الفقه الشعبي ومحاولات الخروج من الدين | درس الجمعة | 2018-11-30 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. نعيش هذه الدقائق واللحظات في معية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عسى أن تتنزل علينا السكينة وأن تحفنا الرحمة وأن تحضرنا. الملائكة إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير نسأله سبحانه وتعالى إخلاص النية والتوفيق إلى ما يحب ويرضى وأن يجمعنا على الهدى وعلى الخير في الدنيا والآخرة تحت لواء نبيه المصطفى وحبيبه المجتبى صلى
الله عليه وآله وسلم وأن يسقينا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا اللهم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنة الخلد يا أرحم الراحمين. يسأل سائل فيقول: هناك مصطلح جديد يروج له بعضهم بالدين الشعبوي، فيقولون أن الفقه هو مطلق الفهم، وبالتالي يحق لكل إنسان مسلم تدبر النص الشريف وفهمه ويسمي فهمه هذا بفقه. ويمكن بعد ذلك أن ننشئ ما يسمى بالفقه الحديث في مقابل الفقه الإسلامي
الموروث. كذلك يقولون إن إجماع عموم المسلمين في بلد ما أمر معتبر حتى لو خالف إجماع المجتهدين. فما القول الصحيح من هذا الكلام؟ أذكر لكم قصة حول الطب الشعبي والطب المعتمد ظهرت في مصر بعد... عودة بعثات محمد علي باشا إلى أوروبا وبعد فتح القصر العيني ودراسة المناهج الطبية بطرق علمية رصينة لما حدث هذا ولأن الطب بالإضافة
إلى أنه فن إلا أنه في أساسه علم له علماء وله جماعة علمية حدث صراع بين ما يسمى بالطب الشعبي وما يسمى بالطب العلمي هذا الصراع ألف هناك أحد الأطباء العظام في أواخر القرن التاسع عشر في مصر اسمه إسماعيل محمد ألّف كتاباً أسماه "طب الركة"، والركة كلمة مصرية عامية تعني
الخرافة والخزعبلات وما لا أساس له في العلم، إنما له أساس في الظن الموهوم والخيالات والرغبات، وينتج هذا الخيال من أنه قد نجح. مرة أو نجح مرتين أو نجح مع بعض الناس ولم ينجح مع كلهم أو نجح في وقت ولم ينجح في وقت آخر، وهو الأمر الذي اهتم به العلم عندما استقى من التجربة، بشرط أن يكون عاماً شاملاً لكل زمان ومكان وشخص وحال، بحيث أنه يُسجل ما كان معتمداً على هذه الهيئة وإذا
ظهر فيها خلل بعد كل هذا المجهود فإنه يُغيَّر، ولكن يُغيَّر تغييراً جزئياً مدروساً مضبوطاً بقواعد وبفهمٍ وبعمق، حتى لا يضر الناس، وحتى يكون للطبيب أثر فعال في الشفاء بإذن الله، فالشافي على الحقيقة هو الله، "وإذا مرضت فهو يشفين". ولكن على الرغم من ذلك فقد سبب... الأسباب ووضع القواعد والضوابط، وما خُلق هذا العالم إلا على حكمة بديعة وليس على فوضى كما يدّعي من هو خارج الأديان أن هذا العالم فوضى وأنه
لا غاية له وأنه لا معنى له، إلى آخر ما هنالك من مذاهب العدميين والفوضويين. فألف طب الركة والذي عندي في مكتبي جزءان، جزء... أول وثاني ولكنني سمعت أنه أكثر من عشرين جزءاً، فيمكن مراجعة ذلك لأنني لم أرَ كتاباً قديماً مطبوعاً سنة ألف وثمان مئة وتسعين، فلم أحصل عبر سنوات تحصيلي للكتب إلا على جزأين أول وثانٍ، لكن لم أرَ ما فوق ذلك. تكلم فيه عن هذا المعنى، الطب الشعبي في
مقابلة الطب المعتمد الدكتور محمد إسماعيل، هذا وكانوا قديمًا يضعون إسماعيل أولًا ثم محمد على طريقة الأجانب، أي إسماعيل محمد أو محمد إسماعيل كما يبدو. والله أعلم، لا أعلم يقينًا، وإنما وجدت أن يحيى حقي عندما ألّف "قنديل أم هاشم" سمّى بطل الرواية بإسماعيل، وهو ما حدث للدكتور إسماعيل محمد بالذات مع اللفتة التي في الرواية هي أن الرجل كان طبيب عيون فرجع فوجد ابن ابنة خاله مصابة في عينيها
برمد له علاج، فأخذ يعالجها ولكنه يفاجأ بأن العلاج لا يأتي بنتيجة، فيتعجب حتى عرف أن أمه تذهب إلى قنديل أم هاشم وتأخذ منه الزيت وتقطر للبنت على سبيل علاج الطب الشعبي. والزيت ليس نقياً والزيت حار حتى كان المصريون وهم يأكلون الفول يقولون لك: "ضع لي قليلاً من الزيت الحار"، فتزداد الالتهابات ويذهب أثر الدواء وتفشل العمليات وتزداد حالة
الفتاة سوءاً وهو لا يعرف لماذا. يحيى حقي رحمه الله تعالى كان واسع الاطلاع وكان يعبر في رواياته عما يعلم، فأنا ربطت وإسماعيل وبيّن نفس الموضوع الذي شغل إسماعيل فألّف طب الركة، وبين إسماعيل الذي كان في رواية قنديل أم هاشم نفس الاسم ونفس الموضوع. يكتبها كاتب مطلع مشهور عنه سعة الاطلاع ودقته، وتأيد هذا عندي بما تحت يدي من مستندات
قد لا تكون قد توفرت لكثير من الناس، إلا أنني رأيت أقدم الركة مثالاً لما يحدث في مجال الفقه، فهناك فقه يمكن أن نسميه بفقه الركة، وهناك فقه يمكن أن نسميه بالفقه العلمي. والفرق بين فقه الركة والفقه العلمي أن الفقه العلمي له ضوابط ومصطلحات، وله قواعد، وله جماعة علمية، وله تراتيب تُوضع فيها مقدمات معلومة للتوصل بها إلى المجهول، وأنه علومٌ
مساعدةٌ كعلم التوثيق وعلم القراءات وعلم الحديث وعلم أصول الفقه وعلم اللغة بنحوها وصرفها وبلاغتها، هي علوم لا تُنشِئ كاهناً يُشرِّع من عند نفسه ولا يُشرِّع بهواه، إنما يجتهد ويبذل جهداً لاتخاذ هذه التراتيب العلمية بضوابطها وقواعدها ومصطلحاتها حتى يصل إلى ما يظنه أنه حكم الله، فيكون بذلك إذا فله أجر، وإذا أصاب فله أجران.
وأخرج الدارقطني أنه إذا أخطأ فله أجران، وإذا أصاب فله عشرة. وبهذا نأخذ طبعاً في فضل الله. الخطأ عندما يصدر بعد بحث وبذل جهد واستنباط صحيح، لكنه خالف شيئاً خفياً ليس في قدرة المجتهد أن يدركه، فإن الله يعطيه لحسن نيته وبذل مجهوده أجراً. أو أجرين، فإذا وفق الله هذا العبد للصواب أعطاه أجرين أو عشرة، فهذا
هو الفقه العلمي. والفقه في اللغة هو الفهم، أما فقه الركة فهو أن يأتي أحدهم فيخالف الجماعة العلمية في مصطلحاتها، ويخالف الضوابط المرعية والقواعد الشرعية من أجل توهيمات ورغبات ومرادات قد يكون في ظاهرها الرحمة ولكن في باطنها العذاب، لماذا؟ لأنها ليست مؤسسة على ما
أسس الله به الكون من الضوابط والقواعد والحكمة البديعة الرفيعة، بل مبنية على فوضى شنيعة لا تعرف قاعدة ولا تلتزم بضابط. وهذا النوع، ولأنه جديد، فإننا نرى أصحابه يختلفون اختلافاً بيّناً، ولأنه جديد ولأنه خارج الجماعة العلمية، نرى صاحبه لا يتمتع
بعقلية. فارقة وهي أحد أنواع المنهج الذي نتعلمه في الأزهر الشريف، ما الفرق بين الماء المطلق ومطلق الماء، ما الفرق بين عموم السلب وسلب العموم، وهكذا عقلية فارقة تلتفت للفوارق، لزيادة حرف في كتاب الله أو في سنة رسوله، لنقصان حرف. تشتغل بقواعد بدل العقل المسلم بتوفيق الله. وهدايته للأجيال المتعاقبة في بنائها حتى بُنِيَت منظومة الفقه العلمي، فيأتي أحدهم ويُغرِّد خارج السرب، فالجماعة
تسير يميناً وهو يسير شمالاً. قد يسمع تغريدته أحدهم وقد لا يسمع، ولذلك هذا النوع من البشر عندما يموت تموت معه دعواه فلا تبقى، بينما بقي الإمام الشافعي يؤثر في الأمة. شرقها وغربها وشمالها وجنوبها بهذا التأثير العميق لأنه بذل من المجهود ما الله به عليم، ولأنه أسس مذهبه وعلمه على بصيرة من الله وعلى تقوى من الله وعلى
خوف من الله وعلى رغبة عارمة في قلبه في الالتزام بأمر الله وفي الرجاء لما عند الله، أما أن نريدها دنيا لا. معنًى ليس له حاضر لا مستقبل له، حاضر ينبثق عن ماضيه، فهذا أمر نسأل الله لنا منه السلامة، لأن هذا هو عين الهوى. في بدايات القرن العشرين ظهر عالم جليل كان اسمه
محمد رشيد رضا، ورأى أنه العصر يقتضي - وهو من تلامذة الإمام محمد عبده - شيئًا من مزيد وهذا المعهد سماه معهد الدعاء أو الأئمة أو شيء من هذا القبيل، يأتي الناس ليتعلموا أمور دينهم لا ليكونوا متصدرين مجتهدين قائلين ما لا يعلمون. وهذا المعهد أُغلق عندما فشل في تحقيق مراد الشيخ رحمه الله تعالى. وبعد وفاة الشيخ، أو لا، كان الشيخ حياً،
وقد تخرج... منه رجل يُسمى أبو زيد الدمنهوري، وأبو زيد الدمنهوري مؤهله أنه تخرج من السنتين التي هي ثقافة عامة، والتي كان المقصد منها تعريفًا بسيطًا بأحكام الدين. وفي هذا الوقت، وهو وقت فيه مستعمر إنجليزي للبلاد، وفيه تيار كبير للتغريب، كان هذا النوع من التفكير هو نوع ملائم ويقبله الناس. أن نثق في الناس ثقافة عامة، ومن هنا وفي نفس الاتجاه،
وحتى لا يكون العلماء في معزل عن العوام، افتتح سنة اثنتي عشرة الشيخ محمود خطاب السبكي الجمعية الشرعية، وألّف كتابه الماتع الذي حاول فيه تيسير الفقه ونقله من كتب الحواشي التي أدت مهمتها في حفظ العلم عبر قرون إلى طريقة يفهمها العموم فأنشأ الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة وألَّف كتباً كان من أهمها وأحلاها وأعلاها "الدين الخالص"، صدر منه تسع مجلدات يتكلم فيه عن عرض الفقه وكيفية هذا العرض بأدلته فيما يستطيع به المسلم أن يطبق حياته بسهولة ويسر
في العصر الذي نحيا فيه ملتزماً بما هو مضى لا. ابتعد عنه في شيء يكون ألف الدين الخالص وحتى يُشرك فيه العلماء، أتى بلجنة جماعة علمية من خريجي الأزهر وعلمائه الكبار، كان منهم سيدنا الشيخ درويش رحمه الله، وكان منهم الشيخ حلو رحمه الله، وكان منهم وهكذا، كل واحد له مذهب، كان منهم الشيخ المغربي، كان من المغرب وكان مالكياً. وكان سيدنا الشيخ محمود مالكي إذا لم يفكر وحده إنما فكر من خلال جماعة علمية، نعم، هذا هو الفاهم حقاً، وقد
ألّف كتاباً في الطريق إلى الله اسمه "عذب المسالك المحمودية" من أربعة مجلدات، حيث يدرس الفقه ويدرس أيضاً الطريق إلى الله التي تحفظ مرتبة الإحسان، وتكلم فيه عن المقامات الأحوال وعن طريقة التربية التي يمكن للإنسان أن يتربى عليها. الشيخ توفي وبقيت الجمعية الشرعية إلى يومنا هذا مائة وست سنوات. بقيت لماذا؟ لأنه أسس بنيانها على العلم ولم يؤسس بنيانها على غيره، بل أسسه
على العلم، على القواعد والضوابط والمصطلحات والعلوم المساعدة والمنهجية والمعرفية، وهذا أمر محترم، فبقي واستمر. بعده الشيخ أمين ومات وتولى بعده الشيخ يوسف ومات وتولى بعده الشيخ المشتهري ومات وأصبحت الجمعية كما تعلمون أنها تجاوزت الزمان والمكان وأنها فنبحث لماذا فعل هذا، لماذا بقيت هذه الجمعية إلى يومنا هذا إذ تخدم الناس وتعلّم العلم لأنها بُنيت على العلم، فإذا تركت هذه الجمعية العلم فستضيع
حتماً. كما ضاع آخرون في التاريخ الإسلامي، وإذا بقيتَ متمسكاً بالعلم ستبقى كما بقي الأزهر ألف سنة لأنه متمسك بالمنهجية والجماعة العلمية والفقه العلمي، وليس بالرغبات والشهوات والمرادات والتطبيقات. فخرج أبو زيد الدمنهوري ودعا إلى الفقه الشعبوي، ولما دعا إلى الفقه الشعبوي هاجت الدنيا، وحينئذٍ في هذا الزمان فُتحت له الأهرام.
جريدة الأهرام بابها حتى يكتب جريدة الأهرام فُتحت لمن؟ لا، لزيد الدمنهوري. الجماعة الذين في الأهرام ليسوا منتبهين ويظنون أن هذه حرية فكر. حسناً، علينا أن نستمع إلى مراداته وألَّف كتاباً في التفسير مجلداً واحداً هكذا. الفقه يقول هنا، ما هو الشعبوي؟ إنه الفهم، يعني إذا سيتكلم في... العقيدة وسيتكلم في الأحكام الشرعية وسيتكلم في الأخلاق وسيتكلم في كل شيء. أما الفهم، فمن يفهم؟ أي شخص بناءً على ماذا؟ بناءً على الطب مثلاً. أي شخص يمارس الطب، رد عليه وقال
لي: ما هذا؟ إن الطب علم. فقلت له: والفقه ليس علماً؟ قال: لا، ليس علماً. آه يبقى العلة هنا فقدان العقلية الفارقة جعلته لا يفرق بين ما هو علم وما هو ليس بعلم. وكل المؤيدين تراهم يقولون: مَن الذي قال إن الدين ليس علماً؟ بل الدين علم، وما الدليل؟ الواقع أن لدي علماً اسمه علم الحديث، وعلماً لدي اسمه علم التفسير، وعلماً لدي اسمه علم وعلم عندي اسمه علم الأصول، وعلم عندي اسمه علم اللغة، وعلم عندي اسمه علم الواقع. إن هناك شيئاً اسمه كلية أصول الدين، كلية الشريعة، كلية الدراسات الإسلامية، كلية اللغة العربية، كلية القرآن الكريم. الواقع،
أنك تنكر النهار، ولا يصح في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل، أقول لك. يا أخي نحن في النهار هنا، تقول لي أين دليلك، فيصبح التفاهم معك مستحيلاً. قال ابن حزم وأرى هؤلاء الذين تقول لهم إننا في النهار، هذا النهار الذي نعيشه، أي نرى الشمس وما إلى ذلك، "قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد، وينكر الفم طعم الماء من سقم"، فيكون في... مرضٌ نحن في النهار، قال: لا، ليس في النهار. قال ابن حزم وأراه يمس بشيء من النار، تحضر سيخاً محمياً هكذا، ابن حزم
يظهر أنه كان عنيفاً، وتضعه على يديه هكذا، فيلسعه فيقول: آه. تقول له: لماذا تقول آه؟ لأنني تلسعت. أبداً لم يحدث. ما الدليل؟ عفواً، الدليل يا... أستاذ، إنني تعلمت الدليل أنك سخّنت سيخ السفود (يسمونه السفود أو السيخ الخاص بالكباب)، وذهبت ولسعتني به. فعندما لسعتني بالسفود يا أستاذ، فهذا يعني أنك أنت. "لا، من الذي قال؟" آه، إذاً دخلنا هنا في نوع من المراء ومن الجدل العقيم. حسناً،
ألا تثبت لي؟ ألا تقول لي؟ هات الفقه. فخرج أبو زيد وقال: "يا جماعة، أنا أرى أنه لا توجد معجزات للأنبياء، وأرى أن المرأة تأخذ مثل الرجل والرجل يأخذ مثل المرأة". فقالوا له: "أتُنكر القرآن أم ماذا؟" فقال: "لا"، وتراجع قائلاً: "أنا لم أقصد ذلك". فقلنا له: "حسناً، ما الذي تقصده إذاً؟ هل أنت تنكر؟" الآن أربعة أمور كانت هي التي اتهموه بها، وهي الأربعة التي خالف فيها الجماعة العلمية، فواحد من العوام ذهب ورفع قضية. الأزهر ليس له علاقة،
الأزهر لم يصادر كتاباً قط في حياته. يقولون لك إن نجيب محفوظ صودر له هذا الكتاب، لا تجادله أبداً، لم يحدث ذلك، هذا الذي صدرته. النيابة العامة صادرت كتاب طه حسين، وصادرت كتاب أبي زيد الدمنهوري. لم يتحرك الأزهر إطلاقاً في هذا المجال، وترك الناس تفكر وما إلى ذلك. وإذا أراد أن يرد فلدينا جريدة، ولدينا مجلة، ولدينا أدواتنا، ولدينا منهجنا، ولدينا ما يميزنا، ولسنا محتاجين إلى مسألة الإرهاب. الفكري ولا الإرهاب غير الفكري بريء الأزهر وفي إلحاح من المثقفين، ولكن الأزهر صادر طه حسين. لا، لم يصادر طه حسين ولا
صادر أبو زيد الضمانوري الذي هذه أول مرة يسمعون عنه، فلا يوجد أحد يعرفه، وصدر الكتاب وليس له نسخة إلا في مكتبتي، فقط حتى يقول لك أحدهم ذلك. ربما لا يوجد أبو زيد، لا، إنه موجود عندي في مكتبتي ملف كامل لأبي زيد الذي اشتهر أول من دعا إلى الفقه الشعبوي. ذهب أبو زيد، وإذا كان العلماء لا يعرفونه إلا من عاصره مثل سيدنا الشيخ محمد حسين الذهبي الذي أشار إليه في كتاب "التفسير والمفسرون" تحت عنوان التفسير ماذا يعني هذا التفسير الإلحادي؟ هل هناك شيء يسمى
بالتفسير الإلحادي؟ هل تنتبه إلى ذلك الذي ينسب لأبي زيد الضمنهوري؟ هذا شخص حضر، لكن بعد هذا الجيل لم يعد أحد يعرفه، حتى زملاء الشيخ الذهبي لم يكونوا يعرفون من هو أبو زيد الضمنهوري هذا، وإلى يومنا هذا لا يعرف أحد هو أبو زيد الدمنهوري له سنة الله في كونه، إذا مات ماتت معه آراؤه لأنها ليست مؤسسة على الإجماع العلمي. حسناً، مات أبو زيد الدمنهوري وظهر شخص آخر. هذا الكلام كان في الثلاثينات عندما قال: "أنا من تلاميذ محمد رشيد رضا"، فتبرأ منه محمد رشيد رضا في المنار وقالوا...
أنا أعرف لأن واحدًا من الذين استمعوا إليه كلمتين أو ثلاث هكذا، لم يكن هناك تأسيس. ذهب أبو زيد الدمنهوري بما دعا إليه، فخرج بعده شخص يدعو إلى الدين الشعبوي وكان اسمه محمد نجيب. ومحمد نجيب هذا وصل إلى أن كان رئيس هيئة التليفونات، وعندما قامت ثورة يوليو اثنين وخمسين. أي أن رئيس هيئة الهاتف منصب كبير، حيث عينوه وزيراً للمواصلات لمدة ستة وعشرين يوماً، ثم اكتشفوا أن الرجل غير مناسب، فقاموا بإقالته بعد ستة وعشرين يوماً، لدرجة أنك عندما تراجع قائمة الوزراء المصريين، نادراً ما تجد
محمد نجيب هذا، فغالباً يسقطون اسمه لأنه لم يستمر سوى ستة وعشرين يوماً محمد نجيب أنكر السنة والفقه الشعبوي، ينكر الإجماع وينكر بعد ذلك السنة، ثم ينكر بعد ذلك الأداة التي بها الفهم، ثم ينكر بعد ذلك الجماعة العلمية. فإذا أنكرت الأربعة فقل ما شئت في ما شئت في دين الله، قل الذي تريده. الليبرالية تقول لا تمنعه من القول، نعم دعه يقول. لكن سنقول أن هذا ليس إسلاماً أيضاً، دعونا نحن نقول، أم أنك يجب أن تقول ونحن لا نقول؟ أليست الحرية
للجميع أم هي حرية ليست عادلة هكذا؟ دعه يقول لكن دعونا نحن أيضاً نقول: يا ناس، هذا ليس إسلاماً. وكان محمد نجيب يملك أربعين فداناً في البحيرة. باعهم لأجل أن يشتري مطبعة في القبو الذي عنده ليطبع الكتب. طبع ثلاثة عشر كتاباً، كلها في مكتبتي أنا. ولكن حذارِ أن يقول لك: هذا ليس عنده، أين هذا؟ من هو محمد نجيب هذا؟ لم نسمع به، مات سنة ستين. واستمر على هذا الحال. قال لك: الصلوات الخمس هذه بدعة. آخر الطريق عدم الانضباط في الصلوات يا محمد
يا نجيب. بدعة قال لأنهم عشرة وليست خمسًا، والفجر وليالٍ عشر، والضحى والعصر، إن الإنسان لفي خسر، حين تمسون وحين تصبحون. إذًا هناك شيء اسمه الصباح وشيء اسمه المساء وشيء اسمه طلعوا عشرة. فكيف ستصلي؟ قال: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن. هذه بسيطة، وبعد ذلك نسجد، ثم نقوم ونركع، وانتهت الصلاة. لماذا؟ حسناً، السجود أولاً، قال: "يا مريم اسجدي واركعي مع الراكعين". أترون؟ فيكون السجود أولاً، أليس كذلك؟ قلنا: نعم والله صحيح. ويا جماعة، بعدما يفعل المرء هكذا، يقوم ويتوضأ. أليس الوضوء قبل الصلاة
يا محمد؟ قال: لا، ليس كذلك. هل انتبهتم إذا "قمتم" هي فعل ماضٍ أم لا؟ قلنا إنه فعل ماضٍ. "إلى الصلاة" فالفاء للتعقيب أم لا؟ الفاء للتعقيب. "اغسلوا" ما رأيكم إذن؟ رأينا أنك مخطئ يا محمد. هذه هي قصة الفقه الشعبوي، وهذه هي الدعوة، وهي ليست دعوة جديدة أو شيئاً مستحدثاً، بل هي دعوة بدأت في... الفقه من محمد أبو زيد الأبو زيد الضمانوري ثم بعد ذلك محمد نجيب ثم استمرت واحد اثنين ثلاثة إلى عصرنا الحاضر، حمانا الله من السوء. فهذا الدين الشعبي أو الشعبوي - والشعبي
أولى - في مقابل الفقه العلمي. وذكرنا أن هذا الأمر يحدث في كل عشرين أو ثلاثين سنة، إذ في الثلاثينيات ألَّف أبو زيد الدمنهوري كتاباً أسماه "العرفان في تفسير القرآن بالقرآن"، وقامت الجماعة العلمية والفقه الشعبوي أو الشعبي - وهذا من علاماته أنه يشذ عن
الجماعة العلمية - فقامت الجماعة العلمية بالرد عليه رداً واسعاً في نحو ستين صفحة في عددين من أعداد مجلة الأزهر حينئذٍ، وبعد ذلك في سنةٍ ما، ظهر محمد نجيب الذي أنكر الإجماع وأنكر حجية السنة وأنكر حجية الجماعة العلمية وسماها بالأوصياء. انظر، لقد سماها بالأوصياء، الجماعة العلمية. والفرق بين الأوصياء
وبين الجماعة العلمية فرقٌ كبير. فالجماعة العلمية لا تريد جزاءً ولا شكوراً، إنما تسير على ضوابط وقواعد ومناهج معرفية لتصل وتحاول أن تصل الحق فإن أخطأته فلها أجر وإن أصابته فلها أجران. أما الأوصياء فهو من نصّب نفسه كاهناً على الآخرين يشرع لهم ما يحلو له ويتحكم فيهم كما يريد. والخلط بينهما تلبيس وتدليس. "يا أهل الكتاب لمَ تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون"، ويا أهل الكتاب هؤلاء المقصود بهم مَن؟ اليهود والنصارى والمسلمون، المسلمون أهل
كتاب، احذروا أن تظنوا أننا ليس لدينا كتاب، نحن لدينا كتاب فيه أمر ونهي وتقديم وتأخير وزجر وترحيب، وقد بيّن لنا. فنحن أهل كتاب، وهذا هو المشترك بيننا وبين الأديان السماوية كما يسمونها، وهي أديان إلهية من عند الله، ولذلك تجد المسلم يُقرِّب سيدنا موسى سيدنا عيسى ويقرب سيدنا محمد، لماذا؟ لأنها أديان كلها من عند الله. "تلك أمة قد خلت"، "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون". إذاً فنحن أمام
تلبيس، فسمى محمد نجيب الجماعة العلمية من أهل السنة والجماعة من علماء الأزهر الشريف الأوصياء. تماماً، ومر الزمان ومات محمد نجيب في ستون والناس نسيته كما نسيت أبا زيد الدمنهوري، نسيت محمد نجيب ولا تعرفه. فقام في الثمانينيات جمال البنا وأنشأ في شارع الجيش مركزاً للدراسات. جمال البنا رجل ليس له
علاقة بالفقه، وإنما كان يعمل بقوانين العمال، وهو أخو حسن البنا مؤسس الجماعة الإرهابية. ودعا إلى الفقه الشعبي وأن كل أحد. من المسلمين من كان قادراً على أن يفعل هذا، وبدأ في التسعينيات في إنشاء الكتب وطباعتها وتوزيعها، فلم يلتفت إليه أحد حتى جاءت برامج التوك شو، فظهر في برامج التوك شو، حتى إذا ما مات نساه الناس كثيراً. يقول لك من هو جمال؟ وهو كان يشاهده، لماذا؟ لأنه لم يؤسس. مذهبه ولا كلامه على العلم على القواعد على الضوابط
على العلوم المساعدة على المنهجية على المعرفية على العقلية الفارقة على الهرم المعدول وليس الهرم المقلوب من خلال الجماعة العلمية التي تطور العلم في ثورات علمية متتالية من داخل الجماعة العلمية، أما أن يغرد خارج الجماعة العلمية فيخطئ ويصيب ويتكلم بحق. وبباطل وبهدى وبضلال، لم، ما، هو الهوى هكذا، الهوى هكذا، خلط تلبيس. فإن أردنا السلامة حتى نأخذ على اجتهادنا أجراً، فيجب علينا أن ندخل الجماعة العلمية ولست شاذاً خارج الجماعة العلمية بقواعدها بضوابطها
بمصطلحاتها، لا بإنشاء مصطلحات جديدة قبله بقليل ولم يؤلف. عندما أخرج الرئيس أنور السادات رحمه الله مِن السجود كان فيهم مَن ضلَّ فوق الضلالة، فهو في ضَلالٍ وضلالٍ بعيد. كمَثَل شخصٍ يريد الذهاب إلى الإسكندرية، فوصل إلى أسيوط، وبعد أسيوط وصل إلى أسوان، فهو في ضلالٍ، وسيظلُّ سائراً هكذا دائماً في الجنوب، بينما هدفه الإسكندرية، ويا حسرتي عليه وهو يبحث عنها. خرج ولد. اسمه شكري مصطفى ودعا إلى الدين الشعبي أو إلى الفقه الشعبي. تطور معه الحال
إلى أن انحرف إلى التكفير. هذه هي النتائج: أبو زيد أنكر المعجزات وأنكر قواعد الميراث وأنكر الجماعة العلمية، أنكر أربعة أشياء من المهمات وأنكر الإجماع. محمد نجيب أنكر الصلاة وجعلها عشرة وأنكر وقال بإباحة الخمر. لأنها "فاجتنبوه" تعني ابتعدوا عنه، وليست "اجعلوها بجانبكم هكذا" كأن تأتي بزجاجات الويسكي وتضعها بجانبك هكذا. لا، "فاجتنبوه" تعني لا تقتربوا
منه، أي لا تبيعوا العنب الذي سيصير خمراً. "فاجتنبوه" أشد من التحريم. لم يقل -وأنتم تفهمون خطأً- فهذا طعن في اللغة، وطعن في الإجماع، وطعن في المعلومة المساعدة، طعن. نعم، هو هكذا. يعتبر هذا فقهاً شعبياً. الخمر بجانبك، الخمر ميزة، تحريم الخمر ميزة المسلمين. أنكر كل هذا فجأة. وبعده شكري مصطفى، وجاء بعد شكري مصطفى جمال البنا أبو زيد خارج المنظومة. الرجل محمد نجيب أيضاً خارج المنظومة. شكري خارج المنظومة،
كان في كلية الزراعة ولم يكمل. جمال صاحب القوانين لم يكمل خارج المنظومة، وجاء بعد ذلك بعد جمال من يدّعي بالفقه الشعبي، وكان أيضاً من رجال القانون، واسمه حسن الترابي في السودان. قال حسن الترابي ماذا؟ قال بالفقه الشعبي. كيف؟ قال: "يا جماعة، ألسنا نقول بالإجماع؟" قلنا له: "نعم، نقول بالإجماع". قال: "حسناً". البرلمان يجتمع، والبرلمان يتفق على شيء فيصبح حلالاً، ويتفق
على شيء فيصبح حراماً، والتلفيق في هذا وعدّ هذا تجديداً لأصول الفقه، لأن هذا كلام غريب على الإسلام. حسناً، الآن الكونجرس الأمريكي وبالإجماع أباح الشذوذ الجنسي، فهل يصبح الشذوذ الجنسي مباحاً بالإجماع؟ أتتني إحدى وزيرات ألمانيا فقالت لي... ما لي أرى الناس هكذا، الفتيات محجبات في الشارع، والعياذ بالله. فقلت له: حضرتك ما شأنك؟ ما علاقة هذا بالحريات؟ هل سأقول للفتاة
أن تخلع الحجاب أو أقول للفتاة أن ترتدي الحجاب؟ نحن نترك الأمر للاختيار. قالت: لا، يجب أن تتدخل الدولة، وإلا لن تكون هناك حرية. حسنًا، أفهم. الكلام إلى أن أنتم أيضاً من الأمور السيئة لديكم أنكم لا تقولون بالشذوذ وأن هذا الشذوذ حق من حقوق الإنسان. قلت لها: لا، الشيء يكون حقاً من حقوق الإنسان إذا اتفقت عليه البشرية، ونحن لسنا متفقين عليه. الكاثوليك يقولون حرام والبروتستانت يقولون حرام والأرثوذكس يقولون حرام واليهود يقولون حرام والمسلمون.
يقولون حرامٌ والبوذيون يقولون حرامٌ، ما هذا؟ أنتم فقط مَن تقولون أنه حلالٌ لا غير، لكن كل البشرية... نحن اجتمعنا في بلجيكا ثلاثين ديناً في سنة اثنين وتسعين، والثلاثين ديناً... هل هناك من يعرف أن في الأرض ثلاثين ديناً؟ والله منذ تلك الساعة وأنا لم أكن أعرف أن هناك ثلاثين وقرأنا أن الشذوذ حرام، أنتم تغردون لوحدكم هكذا. فالذي يريد الفقه الشعبي هذا ماذا يقصد؟ يقصد أنه إذا اتفق الشعب على شيء معين فيجب أن نفسر النص من خلال ما يتفق عليه الشعب. جميل، إذا اتفق الشعب
على الشذوذ الجنسي فماذا نفعل إذن؟ أنفسر القرآن من خلال ما ذهب؟ إليك الفقه الشعبي، عندما سُئل هذا السؤال، الداعي إلى الفقه الشعبي قال: "هذا تشويه للفكرة"، لم يرض أن يجيب، لم يعرف أن يجيب أصلاً، فوجئ. نعم، أتعلم لماذا فوجئت؟ لأنك تعمل بمفردك خارج الجماعة العلمية، ونحن في الجماعة العلمية نجلس في هيئة كبار العلماء، لو قلت فكرة مثل هذه، قام يقول لي: "لا، لكن انتبه، هذا سيحدث هكذا". ونتداول الأفكار فتصبح أفكاراً محترمة رصينة تخرج وهي
متماسكة، لأن لكل عقلٍ فكرٌ ولكل عينٍ نظرٌ، فنصبح نحب بعضنا. لكن هذا العمل، أن تعمل بمفردك، سينتج منه أنك لم يخطر في بالك هذه الحالة. اتفق الشعب في الفقه الشعبي على أن... الشذوذ حلال، وقد كان وقد كان، ماذا نفعل بموجب القواعد الموضوعة حديثاً خارج الجماعة العلمية؟ لا بد أن نقرأ القرآن من خلال هذا الفقه الجديد، وهذا ممكن أن نصل إلى هذا الحضيض أخلاقياً وأدبياً
وخُلقياً، ما هذا؟ ما هذا القرف؟ هل يمكن أن نصل إلى هذا المستوى المتدني؟ إنسانياً لقد فوجئنا سنة ألف وتسعمئة وخمسين لأن الذي يظن أن هذا لا يمكن أن يحدث، فاجأنا في عام ألف وتسعمئة وخمسين جماعة من اليهود تقول: يا جماعة إن الشذوذ أمر حسن. فقلنا لهم: كيف يكون حسناً؟ كيف ذلك؟ دمرك الله! لماذا؟ فقالوا: لا، إن التوراة فيها شذوذ، وأحضروا. آيتين من التوراة من سياقها واستدلوا بها على هذا الكلام السيئ،
لا اليهود طوعوهم ولا المسيحيون حينها طوعوهم ولا المسلمون طوعوهم، وبقيت هذه الجماعة تعبر عن عشرة أو أقل. نعم، لا يحدث شيء، بشر يفكر بطريقة منحرفة، وفجأة فوجئنا يا أستاذ في سنة أربعة وسبعين، أحد المسيحيين الأمريكيين يقول لا. هذا أيضاً في الإنجيل، الله يخرب بيوتكم! أي إنجيل هذا وأين هو إن شاء الله؟ قال إنه موجود ويأتي لك بآية لا قبلها ولا بعدها. المسيحيون لم يسألوا عنه وتركوه، لكن هذا
استمر يتسع قليلاً فوجئنا في التسعينات بأن هناك موقعاً اسمه "الفاتحة" عندما دخل الإنترنت وأصبح كل... واحدٌ منا يُمسك هاتفاً محمولاً يشبه الطاووس، يجري به ذهاباً وإياباً، وبينما كنا نتصفح الإنترنت، وجدنا شيئاً اسمه "الفاتحة". ما هذه الفاتحة؟ إنه موقع يدعو إلى الشذوذ من المسلمين. نعم، يعني بعد اثنتين وأربعين سنة من اليهود، جاء المسلمون ليدعوا إلى هذه الدعوة أيضاً. ما زلنا نطمئن لأننا دعونا على المسيحيون هم الذين دعوا إلى هذه الدعوة، الله يخرب بيت المسلمين الذين يدعون إلى هذا، الله يخرب بيته. فما
هو قصدنا؟ الله يخرب بيت الذي يدعو إليه ويخرب بيت أبيه. ما هذا؟ إنها أمور يشيب منها الأقرع ويتعب منها الإنسان. والله، ما هذا يا أبناء؟ ما هذا؟ الفاتحة. ظلت الفاتحة تدعو إلى الشذوذ الجنسي، وظهر شخص لم أعرف كيف ضلّ بهذا الضلال، وهو جلال كشك. وذهب جلال كشك وألّف عبارة صغيرة هكذا، قال: "على فكرة، إن الشذوذ موجود في القرآن"، فقلنا له: "الله يخرب بيتك يا جلال، أين؟"، فقال: "يطوف عليهم ولدان مخلدون"، حسناً،
هو يقول "يطوف عليهم مخلدون فيها شذوذ يعني غلمان خدم يسيرون بالإبريق والفاكهة والطير وما شابه ذلك أو "ولحم طير مما يشتهون" وهكذا. هؤلاء موجودون هكذا. قالوا: فلماذا هم موجودون إذن؟ إذا وصلنا إلى مستنقع لا نذكره، نحن نذكره الآن لكي ننبه إلى أين يقودنا الفقه الشعبي. الفقه الشعبي يقودنا إلى تحليل الحرام إلى... الخروج عن الديانة إلى إنكار الهوية وهكذا أدّى الفقه للشعب. الشعب ليس مصدراً للفقه، هذا الفقه
هو الذي يصنع سقفاً للبرلمان في تشريعاته وصياغاته للقانون. انظر إلى الدولة، انظر إلى الدولة المصرية المسلمة، انظر ماذا تفعل. شيء جميل جداً كيف أنها أنشأت برلماناً، لماذا؟ لأن الدولة الحديثة لا بد فيها فصل بين السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية جيد. البرلمان لا سقف له، ولا سقف له. ما هو سقفه؟ الدستور. ماذا تقول المادة الثانية في الدستور؟ "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". فلا ينبغي أن يتعدى مبادئ الشريعة الإسلامية، وهذه تمثل هوية المصريين. المصريون فيهم
مسيحيون وفيهم يهود وفيهم... المسلمون الذين يمثلون ذلك كلهم موافقون لأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي التي تمثل الحضارة الإسلامية، وليس الدين الإسلامي فحسب. فالحضارة الإسلامية واللغة العربية هما هوية المصريين. لا أحد يستطيع أن يأتي ويقول لي: "لو سمحت، نريد أن نغير ونصبح إنجليزاً، أو ننطق الفرنسية، أو نكون في الفرانكوفونية". هذا لن ينفع، في الحضارة وليس في الدين، هذه الحضارة يندرج تحتها المسيحي واليهودي والمسلم الذي هو ديانة، وفيها العربي. هذه هي القصة، وهذا
ضابط للبرلمان، يعني يا برلمان احذر أن تصدر تشريعاً يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية فيحل الشذوذ أو يحل التساوي بين المرأة والرجل وجوباً في أنصبتهم في الميراث الذي قال الله حظ الأنثيين أو يفعل أو يفعل أو يفعل، حسناً، إذا كان الأمر كذلك وجاء البرلمان على سبيل عدم المعلومية أو على سبيل التجاوز فخرج عن هذا، تصبح مشكلة. قال: لا، ليست مشكلة ولا شيء، اطمئن، سنصنع لكم شيئاً اسمه المحكمة الدستورية العليا. ما الذي يجعلها عالية هو أنها تراقب التشريع. القوانين
تُراقب من أي ناحية ومن كل ناحية، هل صدرت موافقة لقواعد القانون وفلسفته والعدالة الطبيعية؟ هل صدرت موافقة للدستور؟ هل صدرت موافقة لمبادئ الشريعة الإسلامية العليا؟ إن كانت الإجابة نعم فالقانون جائز، وإن كانت لا فالقانون باطل. اقرأ إذن مذكرات عوض المر رحمه الله تعالى، وهو مجتهد رائع في رصينة وهو يبيّن مخالفة ما أُمِر بإلغائه. هو وجماعته أيضاً جماعة علمية! ما
هذه الشريعة؟ ما هذا العلم؟ ما هذه الحلاوة؟ هكذا تكون الدولة منضبطة! فشخص مثله مصاب بالزهايمر، هذا يوسف القرضاوي، يقول لك إنه رأى مرة نصاً في القانون المصري مخالفاً للشريعة، الشريعة التي في ذهنه. ولا الشريعة الحقيقية فقلت له: يا قرضاوي، هذه لها طريقة. افترض أنها مخالفة، نذهب ونأخذها ونذهب بها لحضرة القاضي ليرفعها إلى المحكمة الدستورية العليا فتبحث. انظر إلى الدقة، انظر إلى الجماعة العلمية، ثم تصدر حكمها فيمتثل البرلمان ويجب عليه أن يصدر
تشريعاً آخر إن أراد أن يصدر، وإلا فهذا. باطل، فالدولة ليست جماعة إرهابية، وليس كل شخص يريد أن يسيّرني وفق مزاجه. الدولة هي دولة تحتوي على جماعة علمية، دولة فيها أكاديميات، دولة فيها علماء وعلوم ومصطلحات وضوابط وقواعد ومنهجية ومعرفية وإدراك للإجماع وللمآلات وللمصالح وللمقاصد. ليس من السهل هكذا أن يغرد أحدهم خارج السرب، فعندما يأتينا شخص والعالم يسير شمالاً فتعلم أنه مخالف للجماعة العلمية. استمع إلى من إذن؟ إلى
هيئة كبار العلماء التي ما غرضها؟ هيئة كبار العلماء هذه غرضها أن تحافظ على العلوم، ليس أن يكون لها سلطاناً لأنه لا سلطان لها، ولا أن تكون عليها مسؤولية لأنه لا مسؤولية، لأن المسؤولية والسلطة وجهان لعملة واحدة. لها سلطة تعطي لها مسؤولية، وإذا أردت أن تمنحها مسؤولية فيجب أن تعطيها سلطة، لكن هذه جماعة علمية، والخروج عن الجماعة العلمية والخروج عن الفقه العلمي الذي يتطور مع مرور الزمان وبمقتضيات العصور، لكنه تطور رصين، تطور يفهم النص بقواعده،
تطور يفهم الاجتهاد في مكانه، تطور يدرك الواقع بعوالمه المختلفة، يراعي مصالح الخلق من غير تحيز، تطور يندرج تحت مقاصد الشرع الشريف، ومقاصد النظام العام هي نفسها مقاصد الشرع الشريف، وهي حفظ النفس والعقل والدين وكرامة الإنسان وحفظ المال. تطور يلتزم بعبادة الله من خلال عمارة الأرض وتزكية النفس. تطور يراعي المآلات وما الذي سيكون غدًا وما الذي سيترتب. على موقفنا هذا تطور يجعل الأمر شورى بينهم، فلا
يُطعن في القرآن بالبطلان، ولا يُطعن في السنة بالإلغاء، ولا يُطعن في المصالح المعتبرة المرعية بالإفساد، ولا يُطعن في شيء من هذا؛ لأن كل هذا الذي نذكره إنما هو الذي يؤدي إلى الأمن الاجتماعي والسلام الاجتماعي، وهكذا وصلنا إلى هذا الحد. علوم دعوة إلى العلم ودعوة إلى عدم العلم، دعوة إلى الالتزام ودعوة إلى عدم الالتزام، وهذا ليس من قبيل الحرية في شيء، إنما هذا من قبيل التفلت. فالعقلية الفارقة التي
يتمتع بها العلماء والجماعة العلمية ترى أن هناك فارقاً بين الحرية وبين التفلت. الحرية أمر متشوف له الشرع، الحرية أمر في فطرة الإنسان وفي سنن الله في كونه، ولكن التفلت أمر فيه ضلالة وفيه هوى وفيه نزق وفيه أنانية، ومن أجل ذلك حذرناه وحذرنا منه. إياكم والهوى، ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾، ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ
إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾. ماذا سنفعل؟ نحن لسنا... وكلاء على الخلق وما أرسلناك عليهم حفيظاً، ولذلك نحن نسير على نهج أننا ندع الناس تتكلم لأن هذا من الحرية، لكن أيضاً ننبه الناس إلى التلبيس والتدليس وإلى فقدان العقلية الفارقة وإلى هذا التحكم الذي لا مزيد بعده. يتكلمون عن الوصية الواجبة، والوصية الواجبة أجمع عليها العلماء من المذاهب الأربعة، الواجبة لا تؤثر على النص بالبطلان. الوصية الواجبة تحقق
المصالح. الوصية الواجبة اختيار فقهي. هناك فرق كبير بين أن تذهب إلى ما يؤثر على النص بالبطلان وبين أن تذهب إلى ما يحقق للناس مصالحهم باختيار في نطاق مباح. فأصبحت الوصية الواجبة، وهذا يدل على التطور من داخل الجماعة العلمية دائماً. يتمسك بهذه ويقول ماذا؟ ليكونوا أوصياء؟ لا، الأوصياء ليسوا من يصلون إلى الحق، بل أصبحوا أوصياء لأنهم خالفوك. إذن أنت الذي تريد الدكتاتورية، تريد أن تتكلم ولا أحد
يتكلم، وإلا يصبح جاهلاً ولا يعرف شيئاً ويظلمني. إنه يسمى شعور المظلومية. حسناً، لقد تركناك تتكلم، فدعنا نتكلم نحن أيضاً. لكي نوضح للناس أو أنك تريد أن توضح للناس شهواتك وليس أن نوضح للناس الحق، فهذا هو ما يحدث. الفقه الشعبي له تاريخ اتبعه أفراد، وهؤلاء الأفراد اتبعوه بسبب ثقل الفقه الإسلامي العلمي عليهم. كم كان هناك أناس
منسوبون إلى الأزهر ثم حدث لهم شيء، هذا الشيء جعلهم في حيرة، أعرف شخصاً فقد أبناءه فأصيب بشيء من الهلع، فأنكر السنة، وكان أزهرياً، وهذا هو الذي نسميه الشاذ الذي يثبت القاعدة. عندما نرى أن المنتسبين إلى الأزهر في العالم الآن نحو ثلاثين مليون إنسان، يقول كل منهم عن نفسه: "أنا أزهري، تعلمت في الأزهر،
وتشربت منهج الأزهر، وقرأت كتب الأزهر، وأخذت علماء الأزهر -فأنا أزهري- موجودون في العالم كله، نجدهم ثلاثين مليوناً. كم واحداً منهم إرهابي؟ عندما قبضوا على الجماعة الإسلامية كانوا ثمانين شخصاً من الأزهر من ستة عشر ألفاً. طيب كم واحداً من الثمانين ألفاً رفع السلاح؟ ولا واحد، ولا واحد رفع السلاح. طيب كم واحداً من الأزهر منسوبين إلى... الإرهاب ثلاثة: عمر عبد الرحمن، يوسف القرضاوي، عبد الله عزام. كم واحد منهم حمل السلاح؟ عبد الله عزام وقتله أصحابه، قتلوه لكي يأخذوا منه الرئاسة. حسناً، ثلاثة من ثلاثين مليون، كم يساوي
في العشرة ملايين؟ إنه الاستثناء الذي يثبت القاعدة. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله. وبركاته