المجلس التاسع والستون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

المجلس التاسع والستون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة - الغاية والتقريب, فقه
بسم الله الرحمن الرحيم. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين. ولا يجوز أن يبيع ويشتري الوكيل، لا يجوز له أن يبيع عن الموكل ويشتري إلا بثلاث شرائط. كل شيء في الشريعة له شرائط، فتنبهوا. كل شيء له الشروط الخاصة به. الحرب لها شروط، والسلام له شروط، والصلاة. لها شروط والبيع له شروط والوكالة لها شروط وهكذا،
والذي بيننا وبين الخوارج النابتة أنهم افتقدوا معرفة الشروط. بيننا وبين من يريد أن يفهم النص كما يريد لا كما أراده قائله أنه يفتقد معرفة الشروط. هذا هو الفرق بيننا وبينهم، الفرق بين الجاهل والعالم، وبين المنهج العلمي الأزهري مثلاً وبين الأخذ. من الكتب بلا شيخ ولا علوم مساعدة ولا تبحر في علم ولا شيء هو فقد الشروط كثيراً جداً. من الذي بيننا وبينهم نرى أنهم قد افتقدوا الشروط فحصل
الخلاف، فلا بد. وانظر إلى أبي شجاع وهو يكرر خمس شروط، أربع شروط، ثلاث شروط. كل الشريعة مبنية على أن فعلها مشروط. فإذا تحقق الشرط فعلناه وإذا فقدنا الشرط انتظرناه، ومن هنا يقول الإمام الزركشي في البرهان أنه ليس كل الآيات التي ظُنَّ أنها منسوخة كذلك، بل هي على حد النسأ والإنساء أي التأجيل لفقد شروطها. "قل يا أيها الكافرون" و"قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم". نسير وراء ماذا؟ لا، ليس
هكذا. القتال له شروط و"قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ" لها شروط، وعند فقد الشروط وفقد معرفة الشروط يختل الميزان ولا نعرف هذا من ذاك ونتكلم بكلام ليس صحيحاً. ما هي الشروط الثلاثة؟ أن يبيع بثمن المثل، فالوكيل عندما يبيع البيت الذي وكلته فيه لا بد أن يبيع بثمن المثل. وما هو ثمن المثل؟ مثل... من الكلمات الملازمة للإضافة فهي منزهة عن الألف
واللام، لا تدخلها الألف واللام لأن الإضافة تعريف. بابٌ هذا نكرة، بابُ الحجرة مضاف ومضاف إليه، إذاً قد تعرّف، فيصبح الباب الذي للحجرة. حسناً، وباب البيت ما هو؟ نعم، باب البيت الذي بالخارج الذي نُغلق به الشقة. حسناً، وباب المسجد ما هو؟ لا. هذا يكون أحد هذه الأبواب أو يكون باب المسجد. الإضافة تفعل ماذا؟ تعرّف. التنكير يعني ماذا؟ يعني غير معروف: باب (أي باب)، رجل (أي رجل)، أكل (أي أكل). أما "الرجل" فهذا معرّف، "الأكل" يكون معرّفاً، "الباب" يكون
معرّفاً. هل يصح أن نقول "الباب المسجد"؟ لا. "الأولاد الأعاجم". أهل إندونيسيا وماليزيا يفعلون هكذا، يقولون لك: "الوزير الأوقاف" ويهزون رؤوسهم هكذا. "الوزير الأوقاف"! لا، اسمه "وزير الأوقاف". لماذا؟ لأن "وزير" هنا مضاف، والمضاف معرّف بالإضافة، فلا يأخذ تعريفاً آخر، إذ لا يجتمع على الكلمة تعريفان. فلا نقول: "الوزير الإضافة الأوقاف"، أو نقول مثلاً: "باب المسجد"، أو نقول... مثلاً هذا
الكلام هو طيب: وجدوا ألفاظاً في اللغة العربية ملازمة للإضافة، دائماً تأتي مضافاً ومضافاً إليه، فسموها الملازمة للإضافة. لماذا؟ لأنها دائماً عندما تأتي، تأتي ومعها الإضافة. تأملوا في الكلام هكذا واستخرجوه. انظر إلى المجهودات التي بذلها المسلمون الأوائل لفهم الكتاب والسنة وإقرار العلوم ونقل الدين. لمن بعدنا بذلوا مجهوداً كبيراً ووجدوا أنها ملازمة للإضافة.
لماذا؟ لأنهم كانوا دائماً يسألون: لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ في كل شيء يقولون: لماذا؟ فهي ملازمة للإضافة مثل: أي، مثل، غير، بعض، كل. ملازمة الإضافة، لكن لماذا؟ قالوا لأننا عندما نقول "باب"، ارفع رأسك هكذا، تتصور أن هناك باباً ومساحة مفتوحة. من الحائط والباب هذا عليه لكي يسد نافذة. نعم، النافذة تكون نصف هكذا لكي يدخل الضوء الخاص بها. حسناً، مثل...
لا، هذا موغل في الإبهام، لا نعرف له معنى. مثل شيء يشبه شيئاً، لكن ما هو الشيء وما هو الشيء الآخر الذي يشبهه؟ والله لا نعرف. حسناً، هذا بعض... ما هو الشيء الذي... هذا بعض من هذا، من هذا ومن هذا؟ وما الموغلة في الإبهام؟ الموغلة في عدم معرفتنا ما هي. واللباب لها معنى تصورته في ذهني، حتى لو عرفنا أن هناك باب المسجد وباب البيت وباب الغرفة وباب الكعبة. إنما مثل ما ليس لها حل، فيسمونها ما الموغلة فيه عدم المعرفة موغلة. فيه الإبهام غموضٌ شديد، فلا
بد أن تُعرَّف قليلاً. فالتعريف القليل هذا اجعله ملازماً للإضافة، فتقول لي مثلاً: لماذا لا يدخل عليها الألف واللام؟ لأنها ملازمة للإضافة، فعُرِّفت دائماً بالإضافة. إذن لماذا هي ملازمة للإضافة؟ لأنها موغلة في الإبهام. إذن المثل وبعض وكل وغير وكذا من هذا الكلام، وكله موغل في الإبهام. الإبهام يصبح لا يأخذ الألف واللام لأنه لازم للإضافة، فنقول هكذا: هذه ألفاظ موغلة في الإبهام فلازمت الإضافة
فنُزِّهت عن التعريف، واكتفت بالتعريف بالإضافة، فلا يصح دخول الألف واللام فيها. هل اكتشفنا خطأً على الشيخ أبي شجاع أم ماذا؟ إنه أبو الشجاع يقول بثمن المثل، قالوا لا. ما أنا لا أستطيع صيد الأكابر خطأً، فنحن يجب أن نفهم ما هذه المسألة. لقد درسنا في النحو هكذا، فلا تتظاهر بالصرع وتقول ماذا ماذا ماذا. الشيخ أبو شجاع مثل بعض الأطفال الذين يقولون لك إن في القرآن خطأ. أي خطأ؟ أي خطأ؟ إذا كان هو الصحيح إذن. القرآن هذا
هو المقياس، هذا هو الصحيح. فعندما تأتي وتقول إن هناك خطأً في القرآن، فهذا يعني أنك أحمق، أي أنك لا تريد الرد أو أي شيء. يقول لك إنها دليل على أنهما ساحران. تعساً لك، وأنت كذلك. كان هناك شخص يستمع، كان لدينا شخص اسمه الشيخ عبد الحليم رحمه الله، الشيخ كامل، كانوا متلامسين، الشيخ عامر. ابن عثمان - رحمه الله والجميع - فالولد يسمع ويقول: "خرّ عليهم السقف من تحتهم"، قال له: "يعني لا حفظ ولا فهم للهندسة، السقف هذا يكون فوقهم يا ولدي"، والولد الثاني يقول: "لو لم مدبرين، لو لو مدبرين"، قرأها كيف؟ "لو لم مدبر"، غباء وجهل هكذا يعني. حسناً، هؤلاء الأطفال يمكن أن يخطئوا ونصحح لهم. هذا
جهل مركب. قال حمار الحكيم توما: "لو أنصف الدهر لكنت أركب". كان سيركب الحكيم توما، وليس توما الذي يركبه. فأنا جاهل بسيط، وصاحبي جاهل مركب. إنه جهل مركب. فدائماً ونحن نقرأ للمشايخ، نقول له: "يا مولانا، أليست هذه غلطة؟" فرحين بأننا اكتشفنا خطأً للبيضاوي أو للشيخ أبي... شجاع ولا الإمام الشافعي قال: وجدنا غلطة، ما هذا؟ ما هذا الغباء؟ يقول: لا، الشيخ لا يخطئ، الشيخ أبو شجاع لا يخطئ، الشيخ البيضاوي لا يخطئ. النبي، يقول لك إنه معصوم. يعني أنت في عالم آخر،
أنت في عالم مختلف. فلما عرضت المسألة على مجمع اللغة العربية في مصر قال: "هذا يجوز في الاستعمال الفقهي والقانوني (الغير)، فتقول: حق الغير، صحيح، صحيح في اللغة". قال: "نعم، صحيح في اللغة". قال: "ولكن أليست (غير) هذه ملازمة للإضافة لأنها موغلة في الإبهام، فعُرفت بذلك دون الألف واللام؟" قال: "نعم، فلماذا إذن في القانون وفي الفقه يجوز لنا أن نقول...؟ انظر". الأبحاث العلمية قالت للمعلومية السابقة للمعلومية السابقة
فلا يجوز للوكيل أن يبيع إلا بثمن مثل ثمنه في السوق حق غيره من خلق الله. طيب وخلق الله هذه تعني أنت تعرفها؟ قال: أو أنا سأقرأ في القانون. نعم، حق الغير يعني أنا شيء والناس كلها شيء آخر. أجر المثل يكون. هذا أجر أو ثمن المثل، ومثل ماذا؟ مثل ما هو شائع في السوق على موضوع المسألة: البيت الذي سأبيعه، أو السيارة التي سأبيعها. وهذا يكون من أيّ شيء؟ يكون
من الغبن. ما هو الغبن؟ أن تكون السيارة بمليون جنيه، ثم أبيعها بخمسين ألفاً. لم أجد إلا هكذا، سوقها هكذا، لا أحد. راضٍ يقول لها: السلام عليكم، لا بد أن تبيع بثمن المثل. طيب، إذا لم أجد ثمن المثل ولا أحد راضٍ أن يدفعه، فلا تبع. الأصيل فقط هو الذي له الحق في أن يبيع بغير ثمن المثل، لكن الوكيل، ودرءاً للتهمة وسداً للفساد ومنعاً للغبن، يجب أن يبيع بثمن المثل وينفع الألف. واللام هنا تصلح أن يبيع بثمن المثل وأن يكون بنقد البلد، لا
يذهب ليبيع بالدولار. الرجل المشتري قال لي: "أنا أشتري السيارة هذه وكل شيء، لكن أنا أبيع بالدولار. ستحسب الدولار بكم إن شاء الله؟ بخمسين جنيهاً أم بثمانية وأربعين ونصف كما هو في البنك؟" أو يقول له. لا لا بأس، أنا سامحني فيهم قليلاً، دعهم ستين جنيهاً، ماذا سيكون في ذلك؟ غرر شيء غير محدد، ومن هنا لا يجوز البيع إلا بنقد البلد. نستطيع أن نقول ماذا في هذا الجزء؟ إلا بإذن مَن؟ الأصيل. افترض أنني اتصلت بالأصيل وقلت له: الرجل معه دولارات، أنت تحتاج دولاراً، فقال: اشترِ. فوراً
اقبل خذها بستين. قال لي بستين، يعني إذا سأقبل دولارات، لأن الأصيل ماذا؟ هو الذي أقرأ منه من عند نفسه. لا، يجب أن يكون بنقد البلد، ولا يجوز أن يبيع من نفسه. أيضاً ستكون فيها تهمة. كل الثلاثة هؤلاء لكي نبعد التهمة عن الوكيل، والأصيل لا يُشك فيه لأن يا... آتي لأقول له: بكم يعتقك؟ قال لي: بتسع مائة. فقلت: كم أجر المثل؟ قال لي: هل تسع مائة تعتق المئين؟ قال لي: تعتق النفسي. قلت: الله! أنت متأكد يعني أنها تسع مائة وليست مليوناً؟ متأكد أنها تسع مائة وليست مليوناً ومائة؟ أم لست متأكداً؟
أتستحل لنفسك هذا الفرق، ولا يجوز أن يبيع ويشتري إلا بثلاث شرائط: أن يبيع بثمن المثل، وأن يكون بنقد البلد، ولا يجوز أن يبيع من نفسه ولا يقر على موكله. هذا بند ثانٍ غير البيع والشراء، ولا يقر على موكله إلا بإذنه. يعني أنا وكيل، وكيل في ماذا؟ محامٍ. ذهبت إلى القضية المرفوعة ضد الأصيل التي تقول إن لديه
مليون جنيه. سألني حضرة القاضي: "أنا يا محامٍ يا وكيل، هل صحيح أن موكلك عليه في ذمته مليون جنيه؟" فقلت له: "انتظر حتى أتصل به، لا أستطيع أن أقول نعم ولا أستطيع أن أقول لا، حتى أعرض عليه الأمر". طيب، افترض أن الوكيل قال نعم حضرته. القاضي يعني أفسد الوكالة لأن الموكل لم يقل له بذلك الإقرار. اتصلت به فقال: نعم، في ذمتي فعلاً مليون جنيه. نعم، حضرة القاضي، في ذمته مليون جنيه. إذاً، الوكيل يكون بمثابة صوت موكله، بيت القصيد
الخاص به، لكن ليس من حقه أن يخترع من عند نفسه أو يستفيد أو يتصرف. تصرفات فيها هذه التهمة ثم دخل في الإقرار فقال: فصل والمقر به ضربان، وهذا في لقاء آخر. نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.