الحكم العطائية | من 31 - 35 | أ.د علي جمعة

الحكم العطائية | من 31 - 35 | أ.د علي جمعة - الحكم العطائية, تصوف
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال رضي الله تعالى عنه ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: اهتدى الراحلون إليه بأنوار التوجه، والواصلون لهم أنوار المواجهة. فالأولون للأنوار، وهؤلاء الأنوار لهم لأنهم لله لا لشيء دونه. قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون، يعني الخلق مراد. ومريد
فإذا كان الإنسان مريداً لله سلك طريقه وترك زخارف الدنيا وأخلى قلبه من القبيح وحلى قلبه بالصحيح وأحسن نيته لله وأعلى همته في السلوك إليه سبحانه وتعالى فارتحل وهاجر من مواطن سخط الله إلى مواطن رحمته ورضاه، هؤلاء رضي الله عنهم وهؤلاء هم الراحلون إليه وهؤلاء
هم السالكون في طريقة إلا أنه إذا منَّ الله على السالكين والراحلين والمهاجرين في سبيله جعلهم في مرتبة ورضوا عنه، فإذا رضوا عن الله سبحانه وتعالى فما ذلك إلا أنهم من قبيل المراد، فتحول السالك من سلوكه وصبره على الطريق من كونه راحلاً إلى كونه واصلاً، فإذا وصل فإن الأنوار كانت
الإنسان فيدخل. فيه فهو للأنوار سائر وللأنوار داخل، أما إذا وصل فإن النور هو الذي يسعى إليه، فيتحول من الفاعل إلى مفعول، ومن مريد إلى مراد، ومن سالك إلى واصل. فيقول على هذه الحقيقة في مرتبة أولئك الصالحين
أن هناك راحلاً وهناك واصلاً. الراحلون اهتدى الراحلون إليه بأنوار التوجه، النور بعيد وهم. يسعون إليه، ومن لذته وحلاوته وضيائه وبركته يرغبون فيه. وبالرغم من ذلك، إلا أن هذا النور ليس هو الله، بل هي لذة العبادة وحلاوة الطريق وبركة السلوك. حتى هذه يتخلص منها الواصلون، فتأتيهم ولا يأتونها، وتتنزل
عليهم ولا يطلبونها، لأنهم إنما طلبوا الله وحده، فارتفع الحجاب حتى حجاب الأنوار وكُشف. الأسرار في الملك والملكوت ارتفعت عن قلوبهم، لا يريدون إلا الله ولا يعرفون إلا الله ولا يتوصلون إلا إليه، فعبَّر عن هذا بذلك القول الجميل. اهتدى الراحلون إليه بأنوار التوجه، والواصلون لهم أنوار المواجهة. لا يريد
إلا الله فتتنزل عليه الأنوار، هو الذي تتنزل عليه الأنوار، لا يطلب الأنوار حتى. الأنوار وحتى لذة العبادة، فالأولون للأنوار صاروا، وهؤلاء الأنوار لهم. انظروا إلى المقابلة، انظروا إلى الفاعل والمفعول لأنهم لله لا لشيء دونه. يعني حتى العبادات هي أدنى من الله وهي وسيلة توصل إلى الله، وحتى الأنوار هي أدنى من الله وهي وسيلة توصل إلى الله وتجذب الراحلين إليه، لكن الواصلين لا. يريدون لا أنوارًا ولا أسرارًا ولا فوائد ولا
دعاءً، إنما هم قد أحبوا الله لله وخلا قلبهم إلا من الله، فملك عليهم ربهم نفوسهم، وتنزلت على قلوبهم رحماته سبحانه وتعالى وأنواره، حتى خرجوا من الرحلة إلى الوصول. قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون. قال رضي الله تعالى. عنه ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين. نظرك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من نظرك إلى ما حُجب عنك من الغيوب. الإنسان
إما أن ينظر إلى الداخل وإما أن ينظر إلى الخارج، فيقول لك: حاسب نفسك قبل أن تُحاسب، والكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، ينظر. إلى عيوبه ويعظمها حتى يزيلها قبل أن ينظر إلى ما ستره الله عنه من أسرار أو لم يكشف عنه من أحوال. فإن التطلع للترقي نزول، انظر إلى هذا الكلام: "التطلع للترقي نزول".
فلا تتطلع للترقي، بل عالج نفسك أولاً، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، واملأ قلبك أولاً بعد أن تخليه من القبيح. الصفات بجميلها وإلا فإنك تكون قد ضيعت الأوقات، والأصل في التصوف هو مراعاة الأوقات. الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: "صاحبتُ الصوفية فاستفدت منهم كلمتين: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ولا تتحسر على ما فاتك". يعني ماذا؟ يعني لا حول ولا قوة إلا. باللهِ يعني لا يكون في كونه سبحانه إلا ما أراد،
يعني التسليم والرضا، يعني التوكل حق التوكل عليه سبحانه، يعني عدم التأثر بالمصائب ولا الفرح بالخيرات، بل موقف المؤمن هو الصبر أو الشكر. قال رضي الله تعالى عنه: "الحق ليس بمحجوب، كيف يكون محجوباً وهو أظهر من الظهور، وهو الذي..." خلق الظاهر والباطن وهو الأول والآخر وهو بكل شيء عليم وهو بكل شيء محيط، كيف يكون محجوباً ومن ذا الذي يحجب ربنا سبحانه وتعالى؟ هذا محال عقلاً ونقلاً. الحق ليس بمحجوب ولا يمكن أن يكون، فإنه
سبحانه وتعالى بديع السماوات والأرض، كان قبل هذه الأكوان وهو الآن على ما عليه كان. كان فما الذي يحجبه إذا كانت الأكوان فيه سبحانه وتعالى عدم، فكيف يحجب العدم الوجود وهو الوجود الحق سبحانه وتعالى. هذه الأكوان صور ورسوم خلقها وأوجدها وأبرأها وأبدعها، وهي في مقابلة العرش الذي هو سيد المخلوقات عظماً، لا شيء، ذرة في صحراء كبيرة، فما بالك بخالق العرش الذي لا يحده. لم يحد ولا مكان
ولا زمان ولا حال وهو الآن على ما عليه كان. الحق ليس محجوباً، وقولنا سيد الكائنات تعظيماً. أما سيد الكائنات على الإطلاق وهو أفضل من العرش والكعبة وكل المخلوقات هو سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم. ولذلك يقول أهل الله: "اللهم صل على عرش استواء رحمانيتك". لأنه صلى الله عليه وسلم يفاخر العرش بعظمته عند الله، وقد يدخل على العرش وقد تجلى قهر الله عليه فأسكنه وسكنه، إنه
أعظم المخلوقات، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا به موصوف بأنه عرش استواء الرحمانية، وليس استواء القاهرية كما كان على العرش المخلوق. هذا من أفضال بسم. بسم الله الرحمن الرحيم، وليس بسم الله القهار المنتقم، فالجمال قبل الجلال على الأكوان. فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق أجمعين قال: "وإنما المحجوب أنت". الحجاب لما بينك وبين الله، فمن المحجوب؟ الله أم أنت؟ أنت الذي محجوب في روحك هكذا. إنما المحجوب
أنت عن النظر. إلى سبحانه، لكن لو نظرت إليه لا بعين البصر - فالأبصار لا تدركه وهو يدرك الأبصار - ولكن بعين البصيرة، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد. إذ لو حجبه شيء لستره ما حجب، وهو الساتر لا المستور، فالمستور أنت. ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر، سبحانه ووجوده لا. حاصر له ولا يستطيع، وكل حاصر لشيء فهو له قاهر، سبحانه وهو القاهر فوق عباده. إذاً فالله هو القاهر لا
المقهور، وهو الحاصر لا المحصور، وهو القوي لا الضعيف، وهو الخالق لا المخلوق، وهو الذي يأذن بالحجاب أو برفعه لا المحجوب، فإنما كل ذلك أنت، قال رضي الله تعالى عنه. وقد تبيّن لك مقامك في الدنيا وأنك مخلوق وأنك محصور وأنك محجوب وأنك محتاج إلى رب العالمين. اخرج من أوصاف بشريتك عن كل وصف مناقض لعبوديتك لتكون لنداء الحق مجيباً ومن حضرته قريباً. لا تضيع وقتك أيها المحصور المحجوب الضعيف المخلوق، بل
حاول أن تتغلب على كل حجاب وأن ترفع. ذلك الحجاب حتى تنظر إلى رب العالمين، اطلب الأنوار راحلًا حتى تطلبك الأنوار واصلًا. فعليك أن تتخلص من صفات بشريتك التي تعارض عبوديتك. العبودية هي الطاعة والخضوع والتسليم لرب العالمين ظاهرًا وباطنًا، فقد أمرنا بالأركان ونهانا عن الموبقات والذنوب والطمع والشهوات التي تحرك الإنسان. والعجز والكسل يوقعان به في
المخالفة، مخالفة الأمر أو... مخالفة النهي فلا بد عليك أن تخرج من هذا، ويكون ذلك بثلاثة كما قال أهل الله: بالذكر، وبالتربية، وبالخلوة. أما الذكر فقد قال تعالى: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون"، وقال: "والذاكرين الله كثيراً والذاكرات". وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال لسانك رطباً بذكر الله". وأما التربية... فقالوا بقلة الطعام وقلة المنام وقلة الكلام وقلة الأنام، وكل ذلك ورد في السنة. فأمرنا
بالصمت، "من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". وأمرنا بالتقليل من الناس، قال: "ذهب الناس وبقي النسناس"، أخرجه البستي في العزلة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. قالوا: ومن النسناس؟ قال أناسٌ في صورة الناس وليسوا بناس، وفي العزلة قال: "لا يكون أحدكم إمعة، يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت. بل وطّنوا أنفسكم على أنهم إن أحسنوا فأحسنوا، وإن أساؤوا فلا تسيئوا". وأمرنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من حفظ ما بين فكيه". وفخذيه ضمنت له الجنة، وقال: "يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم". ونهانا ربنا عن اللغو، ونهانا رسوله صلى الله عليه وسلم عن الشهوات وعن الغضب، وقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحب لأخيه ما يحب لنفسه". وأمرنا صلى الله عليه وسلم بكل ذلك. وأخذوا الخلوة من غار حراء عندما كان يتعبد رسولنا صلى الله عليه وسلم فيها الليالي ذوات العدد
فيتحنث أي يترك الحنث. الحنث يقولون من الأفعال السلبية. يتهجد يعني يترك الهجود، يتحنث يعني يترك الحنث والكلام الباطل، يتحنث يعني يترك الاعوجاج وهكذا. فكان صلى الله عليه وسلم يتحنث في غار حراء يعبد. ربه فأخذوا منها الخلوة، أخرِجْ من أوصاف بشريتك كل وصفٍ مناقضٍ لعبوديتك، كل وصفٍ يُعطلك عن الطاعة، لتكون لنداء الحق مجيباً أمراً ونهياً، ومن حضرته قريباً نوراً ورفعاً للحجاب. قال رضي
الله تعالى عنه ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: أصل كل معصيةٍ وغفلةٍ وشهوةٍ الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة [تتحقق من خلال] عدم الرضا منك عنها، ولأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه. فأي علم لعالم يرضى عن نفسه؟ وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه؟ العلم والجهل ليسا بكثرة المعلومات، وإنما بما يوصلك إلى الله، وأصل المعاصي الرضا [عن النفس]. عن النفس واصل
الطاعات عدم الرضا عن النفس ومحاولة إصلاحها وعدم اليأس منها، فكل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون، حتى لو تبت إلى الله مائة مرة. يعلمنا سيد الخلق المصطفى الكريم المجتبى الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "إني أستغفر الله في اليوم مائة مرة"، وهو قد غُفِرَ ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما ذلك لرسم الطريق إليه سبحانه، فيقول:
أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس، فإذا لم يرضَ الإنسان عن نفسه تخلَّص من حجابه وكُشِفَت له الأسرار، ولكن يجب عليك أن تستمر في عدم الرضا عن نفسك أبداً. إلى أن تلقى الله لا أن ترضى عنها بعد أن أبت إلا نقضها، فإذا نقضت نفسها رضيت عنها، فقد وقعت في المحظور الذي منه فررت. قال أهل الله: مثل ذلك كمثل من هرب من المطر فوقف تحت الميزاب، هرب من المطر - المطر رذاذ خفيف لطيف - فوقف تحت المزراب الذي هو. الميزاب
الذي يركز المياه عليه وقع في المحظور بعد أن كان قد هرب من خفيف المطر. أليس هذا أحمق؟ لكل داء دواء يُستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها. كان بعضهم عندما رأى المشايخ الكبار الذين يعلمون بالنظرة ويربون بالنظرة قالوا: لكل داء دواء يُستطب به. حتى الحماقة وجدت من يداويها، فالحماقة قد تجد من يداويها ولكن يحتاج ذلك إلى شيخ كبير بمعنى أن يكون قلبه واسعاً بعض الشيء ويتحمل الحماقة حتى يداويها. وكان السيد أحمد
البدوي يربي بالنظرة من ميراث النبوة صلى الله عليه وآله وسلم، سيدنا رسول الله كان يربي بالنظر، فمن رآه النبي وليس من رأى. النبي لأنه قد يكون ضريرًا كابن أم مكتوم. من رآه النبي، يقول ابن حجر: "أحدثت النظرة منه صلى الله عليه وسلم ما استوجب تعديله". يعني النبي عندما ينظر إليك هكذا، يحدث فيك شيء يجعلك اسمك صحابي. صحابي يعني عدل، وعدل يعني لا يمكن أن نطعن فيك. قالوا: فمن ميراث النبوة سيدنا. رسول الله ورّث هذا لأمته عن طريق الأولياء وكبار أهل الله، يرثون عنه من بركته شيئاً فشيئاً. لا يجتمع في وليّ
منهم ما اجتمع في رسول الله، إنما هو كالشمس شعاعها يصل إلى الأقطار كلها، فكل شعاع منه صدر منه إلى وليّ من أولياء الأمة ومربيها ومرشديها ووارثيها المحمديين فأخذوا. منه صلى الله عليه وسلم ما تستقيم به الأحوال، منهم من أخذ بعض الكرامات من معجزاته، ومنهم من أخذ التربية من النظرة، من الحال والخواطر والسلوك والجذب إلى الله تعالى. فكل ذلك كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه الإنسان الكامل، وهذا
هو الذي جعله خاتماً للمرسلين وسيداً. للنبيين وإماماً للغر المحجلين ومصطفى الرحمن سبحانه وتعالى ومجتبى الرب سبحانه وتعالى والكلمة الأخيرة إلى البشرية، وهو الذي أعلى ذكره وأفرد شأنه، وهو الذي حافظ على كتابه من التحريف، وجعل اسمه يُذكر على المآذن كل يوم، وأبرز قبره لزيارته صلى الله عليه وسلم، حتى يبقى القرآن غضاً طرياً غير منسوخ. منه شيء، ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً، سبحانه وتعالى، فبرز قبره للوصول إليه والمثول بين يديه، ثم تقول
له: تُبتُ يا رسول الله فاستغفر لي، فيستغفر لك ربك فيغفر لك، ولم يكن ذلك لأحد من الأنبياء قبله، وأبقى أهل بيته الكريم عنوان على وجوده حساً كما أنه كان موجوداً في زمنه فإنه موجود عبر القرون وما زال نبياً ورسولاً إلى أن يدخل الجنة. اللهم احشرنا تحت لوائه. عمر بن الخطاب قالوا له يهودي في المدينة قبل أن يجليهم منها يكشف ما وراء الكثيف يعني يرى من وراء الحائط قال. بلى، لا نريد ضجيجاً، فأحضر سيفه ليذهب ويقتله.
طَرَقَ الباب، فقال له: "يا عمر، أجئتَ لتقتلني متوشحاً سيفك؟" فرأى السيف وهو يخفيه خلف ظهره هكذا معه. فقال له: "حسناً، افتح ولك الأمان". وهؤلاء الناس كانوا عندما يقولون لك الأمان، فهذا يعني أنك في أمان، ليس هناك غدر ولا خيانة. كانوا نبلاء، كانوا أتقياء، كانوا رجالاً والرجال قليل. فتح له وقال له: "أنا أستصغرك في اليهودية، يهودية التيه التي تعرفها. لماذا لا تسلم؟ وبعد ذلك، كيف وصلت إلى هذه المرتبة؟ هل لديكم شيء أو سر أو أمر ما؟" قال له: "أبداً، ما عرضت شيئاً
منذ ثلاثين عاماً على نفسي فأرشدتني إلى شيء." إلا خالفتها ففعلت عكسه، يعني يقول: "أنا أرغب في الذهاب إلى المكان الفلاني"، فيقول: "حسناً، ما دمت أرغب فيبقى أنا لن أذهب". أرغب في الأكل الآن، ما دمت أرغب فيبقى لن آكل. أنا أريد هذه، ما دمت أريدها فلأبتعد عنها. وقد وضع نفسه - يا للأسف - تحت القدم، فوجد نفسه في هذه الحالة وقال له: "حسناً، ما أخسرني". خسارة بعد كل هذا، والله جعل قلبك رقيقاً، ومع ذلك تدخل النار ولا تُسلم. قال له: حسناً، دعني بعض الوقت، يومين أو ثلاثة. ثم جاء وأسلم. سأله: لماذا أسلمت؟ قال: عرضت الإسلام على نفسي
فأبى، ثم أسلمت. هل تلاحظ؟ انظر إلى لطف الله بالرجل، فالله قدَّر له الخير لأنه ختم له بخير. فجعله يأبى الإسلام لكي يبقى على الحال أنه يأبى ويرفض كل ما ترفضه نفسه ويعاكس، فعندما عرض الإسلام على نفسه وجد أن هناك شيئاً من الهوى يصده عن الإسلام ويقول له لا، فقال له كيف لا؟ هذا هو الحق، فنجاه مخالفة النفس، ويقول إن أصل كل طاعة. ويقظة وعفة عدم الرضا منك عنها، ولأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه. عالمٌ في الظاهر لكن ليس في الحقيقة، وجاهل في الظاهر لكنه سابقنا إلى الجنة لأنه لم يرضَ عن نفسه. وقالوا: رُبّ
معصية أورثت ذلاً خير من طاعة. أورثت كبراً تصلي وتصوم وتتكبر على خلق الله فتكون مصيبة. لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. حبة الخردل هذه ما حجمها؟ حبة الخردل مقارنة بحبة الشعير: حبة الشعير تعادل ستة آلاف حبة خردل. حبة الشعير تعادل ستة آلاف حبة خردل. لم يقل حبة شعير بل قال حبة خردل. حتى من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبر. اللهم الطف بنا وتقبلنا
على ما نحن عليه واعف عنا واستر عيبنا واغفر ذنبنا وشفع فينا حبيبك يا أرحم الراحمين. وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه، فإياك أن تتكبر لأن الكبر سيء، ودائماً لنعلم أن كل الناس عاصون. ومؤمنهم الكلب الذي في الطريق أفضل مني، وحد الله. الشيخ يقول: "لا يحدث، لا يعصي، الكلب لا يعصي، لكنه نجس أيضًا. لا يعصي، يسبّح يا إخواننا، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا
تفقهون تسبيحه". وهو ربنا منّ عليه بعدم الآية، بعدم التكليف. أهو نجيء فيصبح اضطراب أو لا. شيءٌ لا بأس به، لكن المصيبة التي تخصنا أننا مُكلَّفون ويجب علينا أن نقوم بما كُلِّفنا به. الشيخ الفرغل كان هنا، كان يجلس أمام الأزهر هنا عند جماعة الكتب الذين في الخارج هنا هؤلاء. الشيخ الفرغل كان مجذوباً، فوجد ابنه يقول لكلب: "يا كلب يا ابن الكلب"، فقال له: "سببته، فاستغفر ربك" يعني. هذا حتى لا تحتقره الكلاب، فما
بالك بالإنسان. الكافر تعترض على كفره، والعاصي تعترض على معصيته، لا عليه هو، فربما يُختم له بخير. قال أبو مدين: "وكن مهما قدموك وراء في آداب الطريق". فاللهم يا ربنا اغفر ذنبنا.