الرحمن الرحيم | من أسماء الله تعالى الحسنى | أ.د علي جمعة

الرحمن الرحيم  | من أسماء الله تعالى الحسنى | أ.د علي جمعة - اسماء الله الحسنى, تصوف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها فالله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى وله الصفات العلى وأمرنا أن ندعوه سبحانه وتعالى بها والدعاء يستوجب التخلق بجمالها والتعلق بجلالها ألا يريد أحدنا أن يغفر الله له كلنا يريد أن يغفر الله لنا بل يريد أحدنا أن يرحمه الله، كلنا
يريد ذلك، ولذلك فلا بد أن نرحم وأن نعفو وأن نغفر، فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره، إن الله على كل شيء قدير. وفي حديث الأولوية يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالوا ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ومن أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم والرحمن الرحيم مشتق من الرحمة رحمن ورحيم يسميها أهل النحو بصيغ المبالغة لأنها تبالغ في الصفة من اسم الفاعل واسم الفاعل راحم لا
هو ليس راحما فقط لأن اسم الفاعل يتحقق ولو بشيء من الرحمة ولكن كتب ربكم على نفسه الرحمة ربنا سبحانه وتعالى قد سبقت رحمته غضبه فيغضب ممن يفسد ولا يحب المفسدين والظالمين والكاذبين لكنه أيضا غلف هذا برحمة عجيبة غريبة نراها في الدنيا وستكون في الآخرة أول كلمة نواجهها في القرآن الكريم وأول آية من سورة الفاتحة التي هي أول سورة في القرآن بسم الله الرحمن الرحيم الرحمن
هو رحمن الدنيا لأنه يرحم المؤمن والكافر ويرحم الملتزم والمفرط ويرحم الخلق جميعا والرحيم فهو رحيم الآخرة ربط الله هذه الحياة الدنيا بحياة آخرة فيها الحساب والعقاب والثواب ذلك يخوف الله به عباده يا عبادي فاتقون فغرض هذا التخويف بالنار ليس هو إظهار جلال الله وحده بل إن الغرض منه هو التحكم في سلوك البشر في ألا يضل البشر وألا يعلو بعضهم على بعض وألا
يمارسوا الطغيان والبغي في هذه الحياة الدنيا وأن يقوموا بواجبهم تجاه ربهم وتجاه أنفسهم وتجاه الآخرين وأن يكونوا محل سلام وأمان ودعوة صالحة تعمر الأرض ولكن شهوة البشر غالبة ولذلك خوف الله عباده بهذا، إلا أنه بدأ هذا التخويف بالرحمن الرحيم أي لا بد أن نفهمه من خلال أن ذلك من رحمة الله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار. الرحمة هي أساس المحبة وهي أساس الكرم، المحبة
عطاء ولذلك يتولد منها الكرم لأن من أحب شخصا فإنه يعطيه، من قلبه، يعطيه من وقته، يعطيه من خبرته، يعطيه من حنانه. هذا الحب إنما يصدر من قلب قد عرف شيئا من الرحمة. لا يمكن أن نتصور أن المحب يكون قاسيا على حبيبه. إذا دخل الحب في قلب أحدهم فإننا نرى الرحمة أساسا لهذا الحب. ولذلك قال الله بسم الله الرحمن الرحيم، الرحمن الرحيم هي أصل المحبة وأصل العطاء والكرم
والجود، وهذا في الحقيقة هو أساس الخلق الحسن. الرحمن الرحيم كررهما مرتين، فلماذا لم يقل بسم الله الرحمن أو بسم الله الرحيم؟ لأن الله له صفات الجمال والجلال، فكان من الممكن أن يقول بسم الله المنتقم الجبار أو يقول بسم الله الرحمن المنتقم، واحدة من الجمال والثانية من الجلال، إلا أن البشر لا تطيق التجلي بجلال الله عليها، بل تحتاج إلى جماله ورحمته وعفوه سبحانه وتعالى، ولذلك قال بسم الله الرحمن ولم يسكت على هذا فقال الرحيم، معنى هذا أن الإنسان في
جمال صفات الله. وفي جمال صفات الله هو بين الجمال والجلال، لو اقتصر على واحدة لما ظهر هذا المعنى، ولكن لما قال الرحمن وثنى بالرحيم فكأنه قد جعل الإنسان بين صفتين من صفات الجمال إشارة إلى علو هذا المقام الجليل وإلى علاقته بالإنسان الذي هو من صنع الله، لو عرف الطبيب هذا لرحم المريض لو عرف الإنسان هذا لما قتل أخاه، الإنسان لو عرف المهندس هذا لما غش في البناء حتى ينهار على بني الإنسان، كان يعظم بنيان الرب وكان
يعرف قيمة الإنسان عند من جعله بين الرحمة والرحمة. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،