الخالق | من أسماء الله تعالى الحسنى | أ.د علي جمعة

الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع اسم من أسماء الله تعالى، من أسمائه الحسنى، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها. نعيش هذه اللحظات مع اسمه الخالق، والله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الخلق. هذه الحقيقة الواضحة الظاهرة تجيب عن حيرة للإنسان وعن... سؤال يتردد عند كل البشر: من أين نحن؟ ولماذا نحن هنا؟ وماذا سيكون غداً بعد الموت؟ الله قد خلقنا. هذا السؤال
قد يبذل فيه من لم يؤمن بخالقية الله عمره كله يبحث عنه وقد لا يجد جواباً إذا لم يؤمن بالله رب العالمين. من الذي أوجدنا؟ الطبيعة هي التي أوجدتنا؟ أو أننا قد أوجدنا أنفسنا أو أن الأمر قد بدأ بتطور مادي كما تقوله نظريات التطور، إنها حيرة كبيرة، ويحاولون أن يصلوا بعلومهم إلى الإجابة على هذا السؤال. "ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً". إذاً الله الخالق، كلمة بسيطة لكنها تحل
وتفك. مشكلة فلسفية عند الإنسان: الله هو الذي أخرج هذا الكون من العدم، "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون"، فقال لهذا الكون كن فكان، وخلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش سبحانه وتعالى. قبل الخلق كان ربنا سبحانه وتعالى خالقاً أيضاً، وهنا نقول... أنه كان خالقاً بالقوة أي أنه كان قادراً على الخلق، ولذلك يسمي العلماء هذه الصفة أنها من صفات الأفعال، فمن صفات أفعال الله سبحانه وتعالى الخلق، فهو
قد خلق، والخلق فعل، وهذا الفعل هو متصف بالقدرة عليه قبل الخلق، مثل ما في حياتنا الدنيا، ولله المثل الأعلى، نقول إن السيف. قاطع فإنه قاطع ولو كان في غمده في جرابه فهو قاطع أيضاً، لكن أثناء عملية القطع به فهو قاطع بالفعل. فهناك قطع بالقوة وهناك قطع بالفعل. والله قبل ظهور هذا الخلق بإذنه كان خالقاً بالقوة وبعده كان خالقاً بالفعل. والله خالق لكنه لم يخلق ويترك الدنيا عبثاً، بل إنه ما ما زال يخلق وإلى يومنا هذا
استمرار الخلق هو خلق من عند الله سبحانه وتعالى. مثل هذه الحياة الدنيا يمكن أن نشبهها بشريط السينما، فإننا ما دمنا في حالة تشغيل لآلة السينما فإننا نرى أحداث الفيلم على الشاشة، ولكن إذا ما أغلقنا هذه الآلة فإن الفيلم ينتهي ويفنى. لو أن الله سبحانه وتعالى لو قطع إمداده عن خلقه لَفَنِيَ هذا العالم وعاد إلى العدم، ولكننا نبقى في هذا العالم بمدد الله سبحانه وتعالى الذي لا ينتهي، ومن هنا يقول ربنا سبحانه وتعالى: "كل يوم هو في شأن"، فقالوا: ما شأن ربنا؟ قال:
أمور ينهيها ولا يبتدئها، لأنه يُظهر هذه الحياة الدنيا كل يوم. لا يعلم أحد منا ولا من الخلق الغيب، لكن الله سبحانه وتعالى يظهره لنا شيئاً فشيئاً فيما نحن نعيش فيه، فالله هو الخالق على الحقيقة، والله سبحانه وتعالى هو الخالق على الاستمرار، والله سبحانه وتعالى كان خالقاً قبل الخلق، وكان خالقاً عند الخلق، وكان خالقاً بعد الخلق، ولو قطع. لدينا الإمداد وإن قُطع، حتى لدينا استعداد وتهيئة الوجود.
لما وُجدت الممكنات سويةً كما شئت من جنس وطبع وهيئات وأمكنة، لم تُحاكِ صنعةَ مثيل ولم تستعن فيها بظهور قوات. الخالق، الخالق، الله الخالق، كلمة بسيطة ولكنها تعبر عن حقيقة، حقيقة
كونية في هذا الإبداع الذي نعيش فيه في هذا. التناسق الذي وهبه الله لنا، انظروا إلى الألوان والأشجار والأزهار، انظروا إلى الأسماك وعالم الحيوان، انظروا إلى عجائب الأرض والسماء، انظروا إلى هذه المنن والنعم التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، إنها قد صدرت من الخالق سبحانه وتعالى. مصيبة كبرى ذلك الإلحاد الأسود الذي قد يرد على بعض قلوب القاصرين بغباوة لا تُوصف. ما نتيجته ولا يعرف ما الذي يترتب عليه، الحيرة والفوضى والشتات والعبث، ويفعل
الإنسان حينئذٍ ما يشاء لأنه لم يؤمن بالله رب العالمين، الخالق البارئ المصور.