السنن الإلهية جـ 1 | المبشرات | حـ 7 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامج المبشرات، البرنامج اليومي في رمضان مع فضيلة الإمام الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك، أهلاً. وسهلاً بكم، أهلاً بك يا مولانا. كنا يا مولانا في الحلقة السادسة بالأمس، تحدثنا أو نوهنا أننا سنتكلم عن بعض السنن في الكون من سنن الله سبحانه وتعالى. ولنبدأ بسنة التدافع. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. هذه المسألة تحتاج إلى مقدمة ينبغي علينا أن نتنبه إليها لأنها في غاية الأهمية. القرآن كتاب هداية، نعم، هذه الحقيقة البسيطة يقررها القرآن عن نفسه في أول سورة البقرة في صدر
القرآن: "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين". فهو كتاب هداية، لكنه سبحان الله ومن إعجازه أنه هدى للمتقين. هدىً لمن أراد أن يستهديه، هدىً لمن أراد أن يتعامل معه باعتباره العهد الأخير من الله للبشرية. فهناك العهد القديم (التوراة والأسفار)، وهناك العهد الجديد (الإنجيل)، وهناك العهد الأخير (القرآن). جميلٌ العهد الأخير، وكلها من عند الله، وكلها هي عهدٌ من الله للناس، هي تمثل الوصايا التي تكلم بها. الوصايا العشر لسيدنا موسى تمثل موعظة الجبل عند سيدنا عيسى، وتمثل الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر عند سيدنا محمد، وكلها من مشكاة واحدة كما يقول ورقة بن نوفل لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله إن هذا والناموس الذي نزل على موسى لا يفترقان"، أو يقول: "هما من مشكاة ورقة واحدة، شعرة بالكلام أن هذا هو وحي عندما تلاه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. القرآن كتاب هداية، هذه نريد أن نقف عندها كثيراً لأن القرآن هو محور حضارة المسلمين. القرآن اتخذه المسلمون محوراً لحضارتهم، وما معنى المحور أن خدمة هذا المحور تتم بمجموعة كبيرة من العلوم. هذا المحور هو معيار التقويم،
أن هذا المحور منه البدء وإليه الانتهاء. جميل، هذا معنى محور. يعني ماذا؟ يعني شيء تدور حوله الحضارة، شيء هو قائم في كل جزئيات الحضارة. جميل، محور مركزي يعني محور مركزي الذي هو القرآن الكريم. نعم، إن شاء الله هو محور الحضارة الإسلامية، منه وإليه الانتهاء وبه التقويم وله الخدمة ولذلك تجد أنهم ذهبوا وأنشأوا مجموعة من العلوم: علم يتحدث عن النحو، وعلم يتحدث عن الصرف، وعلم يتحدث عن دلالات الألفاظ والمعاجم، وأنشأوا المعاجم، ورووا الشعر، ورووا النثر. كل
هذا يسمى اللغة خدمة للقرآن. جميل! علم يتحدث عن الفقه واستنباط الأحكام، وعلم يتحدث... عن التفسير وعلم التفسير يولد بعده علوم القرآن، وعلم الفقه يولد بعده أصول الفقه، وعلم الفقه هذا يحتاج إلى علم الحديث فيتكون علم الحديث وتتكون له مجموعة من العلوم، فأصبح عندنا علم التوحيد وعلم الأخلاق وعلم الفقه وعلم أصول الفقه وعلوم اللغة وعلوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم كثيرة وتفرعت. خدموا هذا بعلم المنطق وعلم، وهكذا نشأت حضارة حول القرآن وخدمة القرآن. لكن سبحان الله، القرآن لا تنتهي عجائبه، لا يَخلَق من كثرة الرد، يعني لا يبلى، فهو دائماً جديد، دائماً
يجدد إيمان المؤمنين، دائماً هو معطاء. وكلما قرأته وجدته أكبر من فكرك ومن فكر غيرك. صحيح، وهذا بخلاف كلام البشر. فكلام البشر عندما أعبر عن فكرة في رأسي، وبعد ذلك أقول لك ماذا أقصد، وأجلس أشرح ما قلته، يعني أجلس أشرح ما قلته، أي أجلس أشرح معنى ما قلته، فهذا يعني أن ما قلته ليس كافياً، وأن ما قلته أصغر من المعنى المقصود. من الفكرة التي كانت في ذهني فاحتجت أن أوضح وأشرح وأفصل ما أجملته أو ما قلته، أما القرآن فلا، القرآن أمامك
تتلقى منه، وفي اليوم التالي تجد فيه شيئاً آخر، وفي اليوم الثالث يجد فيه غيرك شيئاً ثالثاً. إنها واحدة ثابتة لكن تتجلى فيها مفاهيم مختلفة، فكيف يكون إذن؟ إذاً من فكر البشر وهذا بخلاف كلام البشر الذي ينبه على هذه الخاصية مصطفى صادق الرافعي رحمه الله تعالى. طيب، القرآن إذًا كتاب هداية والقرآن أخذ كل هذه العلوم، فهل انتهى؟ قالوا: أبدًا لم ينتهِ، وبدأ ابتداءً من أفكار الشيخ محمد رشيد رضا والشيخ محمد عبده ومن كان معهم في هذا. العصر من العلماء كالشيخ مثلاً محمد الخضري وأمثال هؤلاء الناس بدؤوا يفكرون في أشياء
هم والجيل والأجيال التي أتت بعدهم، وقالوا إن القرآن هذا فيه تنبيه على ما يمكن أن نسميه بالسنن الإلهية. نعم، جميل هذا الكلام، يقوله رشيد رضا في المنار، لكنه يقوله على سبيل الإشارة. نعم، ماذا؟ رأيك أن السنن الإلهية هذه يمكن أن تتحول إلى علم صحيح اسمه علم السنن الإلهية ندرسه من القرآن الكريم. جميل، سنرى القرآن بعد ذلك وسنشاهد الآن السنن الإلهية والقصة، لكن نريد أن نوضح أن القرآن كتاب هداية. ماذا تعني الهداية؟ تعني أنه ينبه إلى ما يمكن أن نسميه بالسنن الإلهية، المكونة لعقل المسلم والتي
تميزه عن كل الحضارات والمذاهب الأخلاقية والأديان، ينبهه على منظومة القيم، وينبهه على المقاصد العامة والقواعد العامة لله، وينبهه على كذا وكذا من أمور النموذج المعرفي. هذه الرؤية الكلية هي كتاب هداية، لكن هذه الأمور لم يذكرها الرازي ولا القرطبي، نعم ولا ابن عاشور أيضاً. يبقى إذا القرآن وكأنه كنز صالح لكل عصر ما زال مغلقاً بمفاتيحه، لم تصل بعد إلى أيدينا، لم نفتحه بعد. نعم، تعبير جميل. فالقرآن إذاً مولّد للعلوم، والعلوم دليل الحضارة، ويمكن أن أنشئ الآن خمسة أو ستة علوم من القرآن الكريم. نعم، جميل، فتكون علوماً حديثة، وتكون علوماً حديثة. ماذا؟
تفعل هذه العلوم الحديثة، نحن نريد كل هذا الكلام، نحن نتكلم في السنن الإلهية حتى الآن، لكننا نريد أن نرسم الخريطة. حسناً، القرآن كتاب هداية، ماذا يعني كتاب هداية؟ شخص يسألني، فأقول له: أنا أريد أن أدرس منه السنن الإلهية، وأريد أن أدرس منه المبادئ العامة، وأريد أن أدرس منه النموذج المعرفي وأريد أن أدرس منه المقاصد الكلية وأريد أن أدرس منه القواعد، فيقول لي: "حسنًا، هيا الآن. لقد ذكرت لي ألفاظًا كثيرة، فلنبدأ واحدة تقول لي السنن الإلهية، نعم، وتقول لي المبادئ العامة، نعم، إلى آخره. لماذا تريد أن تدرس هذا؟ ماذا حدث بينك وبين القرطبي؟ أليس وكفيان الرازي وكفيان الأئمة العظام الذين قاموا
بواجب وقتهم. نعم، ما الذي استجد في عصرنا حتى نفكر في السنن الإلهية وفي النموذج المعرفي وفي المبادئ العامة وفي الكلام الذي تقوله هذا؟ ما الذي استجد حتى نستهدي بالقرآن؟ الذي استجد شيء واحد وهو تغير الواقع، تغير الواقع المعاش، لقد تغير الواقع. برنامجي اليومي لم يعد هو البرنامج اليومي لسيدنا عمر بن الخطاب نعم ولا سيدنا الإمام إبراهيم الباجوري المتوفى سنة ألف ومائتين وسبعة وسبعين شيخ الأزهر، نعم صحيح، مع أنه قريب جداً منا بالرغم من أنه قبل أمس مباشرة، نعم صحيح، لكن بالرغم من ذلك إلى أننا في الحقيقة أصبحنا في عصر مختلف. كيف كان سيدنا عمر عندما يريد السفر إلى الحجاز أو السفر
إلى مكة لأداء العمرة أو الحج، ماذا كان يفعل؟ كان يركب الإبل أو يركب الفرس. وكم من الوقت كان يستغرق حتى يصل إلى مكة؟ كان يستغرق عدة أيام معروفة: أربعة عشر أو ستة عشر يوماً. مائتين وسبعة وسبعين سنة، كان يركب القطار مثلاً، لا، هو أيضاً. لم يكن قطار المحمل موجوداً بعد. صحيح كان المحمل ما زال يركب نفس الإبل ويذهب في نفس المدة صحيح، ويعاني نفس العناء، ويحتاج نفس الخبرة. خبرة ماذا؟ خبرة التعامل مع هذه الإبل، كيف تريحها وكيف تحملها وكيف تركبها من عليها صناعة الهودج أو صناعة المظلة لا يسقط من عليها، عندما أسافر من هنا إلى الحجاز يجب أن تكون هناك مدن أستريح فيها، وهذه المدن يكون فيها استعداد لاستقبال هؤلاء
الناس، فتطعمهم وتسقيهم، ويحفرون بئراً حتى تخرج لهم المياه، شيء كهذا، هي صحيح، لم يتغير العصر. عندما أراد سيدنا عمر أن يذهب لزيارة شخص مريض، وعندما كان سيدنا عمر، متى كان برنامجه اليومي يبدأ؟ كان يبدأ قبل الفجر بنصف ساعة، فيقوم ويتوضأ ويصلي ركعتين في جوف الليل، ثم يذهب إلى المسجد ويصلي وهكذا. ألم يكن الباجوري يفعل ذلك أيضاً؟ نعم، هي نفسها. ما الذي حدث؟ حسناً، سنعرف ما حدث يا مولانا بعد الفاصل، لأن هذا الفصل جزء مما حدث. هذا الفاصل جزء مما حدث. نعود إليكم فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عدنا إليكم من الفاصل، كنا نتحدث مع مولانا عن عهد سيدنا عمر بن الخطاب وعهد الإمام. الباجوري: ونواصل الحوار مع مولانا، تفضل يا مولانا. السنن الإلهية... نعم، هذه السنن الإلهية في ذاتها بشرى من البشرى من
المبشرات. جميل أننا ندرك أن هذه السنن الإلهية بشرى لأنها بداية الطريق إلى الفهم والوعي، أساس السعي. جميل، الوعي أساس السعي، الوعي أساس السعي. يقول لك: حسناً، وما هي ما شأنها وما شأن المبشرات؟ نعم، متى يصبح الخبر الصائر عندك؟ الخبر الصائر عندك عندما تفهم، وأول ما تفهم ستتصرف بشكل صحيح. ولذلك هذه أمور مرتبطة بعضها ببعض فعلاً، لكنها تحتاج إلى شرح. نعم، حسناً، ما الذي حدث وما الذي تغير بعد عصر الإمام الباجوري؟ وما البرنامج اليومي له؟ وما من الاختراعات والاكتشافات ما غيّر برنامج حياة الإنسان بصورة حقيقية، مثل ما يُسمى بالاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة التي نسميها التكنولوجيا. نعم،
هذه الثلاثة جعلت الدنيا مختلفة تماماً عما كانت عليه. حقاً، لم يكن هناك هاتف ولا تلفاز ولا راديو ولا طائرة ولا سيارة، لم يكن موجوداً كل هذا في سنة تقريباً في عام ألف وثمانمائة وثلاثين، في عام ألف وثمانمائة وثلاثين دخل الحديد في صناعة السفن في لندن. في عام ألف وثمانمائة وثلاثين بدأنا نرى سفناً، أي بدأنا نُطفو الحديد، نُطفو الحديد. السفن كانت موجودة مصنوعة من الخشب منذ زمن، منذ عهد سيدنا نوح، صحيح منذ عهد سيدنا نوح، لكن يعني أدخلنا الحديد فيها فتغيرت موازين القوة. نعم، أصبح الأسطول من الحديد، فعندما أضرب عليه بالبندقية لا يحدث له شيء، لا يغرق، والسهم لا يؤثر فيه شيئاً، لا يفعل فيه شيئاً. فتغيرت موازين القوى، وبدأ الإنسان يدخل في عصر آخر، ومن ألف وثمانمائة وثلاثين إلى ألف وتسعمائة. واكتشف الإنسان واخترع بإذن الله ما غيَّر برنامجه اليومي وجعل
العلاقات عجيبة غريبة. وبينما كنت أُحضِّر رسالة الدكتوراه وأسهر والساعة الثالثة ليلاً، تلقيت اتصالاً هاتفياً من أبي: "نعم، أنا مريض، تعالَ". كان أبي على بعد مائة وعشرين كيلومتراً مني، فجاءني الاتصال وكنت قادراً على الانتقال لأن لدي سيارة، نعم، فركبت وذهبت إليه فوصلت إليه عند الفجر وأخذته لأني وجدت أنه يحتاج إلى هذا ونقلته إلى القاهرة معي بسيارة قادرة على أن تذهب إلى القاهرة وتفعل لا أعرف ماذا. كان هذا الكلام قديماً، لم يكن هناك مثل هذا. نعم، لم يكن كذلك. علماً أنه يرسل المرسال، وحتى يرسل المرسال يستغرق خمسة أعرف كيف أرد عليه وقد استغرق خمسة أو ستة أيام ليكون قد انتقل إلى رحمة الله تعالى في المكان الذي هو فيه. صحيح أن الأجل
واحد وهو انتقل إلى رحمة الله تعالى في هذه السفرة، لا إله إلا الله. أتفهم؟ نعم، لكن المكان مختلف. صحيح، يعني هذا كان سيكون في ها هنا في القاهرة، سبحان الله، تغيّرت الدنيا، والبرنامج اليوم يتغير، والعلاقات الاجتماعية تغيّرت. هل ترى أننا وفّرنا وقتاً؟ بعض الناس يعتقد ذلك، نعم. أم أننا أثقلنا على أنفسنا الوقت؟ بعض الناس يعتقد ذلك أيضاً، نعم. حسناً، إذاً أصبحت في برنامج آخر من الاتصالات والمواصلات. انتبه عندما مارتن... لوثر يُظهر البروتستانتية في ألمانيا، وإلى أن تصل إليّ هنا في مصر في القرن السادس عشر، تأخذ لها ثلاثين أو أربعين سنة. وإلى أن أفهم أن هناك فرقة جديدة ظهرت وما الذي تقوله وما إلى ذلك، ويمكن أن تأخذ
أكثر من ثلاثين أو أربعين سنة، بل ربما قرن أو قرنين لو ظهرت اليوم فرقة في أمريكا أراها على التلفزيون وهي تظهر بالفعل والإنترنت وما إلى ذلك، وأعيش فيها وأفهم أفكارها لأنهم يعرضونها، لا تغير العالم حقائق. وهذا غير ماذا؟ هذا غير كل شيء. هذه طريقة الدعوة يجب أن تتغير، هذا إدراك الواقع يجب أن يتغير، هذا الإنسان الذي أمامي أصبح ضخمة وكثيرة جداً في العدد وفي القوة والتأثير. على غير ما كان عليه سابقاً، يجب أن يتغير كل هذا. يجب أن أدرك الواقع. كيف أدركه؟ يجب أن أدرك السنن الإلهية التي أشار إليها الله والتي كنت أمر عليها مروراً
سريعاً، لأن الواقع لا يتغير من جيل لجيل ومن زمن لزمن، أو شبه ثابت إلى واقع يتغير كل يوم بصورة صحيحة، سرعة شديدة في التغير، سرعة شديدة في التغير وفي تلاقح الأفكار وفي المصالح وفي تشابك السياسات والقرارات، فلا بد علي أن أدرك هذا الواقع، ولذلك من ألف وثمانمائة وثلاثين إلى ألف وتسعمائة وثلاثين تغير الواقع، فنشأت مجموعة مفصلة اسمها مجموعة العلوم الاجتماعية والإنسانية، هذه المجموعة عندما نشأت للأسف نشأت بعقيدة ورؤية أخرى غير الرؤية الإسلامية. الرؤية الإسلامية تعتبر مصدر المعرفة هو الوحي والوجود، لكن صاحبتنا هذه - العلوم الاجتماعية - لا، هذه استمدت من الوجود فقط علم الاجتماع وعلم النفس
وعلم الاقتصاد والاقتصاد السياسي وعلم العلاقات العامة وغير ذلك. آخره وأصبحت الأهداف تحقيق المصلحة فقط، ليست الأهداف طاعة الله وعبادته وعمارة الكون والحفاظ عليه وتزكية النفس، لا. أصبح الإنجاز هو الأساس، أصبح التطور والتطوير هو الأساس، والتغيير هو الأساس، وفكرة الموضة هي الأساس. فكرة العقد ابتداءً من العقد الاجتماعي من عند جان جاك روسو وانتهاءً بالعقد الاستهلاكي الذي هو الذي تحيا به العصور الحديثة عقد البيع والشراء مثلاً، أليس كذلك فقط؟ نعم، حتى الشيال وهو يحمل، يعني هذه من المبشرات. انظر إلى رحمة المسلمين وانظر إلى وجهة النظر الأخرى. نعم، الشيال وهو يحمل الحقيبة، وبعد ذلك أعطيه شيئاً، فيقول له: ألا تترك؟ نعم، يعني
رحمة هكذا. نعم، دعني أنا. مساعدة، نعم، أي دعه وهو يضعها في جيبه ويقول له: "اجعل في الكلام ليناً ورحمة". الآخر يقول له: "لماذا؟ كيف أجعل؟ هذا عقد بيني وبينك، أنت حملت الحقيبة وأنا أعطيتك مقابلها". في جفاء وقسوة هكذا. نعم، عقد، يعني كل شيء في المجتمع أصبح عقوداً. لم يعد هناك شيء يجعل هذه المودة وهذه الدعوة للطعام، والتي يسمونها أحياناً دعوة مراكبية، لأن المراكبي وهو يسير في النهر أو ما شابه يقول لك: "تفضل". كيف تفضل؟ ولماذا تفضل؟ لقد عبرت عن شعور إنساني جميل، شعور إنساني. فأنا إنسان، لماذا تريد أن تقتلني بهذا العقد؟ هذا العقد جيدة في المعاوضات لكن في الإنسانية
اجعل الرحمة هي الأساس وليس العقد هو الأساس. كلام كثير جداً يحدث في هذا، فالعلوم الاجتماعية عندما نشأت في بيئة غير بيئة المسلمين احتاجت إلى نموذج معرفي واحتاجت إلى إدراك للسنن الإلهية حتى نعمل من خلالها بشكل جميل، فهذا هو الذي نريد أن نتحدث في حلقة واثنتين وثلاثة وأربعة عن السنن الإلهية وعن إدراكها وعن كيفية ارتباط هذه السنن الإلهية بالمبشرات، جميل. فما هي إذن هذه السنن الإلهية؟ لقد أجرينا أبحاثاً كثيرة في العشرين أو الثلاثين سنة الماضية هذه عن السنن الإلهية. السنن الإلهية كما قلت لحضرتك أن محمد رشيد رضا أشار إليها في نعم وأشار إلى أنها يمكن أن تكون علماً من العلوم المستقلة وما إلى ذلك، لكن بعد
ذلك وجدنا كثيراً من العلماء يتحدثون عن السنن الإلهية ويركزون عليها ويحاولون استخراجها. ومن أبدع من كتب في السنن الإلهية لأنه كان عالماً مفكراً هو المرحوم الشيخ محمد الصادق عرجون، نعم وألف كتاباً. تحت هذا العنوان "السنن الإلهية"، جميل وذكر فيه على صغره أسس فهم السنة واستنبطها من القرآن الكريم. وكيف يكون هذا الكتاب غير منتشر كثيراً، لكنه مطبوع موجود وطبع مرات، إلا أنه لم يأخذ حظه من الدرس، لأن الرجل كان مفكراً وكان عالماً وعالماً أزهرياً متيناً، الشيخ محمد الصادق. عرجون رحمه الله تعالى وله كتب أساسية في موسوعة
التسامح في الإسلام وله كتب أخرى أي سيرة النبي العربي، سبحان الله، النبي صلى الله عليه وسلم في دراسة الشيخ محمد الصادق عرجون للسيرة النبوية. من المبشرات أي من الخبر السار أن يحرر ويحقق سنة النبي ويستنبط منها ومن سيرته. العطرة صلى الله عليه وسلم، كل هذا الزخم والبشرى والحب والرحمة التي كانت هي أساس حياة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم. حسناً، دعنا نتوقف يا مولانا لأن وقت الحلقة قد انتهى، وسنعود لنستكمل الحوار عن الدكتور محمد الصادق في الحلقة القادمة إن شاء الله. إن شاء الله، إلى ذلك دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في حفظ الله ورعايته.