المجلس الثالث والخمسون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: "ويصح بيع كل طاهر يبقى". نعد إذن مع بعضنا: طاهر يبقى، فالنجس لا يجوز بيعه لأنه لا قيمة له في ميزان الشرع والنجس. قد يكون سائلاً وقد يكون جامداً، لكن
كل من السائل والجامد فقد الطهارة. فالبول نجس، والقيء نجس، والدم نجس، فلا يصح بيع شيء من هذه. وحينئذٍ ما دام يصح بيع كل طاهرة، ستأتينا منافع عجيبة. الخارج من الحيوان نجس، ثم يحتاج إليه الفلاحون،
يحتاجون إليه في سماد البلد ويحتاجون إليه. عندما يجفف ذلك الخارج ويُستعمل وقوداً حرارياً فيحتاجون إلى النجس، والدم نجس، والآن مع تطور العلم أصبحنا في حاجة إلى الدم، وهناك بنوك للدم نذهب إليها حتى ننقذ الإنسان، وأصبح الدم نبحث عنه في فصائله
A وB وغيرها، وفي سالب وفي موجب، والله لقد توسعت الأمور. المسألة ولم تعد كل أنواع الدم واحدة، وأذهب إلى بنك الدم لأجد التصنيف موجوداً، كل الأنواع موجودة، فأشتري كيس دم. وبعد ذلك، هذا الشيخ قال لنا في الدرس أنه لا يجوز، فأنت تحاول وتقول للرجل هذا لا يجوز. دهني مجاناً، حسناً، أدعو لك مجاناً. كيف يا مولانا؟ قل لا. هذا حرام والله! أأنتم ستكفرون الآن؟ إن
الله ربنا قال أن هذا حرام وأنتم ستقبلون على أنفسكم الحرام؟ ألا فليُخلِف الله بيتكم! وستدخل معه في حديث سخيف. لماذا كل هذا؟ لأنك لم تكمل الدرس. نعم، لم تكمل الدرس. أخذت أن الدم لا يجوز بيعه وأسرعت. ما زلنا سنحلها من أجل... نحل هذه المصالح. طيب، أنا إذا لم أُسمِّد الأرض، فالأرض لن تُنتج زرعاً جيداً. وإذا لم أستعمل الوقود، فماذا أفعل؟ أذهب لأشتري خشباً بخمسة أضعاف سعر الوقود الذي يسمونه الجلة؟ وإذا لم أشترِ الدم، فسيموت الرجل أو المرأة. والله هذا بالوت!
ما هذا؟ مَن يا سيدي الذي قال؟ لك أن الدم نجس بالإجماع، إنه إجماع. بالإجماع الدم نجس، فإذا هي ورطة، ورطة كبيرة، يعني ليست ورطة صغيرة. فطبعًا فقهاؤنا يعرفون الديانة بالكامل هكذا، يعني ليسوا يعرفونها معلومة ويقوم يجري. نعم، قالوا في شيء يا إخواننا نستعمله إذا كان هذا نافعًا، لأنه أيضًا سيأتي لك هنا ويقول لك ماذا. كل طاهر منتفع به، كل طاهر منتفع به، يعني لا بد أن يكون
نافعاً. قلنا له: ما هي الأشياء التي ليست نافعة؟ قال: بعض الصراصير. ضربنا عدداً من الصراصير وقتلناهم، وبعد ذلك كيف ستعرضهم للبيع؟ حسناً، إنك قتلته بالنعل، حتى جسمه تلف من النعل الذي ضربته به. يعني هذا ما نفعه؟ ما ليس له نفع لا يجوز. كلها طاهرة منتفع بها. طيب، الدم منتفع به، ونجاسة الخارج من الماشية منتفع بها. ماذا نفعل إذاً في هذه الورطة؟ قال: نصنع شيئاً، عقداً جديداً لا يُسمى بيعاً. إذاً ماذا يُسمى؟ أنت ستأخذ أيضاً الكيس من... الناس تجري إلى المستشفى وتلحق بصاحبك وكل شيء، لكن
ما يحدث بينك وبين بنك الدم ليس اسمه عقداً في الشريعة. قلنا له: حسناً، هذا جيد جداً، فما اسم هذا العقد إذاً؟ قل لي ما هو نوع العقد؟ قال: رفع اليد عن الاختصاص. فلنحفظ الآن، يا طلاب العلم، هذا المصطلح: رفع اليد عن. الاختصاص قال يعني كان البنك واضعاً يده على الأكياس هذه، على كيس الدم، فجاء له أنا أريد كيس الدم هذا لأنقذ صديقي. قال له: حسناً، سأرفع يدي عنها، أليس موضوعاً على الطاولة هنا ويدي عليه لأنني أنا المختص به. انظر، الكلام ليس ملكه لأنه النجس.
لا يدخل تحت المِلك، إنما هذا شيء منتفع به وسينقص الإنسان. قال: "يدي عليه، وها أنا أعطيك عشرة جنيهات وأنا أرفع يدي، فقم أنت بالتقاطه". قلت له: "طيب، أعطني العشرة جنيهات". أخذها بيده الشمال. طبعًا السلفية يقولون لك: "خذ بيمينك وأعطِ بيمينك"، أخرجه مسلم، فهذا... مبتدع يكون أن تترك الرجل يموت. حسناً، نقول لهم: لا مانع من أن يهبها حتى يرفع يده اليمنى. أنت أخذت الثمن من البنك وأنت أخذت، فتكون مبادلة، نعم، ولكن ليست بيعاً وشراءً.
فالبيع والشراء لا يصلح إلا أن يكون المثمَّن طاهراً منتفعاً به. حسناً، وماذا لو لم يكن؟ إذن رفعوا اليد عن الاختصاص. قال: حسناً، أنا عندي بعض الكلاب والكلاب تتكاثر، فأقول له: نهى رسول الله عن ثمن الكلب، لا يجوز أن تبيع الكلب ولا تشتريه. قال: حسناً، سأنشئ مزرعة للكلاب، فالكلاب تتكاثر وأريد أن أوزعها. قلت له: وزّعها هكذا من تلقاء نفسك. قال: حسناً، أرغب في ذلك. لا أستطيع
تحمل نفسي، ولا أستطيع تحمل هذا القدر من الهداية للناس. وهذه كلاب من سلالات أصيلة ولها سند ولها كل شيء، أي أنها من سلالة، أي لها كراسة تحتوي على اسمه واسم أبيه واسم أمه واسم لا أعرف ماذا. وصل الأمر إلى هذا الحد، قال إنه واصل ومتدرب، فماذا أفعل؟ قال: إذن لا يوجد إلا رفع اليد. عن الاختصاص، تعال، أنا أريد هذا الكلب، حسناً، خذ. الكلاب الآن أصبحت بستة وعشرين ألفاً وخمسة وثلاثين ألفاً وما إلى ذلك. لقد ذهب أصحاب العقول. فأعطاه الخمسة والثلاثين ألفاً وأخذ الكلب من الحظيرة أو المأوى الذي هو
مزرعة الكلاب، وانصرف ماشياً به، حسناً، ليكن. حسنٌ، ما هذا إذن؟ هذا بيع وشراء، فهو أخذ المال والآخر أخذ السلعة التي يريدها والتي هي الكلب. قال: هذا ليس بيعاً وشراءً، إذاً ما هذا؟ قال: هذا رفع اليد عن الاختصاص. فقال أحد النابتة لنا: أأنتم ستتلاعبون على ربنا؟ نعم، هو مُصِرٌّ أن الرجل الذي... يريد هذا الشخص أن يموت، فهو غير راضٍ. قلنا له: كيف نتحايل على الله؟ فقال: هذا ما فعله المشركون، قالوا أشياء مثل هذا. قالوا: "إنما البيع مثل الربا"، فرد الله
عليهم وقال: "وأحل الله البيع وحرم الربا". انظر كيف رد الله عليهم بسهولة، بينما المشرك قال كلامًا مختلطًا. بين الصورتين أريد أن أفهم ما الفرق بين الربا والبيع. كان تجار مكة في الصورة يقولون لا يوجد فرق. ذهبت إلى بائع الثلاجات، سألته: "بكم هذه الثلاجة؟" قال: "هذه الثلاجة بعشرة آلاف جنيه". قلت له: "خذ العشرة آلاف جنيه" وأخذتها. هذا هو البيع. حسناً، قلت له: "أعطني العشرة، أعطني". أخذت الثلاجة وذهبت لأستدين من شخص عشرة آلاف جنيه وأعطيتها
له، وهو سجل عليّ اثني عشر. والذي سجل عليّ اثني عشر هو نفس الرجل الذي قال لي: "إذا لم يكن معك، أسجل عليك باثني عشر". قال له: "ما الفرق إذاً؟ فأنت تسجل عليّ باثني عشر، وهذا أيضاً تسجله". عليه باثني عشر، هذه الثلاجة ذهبت إليه وهذه الثلاجة ذهبت إليه. ما هذا؟ عنده عشرة آلاف أصبحت ذهبت هنا عشرة آلاف. يعني المجتمع لم يحدث فيه شيء، إنما البائع مثله الربع. فربنا حتى لا يدخل في جدلية مع هؤلاء الذين لا يفهمون، لأنها مسألة معقدة قليلاً. ما الفرق بين الصورتين؟ فقال: "ما هذا؟ وأحل الله البيع وحرم الربا". لا يوجد فرق بين الصورتين
في الضمان، فما الفارق إذاً في الضمان؟ عندما قلت له: "حسناً، هذا الكلب سأكتب عليه اسمك من أجل أن تأتي لتأخذه". فمضى هو وأعطاني النقود، ثم مات الكلب، مات الكلب، مات عند من؟ عند صاحبه، فجاء وقال لي. أين الكلب؟ قلت له: تُوفي. قال: حسناً، أعطني نقودي. قلت له: لا، هذا لم يكن بيعاً وشراءً. لو كان بيعاً وشراءً لكنت ستأخذ نقودك. تفضل نقودك. هذا ثمن رفع اليد عن الاختصاص، وأنا رفعت يدي بالأمس عندما جاء وقلت له: هذا بعشرة آلاف.
أعطاني بعشرة آلاف، فقلت له: الكلب عند سيادتك ها هو، اسحبوه لكنهم لم يسحبوه في ضمانهم. لكن لو كان البيع وشرائه، فهذا ثمن، وإذا لم نسلم العين، فيرجع الثمن. إذاً، الفرق بين الصورتين سيكون في الضمان. فلندع هذه المسألة ولنكن واعين. وهكذا قلت. حسناً، ليس عليه. خذيه هنا هكذا، وتركت الدم لديه وذهبت ولا أعرف أشتري آيس كريم. قام الإرهابيون بتفجير البنك فضاع
الكيس. ماذا أفعل؟ خلاص، ضاعت الأموال. لماذا؟ لأن الأموال كانت في مقابل رفع اليد عن الاختصاص وقد تم، ويكون هذا ليس اسمه عقد بيع ولا شراء لأن... من شروط البيع أن يكون المثمن طاهراً منتفعاً به مملوكاً، لازم يكون في ملكه إما تحقيقاً أو تقديراً. تحقيقاً: عندي في المخزن، وتقديراً: موجود في ملكي لكنه في السفينة. جئت واشتريت مني سيارة بمواصفاتها موصوفة في الذمة، وهذه السيارة في الطريق في وسط
البحر، مملوكة. لأنني دفعت ثمانية وأنجزت وانتهيت وأنتظر مجيئها لتصبح مملوكة، فتتحقق معي في المخزن تقديراً، أي أنها لم تصل إلى ميناء، ولا يصح بيع عين نجسة أو بالصريح المريح، إذاً تكون كل الخمرة التي تحصل هذه باطلة، ولا مال مما مضى فيه، فلا هذا ينفع ولا ذاك. إلى لقاءٍ آخر، نستودعكم الله، والحمد لله رب العالمين.