السنن الإلهية جـ 2 | حـ 8 | أ.د علي جمعة

السنن الإلهية جـ 2 | حـ 8 | أ.د علي جمعة - المبشرات
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات البرنامج اليومي "المبشرات" مع فضيلة الإمام الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. الحلقة الثامنة اليوم إن شاء الله. أهلاً. ومرحباً بك يا مولانا، أهلاً وسهلاً. كنا في الحلقة السابقة يا مولانا نتحدث عن ربط سنن الله في الكون، وفضيلتك شرحت لنا أن القرآن كتاب هداية، ووصلنا في النهاية إلى الدكتور محمد الصادق، فنستكمل الحوار. تفضل. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله. وصحبه ومن والاه. الشيخ محمد الصادق عرجون كان من أوائل المؤلفين في قضية السنن الإلهية. طبعاً نجد إشارات عن هذا عند الشيخ رشيد رضا في مجلته المنار، ونجد إشارات عند الدكتور الغمراوي، ونجد إشارات عند غيرهم
من الكتّاب، لكن الشيخ محمد الصادق عرجون ألف كتاباً وأسس تأسيساً حول. السنن الإلهية في القرآن الكريم وجدنا بعد ذلك الدكتور عبد الكريم زيدان له أيضاً السنن الإلهية يعني وتكلم فيها، ووجدنا السيدة الفاضلة زينب عطية ألفت مجلدين تستنبط فيهما وتستخرج من القرآن ما رأته أنه سنن، وبمعونة أيضاً الدكتور جمال عطية أخيها وما فعله من دعوة لإحياء هذا الجانب الذي أشار. إليه رشيد رضا في أول القرن، وجدنا مجهودات بعد ذلك في قضية السنن الإلهية حتى صارت رسائل علمية موجودة في الجامعات.
أخذ الدكتور مجدي عاشور رسالته في السنن الإلهية - وهذا أمر جميل - من جامعة عين شمس. مجهودات ضخمة بُذلت ومشاريع علمية أُنشئت تتحدث عن السنن الإلهية، وجدوا في كلها تقريباً نحو ستين أو سبعين سنة ما شاء الله، ستين سبعين، ستين سبعين سنة إلهية، أي السنن الإلهية. قد تكون سنناً كونية مثل شروق الشمس وغروبها، مثل دوران القمر حول الأرض، مثل الليل والنهار، الصيف والشتاء وهكذا. سنة، إلهية لكنها كونية، نعم، وقد تكون سنة
تاريخية أي ما طِرْ وارتفع إلا كما طار واقع، وتلك الأيام نداولها بين الناس، فيبقى في سنة تُسمّى سنة التداول. جميل صحيح، سبحانه وتعالى يعطي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويُعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء. سبحانه وتعالى يقلب الأمر، والناس دول وهكذا. صحيح في سنة التوازن في السنة التي... حضرتك أشرت إليها، التدافع، تدافع، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض. هذا فسادها في سُنّة التوازن، في سُنّة التكامل. عندما خلق الله الأرض والسماء، وخلق الصيف والشتاء، وخلق الرجل والمرأة. فهذا الاختلاف هو اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، واختلاف
التنوع يقتضي التكامل. تكامل جميل، وليس تضاداً، ليس تضاداً. هذا اختلاف نعم، لأن هناك فارقاً بين الصيف والشتاء، وبين الليل والنهار، وبين الأرض والسماء، وبين الذكر والأنثى، والرجل والمرأة. فلا يوجد تساوٍ وإنما توجد مساواة. جميل أن يفهم الإنسان عندما يقول الله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة"، انظر إلى التعبير الدقيق "نفس واحدة زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، فتبقى الوحدة وعلاقتها بالكثرة. جميل أن الإنسان قد يكون ذكراً وقد يكون أنثى، وهذا الإنسان وهو نفس واحدة في صورته الذكرية مع صورته الأنثوية يمثل معاً نفساً
واحدة. ولذلك تجد في اللغة العربية كلمة "إنسان" ولا تجد "إنسانة". نعم، "إنسان" تطلق على الذكر. والأنثى هذا إنسان وهذه إنسان أيضاً، نعم، فهذا تكامل، إنه في سنة التكامل التي تحتاج إلى وقفة وتحتاج إلى جمع الآيات التي تبين أن الاختلاف الحادث في الأكوان ليس اختلاف تضاد وإنما هو اختلاف تنوع جميل، واختلاف التنوع يقتضي ويلزم منه التكامل، والتكامل يلزم منه التعاون، والتعاون يلزم منه الثمرة التي سوف تخرج من هذا، ولذلك فالعلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة التكامل لا علاقة الصراع. فعندما تأتيني حضارة وتقول لي أن هذه الحضارة تعتبر العلاقة بين الرجل والمرأة صراعاً، وأنه
يجب على المرأة أن تقف في مواجهة الرجل لكي تأخذ منه حقوقها - حقوقها أمر جميل - وأنه ذلك ويأخذ ما يستطيع هو أيضاً من حقوقه. ما هذا؟ نعم، أصبحت مشاجرة وخصام. هذا مفهوم آخر تماماً غير مفهوم الرحمة والمودة والحب الذي يُفترض في الجاذبية بين الذكر والأنثى، وفي الجاذبية بين الزوج وزوجته مكوِّنَين الأسرة، وفي هذا التلاقي الجسدي الحميم الذي ينشأ منه فيما بعد التناسل والتكاثر. هذا... مفهوم آخر تماماً، فهذا ليس مفهوم حقي وحقك، بل هو مفهوم كيف نعمر هذا الكون، وكيف نعبد هذا الرب، وكيف نزكي هذه النفس التي تحدثنا عنها في حلقة سابقة، ووجدنا علاقة بينها وبين
البشرى وما بين المبشرات. فإذا كانت لدي هذه السنن الإلهية، فلو طبقت سنة الاختلاف مثلاً، أي سنة... التدافع: ربنا يتحدث في القرآن عن القتال ويتحدث عن القتال بصورة واضحة، ليست بصورة مواربة ولا بصورة فيها نوع من أنواع المجاز أو ما شابه ذلك أبداً. إنه يتحدث كلاماً واضحاً عن القتال، لكن هنا يتحدث عن التدافع "ولولا دفع الله الناس"، فعندما أجد في التفسير القديم أن الدفع... هنا معناه الحرب، نعم. أقول: لا، رَبُّنا استعمل كلمة "حرب" في مكانها واستعمل كلمة "قتال" في مكانها. هنا يقول لي "دفع"،
فلا بد أن لذلك معنى آخر، ولا بد أن هذا الدفع قد يكون هو الشامل لصور كثيرة منها القتال، نعم، ومنها "ادفع بالتي هي أحسن"، ومنها "ادفع بالتي هي". أحسن ومنها الحراك الاجتماعي. الحراك الاجتماعي هذا معناه انتقال الإنسان من طبقة إلى طبقة، إن صح تعبير الطبقة هذا، نعم، من مستوى إلى مستوى آخر. يصبح هناك حراك اجتماعي. هذا الحراك الاجتماعي هو الذي يجعله يصنع لي الطبقة الوسطى المثقفة الغنية، لكنها ليست فاحشة الغنى، نعم، ولا شديدة الفقر ولا. معدمة وشديدة الفقر، وكلما اتسعت هذه الطبقة كلما شعر المجتمع بالرفاهية وشعر المجتمع بالراحة وشعر المجتمع بالتكافل وشعر المجتمع بأشياء كثيرة.
إذاً أريد أن أقول إن السنن الإلهية قد تكون كونية، وقد تكون تاريخية، وقد تكون نفسية، وقد تكون اجتماعية. جميل، وكل هذا يسمى سنناً إلهية، ولن تجد لسنة الله. تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً، فإذاً سنة الله باقية، ولذلك لابد أن نتعامل معها بفهم. نعم، وإذا فهمناها فسأكون قد أدركت الوعي، وأدركت حقائق في هذا الكون. حقائق هذا الكون إذا أدركتها على ما هي عليه، وأدركت التوازن والتكامل والتدافع والتداول والتوازن، وأدركت هذا على مستوى الكون. طبعًا وطبيعيًا وعلى مستوى النفس الإنسانية وعلى مستوى
التاريخ وجريانه وعلى مستوى الاجتماع البشري، أستطيع أن أضع حينئذٍ معيارًا لفهم هذا الواقع وقواعد للتعامل معه. ولذلك يمكن أن أُنشئ علومًا اجتماعية رصينة بنموذج معرفي إسلامي مستنبط وآتٍ من المصدرين معًا: من القرآن وهدايته وما قدَّم لنا من حقائق، ومن الواقع. وتجربته عندما يأتي فرويد مثلاً ويقول لي إن هذا الإنسان محب للجنس، وهذا الإنسان أسير شهوته، وهذا الإنسان قد رصدته. قلتُ: وماذا فعلت؟ ما رأيك أن كل ما قاله فرويد من
أوله إلى آخره صحيح؟ نعم، ولكن صحيح كيف؟ ما قراءتك له؟ صحيح أنه يصف النفس الأمارة بالسوء، نعم، وهذا آخذ جانباً مظلماً قليلاً من سبعة. نعم، أنا عندي القرآن يهديني إلى أن هناك نفساً أمارة بالسوء، ونفساً لوامة، ونفساً ملهمة، ونفساً راضية، ونفساً مرضية، ونفساً مطمئنة، ونفساً كاملة. جميل. حسناً، لنذهب إلى الفاصل يا مولانا، ثم نعود إلى الأشكال السبعة من أشكال النفس. ونرى ماذا يريد فرويد أن يفعل. فاصل ونعود إليكم، فابقوا معنا. فاصل ثم نواصل. السلام عليكم ورحمة الله. عدنا إليكم من الفاصل. الجزء الثاني من حلقة اليوم، الحلقة الثامنة من برنامج المبشرات اليومي مع فضيلة الإمام الدكتور علي جمعة. كنا قد وصلنا للحديث عن سيجموند
فرويد. تفضل يا مولانا. فعندما هذا يأتي ليدرك الواقع ويدركه بطريقة تجريبية إحصائية. أنا لا أكذبه، إنما أعرف كيف أقرأه، وهو غير راضٍ أن يقرأ هذا بنفس النموذج المعرفي الذي أقرأ به. هو يصف النفس الأمارة بالسوء، الأمارة بالسوء، وبعد ذلك يقول: "على فكرة، اطمئن وامضِ في هذا الأمر بالسوء واستمر معها حتى نهايته". أقول لا أقول والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم. وحاذر النفس والشيطان واعصِهما وإنهما محَضاك النصح فاتهمهما، ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً فأنت أعلم بكيد الخصم
والحكم. وأحد أقول له هكذا أنه لا، إنه خالف هواها وحاذر أن تطيعهما، هو لا يعرف. ماذا؟ أجلس أتحدث مع نفسي هذه على أساس أنني أكبح جماحها، وأنني أوقفها عند حدها، وأنني أنظم هذا الكبح. فعندما تأتيني الشهوة يجب أن أضعها في الحلال، والفرق بين الحلال والحرام كلمة "أتزوج" ولا "أزني". نعم، جميل! ألا يقال له: لا، افعل ما تريد؟ حسناً، وماذا في النهاية؟ افعل ما تريد، ماذا سيحدث؟ سيشعر بشيء من الانفلات ومما يسمونه الحرية، نعم، وبعد ذلك سيشعر بلذة المعصية، ثم يشعر بالاكتئاب، ثم يشعر بأنه غير قادر وبأنه لا يستطيع تحصيل اللذة التي
كان يريدها حقاً، في حين أن الآخر ما من غض للبصر إلا ويجد الإنسان لذة في... قلبه من غض البصر، ما هي هذه اللذة التي نجدها والتي لا يعرفها السيد فرويد؟ هذه اللذة لم يجربها، ونموذجه لم يخبره بها ولم يعلمه أن هناك لذة ليجربها. حسناً، نحن جربناها فسلّم لأقوام رأوه بالأبصار. إذا كنت أنت لم تر الهلال أو السماء، فهناك أناس رأوها. فإذا نحن لدينا تجربتنا أيضاً ولا بد من هذه التجربة أن نصف الأمور بوصفها. يأتي أحدهم ويقول: "لا، هذا فريد كاذب"، لا، هو ليس كاذباً، هو مخطئ ومحدود النظر. المكعب رأى منه وجهاً واحداً فقط، أدركه بسقف معلوماته الذي هو بهذا القدر، هذا
صحيح. الذي يقتصر على الوجود لأنه لم يأخذ من الوحي ما يفيده ولا ما يزيد جماله عندنا القرآن، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، ونهى النفس عن الهوى، ونهى النفس عن الهوى، فهو يرشدني إلى شيء آخر، إلى أنني لم أتخذ هواي إلهاً لي. أطيعه. أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم؟ أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً؟ إنه لا فائدة فيه، فأنت تسير في الطريق الذي فيه ذهاب ولا يوجد عودة، وهو اتباع الشهوات. ويريد الشيطان أن نميل ميلاً عظيماً في هذا المقام، فيكون... إذا كان لدي هنا ابتدأت بأن أكون أداة، هذه الأداة تقول إن ما توصل إليه البشر من معلومات عن
طريق التجريب وغيره من الوسائل، سوف أدرسه، فلا أرفضه رفضاً مطلقاً، ولا أوافق عليه وعلى مستلزماته قبولاً مطلقاً، ولا أنتقي منه انتقاءً عشوائياً أبداً، بل سأدرسه دراسة متأنية. اعرضه على القرآن والسنة وأنا معي معياري ومعي مصادر معرفتي، ومصادر معرفتي هي الوحي والوجود معًا. ولذلك وأنا أرسم المنهج وأرسم الطريق وأرسم العلاج وأضع القواعد، أضعهم لأجل هذين الاثنين معًا، وليس لأجل واحد فقط. يعني يا مولانا، لا يوجد تعارض بين العلم الشرعي والعلم التجريبي، لا يوجد. تعارض؟ لا يوجد تعارض نهائي، ولكنه قراءة العلم التجريبي بنموذج معرفي آخر هو الذي يسبب كل هذه الضوضاء،
وهو الذي يعكّر على وصول الخبر الصادق إلى قلب المؤمن فيفرح قلبه. ماذا يعني الذي يشوش علينا المبشرات؟ الذي يشوش علينا المبشرات أننا نأخذ مصدراً واحداً ونترك المصدر الثاني الذي أُمرنا. الله به فيحصل عندنا تشويش أننا نتخذ مناهج ليس فيها تأصيل، إما الرفض المطلق للوجود وإما الرفض المطلق للوحي، وإما القبول المطلق للوجود وحده كالعلمانية، وإما القبول المطلق للوحي وحده كالنصيين والظاهرية، وإما الانتقاء العشوائي. وهذا الانتقاء العشوائي هو أخطر واحد فيهم، يسمونه خبط لزق هكذا الذي يأتي. هكذا نعم، أي بشكل عشوائي. فأنا لدي تأصيل،
لدي سنن إلهية ينبغي علينا أن ندركها سواء كانت كونية أو تاريخية أو نفسية أو اجتماعية. من الجيد أن من كتب في السنن التاريخية محمد صادر البقر في المدرسة التاريخية. نستفيد ونقرأ، ويجب علينا أن نحول علم السنن في... الحقيقة بعد دراسة دقيقة إلى علم مستقل جميل، الحضارة الإسلامية تميزت بتوليد العلوم، فلما تركنا توليد العلوم تركنا خيراً كثيراً. نحن أحوج إلى توليد العلوم في عصرنا الحاضر
حتى تستمر الحضارة، وحتى نستمر في العطاء والقيام بواجب الوقت كما قام به السلف الصالح. من المبشرات أن نتحدث في السنن الإلهية مهمة أولاً لأننا نسترشد بالقرآن الكريم، وثانياً لأننا نجدد إيماننا بنظرة جديدة معتبرة ملتزمة بالقرآن الكريم، وثالثاً لأننا نريد أن نعيش واقعنا على المستوى النفسي والاجتماعي والأممي والفردي، وعلى مستوى تفسير التاريخ، وعلى مستوى فهم الكون من خلال القرآن الكريم. جميل كل هذا. من المبشرات، أي أنَّ
كل هذه من الأخبار السارة، أن نُحَوِّل القرآن الكريم من خلال السنن الإلهية ودراستها إلى كتاب هداية. إذا استطعنا أن نُكمل هذه الأبحاث، وأن نعرف كيفية توليد العلوم. فالعلوم لها عشرة مبادئ يجب أن نستوفيها، حيث يقال: "من رام فناً فليُقدِّم أولاً علماً بحدِّه وموضوعه تال". يجب عليك تحديد موضوع علمك الذي ستدرسه، وما هو هذا العلم، ومن واضعه، وما نسبته بالنسبة للعلوم الأخرى، وما استُمد منه. فمن أي العلوم يستمد معلوماته؟ ما هي العلوم المساعدة والعلوم الروافد التي تمده بالمعلومات؟ ومن أين يأتي بها؟ فمن أين يأتي بها؟ أقول
علم التفسير وأقول علم. الأصول وأقول علم اللغة وعلم الاجتماع والعلوم الاجتماعية هي التي ستصنع لي علم السنن الإلهية، جميل، كلها مجتمعة مع بعضها وما استمد منه وفضله وحكم معتمد فضله. ما هو فضله؟ فضله مهم جداً. طيب والحكم الخاص به ما هو؟ الحكم الخاص به أنه فرض كفاية، أصبح فرضاً على الأمة من وسم وما أفاد، والمسائل لابد أن تحدد لي اسمه، ولابد أن تحدد لي فيمَ سيفيدني، ولابد أن تقول لي كيف تبدو المسائل والجمل المفيدة الخاصة به. حسناً، فتلك عشر للمُنى وسائل، وبعضهم فيها على البعض اقتصر، ومن يكن يدري جميعها انتصر. حسناً، من يعرف هذه العشرة يصبح منتصراً.
ماذا؟ من هذا الكلام الذي يقول إن المسلمين الذين عرفوا كيف يولدون العلوم جميل، فعندما نأتي لندعو إلى توليد العلوم، فهي ليست دعوة مطلقة هكذا، وأن أي شخص يقول ما في ذهنه بدون التزام وتنظيم هكذا وتصبح. إنها دعوة لها مبادئ وبدايات ونهايات، وهناك ما يسمى بالمبادئ العشرة يجب أن نستوفيها. يجب علينا معرفة الموضوع، ويجب معرفة المسائل، ويجب معرفة من أين يأتي الاستمداد، ويجب معرفة نسبته مع العلوم الأخرى في الخريطة، ويجب معرفة ما فائدته وهكذا، حتى نستطيع إنشاء علم، وهذا العلم يفيد، ويفيد في ماذا، وكيف يفيد. فمن المبشرات أن الأمة الإسلامية تبقى إلى اليوم وهي تحاول ولا تيأس لا تيأس
من توليد العلوم، فعندما نعمل عشرين سنة وثلاثين سنة، فالعلوم عندما ظهر علم النفس، ظهر كعلم واحد، نعم، واليوم أصبح ثلاثين أو أربعين فرعاً، صحيح، وثلاثون أو أربعون سنة في عمر الأمة رقم ضئيل جداً صحيح، أتفهم؟ يعني إلى أن... نصنع علماً مثل علم أصول الفقه. الشافعي توفي في أوائل القرن الثالث الهجري، وُلِد سنة مائة وخمسين، فعندما وُلِد الشافعي، في هذه الخمسين سنة بدأت تتبلور في ذهنه الأسس التي يتم بها الاستنباط والتي يتم بها الفهم وهكذا، فيولد علم. وعندما كتب الرسالة، كانت رسالة بديعة لكن ما... لا توجد فيها كل عناصر الأصول وكل مسائل الأصول، وعندما نقارنها بما
كتبه الإمام الغزالي في المستصفى أو ما كتبه بعد ذلك الإمام الرازي المتوفى سنة ستمائة وستة في المحصول، نجد فرقاً كبيراً. لقد حدثت مناقشات وحصلت توليدات وتفريعات، حسناً سنتحدث يا مولانا عن التفريعات. والأمور المتعلقة بأصول الفقه ستكون في الحلقة القادمة إن شاء الله، لأن الوقت مع فضيلتكم يمضي سريعاً. إلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، ونلتقي غداً إن شاء الله. فإلى ذلك الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.