{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} | أ.د. علي جمعة

{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} |  أ.د. علي جمعة - فتاوي
لا تدركه الأبصار لا تدركه الأبصار يعني أنه مخالف للكائنات. هذا ما تعلمناه في الأزهر. الذي لم يتعلم هاتين الكلمتين ماذا يفعل؟ يرتبك ويبدأ يقول: هل ربنا الله هو جسم أم ليس جسماً؟ نقول إنه جسم ولكن هذا عيب، لا نقول إنه جسم، ولكن إذا لم نقل... أنه جسم! طيب، أليس هو الذي يقول: "الرحمن على العرش استوى"؟ ويصبح متخبطاً بأن هذا هو "يداه مبسوطتان" و"لتصنع على عيني". وأنت تعبد وثناً! أأنت مجنون؟! يا جماعة، ليس هكذا. استحوا، استحوا، عيب عندما تأتي وتخلق قضايا من لا قضايا، وتشغل الذهن البشري بأشياء متناقضة كلها. لماذا أنت...
أصبح لديك هاتين الكلمتين، ولديك أنه "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار"، وجئت وسمعت "الرحمن على العرش استوى"، فتقول: الله الله الله الله الله الله الله الله، ولا تفكر ولا تتضايق ولا أي شيء، لأن هذه عظمة. فأنت لم تُدخل نفسك في مضايق، وأنت رجل الآن أصبحت تفهم العظمة. ربنا الرحمن على العرش استوى، أي العرش الذي هو أكبر من السماوات والأرض سبحانه وتعالى. ولن يفكر عقلك أبداً كيف استوى، لأنه لا تدركه الأبصار. أنا خلاص لا أفكر، فقد عرفت أنه علمني أنه لا تدركه الأبصار وهو
يدرك الأبصار، لأن الذي تدركه الأبصار هو الكائنات. والله هو المكون وليس هو في الكائنات بل هو رب الكائنات، فيبقى خلاص انتهينا. ولذلك عندما جاء رجل فتحوا هذا الموضوع من التابعين، كان اسمه صفوان بن عسيل على وزن أمير، يقولون هكذا في الكتب: "عسيل على وزن أمير"، حتى لا تقول ما هو عسيل أو غيره، حتى لا تخطئ نقول. ما شأنك على وزن أمير صفوان بن عسيل؟ هذا جلس يفكر هكذا من غير علم، لم يذهب إلى الأزهر حينها، فالأزهر لم يكن قد ظهر بعد، فقد ظهر الأزهر بعد ذلك.
بدأ هذا لأنه في أيام سيدنا عمر كان الصحابة لا يزالون حاضرين بوضوح، فجلس يفكر فجاءته هذه المسألة وهو غير منتبه. فقال: "يا سيدنا عمرو بن العاص، خطر في بالي سؤال دقيق بعض الشيء". قال له: "خير". قال له: "الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟". قال له: "سأرسلك إلى من يجيبك، سأرسلك إلى من يجيبك"، وذهب به إلى سيدنا عمر هناك في المدينة. فلما دخل على سيدنا عمر قال له: "أنا أقول لك أنا". سأخبرك بشيء قريب جداً، فقال له: ما هو؟ فكان في يده سعفة من سعف النخل فضربه بها وقال له: إجابتك هي هذه، لأنك مشوش أشد التشويش، ويبدو أن المناقشة معك لن تنفع. فقال
له: يا أمير المؤمنين، ذهب ما كان برأسي، واللهِ هذا هو. نحن لا نستطيع أن نفعل هذه الأشياء الآن لأنه يقول لك: يجب أن تناقشه، والفكر لا يُواجَه إلا بالفكر. هذه كانت بركة سيدنا عمر عندما فعل هكذا، كان صادقاً من قلبه وكانت فيه بركة. كان يقول له: أنت لم تتعلم شيئاً، فالأشياء التي أتتك هذه ناتجة من قلة العلم، فتوقف عن ضربك. لأنك لم تتعلم، فيؤخذ من هذا الأثر أن الذي يهرب من العلم يُعاقب، وأنه لا بد من العلم. والعلم الذي نقوله هذا "زيد الطويل الأزرق بن مالك" الذي حفظناه في الأزهر الشريف، هذه مسألة عالية جداً. لماذا؟ لأنها تضع على
بداية الطريق. جاء من أين؟ "لا تدركه الأبصار وهو". يدرك الأبصار