الشافي | من أسماء الله تعالى الحسنى | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع اسم من أسماء الله، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها. نعيش مع اسمه الشافي، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يشفي العباد. ولما سُئل أبو بكر رضي الله تعالى عنه: "أنأتي لك بالطبيب؟" قال: "الطبيب أمرضني". سبحانه وتعالى يعني أن الله هو الطبيب الذي إذا أراد شفائي شفاني وإذا
أراد مصابي أصابني فلا حول ولا قوة إلا بالله. ولذلك الأطباء المؤمنون إذا ذهبت إليهم يشخصون لك المرض الذي لديك ويضعون لك أسلوب العلاج ويبينون لك كيفية تنفيذه سواء بالدواء أو ينتهي بالجراحة. المهم أنه يرسم لك. البرنامج كله وهو يدعو الله بالشفاء، كان هناك بعض مَن أدركناهم من الأطباء جالباً شريطاً مسجلاً، وهو من كبار أطباء العيون، وهو يجري العملية،
هذا الشريط فيه شخص يقول: "يا رب يا شافي اشفِ مريضي"، المريض الذي هو يعمل معه الآن. إذاً هو لم يدعُ فقط، بل إنه تلبّس بالأسباب لأن... الديانة مبنيّة على هذه الأسباب الظاهرة لكنها لم تعتمد عليها، ومن هنا قال أهل التوحيد: "الاعتماد على الأسباب شرك، وترك الأسباب جهل". فنحن نقوم بالسبب لكن لا نعتمد عليه، ونُجري العملية لكن نقول: "يا رب، يا رب"، هذا غير إجراء العملية، فهذا القول "يا رب" من أجل أن توفق العملية إن شاء الله. العملية تفسد وممكن بعد أن يتم المقصود - أي العملية
نجحت - أن يموت أو يحصل له أي شيء آخر لم يكن متوقعاً أو في الحسبان. فالذي بيده الأمر هو الله، والاعتماد على الأسباب شرك، فلا نعتمد على الأسباب بل إننا نعتمد على الله وندعو الله ونلتجئ إلى الله ونعوذ بالله ونحتمي به. بالله لكن لا نترك الأسباب، قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أُحُد ارتدى درعين متراكبين. والدرع هو شيء كانوا يلبسونه كي لا يخترق السيف الجسد عندما ينزل عليه، فهو يصد السيف في القتال. فلم يلبس درعاً واحداً - فدرع واحد كان كافياً
- بل لبس درعين، درع وجهه هنا. وحجب وجهه وراء ذلك، فربنا قال له: "والله يعصمك من الناس". إنه يعلمنا أننا كنا إذا اشتد الوطيس (احتدمت المعركة) احتمينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. يعني عندما كانت تشتد الحرب، كان الناس يحتمون بسيدنا رسول الله، فقد كان في وسط الحرب وكان في المقدمة. هذا يخاف، وذاك يهرب، وهذا يفعل، وذاك يلتفت. هذا يُجهِّز نفسه ويأتي وراء رسول الله ليحتمي بصخرة الكونين صلى الله عليه وآله وسلم، هذا المعصوم المؤيد حبيب الرحمن لبِس درعين، حسناً لماذا؟ قال: ليعلِّمنا حتى لا نتهاون في الأسباب، حتى قال: "لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم
كما تُرزق الطير، تغدو خماصاً وتعود بطاناً". تذهب خماصاً وتعود بطاناً، تغدو يعني في الصباح، والغداة التي هي الصباح هكذا تخرج من أوكارها ومساكنها، وبعد ذلك وهي تعود آخر النهار، فهي ذاهبة جائعة وهي آتية شبعانة. فقالوا انظر ها هي ذهبت وأتت، انتبه ذهبت وأتت، غدت وراحت، تحركت يعني اتخذت الأسباب يعني سعت ولم تجلس في مكانها. أو كرهه وقالت ربنا يرزقني، فتأتي ريح تأخذ بعض القمح من أي مكان وترميه علينا. لم تقل هكذا. الطير، الطير توكل
على الله حق التوكل، فماذا فعل؟ ذهب طالعاً وأصبح قد اتخذ الأسباب أم لا؟ وهكذا أبداً. ترى الأسباب في الشريعة قد أُمرنا بمخالطتها، ولكن القلوب معلقة برب العباد سبحانه. سبحانه وتعالى، يقول عمر في شأن هذا: إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. نعم، لو أراد الله لهذا الكون أن يمطر ذهباً وفضة ونكتفي بما أمطر، لكان فعل، ولكنه لم يفعل. فلا بد علينا من أن نكون تحت قهر الله، فالله هو الشافي، والأمراض قد تكون أمراضاً. حسية وقد تكون أمراضاً معنوية والله هو الشافي فالجأوا إلى الشافي ليخرجنا من حد المرض
الحسي والمعنوي إلى حد الصحة فلا إله إلا الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته