستحيل، فهو شيء وأنا شيء آخر". لا، بل قال: "إني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء،
فمن رغب عن سنتي فليس مني". أي أنه إذا أردنا أن نعيش حياتنا، فلنعش سنته صلى الله عليه وسلم في أبدأها أو ستراها، بماذا؟ بالبشرية. ابن القميئة هذا، أو لا أعرف اسمه، ذهب فضربه وجرحه وكسر رباعيته صلى الله عليه وسلم. آه، لو السيف جاء في وجهه يُجرح وينزل دم، وبشرية، فستر الخصوصية بالبشرية الظاهرة. وبعد ذلك، حسناً، أين إذاً عظمة الربوبية؟ عظمة الربوبية! اقرأ السيرة الآن فستجد إظهار منه صلى الله عليه وسلم تجده دائماً وأبداً حتى لحق بالرفيق الأعلى
لم يفطر، لم يتعب، لم يمل، بل إنه كان على حال واحدة مع الله. يتبين لك أن هذا أمر مختلف، إنه شيء آخر تماماً، ولذلك كان معصوماً صلى الله عليه وسلم، عصمه الله سبحانه وتعالى. من المخلوقات حتى من نفسه فهو عالي القدر عند ربه، وكيف يعرف في الدنيا حقيقته قومٌ نيام تسلّوا عنه بالحلم؟ عندما تكون جالساً تقضي ليلك كله سادراً، كيف ستعرفه؟ الذي يعرفه هو القوّام الصوّام الذاكر الذي يذكر الله كثيراً حتى يدركه بقلبه لا بعقله. عقلي هو بشري، قل إنما أنا
بقلبه يدرك حقيقة النبي صلى الله عليه وسلم في عبوديته لربه، لم يمتحنا بما تعيا العقول به حرصاً علينا، فلم نرتب ولم نهن. وكيف تدرك في الدنيا حقيقته قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحلم. عليه الصلاة والسلام كالبدر في شرف، والزهر في ترف، والبحر في كرم، والدهر في همم. قال رضي. الله تعالى عنه، لا تُطالب ربك بتأخر مطلبك، تدعو ويتأخر قليلاً فلا تكن عبداً عجولاً. أين [الصبر]؟ تجنّب قلة الأدب، تجنّب قلة الحياء مع ربنا. اعرف كيف تتحدث معه. فالحجاج بن يوسف كان يعرف
كيف يخاطبه رغم أنه كان سفاك دماء وعاصياً، الذي قتل سعيد ابن الزبير، يأتي ويقول له... يا ربِّ، هذا شخص يعرف كيف يناجي ربه. لماذا كان يختم القرآن كل سبعة أيام؟ هذا السفاك، الذي كان عندهم، الظالم الذي كان في عصرهم، كان يختم القرآن كل سبعة أيام. قال: "يا رب، إن الناس تقول لن تغفر للحجاج، اللهم اغفر لي". إنه يستعدي الله على الناس، يقول انظروا أيها الناس إلى هؤلاء الذين يقولون أنك قلت أنني لا أستطيع أن أغفر لك. بالطبع ستغفر لي، أليس كذلك؟ حسناً، ما الذي يجعله موفقاً لأن يقول
هكذا؟ إنها كثرة تلاوة القرآن والتعلق به. ولذلك فإن الناس الذين هم أهل القرآن أمثال الشيخ عبد الحكيم، تخاف منه وتحبه في الوقت لأنه أقامه الله في ذلك جوفه، انظر هو يقرأ ورق المصحف وقلبه ليس لديه. هو مصحف وليس واضعاً في جيبه مصحفاً ورقياً. ما هو؟ قلبه. ولذلك مصاحفهم لا تبتل بالماء، يعني لو أغرقنا الشيخ عبد الحكيم في النهر لا يبتل القرآن الذي معه. لماذا؟ لأنه في صدره يا. سلامٌ على روعة القرآن في صدور الناس عندما يكونون من أهل القرآن. حفظ الله الشيخ عبد الحكيم من العين. أحدهم يقول لي: "هل الله لا يخطئ أم ماذا؟" وما شأنك
أنت! هل أنت لا تخطئ؟ وهل أصبح هذا كلاماً؟ القرآن غالبٌ لا مغلوب. والآخر يقول: "يا سلام! ما أروع سلاسة يقرأ هذا كأنه يقرأ من مصحف، وهناك مصحف مفتوح أمامه والناس جالسة ممسكة بالمصاحف هكذا. هو قال إنه يراجع عليه أو لا أعرف ماذا يفعلون. لا تَسْخَر، انظر إلى الأمر. أنت جالس تفعل لي هكذا، وبعد ذلك عندما يقول الشيخ شيئاً يرد قائلاً: "لا"، وهو المخطئ في كل هذا. من البركة التي أنزلها الله على أهل القرآن، وحماية مصر بأهل القرآن، فقد قيل إن القرآن نزل في الحجاز وقُرئ في مصر وكُتب في تركيا وفُسِّر في الهند. أي أن الأمة كلها متعلقة بالقرآن.
قال: متى جعلك في الظاهر ممتثلاً لأمره، وفقك للصلاة، ووفقك للصيام، ووفقك ألا تسرق، ولا... لا تَقتُلْ ولا تَزنِ. إذا وجدتَ نفسك هكذا تفعل الخير، فلا تأخذك بذلك الغرور، ورزقك في الباطن هو الاستسلام لقهره، وقلبك راضٍ عن ربنا ومسرور بما رزقك الله به وأقامك فيه، فقد أعظم المنَّة عليك. اعلم أن هذه منَّة عظيمة قد فقدها كثير من الناس. كثير من الناس إذا أقامهم العبادة تسلطوا على خلق الله ونظروا إليهم هكذا من علوٍّ، من علوٍّ وليس من عَلِ، لا من علوٍّ مكرمٍ مفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معاً كجلمود صخرٍ حطه السيل من علوٍّ، نعم هكذا، وفيها
قراءة من عَلِ، نعم يعني أيضاً فيه، إنما من علوٍّ لكي تدل على المحذوف، حسناً فأنت... إذا حدث لك هكذا، أكرمك الله بالأوامر التي ائتمرت بها، ثم وجدت قلبك قد استسلم لله ورضي عنه، فهذه منّة عظيمة تستوجب منك الشكر. لك الحمد يا ربنا حتى ترضى، اللهم لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. اغفر يا ربنا ذنوبنا واقبلنا في هذه الأيام، اللهم ارحمنا. فهذا من أواخر أيام الرحمة، واغفر لنا من غد فهو من أول أيام المغفرة، ثم اجعلنا من الذين قد أعتقتهم
من النار في هذا الشهر الكريم يا أرحم الراحمين. انصر الإسلام والمسلمين، وثبت بقدرتك ومددك أقدام المجاهدين، وسدد رميهم في نحور المعتدين، ورد لنا القدس رداً جميلاً طيباً نحج إليها. تحت راية الإسلام. اللهم لا نصر إلا نصرك، ولا مدد إلا مددك، ولا نعبد ربًا سواك، ولا نعرفه إلا إياك، فانصرنا على القوم الكافرين. اللهم يا رب العالمين اشفِ صدور قوم مؤمنين، وأذهب غيظ قلوبهم، واجعل ثأرنا على من ظلمنا. اللهم يا رب العالمين أنزل السكينة على قلوبنا وقلوب أمهاتنا. الشهداء، اللهم يا رب العالمين، رُدَّ علينا أرضنا، واحمِ عِرضنا،
ووحِّد قلوب المسلمين، وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، ومن الضيق إلى السعة، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الفرقة إلى الوحدة. اللهم يا رب العالمين استجب دعاءنا، ولا تردنا خائبين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنة الخلد يا. أرحم الراحمين، ضعفنا ظاهرٌ بين يديك، ونحن في حاجةٍ إليك. اللهم ارحمنا فإنك بنا راحمٌ، ولا تعذبنا فأنت علينا قادرٌ، وكن لنا ولا تكن علينا. اللهم يا ربنا استجب دعاءنا ولا تردّنا خائبين. اللهم اشفِ مرضانا وارحم حيّنا وميّتنا وحاضرنا وغائبنا، واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوما ووحِّد قلوبنا ولا تجعل فيها غلا
للذين آمنوا إنك على كل شيء قدير