السراج المنير: تغيير التركيبة السكانية في المدينة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم "السراج
المنير" مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك يا مولانا، أهلاً. أهلاً وسهلاً بكم في الحلقة السابقة يا مولانا. ونحن يجب علينا أن نتحدث عن النموذج الثالث المدينة المنورة. بنو قينقاع بدأوا يهددون بالحرب بعد غزوة بدر. نريد أن نستكمل حوارنا. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. بدأ الحقد ضد رسول الله صلى الله عليه. وسلم لما ذهب اليهود إليه يتحاكمون فإذا به يحكم بينهم بما يرضي الله لا بما يرضيهم، وبدأوا في التحرش بالمسلمين والخروج عن دستور المدينة، عن القانون، عن النظام، عن المشروعية، ولما حدث نصر بدر هدّدوه وخافوا أن في نصر بدر تكون
هناك عزة لأهل المدينة عليهم، وهو ما لم يتعودوا عليه. عليه أبداً، فذكرنا في حلقة سابقة كيف هددوه، لكن مع هذا التهديد بدأت المناوشات الفعلية، بدأت المناوشات الفعلية بالمسلمين، ناوشوا المسلمين بالفعل. مرة مثلاً قدمت امرأة من العرب ومعها بضاعة، ذهبت إلى السوق وهذا أمر معتاد، وكان هذا السوق في مضارب أو في حي بني قينقاع، جلست إلى صائغ. بها متجر ذهب وكان اليهود يعملون في المدينة بالصياغة والذهب، ويعملون في المدينة أيضاً بالزراعة خاصة النخيل
وما إلى ذلك. كانت هذه المسلمة التي كانت من العرب منتقبة، فقال لها: ألا تكشفين وجهك؟ دعينا نرى وجهك ونتعامل معك. السيدة لم تكن معتادة، لم تكن معتادة أن تكشف وجهها في... أبداً قالت له: "لا، لست كاشفة". فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها من الخلف فعقده إلى ظهرها، بمعنى أنه عندما ربط ذيل جلبابها بغطاء رأسها، فإنها عندما تقوم ستنكشف عورتها وهي لا تدرك ذلك. وكانت الملابس فضفاضة فتمكن من فعل هذا دون أن تلتفت، فلما قامت انكشفت عورتها. ضحكوا
إذا هذا عدوان على كرامة الإنسان ودخول في خصوصياته. صاحت المرأة وصوّتت لأن هذه إهانة بليغة، أي أنه لا يصح ذلك. فوثب رجل من المسلمين على الصائغ قائلاً: "لماذا تفعل هكذا؟ وما معنى أن تكشف وجهها وإلا تؤذيها هذه الأذية وتعريها تعريتها" وهكذا إلى آخره. والصائغ أيضاً بحماقته تلك وكان... يهودياً استمر في الصراع مع المسلم، فالمسلم قتله. اليهود الذين كانوا موجودين في السوق جاؤوا نحو المسلم وقتلوه. فأصبح هناك قتيل من اليهود وقتيل من المسلمين، واندلعت الفتنة الدموية. استصرخ أهل المسلم قائلين:
"يا معشر المسلمين، اليهود يضربوننا!" غضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع، واشتعلت الحرب. بين المسلمين واليهود من الذي انتصر؟ المسلمون استطاعوا أن يهزموا اليهود في هذه المعركة، فانهزم اليهود. النبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: هذا كلام، ألسنا متفقين على أننا نعيش مع بعضنا إخوانًا وما إلى ذلك؟ ما فائدة هذا التصرف الأحمق؟ ما فائدة أنك تصرين على كشف وجهك أو كشفته؟ ثم أحدثت فيها جرحاً، ثم بعد ذلك يحدث قتل من هنا ومن هناك، ثم يحدث وأنا أطلب منكم أنتم فضيلةً ألا تصنعوا هذه الفتنة. لو سمحتم
ارحلوا عن المدينة، تفضلوا اخرجوا لأنكم أنتم نقضتم الوثيقة بعدوانكم على الأمن الاجتماعي والسلام الاجتماعي. وفعلاً خرج بنو قينقاع لأنهم كانوا يشعرون بأمرين: الأمر الأول أنهم مخطئون لأن هم الذين تصرفوا هذه التصرفات الحمقاء، والأمر الثاني أنهم رأوا النبي وهو منتصر في بدر، ورأوا أن المسلمين لم يرضوا بالذل ولا بالمهانة، ورأوا كيف أنهم - وهم في المرتبة الثالثة - انتصروا عليهم فخافوا. خافوا أن يبقوا هنا، والله إننا قضينا طوال حياتنا نوقع بين الأوس والخزرج، أما هؤلاء فقد أصبحوا. كلمة واحدة وأقوياء ومنظمون ولهم قائد وعندهم نظام، أما
نحن فليس لنا شيء في هذا البلد، لأنه بهذا الشكل كل شيء سيقع علينا. فوافقوا على الجلاء، فهذا ما كان من أمر بني قينقاع، وهؤلاء هم الذين خرجوا أيضاً في البداية بعد غزوة بدر. نعم، بنو النضير بدؤوا أيضاً سيدنا. رسول الله بالغدر، نعم. فبدأوا في الامتناع عن تنفيذ بنود الوثيقة أو الصحيفة، أو قل عليها المعاهدة، وهم وافقوا عليها وصدّقوا عليها. النبي عليه الصلاة والسلام طلب منهم الاشتراك معه في دفع دية رجلين. هذان الرجلان واحد
منهما اسمه عمرو بن أمية الضمري قتل هذين الرجلين، فنريد أن ندفع ديتهما، وكان بنو كان لبني النضير نصيب يجب عليهم دفعه فرفضوا وقالوا: لا، لن ندفع. حسناً، إذا كنتم لن تدفعوا فأنتم بذلك تخالفون النظام وتخرجون من الاتفاقات التي وضعناها، وقد وزعنا المسائل الاقتصادية بيننا وبينكم إلى آخره. وقيل إنهم أرادوا اغتياله. يا مولانا، هذا ما حدث، وما هي نتيجة هذا الموقف؟ نعم، إن... يا أنت ما أنتم راضين أن تدفعوه وهكذا سيدفعها النبي عليه الصلاة والسلام مرة واحدة فقط. القضية ليست لأنه سيدفعها وحده، نعم، القضية أنهم خرجوا عن النظام. نعم، ذهبوا وقالوا
لا، إنه سيجلس ويقول لنا أنتم وقعتم على الصحيفة أو لم توقعوا عليها. تعلمون ما هو أهم شيء عندكم لكي... لنتخلص منه كي لا ندخل في المواجهة ثانية، ولكن كيف؟ فتآمروا على قتله غيلة عليه الصلاة والسلام. قالوا: ونحن جالسون نلقي عليه حجارة كبيرة هكذا من فوق تشج رأسه فيموت عليه الصلاة والسلام، حاشا لله. فاتفقوا على هذا فيما بينهم، مخالفين بذلك مرة ثانية الوثيقة وما نصت عليه النجوى. في المدينة حرام على الإطلاق وأنه لا يعتدي علينا عداءً، نحن إخوة مواطنون لا يعتدي بعضنا على بعض. أيضاً
هم يفعلون ذلك بتكبر، لا يعتذرون ولا ينكرون. فالنبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: "أنتم تحاولون قتلي"، فقالوا: "حسناً، وما المانع؟ نريد قتله"، وذلك بوقاحة شديدة نلاحظها عليهم. على كل حالٍ، نجدد العهد بوقاحةٍ ما بعدها وقاحة، أي يقولون له: نعم، كنا نريد قتلك وهذا ضد المعاهدة، ولكن نجدد العهد، سنعقد معاهدة جديدة، ليست مشكلة. الأمر الذي يعملون به منذ ذلك الوقت هو أنهم شعب الله المختار، وأنهم يفعلون ما يريدون، وأن كل خلق الله... هؤلاء خدم عندنا، هذه هي علة هؤلاء الناس؛ بنو النضير، بنو قينقاع، في خيبر، وفي غيرها إلى آخره. هم هكذا،
نعم، يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار، وهؤلاء الناس جميعاً، هؤلاء الأمميون، هم الخدم والعبيد الخاصون بهم، ويجب أن يكونوا هكذا. سنذهب إلى فاصل يا مولانا، نعم سنذهب إلى الفاصل الأول إن شاء الله. فاصل ونعود إليكم فابقوا معنا، السلام عليكم ورحمة الله، عدنا إليكم من الفاصل، الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامجكم السراج المنير مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. في الجزء الأول يا مولانا كنا وصلنا لبني النضير عندما حاولوا
اغتيال الرسول عليه الصلاة والسلام عليه الصلاة. والنبي عليه الصلاة والسلام حاصرهم، فلما أحسوا بالهزيمة قذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم وأن يكف عن دمائهم، وألا يقتل أحداً منهم ونحن سنرحل. فهو لديه تجربة مع بني قينقاع، نعم ولكن بني قينقاع تركوا أموالهم، أما نحن فسنأخذ بقدر. الإبل التي تخصنا والتي سنتمكن من استرجاعها ونأخذها إلا السلاح حتى لا يستولوا عليه مرة أخرى بالقوة، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم وفعل هذا. هنا يعطينا أسساً في التفاوض أن نرى
المكاسب ونرى الخسائر، ماذا سيفعلون؟ سيأخذون أموالهم، فليأخذوها، ويحملون إبلهم، فليحملوها، ولكن لا بد أن نسلب. منهم السلاح حتى لا يكرّوا علينا بالباطل، وبذلك نكون قد حمينا دماءهم وحمينا أنفسنا من غدرهم. ففعلوا ذلك، واحتملوا من أموالهم ما استقلّت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته، ويأخذ الباب هذا، بل وحتى يأخذ الباب فيضعه على ظهر بعيره وينطلق به، أي أنه يهدم البيت. يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا. يقولون إنه صحيح، فهنا خرجوا. إلى أين ذهبوا؟ ذهبوا إلى
خيبر، خيبر التي تبعد حوالي ساعة، حوالي مائة وستين كيلومتراً شمال المدينة. نعم، ومنهم من أكمل وسار إلى الشام لأنهم يحنون للشام أيضاً ويريدون أن يعيشوا هناك وما إلى ذلك. فبذلك أصبح التكوين. إن التغيير السكاني، إن صح التعبير، داخل المدينة قد أُخرج منه بنو قينقاع وبنو النضير، ولم تبق إلا بنو قريظة، حيث خرج تقريبًا ثلثا اليهود. وأصبح هناك اتحاد بين الأوس والخزرج كإخوة، وسُمُّوا بالأنصار، ثم اندمج فيهم اندماجًا عضويًا المهاجرون. إذًا أصبحنا الآن أمة الإسلام، وقد بدأ الصحابة في الهجرة وتتابعوا. في الهجرة زادت
كتلة المسلمين وبدأ أهل المدينة يدخلون في الإسلام بكثرة فازدادت كتلة المسلمين، وبدأ آخرون يدخلون الإسلام خوفاً أو حيلةً، فبدأت كتلة المسلمين وسواد المسلمين يكثر ويكبر جداً حتى بالمنافقين، لأن المنافقين زادوا عدد المسلمين، لكنهم أرادوا - أرادوا حيلةً - أن يلتفوا حول الدعوة ليفسدوها. هنا هناك لكن على كل حال هذا زاد من عدد المسلمين وأصبح المعدود في المشركين قليلًا قليلًا، أصبح قليلًا قليلًا قليلًا إلى أن انتهى أهل الشرك في أواخر، في النموذج الرابع، ولكن هنا نرى
أن تقدمًا سريعًا حدث في تكوين المدينة فيما بعد بدر في السنة الثانية فيما... بعد أُحد في السنة الثالثة، وفيما بعد الخندق في السنة الرابعة، وهكذا ابتدأت هذه الفترة: كتلة المسلمين تزيد وكتلة غير المسلمين تقل، تهيئة للنموذج الرابع. ولذلك لا نريد أن نترك النموذج الثالث إلا بعد أن نستوفي كيف حدث هذا، ونستخرج الكنوز التي فيه. نعم، بنو قريظة بدأوا... يستجلبون الأحزاب لكي يهاجموا المدينة. لهم أبناء أمهم، هم رحلوا: بنو قينقاع وبنو النضير. فبدأوا يرتكبون خيانة عظمى. نريد أن نعرف هذا الموضوع يا سيدنا، أم ما زال هناك أمور قبل الجدل؟ لا، نحن الآن أمام
التكوينة التي كنت قرأت عنها، لكن أريد أن ألقي الضوء عليها في هذا النموذج. هو كيفية نمو الدولة، نعم، أي أن الدولة الجديدة تنمو تدريجياً وتتغير ديموغرافيتها، ويجب علينا أن نقف عند التغير السكاني والتركيبة السكانية لأن له أثر بليغ في القضية. جميل، لدي مثلاً نموذج مثل النموذج الماليزي. نعم، في النموذج الماليزي رأينا المسلمين وكأنهم أقلية، نعم، حوالي تسعة وأربعين في المئة. المئة وثلاثين في المئة أو أكثر من الصينيين وعشرة في المئة أو أكثر من الهنود
والبقية من السكان الأصليين القدماء المشركين أو الوثنيين. أي أنَّ ماليزيا كانت مكونة بهذا الشكل، وبدأ تطور ديموغرافي في التركيبة السكانية، وتحركت النسبة من تسعة وأربعين إلى ستين، فزاد عدد المسلمين، نعم زاد عدد المسلمين، فتغيرت حتى العلاقات. البيانية في الدولة عندما أخذ المسلمون الكتلة هذه أنها ستون في المائة وبدأوا العمل على تطعيم العنصر الملايو من قبل الفيضان البشري في إندونيسيا الذين هم الوافدون، نعم، وبدأوا في الاهتمام بإدخال
هؤلاء الوثنيين إلى الإسلام فزادت النسبة إلى ستين أو اثنين وستين في المائة في مقابل الصينيين الذين هم معهم. أكثر المال والهنود الذين معهم شيء من الشرطة أو تخصص هكذا، هذا الكلام مفيد جداً لهذه الدول من أجل السلام الاجتماعي، من أجل كيف تنشأ هذه الدول وكيف يمكن أن تكون سبباً في رفاهية الإنسان. هذا ما نريد أن نربي التلميذ ما بين ما نستفيده من. النماذج النبوية الشريفة التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قراءتها القراءة المعرفية الواعية وبين أحوال المسلمين في العالم الآن في بقائهم في دول متعددة الأعراق متعددة
الديانات متعددة المصالح متعددة في هذا تحت ظل مفهوم الدولة المدنية لا هي دولة دينية ولا هي دولة تنبذ الدين. وتنحيه جانباً فتكون علمانية، بل هي دولة تجعل لنفسها سقفاً فتكون بذلك دولة مدنية كما رأينا في شرحنا السابق. حسناً يا مولانا، تقريباً وقت الحلقة قد انتهى، ما زلنا مع فضيلتك نتحدث عن النماذج الأربعة للتعايش بين المسلم وغير المسلم. إن شاء الله سنستكمل الحوار في الحلقات القادمة بإذن الله. إن شاء الله، اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة على وعده باللقاء مع حضراتكم في حلقات قادمة إن شاء الله من برنامجكم "السراج المنير". فإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.