المجلس الثامن والعشرون من شرح متن الغاية والتقريب | أ د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: فصل، وصلاة الجماعة سنة مؤكدة. وصلاة الجماعة اختلف فيها الفقهاء من المسلمين من لدن الصحابة فمن بعدهم إلى يومنا هذا، واختار الشافعية هذا. القول من أربعة أقوال: القول الأول أن صلاة الجماعة
فرض فلا يجوز تركها، وهذا القول يفرض عليك جماعة، وأصحابه يجيزون الجماعة بالمنزل أو بأي أرض، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فحيثما أدركتكم الصلاة فصلوا". وعلى ذلك، فيجوز إنشاء الجماعة في غير المسجد، فتبقى الأولى جماعة. المسجد والثانية في أي مكان، فتنعقد بينك وبين زوجتك، وتنعقد
بينك وبين ابنك إذا كان أهلاً للصلاة حتى لو كان طفلاً، وعلى ذلك فتنعقد بالأسرة أو العائلة أو نحو ذلك. ويرى هذا أنك إذا صليت وحدك فكأنك قد ارتكبت مخالفة تستوجب الإثم وتستوجب الاستغفار. القول الثاني أنها فرد لمن سمع. الأذان فمن لم يسمع الأذان لا تكون فرضاً عليه. القول الثالث
أنها شرط من شروط الصلاة وعليه ابن تيمية رحمه الله، يعني كالوضوء، يعني إذا لم تكن لا يجوز أن تصلي وحدك كما لا يجوز أن تصلي من غير وضوء، وهذا أمر شديد لم يأخذ به كثير من جماهير الأمة. تأخذ بهذا القول الرابع أنها سنة مؤكدة ومعنى هذا أنك تُثاب إذا صليت الجماعة في أي مكان، ولكن على كل حال من
هذه الأقوال يتبين لنا أهمية الجماعة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث عليها وحبّذها وحفّز عليها، فقال إن صلاة الجماعة تفوق صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة، وهناك بسبع وعشرين درجة، يعني إذا صليت وحدك فقد أديت الفريضة وأنت الآن في الدرجة رقم واحد، لكن عندما تصلي جماعة تكون في الدرجة
رقم خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين. عندما نرجع ونبحث في الشريعة عن الدرجة، ما هي الدرجة، نجد أنه بين الدرجة وما فوقها من درجة أخرى مسيرة خمس. مائة سنة تُعَدُّ مسافة أيضاً، وبعد ذلك نحن لا نعرف مسيرة خمسمائة سنة هل هي على الأقدام أم بالسيارة السريعة أم بالخيول الأصيلة أم بسرعة الضوء، لكن بينهم خمسمائة سنة، فهذا مبلغ عظيم، يعني لا نرى العاقل يفرط فيه. خمسمائة في خمسة وعشرين ستصبح
اثني عشر ألفاً وخمسمائة. ها، أتساءل. اثنا عشر ألف وخمسمائة سنة في كل فريضة! ستكون مجنوناً إذا تركت كل هذا الخير. فالمسألة في النهاية ستجعلك فاقداً للعقل أن تترك كل هذا الخير خمس مرات في اليوم. اثنا عشر مضروبة في خمسة تساوي ستين، وأضفنا واحداً ليصبح المجموع ستين ألف سنة. فقم وادخلها سوداء بسرعة الضوء. يعني تكون مجنوناً إذا تركت الجماعة، فماذا تكون حينئذ؟ ولذلك ورد عن السلف الصالح أنه ما ترك الجماعة أربعين سنة. فللجماعة فضل
واسع ومهم، فلا يُستهان به. شاع في عصرنا هذه الاستهانة، فتُترك الجماعة من غير عذر، ولكن لا بد أن يكون هناك عذر حتى تُثاب على... صبرك على هذا العذر فتأخذ ثواب الجماعة وصلاة الجماعة سنة مؤكدة وعلى المأموم أن ينوي الائتمام لكن ليس عليه تعيين الإمام. واقف وأنا لا أرى الإمام مَن هو، أقول الله أكبر وانتهى الأمر ودخلت في الصلاة بأنني
مأموم للشخص الذي في المحراب هذا. ولا يجب على الإمام أن ينوي إمامة مَن خلفه كما لو كان. وعلى ذلك لو أنني دخلت في الصلاة وحدي وليس هناك أحد في المسجد، فجاء آخر فصلى ورائي، تصح الجماعة وتُكتب له ولي الجماعة، لأن الإمام لا ينوي، إنما الذي ينوي هو المأموم. في صلاة الجمعة يجب تعيين الإمام، أما اليوم فسنصلي خلف أي إمام، وليس ضرورياً تعيين إمام معين. يعني يكون معك ملفه فيه اسمه واسم والديه وهكذا، ليس ضرورياً، لكن الشخص الذي
أمامي هذا هو الذي يصلي بنا، هذا تعيين الإمام. فتعيين الإمام في النية في الجمعة فقط، وفي سائر الصلوات الائتمام. أنت تقول: "أنا نويت مطلقاً هكذا، نويت أن أكون مأموماً"، مأموم لمن؟ ليس ضرورياً. ولذلك هذا الإمام لو حدث له حادث في الصلاة فاستخلف من وراءه، فالصلاة مستمرة والجماعة مستمرة في أمان الله، لأنني ناوٍ أن أكون مأموماً. ويجوز أن يأتم الحر بالعبد لأن كليهما مكلف. صحيح أن صنف التكليف ودرجة التكليف تختلف، ولكن
الاثنين مكلفان. هذا عاقل مسلم بالغ وذلك كذلك، والبالغ بالمراهق. المراهق هنا ليس المراهق في علم النفس، فمراهق علم النفس في سن السابعة عشرة أو الثامنة عشرة وهكذا، لكن المراهق هنا هو من قَبْل البلوغ، أي من لم يبلغ بعد، ولكنه اقترب من البلوغ. راهق يعني أنه بينه وبين البلوغ شهران أو ثلاثة. والبالغ بالمراهق يصبح إذاً عندما يأتينا شخص حافظ للقرآن وهو عنده... اثنا عشر سنة وخلفه شخص عمره خمسون سنة وليس حافظاً شيئاً فيقدمون صاحب الاثني عشر سنة هذا لأن العبرة بالحفظ والأداء والقيام
بواجبات وسنن الصلاة. ولا تصح قدوة رجل بامرأة، فالشرع جعل المرأة الأصل فيها الستر فجعلها في الخلف. هناك خصائص ربانية في جسد المرأة جعلتها في بعض الأحيان. يداهمها الحائط فبذل ما تخترق الصفوف وتعمل وهكذا تنسحب من الخلف، فليس في هذا أي نوع من أنواع التحيز أو العداء أو ما شابه ذلك، كما يريد بعضهم أن يصوره. ولا قارئ أمي واحد.
ما الأمي؟ الأمي هو من لم يحفظ الفاتحة، الأمي هو الذي لا يحفظ الفاتحة حفظاً. صحيح أن الأمي ليس الذي لا يعرف القراءة والكتابة، فمن الممكن أن يكون رئيس جامعة أو عميد كلية ويقول لك: "صراط الذين"، ابن اللذين! يقول ماذا؟ "صراط اللذين"! حسناً، على ماذا يدل هذا؟ حسناً، قيل لك إنه رئيس جامعة، ونحن مصدقون، وفعلاً أنت رئيس جامعة ورأيناك في التلفزيون، لكنك أمي في الصلاة. لأن القارئ هو من حفظ الفاتحة، والأمي هو من لم يحفظ الفاتحة على وجهها، نعم. وأي موضع صلى
فيه في المسجد بصلاة الإمام وهو عالم بصلاته أجزأه ما لم يتقدم عليه. فنذهب إلى الأزهر ونجد الأزهر فيه نظام صوتي (ساوند سيستم)، ماذا يعني نظام صوتي؟ يعني هناك ميكروفون يوزع الصوت في كل مكان. الصوت، فأنا أجلس في رواق الأتراك وتُقام الصلاة وأنا وحدي أو معي صف، هي هي أصلي بصلاة الإمام الذي داخل الظلة الفاطمية ما دمت أعرف انتقالاته: الله أكبر، سمع الله لمن حمده، السلام عليكم، وهكذا.
أسمع أنا أو أكون أراه حتى لو لم أسمعه في أي مكان في المسجد الفسيح. هذا الذي هو حوالي ستة أفدنة أي أربعة وعشرين ألف متر في أي مكان. حسناً، ماذا تعني بأي مكان؟ أي في السطح أو في البدروم تحت؟ هل يصلح في السطح أو في ماذا؟ بدروم يعني ماذا؟ ها؟ بدروم كلمة أجنبية، وبيزمنت كلمة أجنبية. القبو، وكلمة القبو لا أحد يعرفها، يعني الحمد لله الدور. الذي تحت الأرض يعني الأرض هكذا وبعد ذلك الطابق الذي
تحت يسمونه القبو ويسمونه بدروم ويسمونه بيزمنت كما يسميه الأمريكيون وهكذا، أي شيء. المهم أن هذا القبو الذي هو تحت، أصلي فيه تحت، أصلي فوق، أصلي في السطح، أصلي هنا أو هناك، يجوز، لكن لا تتقدم الإمام. الشافعية عندهم هكذا. إذًا لا يأتي الإمام هكذا وأنا أمامه هكذا، بيني وبينه، بينه وبين القبلة. لا تُقدِّموه. قالوا: لماذا؟ قال: لدلالة كلمة الإمام على التقدم. كلمة إمام تعني ماذا؟ تعني أمامك. كلمة إمام تعني متقدم عليك. متقدم عليك مكانًا أم متقدم عليك حركة؟ هنا الخلاف. لكنه
إمام يعني متقدم عليك. فالشافعية قالوا: إن المتقدم عليك مكاناً والمتقدم أيضاً عليك حركة - وهو يقول: "الله أكبر" ويركع، فأقوم أنا للركوع بعده - يكون هو متقدم عليّ. وإن صلى في المسجد والمأموم خارج المسجد قريباً منه، وهو عالم بصلاته، واتجه إلى هناك، جاز. فالدنيا مزدحمة والناس ملأت المسجد، فخرجت إلى الخارج. خارج المسجد يصلون في الحديقة التي هنا وفي البرك التي هنا خارج المسجد، لكن خلف الإمام كله جائز
ما دام أيضاً عالم بانتقالاته وهو عالم بصلاته، ولا يوجد حائل يمنع من وصوله إليه كالنهر، لا يوجد بيني وبينه نهر، لا يوجد بينه وبينه سد بحيث أنه يمنعني من. الوصول إليه يكون إذاً لتحقيق معنى الإمامة، فقالوا هذا الكلام، والله تعالى أعلى وأعلم.