الربط بين الإيمان والبشرى | المبشرات | حـ 2 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. الحلقة الثانية من برنامج المبشرات مع فضيلة الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك يا مولانا. أهلاً وسهلاً بكم. استمتعنا بفضيلتك في الحلقة التي كانت بالأمس في أول حلقة من برنامج البشارات، ونريد أن نستكمل الحوار. نريد أن نربط بين المبشرات يا مولانا وبين الإيمان، أو نربط بين الإيمان والبشرى. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. كلمة بشرى... معناها أن شخصاً ينقل الخبر السار لشخص آخر، فالبشرى إذاً تكون على أمر فيه سرور وفرح
جميل، والبشرى إذاً خبر لا بد فيه من مُخبِر، ولا بد فيه من مُخبَر، ومن كلام ينتقل من هنا إلى هناك مضمونه هو السرور والفرح. فالبشرى إذاً تتم بين البشر، واحد يأتي ليقول لي زوجتك وضعت وقامت بالسلامة، أبشرك أن زوجتك أنجبت بنتاً فافرح، أبشرك أن زوجتك أنجبت ولداً، وأنا كنت أريد أن تنجب ولداً لأن عندنا بنات فافرح، وهكذا يعني البشرى إذاً هي خبر سار. المبشرات التي نتكلم عنها هي مبشرات متعلقة بالإيمان، والإيمان يكون الإيمان بالله، فالله سبحانه
وتعالى هو الذي يبشرنا، وتعالى بشرنا فعلاً وربط هذه البشرى وهي دخول الجنة وهي الرضا من الله سبحانه وتعالى، وأعلى من ذلك كله النظر إلى وجهه الكريم، ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾. والنظر إلى وجهه الكريم لا يعلوه شيء ولا تعلوه لذة ولا يعلوه سرور ولا فرح، لأنه سبحانه وتعالى ليس كالكائنات، ربٌّ والعبد عبدٌ وهناك فارقٌ بين المخلوق والخالق. قمة سعادة أهل الجنة هي النظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى. الخبر السار الذي يعطي
الجزاء الأوفى للمؤمنين مرتبط بالإيمان. إذاً، علاقة البشرى بالإيمان هي أنه لا بد عليَّ أولاً أن أؤمن بالله الذي سوف أتقبل منه البشرى. الله لا يكلم... كل أحد وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما شاء، فالله لا يكلمنا مواجهةً، إنما عن طريق من اختارهم واصطفاهم للرسالة، ولا بد إذاً لي أن أؤمن بذلك الرسول، ولذلك كلما أرسل الله رسولاً أرسل معه آيات ومعجزات على... مثلها يؤمن الناس لأن الله قد خلق هذا الكون على سنن كونية إلهية لا تتخلف
عادةً، فعندما يأتي شخص من عند الله تتخلف على يده سنن الكائنات، نسمي هذه معجزة. لأنه يؤديها وتجري على يديه تحدياً لنبوته وتصديقاً لرسالته، فيصدق الناس أن هذا الإنسان وهو مثلهم لا يستطيع أن يفعل هذا من عنده إنما يفعل هذا بإذن الله وأمره، فهو الذي خلق قوانين الدنيا وهو الذي خلق سنن هذا الكون وهو الذي يكون قادراً على خرقها. ولذلك فالمعجزة خارقة للعادة، خارقة للعادة، شيء غير مألوف يعني وغير مقدور أن أكرره، نعم، ولكنه معقول المعنى يمكن رؤيته، نعم كالطير. في الهواء كالمشي على الماء كقلب الأعيان، سيدنا
موسى كان معه عصا يلقيها فتتحول إلى ثعبان صحيح، فالمعجزات كل معجزة نبي اقتصرت لقومه الذين رأوا وصدقوا، وبعد ذلك يكون الناس يصدقون آباءهم أنهم قد رأوا هذا وأجدادهم في الجيل الثاني، فأجداد أجدادهم في الجيل الرابع وهكذا، إنما يأتي النبي. ويرسل لقومه، ولذلك كان الله يرسل الأنبياء تترى، أي وراء بعضهم هكذا متتابعين، ويرسل النبي والثاني والثالث معاً، يعني سيدنا إبراهيم ويرسل في نفس الوقت سيدنا إسحاق ويرسل في نفس الوقت سيدنا إسماعيل ويرسل في نفس الوقت وهكذا، فمجموعة من الأنبياء
موجودة أيضاً سيدنا داود وسيدنا سليمان مع. بعض مثل زكريا ويحيى وهكذا وعيسى معهم في نفس الوقت، فإذا كانت هناك الأنبياء تترى وكذلك إلى آخره، وكلٌّ كان له معجزة، وهذه نسميها معجزة الرسول. وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم له معجزة هي معجزة الرسول التي رآها الناس فآمنوا أيضاً بمثل ما آمن الخَلْق بهم، لكن لأن سيدنا محمد جاء للعالمين، لم يأتِ للعرب فقط، ولم يأتِ لزمانه فقط، ولم يأتِ وهو حاسب أن هناك نبياً سيأتي بعده. فكان من مزايا النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه أنه قد أُرسل للعالمين وأنه خاتم النبيين. والله، ليس هناك نبوة ثانية ستأتي.
حسناً، وبعد ذلك، هذه مشكلة، هذه ورطة، ولذلك... شقَّ ذلك على الصحابة أنه لا نبي بعدي ولا رسول، فقال: "إلا الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو تُرى له". إلا المبشرات، ذهبت النبوة ولم يبق إلا المبشرات. فالمبشرات هذه نسميها ماذا؟ معجزة، رسالة. معجزة الرسول زمنية، شخصية، قومية، قومه فقط الذين يرونها والأشخاص المحيطون به فقط. الذين يرونها والناس الذين حضروا، حتى الناس الذين لم يحضروا في نفس عصره لم يروها. فنبع الماء من بين يديه وسقى الجيش، فالجيش الذي رأى هذه الحادثة، ولو كان ألف منهم رأوها، لكن الذين في اليمن لم يروها. وهو كان في الصحراء، والذين في المدينة لم... رأوا هذه الحكاية وأخذوها خبراً
صحيحاً جميلاً، فمعجزة الرسول زمنية محدودة يراها الأشخاص، ولذلك قال لهم: "كيف تكفرون وأنا فيكم؟" طوال الوقت شاهدين ليلاً نهاراً، ما هذه الحكاية؟ هذا شيء عجيب! كانوا يرونها بأعينهم عليه الصلاة والسلام، عليه الصلاة والسلام، فهو دائماً يخبر بالغيب ويصلي. عليه وسلم وبركة، هذه بركة في كل شيء، هذه في كل شيء. كان نائماً فأم سليم أحضرت قارورة لأجل العرق لتضعه فيها، فقالت: إني أضعه في عطري لأضمِّخه فيه، يعني لكي يفوح. فكانوا هم يرونه كذلك، هل يوجد أحد هكذا؟ هل يوجد أحد عرقه الذي يُفرز الأملاح من الدم وما وفاحت رائحته الطيبة أفضل من رائحة المسك، سبحان الله عليه الصلاة والسلام.
يرونها طبعاً الآن. قد يأتيني أحدهم ويقول لي: "لا، أنا لست مصدقاً". حسناً، أنت حر. صدق أو لا تصدق، هذه مسألة. أنا لا أتخيل ذلك، كان بشراً. أنت حر، هذه رواية وهي رواية صحيحة. إن لم تصدقها فهذا لا تعتبرني هكذا، فالبعيد جاهل لأنك تنكر شيئاً من غير مقتضى عقلي ينكره. لا يوجد مقتضى يرفض هذا، ولذلك فقط. حسناً، وأم سليم، لا أحد يستطيع أن يقول لها: "لا، أنا أنكر هذا"، لأنها هي التي شمت، وهي التي فعلت، وهي التي كذا... إلى آخره. يصافح النبي صلى. الله عليه وسلم يجد في يده رائحة مسك مثلاً في اليوم وفي يده كانت ألين من الحرير، حسناً، والذي سلّم عليه هذا ما هو إلا الخبر المسموع إذاً، فمعجزة الرسول شخصية قوية ما تكون هكذا، طيب، فماذا عن
الذي بعد الرسول؟ الذي بعد الرسول هذا معجزة رسالة أي. معجزة تؤكد الرسالة فهي كالنبي القائم في قومه مكان النبي القائم الذي هو ماذا؟ الذي هو القرآن. جميل، القرآن محفوظ، وحفظه معجزة لأنه محفوظ بطريقة أغاظت الكافرين، أغاظتهم يعني أغاظتهم بطريقة غيظ صحيح. ما من حرف وقع منه ولا كذلك طريقة للأداء صحيح، هذا أداؤه، هذا ليس... التشكيل فقط هو النطق الجميل. عندما يقول لك "وَضَحَى"، لا، حالاً هذه مُرَقَّقَة فتُصبح "وَضَحَى". سبحان الله إلى هذا الحد! هذا هو الأداء الصوتي. غلامٌ اسمه يحيى، غلامٌ اسمه، لكن "غلامِهِ"،
ماذا الذي جعلها تُكسَر هكذا؟ التقاء الساكنين. طيب، مفتاحها أم "غلاماً اسمه يحيى" مثلاً أم لا، هذا. الأداء الصوتي أوصلت كأننا نستمع إليها كما أُنزلت على سيدنا محمد، كما أُنزلت. نعم، "يَعِظُكُم" وليس "يَعِظُكُم". نعم، ما الفرق يعني؟ لا يوجد فرق. جميل، هذا النبر هو الفرق الذي هو الضغط على مكان الحرف في الكلمة. "يَعِظُكُم" غير "يَعِظُكُم". نعم طبعاً يوجد فرق، أنا أسمعه الآن: "يَعِظُكُم" أتتصور أنه لا، والشيخ يأتي ليقول لي "لا، خطأ، قُل يَعِظُكُم وليس يَعِظُكُم"، "فَسَقَى لَهُمَا" وليس "فَسَقَالَهُمَا"؟ حسناً، الحروف هي نفسها والتشكيل هو نفسه، لكن هذا اختلف المعنى. "أَفَلَ" و"أَفَلَا" ليسا سواء، فالأول حصل له أفول، لكن "أَفَلَا"
هذا استفهام، وهذا يدخل على الذي أنا فيه. كيف يمكن لهذا الكلام أن يفعل ذلك؟ نعم، لأنه نقل بأدائه الصوتي. نعم، على ما يعرف يا مولانا، كيف نقل بأدائه الصوتي؟ ولكن بعد الفاصل إن شاء الله. فاصل، نعود إليكم فابقوا معنا. فاصل ثم نواصل. السلام عليكم ورحمة الله. عدنا إليكم من الفاصل، الجزء الثاني من حلقة اليوم، الحلقة من برنامج المبشرات مع فضيلة الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية المصرية. تفضل يا مولانا، كنا نتحدث عن نقل القرآن بالصوت. نعم، فالقرآن حُفِظ كمعجزة رسالة، نعم، ليس فقط في آياته وفي سوره، في آياته، في ألفاظه، في تشكيله، بل في أدائه الصوتي أيضاً، وهذا الأداء الصوتي جعله محفوظاً في شيء آخر محفوظ في رسمه، الرسم المضبوط
ضبطًا عجيبًا غريبًا. "إبراهيم" ليس فيها ياء في سورة البقرة، وفيها ياء في كل القرآن. لماذا هو هكذا؟ هو وجدناها هكذا وتركناها هكذا، لا أحد يعدل، فإذا كان هذا كما يقول الشيخ خلف الحسيني أبو بكر خلف الحسيني، يقول في... الآيات البينات فهو معجز في رسمه كما أنه معجز في لفظه معجز في رسمه كما أنه معجز في لفظه ما شاء الله جميل. إن ابن البنا المراكشي نفسه ألف كتاباً حتى يستقصي ويتتبع إعجاز هذا الرسم. فنحن لم نحافظ على الأداء الصوتي فحسب، بل حافظنا أيضاً على الرسم. نعم على النمط نفسه الذي سُمِّي بالخط العثماني أو الإملاء
العثماني. نعم، فأصل هذا الخط هو رسم الحرف، نعم رسم الحرف، لكن الإملاء هو رسم الكلمة. الإملاء رسم الكلمة جميل، والثاني رسم الحرف. الخط تفرع منه إلى الرقعة والنسخ والثلث والفارسي والديواني وهكذا، لكن الكوفي أكثر. من أربعين نوعاً من أنواع الخطوط الذي هو رسم الحرف، لكن الإملاء هذا رسم الكلمة. نعم، جميل. فأما خارج القرآن في الرسم الخاص بي، أكتب "السماوات": ميم، ألف، واو، ألف. لكن في داخل المصحف، أكتبها: ألف، سين، ميم، واو، تاء. فإذا نطقتها بالطريقة الإفريقية، أنطقها "السموت"، نعم، لكن... هي السماوات، نعم. حسناً، هذه مكتوبة أمامي
"السماوات" بالطريقة المعتادة. نعم، لأنك في الأصل لا تتلقاه من المصحف، أنت تتلقاه من الشيخ سماعاً. جميل، كتابهم لا يبلله الماء. نعم، لماذا لا يبلله الماء؟ لأنه في صدورهم. جميل، الله، هذا كتاب يُحفظ. نعم، كتاب يُحفظ. حسناً، عندنا التوراة. نعم، هناك شخص حفظها، وهو عزير، نعم، اعتبروه نبياً، نعم، فأماته الله مائة عام ثم بعثه. عندما حفظ التوراة اعتبروا أنه نبي، اعتبروه نبياً، نعم، وبعضهم اعتبره ابن الله والعياذ بالله. يعني لا بأس، هذه قضية قد انتهت وذهبت، نعم، لكن الله... طيب وبعد ملايين... محفوظ في ذاكرتنا، إننا ملايين، وما زال هناك على سبيل المثال في الجمهورية الليبية الجماهيرية الشعبية الليبية أكثر
من عشرين إلى ثلاثين في المائة من الشعب يحفظون القرآن ما شاء الله، يحفظون القرآن كله بشكل جميل. الشعب كله، أي من الشعب بأكمله. وهناك أشياء في مصر، التي يوجد حافظ ما شاء الله ثلاثة ملايين حافظ، ليس مختبرين مرة واثنتين وثلاثاً، بل نحن نختبرهم كل ستة أشهر مرة، يعني أشياء عجيبة غريبة. وبعد ذلك، دع مصر أو ليبيا فهؤلاء عرب، لكن اذهب إلى ماليزيا، اذهب إلى إندونيسيا، اذهب إلى الهند، اذهب إلى الفلبين، اذهب إلى أمريكا، ما هذا! فإذا أنت تقول لي ما العلاقة بين البشرى وبين الإيمان؟ البشرى تحتاج إلى إيمان جميل، والإيمان قد استلزم البشرى. فأنا لن أستطيع أن أتمتع
بالبشرى إلا إذا آمنت. كيف أتمتع بالخبر السار أنني عندما ألتزم بأمر الله أدخل الجنة إلا إذا آمنت بالله وآمنت بالرسول وآمنت بالوحي وآمنت بأن... هذا الوحي ينفذ، فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً. انظر ماذا يقول: يعني أول شيء نتحاكم إليه، وثاني شيء نرضى بقضائه فينا. هل نرضى بقضائه فينا مع تبرم أو نقول حسناً هذه المرة وانتهى الأمر ونجعلها تمضي هذه المرة لا، نحن نرضى بها بفرح وبشارة، لا نجد حرجاً، لا نجد حرجاً في قلوبنا. حسناً، هذه المرة إذن، وفي المرة القادمة قلنا له: والمرة القادمة التي لم
نأتِ بها بعد، التي لم نعرضها عليك بعد، نحن موافقون على ما ستقضي به فينا. هل أنت منتبه كيف في أي... حدثت مشاجرة بيننا وبقلب راضٍ رضي الله عنهم ورضوا عنه. إذًا هذا هو مفهوم البشرى مع مفهوم الإيمان الذي هو السؤال الأول الذي كان في أول الحلقة، أنه ما علاقة الإيمان بالبشرى؟ الحقيقة أنني لن أتمتع بالبشرى إلا إذا كنت مؤمنًا صحيحًا، مؤمنًا بالله ومؤمنًا بأنه يوحي ومؤمنًا بالرسول الذي... قد أوحي إليه وبلّغ فصدّق ربه وآمن بذلك الالتزام وفعل هذا الالتزام من غير حرج في قلبي ومن غير تردد وبرضا يصل بعد ذلك إلى التسليم. ما الفرق بين الرضا والتسليم؟ قال:
الرضا بالواقع والتسليم بالمستقبل. الرضا بالواقع والتسليم بالمستقبل... جميل، يعني أنا في هذه الحال أقامني الله. ما هذا الحال؟ المشركون في مكة أتعبوني، والمشركون في المدينة يهاجمونني. هذا هو الحال. ماذا أفعل؟ رضيت، أنا راضٍ بهذا الأمر، راضٍ بهذا الأمر على أساس أنه يكفي هذه المرة. لا، بل أنا راضٍ به اليوم وراضٍ بما سيكون غداً. جميل، هذا هو التسليم، هذا هو التسليم، أنا راضٍ. بالذي اليوم يكون هذا الرضا، أي الرضا بالواقع الذي أنا فيه الذي أقامني الله فيه. حسناً، ماذا أفعل إذن؟ مقتضيات هذا الرضا والتسليم، مقتضيات الرضا أنني لا أتضجر ولا أعترض على ما أنا فيه، ومقتضيات التسليم الإعداد:
"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله". أعدكم أنني لست مفترياً ولا بلطجياً ولا معتدياً، "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم". هذا هو الرضا، نعم، الذي يقاتلك قاتله، لكن هذا الآن، نعم. وماذا عن المستقبل؟ ماذا سيفعل غداً؟ "ولا تعتدوا"، حسناً، "ولا تعتدوا" هذه خاصة بالغد، خاصة بالغد صحيح، "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين". لن أتحدث عن الانتقام، ولن أقول لا بد من جعلها دماءً. ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين. يا أبا هند، فلا تعجل علينا واتركنا نخبرك باليقين. فإنا نورد الرايات بيضاء ونصدرها حمراء قد روينا. انظر، الدم أحمر، ولكن انتبه لما يعنيه ذلك، إنه يعني
أن... العلم هذا يكون على سارية طويلة هكذا أبيض، وبعد ذلك جعل الدم ليس إلى الركبة، بل إلى هذا العلم، إلى أن وصل العلم فوق نهر وبحر من الدم، بحر دم. حيثما يصل إلى الأعلى، سيبلل العلم وسيجعله دماً. نعم، هذا كلام الجاهلين حقاً، لكن هنا يقول: "وقاتلوا في سبيل الله". ليس في سبيل هواك ولا في سبيل الانتقام ولا في سبيل شيء، بل في سبيل الله (الذين يقاتلونكم)، هذا هو الواقع والمستقبل (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين). جميل، إذًا فمن المبشرات. قلت لي في الحلقة الماضية تقول لي: الله، واقعنا في أفغانستان وفي العراق وفي كذا. شيء يجلب الاكتئاب، نعم يجلب الاكتئاب مع عدم الإيمان. جميل، يجلب الاكتئاب إذا أغرقت نفسي في المشكلة،
لكن إذا أخرجت نفسي من المشكلة لأرى أمة تُضرب عبر القرون، أمة أقامها الله سبحانه وتعالى لتبليغ دينه، أمة صدق الله معها وعده، أمة بشّرها في الدنيا وبشّرها في... الآخرة أمة رزقها بسيد المرسلين وبكتاب محفوظ وبقبلة واضحة وبآية، هذه مبشرات كثيرة جميلة. إذاً، حتى نشعر بالبشرى لا بد علينا من الإيمان، ولذلك كانت فلسفتك جميلة جداً عندما سألتني وقلت لي: ما العلاقة بين البشرى وبين الإيمان؟ فالأصل أننا لن نشعر بالبشرى إلا إذا كنا مؤمنين وإلا إذا أخرجنا. أنفسنا وفهمنا لا حول ولا قوة إلا بالله، رضينا بالله ربًّا، ورضينا بما أقامنا
فيه، وسنصبر. إذا أنزل البلاء علينا فلا بد من الصبر، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. الله يفتح عليك يا مولانا، بالحوار الذي قاله مولانا نختم حلقة اليوم، الحلقة الثانية، ونستكمل غدًا إن شاء الله. إلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حفظكم الله.