المجلس الثالث والأربعون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

المجلس الثالث والأربعون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة - الغاية والتقريب, فقه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما شاء الله. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: وخمسة لا يجوز دفع الزكاة إليهم، أي هناك خمسة أصناف لا يجوز أن نعطيهم الزكاة. الغني بمال أو كسب، وتعريف الغني أنه من معه مال يكفي حاجاته
ويفيض عنها نصاب تدخله. في دفع الزكاة يعني كل الاحتياجات والمتطلبات من أكل وشرب وانتقال ومسكن وعلاج وتعليم وكلها موفرة، وأيضاً ادخرت خمسة وثمانين جراماً من الذهب، هذه الخمسة والثمانون سأخرج عليها الزكاة السنة القادمة بعد أن يحول عليها الحول، والذي يخرج الزكاة هذه يكون غنياً لأنه يملك وفراً، فيكون قد غطى كل ما عليه وأكثر. معه وفرة جعلته ينفق على الفقير أو يعطي الفقير أو يأخذ جزءاً مما يملكه ويعطيه للفقير، ولذلك فهو غني بمال،
أي لديه مال أو كسب، وهذا يعني أن له راتباً، فهو يعمل ويعمل جيداً وقد قضى حاجاته، فليس محتاجاً لأي شيء، لا طعام ولا شراب ولا تعليم أولاد. لا صحة، لا مسكن، لا انتقال، لا علاج، لا أي شيء، إنما هو مكتفٍ بنفسه والحمد لله. حسناً، أنا إذا أعطيته الزكاة ماذا سيفعل بها؟ أيدخرها؟ ماذا يعني؟ أسيضعها في خزانة؟ حسناً، فليضعها في الخزانة احتياطاً للزمن، يحتاط للزمن. قال: لا، وظيفة الزكاة هي دوران عجلة
الإنتاج مع الاستهلاك. فوظيفة الزكاة أن يأخذها الفقير فيذهب فيستهلكها، يأكل، يشتري الطعام، يشتري ما يحتاج، يشتري هذا اللانشون. إذا اشترى اللانشون وأكلها، يبدأ مصنع اللانشون بالعمل لأن هناك أناساً أخذوا منتجاته واشتروها. يشتري شيئاً يلبسه، فيعمل مصنع الملابس. يشتري كراسة للولد، فيعمل مصنع الكراسات. دور الزكاة هو أن تُستهلك من أجل دوران عجلة الاقتصاد. الإنتاج لأنه لنفترض هكذا أن لا أحد
اشترى شيئاً إطلاقاً، فهذا ما يسمونه الكساد، فالمصانع لا تجد منتجاتها تُباع، وعندما لا تُباع المنتجات، تُغلق المصانع، وعندما تُغلق، تتدمر حياة العمال الذين كانوا يتقاضون رواتبهم شهرياً، فلا يستطيع العمال شراء الطعام أو الشراب أو الملابس أو أي شيء، فيزداد الكساد ويتفاقم. تُغلق المصانع وتنتشر البطالة والمصائب كأنها سرطان والعياذ بالله في المجتمع. السوق ينام لكنه لا يموت،
يعني أن الكساد حاصل، عشرة أو عشرون مليون شخص مشردون من أعمالهم، لكن هناك عشرون مليون شخص آخر يعملون. لن يموت السوق أو المجتمع أبداً، ولكن يحدث فيه نوم. هكذا ينام أو يموت، تُحفظ السوق، ينام أو يموت، يموت، هذا أصبح يعني أن الناس ماتت، لا يوجد أحد في المنطقة، لكن ما دام هناك إنسان فهناك سوق، لكن السوق ضعيف جداً، يخرج الشخص وهو يريد من جنيه في اليوم،
فيأتيه ثلاثون، فيضطر أن يربط الحزام على بطنه لكي. يقلل من الاستهلاك فجاءت الزكاة، والزكاة نسبة عالية اثنان ونصف في المائة من رأس المال، ليس من الربح. اثنان ونصف في المائة هذه ضريبة عالية جداً لو قارنها مسؤول الضرائب الذي يقول لك ثلاثين وأربعين، لكن هذه اثنان ونصف من رأس المال عندما يكون معك مليون والمليون جلب لك. مائة ألف وأخذنا منك خمسة عشر في المائة من المائة ألف سنأخذ منك خمسة عشر
ألف جنيه. حسناً، ولو أخذنا اثنين ونصف من المليون فسيكون أخذنا خمسة وعشرين ألف جنيه، يا للعجب! ربي، إذاً انظر كيف أن عملية كبيرة جداً التي تمثل اثنين ونصف في المائة هذه كبيرة والله عملها وقال لك أنت. غنيٌّ ولديك ما يكفي من المال، يكفيك سبعة وتسعون ونصف. وأعطِ للفقير حتى يستهلك، ومن أجل المجتمع حتى لا تتوقف الدورة الاقتصادية. وفي الماضي كانوا يقولون هكذا، تقرأ في ألف ليلة وليلة قولهم: "احفر بئراً واطمر بئراً، ولا تعطل أجيراً". فتراثنا نفسه يحتوي على هذه الحكاية، أن تأتي بأناس وتقول لهم احفروا لي بئراً هنا، فيحفرون. تُعطيهم أجرهم، كل
هذا لأجل ماذا؟ الدنيا تجري في اليوم التالي لتأتي بهم: ادفنوه ادفنوه. فتُعطيهم أجرهم لكن لا تُعَطِّل الأجير، لأنه إذا تعطل الأجير فلن يشتري الإنتاج، وإذا لم يشترِ فسيغلق المصنع، وإذا أغلق فستكون مصيبة كبيرة. إذاً هذا الكلام الذي نقوله جميل وجيد وواضح، ثم جاءت سنة. تسعة وعشرون، وظهر لنا شخص يُدعى لورد كينز، وهو لورد كبير هناك في إنجلترا، وقال: "لقد أنشأت علماً بأكمله اسمه علم الاقتصاد الكلي". فقلنا له: "حسناً، اشرح لنا"، وقُل رب
زدني علماً. فأخذ يشرح ويشرح ويشرح ويشرح إلى أن عرفنا ما يريد أن يقوله: "احفر بئراً واطمر بئراً ولا تُعطِّل أجيراً". قلنا له: حسناً يا سيد كنز، فهمنا وأصبح في الدنيا كلها كنز ذهب وكنز أتى، والملكة منحته لقب لورد لأجل القصة المكتوبة في ألف ليلة وليلة عندنا. لكي تعلموا أنتم كم الكنز الذي معكم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولتعرفوا كيف تقرؤون كلام ربنا وهو يقول لك اخرج. الزكاة ركن من أركان الدين، ليست أمراً ثانوياً أو إكرامية تُعطى للفقير. فجاء الإمام الشافعي فاهماً القضية بأكملها، يدرك الأمر جيداً، فقال: إذا رفض الفقير أخذ
الزكاة - فقير متكبر أو متشدد - وأتيتَ لتعطيه الزكاة فقال لك: لا، لن آخذ الزكاة، أنا متكبر. متعفف، نعم، هذه الزكاة من حقك لتستعين بها. قال: لا شأن لي بهذا الكلام. فذهبنا إلى سيدنا الإمام الشافعي وقلنا له: الشاب يرفض أخذ الزكاة. فقال: قاتلوه. عجباً! دخلنا هنا في مشكلة، سيكون هناك ضبط وإحضار وسندخل في مشاكل حتى يقاتل. فهذا يوضح لك معنى الزكاة.
الزكاة ليست منّة ولا عطية هكذا، بل هي ركن أمرنا الله به، ركن من أركان الدين لقوام المجتمع ولدوران حركة الإنتاج ولأسباب كبيرة جداً في التكافل والتضامن الاجتماعي بين الغني والفقير، وللاستقرار المجتمعي والأمن الاجتماعي والسلام. هذا كلام مهم جداً عن الزكاة التي هي ركن من أركان الدين. خمسة لا يجوز دفع الزكاة إليهم: الغني أولاً بمال أو كسب. وإذا لم يكن معه مال ولا كسب، لكن لديه الكثير هنا وهناك، كميراث من عائلته، ويسكن في قصر
فخم، وهذا القصر الفخم يطل على النيل، اسأله لو باعه الآن بمائتين أو ثلاثمائة مليون جنيه. ولم أجد فيلم "اليد الناعمة" لأحمد مصر، لا توجد ولا لقمة، والرجل جاء ليتصدق عليه بطعام، فرفع الشيء هكذا، فوجد أن هذا الطعام، هل يأخذ الزكاة أم لا يأخذها؟ نعم، يأخذ الزكاة إلى أن يجد حلاً لمشكلته. لماذا؟ لأن الزكاة تُدفع
للمستحق، ولا نطلب من الناس أن تخرج من أموالها. هذا الرجل كان لديه قصر أقول لك يساوي له الآن - أي إذا قام الآن بحوالي اثنين مليار - هو الرجل الذي في هذا الفيلم، نقول له بعه واستثمر في البنك الأهلي أم نقول له ماذا؟ فالشيخ الباجوري قال: "والزكاة تجوز على أبناء الناس ولا يُطالب ببيع أصوله"، فتبقى الأصول. هذه ليست مطالبة بأن يبيعها، فأنت تملك ذلك. إن فلسفة الزكاة أبعد من ذلك بكثير وأولى من هذا بمراحل.
فالغني بمال مع مال أو كسب، حسناً، ليس له أن يأخذ الزكاة. النصيحة الاجتماعية له أن يذهب ليعمل، لكن هذا لا يمنع من أخذه الزكاة إلى أن يعمل. فتنبه الغني بمال أو كسب، والعبد، ليس للعبد أن يقول لماذا لست إنساناً، قال ولكنه في كفالة ونفقة سيده، هو الذي ينفق عليه. لكن أنا لا أؤدي الزكاة له، فاجعلها كأنني أؤديها لسيده. سيده ما حاله؟
سيده لا أعرف ما عليه، إذن أؤديها لسيده، لا أؤديها له هو. وبنو هاشم وبنو المطلب وقفوا معاً عندما قاطعت قريش النبي وأهله، أما أبو لهب فلم يقف معهم. وكان النبي يقول: "بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد". فيُعتبر بنو هاشم وبنو المطلب على أنهم شيء واحد، ولذلك عددنا الإمام الشافعي المطلبي من أهل البيت، لأن المطلب وهاشم واحد والكافر.
الزكاة خاصة بالمسلمين لماذا؟ لأنها من أموال المسلمين مثل الميراث. لم نرض أن نأخذ من غير المسلمين. الولد أسلم فقلنا له: أهله وأبوه إذا مات فهو لا يرث من أبيه، والأموال التي تخص أباه تظل عند المسيحي واليهودي. وإذا كان يريد أن يعرف ما سبب ذلك، قال: حتى لا يظن قلبك أننا نستميل الولد. هذا أسلم لكي يأخذ الأموال منك، نحن لا نريد أصلاً أموالاً، نحن نريد الهداية. الشاب اهتدى إلى الشيء الذي نتحدث عنه، فخلاص، ما دام اهتدى إليها. والأموال لا، اختلاف الدين
يمنع الميراث، واختلاف الدين يمنع الزكاة مثل هذه. إذاً، ماذا يعني الرجل المسيحي أو اليهودي أو غير المسلم؟ وأحتاج أن أعطيه من الصدقة، أعطيه من الوقف، أعطيه من هذه الأشياء، لكن الزكاة لأنها ركن فهي خاصة بالمسلمين. ومن تلزم المزكي نفقته لا يدفعها إليهم باسم الفقراء والمساكين. أنا ملزم بأبي وأمي فلا أعطيهما من الزكاة، لأنني عندما سُئلت، قيل لي: "هل تعطي
زكاة؟" فقلت له: نعم، قال لي: "هل لديك مدخرات؟" قلت له: "نعم". قال لي: "لماذا لا تنفق يا حبيبي على أبيك وأمك من هذه المدخرات؟ أنت تعول عائلتك وأسرتك ولديك زيادة على ذلك مئتا ألف جنيه، أخرجت عليها زكاة وذهبت لتعطيها لأبيك وأمك. إذن لماذا هذه المئتا ألف جنيه؟ ما فائدة هذه المئتي ألف جنيه؟" أنت ما زلت عليك منهم نفقات والدك ووالدتك، فإذا كان بإمكانك صرفها كلها عليهم، فلن يكون لديك أصلاً زكاة. وعليه إذا قدمت زكاة فقد كشفت نفسك يا عزيزي، وهذا يعني أن لديك مالاً فائضاً وفي
ذمتك التزامات، فهذا المال الفائض يجب أن يُصرف على هذه الالتزامات. وبناءً على ذلك، لا تُعطى الزكاة لمن تلزم المزكي نفقته. اللهم باسم الفقراء والمساكين، والدي ليس فقيراً ولا مسكيناً، وإنما يعمل أعمالاً قد أهملت، الدنيا فسدت. يذهب ليفتح مشروعاً، لقد كان له محل يعمل جيداً، فيقوم بفتح محل في مكان لا يوجد فيه ناس وبعيد عن المارة والذاهبين. يصرف كم؟ ثلاثين
أو أربعين ألف جنيه، ويشتري بضاعة بكم؟ بثلاثين أو أربعين ألف. جنيه ويقوم بتأسيس بكم؟ ثلاثين أو أربعين ألف جنيه. فعندما فتح المحل، لم يأتِ أحد ولم يقل له السلام عليكم، ولا حتى أعطاه معاودة وشاي. خسر كثيراً. ماذا حدث؟ اتصل بي في نهاية اليوم: "أنقذني". كيف أنقذك؟ قال لي: "لقد فتحت المحل وأصبحت مديناً الآن بخمسين ألف جنيه". أعطني إياها، قلت له. حسناً، سأظل أنفق أموالي على أخطائك الشخصية؛ تفتح مشروعاً فاشلاً وتفشل وتستدين، ثم أدفع أنا. فأنا المكلف بطعامه وشرابه وسكنه وعلاجه،
ولست مكلفاً بأفكاره. وراحة باله هكذا، وكلما خسر يأتي إليّ قافزاً ليقول لي: "لقد خسرت خمسين ألفاً، لقد خسرت ستين ألفاً". ها أنا اشتريت سيارة وتعرضت لحادث، هذا حالي وطوال الوقت قلت له: والله ليس معي خمسون ألفًا لأعطيك، ونفسيتي لا تسمح لي بذلك. فقال لي: حسناً، ألا يعتبر هذا عقوقاً للوالدين؟ فقلت له: لا، أنا شيخ درست في الأزهر وأقول لك لا يوجد عقوق ولا شيء من هذا القبيل. أنتَ الذي أوقعتَني في المشكلة، ولست أنا الذي أوقعتُك فيها. أتفعلُ فعلتك ثم تأتي لتُلصِقها بي؟ لماذا أنا؟ قال: حسناً،
وماذا بعد؟ تصرّف. قلتُ: كيف أتصرف؟ فقال لي: ألستَ في الأزهر وتعرف ما هو الأزهر؟ تعرف كل شيء. ما دمتَ في الأزهر فأنت تعرف كيف تحلّها. قلتُ له: حسناً، استرها عندما عاد الكتاب، فأنا سأعاتبه حتى لا أفعل ذلك مرة أخرى. أعدت الكتاب إلى حُشة البخور، فوجدت الشيخ داخل الحُشة يشير إليّ بمعنى أن هذا الأمر بيني وبينك، أي لا تخبر أحداً. يمكنك أن تعطيه من سهم الغارمين، يمكنك أن تعطيه الزكاة لأنه لا يأكل ولا يشرب ولا... هل هو مسكين أو فقير أو شيء من هذا القبيل؟ إنه مدين، فيمكن إعطاؤه من
الزكاة في هذه الحالة، ليس تحت عنوان الفقراء والمساكين. انظر ماذا يقول التعبير، يقول: "ومن تلزم المزكين نفقته لا يدفعها إليهم باسم الفقراء والمساكين"، أي ليس تحت عنوان الفقراء والمساكين، وإنما تحت عنوان الغارمين، أليس كذلك؟ هذا كان في العراق وجاء من العراق ومسافر إلى المغرب فيُعتبر ابن سبيل ويجوز (إعطاؤه الزكاة)، لكن الفقراء والمساكين لا، لا يجوز. إذاً فالزكاة هكذا صحيح، هذه الأصول والفروع إذا كان الأمر متعلقاً بغير
الفقر والمسكنة. وهنا يسألنا كثير من الناس، امرأة تقول لي: أنا معي أموال لكن (أريد إخراج) الزكاة، ومعي زكاة وكل شيء. لكن أولادي أدخلوا أولادهم مدارس وهم غير قادرين على دفع إيجارها. كانوا قبل جائحة كورونا يدفعون، وبعد كورونا لا يجدون المال. هل يجوز أن أساعد ابني أو ابنتي في إيجار المدرسة تحت بند الغارمين؟ وهل يصح أن يكون ذلك تحت بند الغارمين؟ أما العلاج، إذا دخل المستشفى وأجرى عمليته، ثم جاءت الفاتورة، هل يجوز أن أسدد الفاتورة من الزكاة لأبي أو لأمي؟ ولأولادي تسددها لماذا من الزكاة؟ والرجل قال لك لا تعطهم. قلت له: "لا، باسم الفقراء والمساكين".
أكمل الكلام، لم يقل لك لا تعطهم مطلقاً، قال لك تحت هذا العنوان ليس لأجل المساعدة في المعيشة. نعم، إذن خمسة لا يأخذون الزكاة: الغني، وآل البيت، والعبد، والكافر، ومن تلزمنا نفقته. فالحمد لله. لله أولاً وآخراً، وهكذا تم باب الزكاة من الغاية والتقريب، ونرجو الله القبول وأن يقربنا إليه وأن يصل بنا إلى الغاية في طريقه، إنه على ذلك قدير. نبدأ في المرة القادمة بكتاب الصيام. اللهم
صلِّ أفضل صلاة أسعد مخلوقاتك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم عدد معلوماتك ومداد كلماتك كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.