المجلس الثاني والأربعون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

المجلس الثاني والأربعون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة - الغاية والتقريب, فقه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: وتدفع الزكاة إلى الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه العزيز، لم يقل إلى أصناف ثمانية بل عرّفها لأن الألف واللام للعهد الذهني لأن في ذهنك معرفة بالآية
رقم ستين من سورة التوبة حفظتها وسمعتها وتلوتها فقال الأصناف الثمانية يعني انتبه والذي أطلب انتباهك إليه أن الألف واللام هنا معناها العهد الذهني ويعني العهد الذهني ما تعرفه أنت وتدركه، وأنت منتبه قال. له "نعم، أتذكر". هذه الأصناف الثمانية. لو قال أصناف ثمانية يعني أنت جاهل بهم ولا تعرفهم، فتقول له: "وما هم؟" لكن لو قال لك الأصناف الثمانية، كانت الألف واللام إشارة بدلاً مما نقول في العامية "الذي بالي بالك". "الذي بالي بالك" يعني الذي خطر في
ذهني هو الذي خطر في ذهنك. في ذهنك، فالألف واللام هنا للعهد الذكري أو للعهد الذهني، لا للعهد الذهني لأننا جميعاً حافظون في أذهاننا قصة الأصناف الثمانية: "إنما الصدقات للفقراء" واحد، "والمساكين" اثنان، "والعاملين عليها" ثلاثة، "والمؤلفة قلوبهم" أربعة، "وفي الرقاب" خمسة، "والغارمين" ستة، "وفي سبيل الله" سبعة، "وابن السبيل" ثمانية. فتكون الأصناف الثمانية معلومة لديك. دائماً ما نعني بالألف واللام ماذا؟
الذي يخطر ببالك عندما يقول ابن صلاح الدين: صلاح مضاف والدين مضاف إليه، والألف واللام عوض عن مضاف المضاف إليه. حذفنا كلمة الدين التي هي المضاف إليه وعوضنا عنها بالألف واللام. فالألف واللام تفيد ماذا؟ الذي يخطر ببالك يعني صلاح من؟ صلاح. أيهما: صلاح الدنيا أم صلاح الآخرة أم صلاح الدين؟ نحن دائماً نعرف أنه عندما نأتي بالفكاهة نقول: صلاح الدين، حسام الدين، ولي الدين. إذن الألف واللام أتت هنا في الآية للعهد الذهني، أي الذي
يتحقق منهم في الجيل، لأنه من الممكن أن يكون في بلدي لا يوجد هؤلاء الناس الثمانية كلهم. أو في زمني في العصر الخاص بي لا توجد رقاب، فقد انتهت الرقاب. الغارمون موجودون، الغارمون كثيرون. المؤلفة قلوبهم ذهبوا، المؤلفة قلوبهم الذين بدأوا بهم. حسناً، افترض أنهم عادوا، فسنعود ونعطي للمؤلفة قلوبهم. طيب، هل هذه الأمور على التشخيص
أم على العموم؟ فالقاعدة الأصولية المطردة: العبرة بعموم اللفظ لا. بخصوص السبب فهو ليس بالتشخيص وإنما العبرة بعموم اللفظ. من الذي يعرف العموم؟ المجتهد. حسناً، وسيادتك ليس لك الحق في أن تصف أحداً بالجاهل. ما معنى أنني جاهل؟ أنت تقول جاهل، ربما تكون عالماً في الطب، أستاذاً كبيراً في الهندسة، لا يوجد من هو مثلك في السياسة، وهذا يعني أنه لا أحد يضاهيك في اللغة، ولكنك جاهل. في الاجتهاد
ليس عيباً، أي حسناً، وإن كنت جاهلاً بالمادة الخاصة به. لماذا تقول لي أنت جاهل، ولا تفتي في الطب أو في جراحة القلب المفتوح أو المغلق، وأنا لا أقول لك ليس لدي رغبة في ذلك؟ القضية أن الناس استهانت بدين الله ولا تعرف أن الدين. علم الدين هذا علم، وعلم ليس سهلاً، فهو علم يحتاج إلى تعمق وإلى أدوات مساعدة. أما التدين فهو الذي يمكن أن تقوم به وتكون أفضل مني بكثير فيه، فالتدين سلوك، لكن الدين علم. ولذلك، فنعم،
ليس لك أن تستعمل هذا العموم أو تعرفه أو تعرف مآلاته أو مقاصده الشرعية. انظر ماذا يقول العلماء وافعل مثلهم، كما نرى ما يقوله الأطباء ونفعل مثلهم، أو المهندسين أو الساسة أو المتخصصين في علم الاجتماع أو اللغة أو أي علم من العلوم. فيقول: "ولم يوجد منهم ولا يقتصر على أقل من ثلاثة من كل صنف إلا العامل"، يعني يريد مذهباً. مذهب الشافعي صعب، فلو كان لدينا الأصناف الثمانية وربنا استعمل صيغة
الجمع: "الفقراء، المساكين، العاملين عليها"، فهذا يعني أنك لا تعطي أقل من ثلاثة حتى يتحقق الجمع. ولكنه لم يستطع أن يكمل، فقال: إلا العامل، لأن العامل يمكن أن يكون واحداً فقط. أما المذاهب الأخرى فلم تشترط هذا الشرط. هل يجوز أن أخرج الزكاة كلها للفقراء؟ يجوز لابن السبيل، يجوز، أو كلها في سبيل الله يجوز. فتكون هذه مسألة عند الشافعية راعى فيها الجمع، وخمسة لا يجوز دفعها إليهم. أي أن هناك ثمانية سندفعها
لكن خمسة لا ندفع إليهم. الغني بمال الذين هم أبناء الذوات، وما المقصود بالذوات؟ قال: عنده بعض الثروة ورثها من أبيه. وجالسٌ يأكل ويُنفق فيما تركه له أبوه من مال، معه نقود فليس محتاجاً، فلماذا يأخذ مني؟ حسناً، لنفترض أنه كان ولم يعد ممن كانوا يسمونهم قديماً أبناء الناس. ما المقصود بأبناء الناس؟ يعني كان غنياً، أبوه كان غنياً وخسر تجارته، صرف أمواله، وفي النهاية أصبح فقيراً لكنه تربى
تربية حسنة. العز وأكل الأوز فيسمونهم أبناء الناس. من أين تأتي تسمية أبناء الناس هذه؟ كانوا المماليك، لأنهم يتقنون القتال والدفاع والحرب والأمور العسكرية والانضباط، وتربوا في الطباق. "تربوا في الطباق" يعني المدارس الداخلية، يعرفون عدة لغات، أي إنهم دوليون. فهؤلاء الشباب المماليك كانوا حكاماً لأن الباقي إما أنه لا يعرف القراءة أو... يكتب ولا يعمل ولا يقاتل ولا أي شيء، فالذين تولوا الطبقة الأولى في المجتمع والثراء كانوا المماليك، الناس الذين هم أولادهم. ابن
المملوك من هؤلاء أصبح شاباً لطيفاً ولم يعمل وافتقر، تجد عنده بيتاً فخماً وهو لا يجد ما ينفق عليه. أتفهم؟ قوم عزيز قوم ذل، طيب. ما هو الذي لا يرضى أن يعمل فعزيز قم وذل، هذا كان أولاد المماليك فهؤلاء هم أولاد الناس، في الفقه هكذا يتكلم الشيخ الباجوري. هو يدلنا ما معنى أولاد الناس، ناس من هؤلاء؟ الذين هم المماليك الذين كانوا حكاماً وبعد ذلك أولادهم جار عليهم الزمن، فقال: ويجوز إخراج الزكاة إلى أبناء الناس. وأولادهم يجوز أن نعطي الزكاة لعزيز قوم
ذل، لكنه يملك بيتاً ولا يبيعه. لا يوجد شيء مثل هذا في الإسلام. نحن نريد أن نفهم أن الزكاة ليست مِنّةً منا وليست تعالياً، الزكاة تكافل اجتماعي. فلا يصح أن تقول له: بع بيتك واذهب للسكن في شقة صغيرة هكذا في آخر الشيخ. لا أعرف! أنا تربيت هنا وولدت هنا وعشت هنا، فبدأها: لا نعطي له الزكاة. لماذا؟ ليس لأنه يمتلك أصولاً وهي هذا البيت، بل لأنه محتاج أن يأكل ويشرب. وابن السبيل قال للشيخ الدردير: ولو كان ابن ملك، افترض انقطعت
به الدنيا ولم يستطع تسديد فاتورة الفندق الذي هو فيه. والده ملكٌ في بلاده، والشيخ الدردير مرةً فعل ذلك، فذهب وأخرج الزكاة لابن ملك المغرب الذي كان يسير هنا هكذا وانقطعت به السبل. ابن ملك المغرب معه نحو عشرين شخصاً، منهم من يحك له رأسه، ومنهم من يضغط ليعمل له تدليكاً في ظهره، وأشياء أخرى. أعطاه الزكاة فلما ذهب. حكى الولد أن أباه الذي كانوا يلقبونه بالسلطان أرسل قافلة نهايتها في القاهرة وبدايتها
عنده هناك في مراكش إلى الشيخ الدردير من أجل الموقف الذي وقفه مع ابنه الذي انقطع به السبيل. إذاً، علماء الإسلام يفهمون أن الزكاة ليست منّا ولا تعالياً ولا يجب أن تكون الزكاة بمذلة كمن يتمرغ في التراب. لكي نعطيه الزكاة، فقد أعطاها لمن احتاجها وقد يكون هذا أشد احتياجاً ممن تعود على أنه يجلس ويكتفي بالقليل، ولذلك لا يأخذ الغني بمال المال معه أو كسب قادر على أن يعمل ويحصل على أموال جيدة، والعبد رقم اثنين، وبنو هاشم
وبنو المطلب لأن سيدنا في أثناء المقاطعة قال. بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، والكافر - لأن هذه الزكاة خاصة بالمسلمين لأنها من أموال المسلمين. أما الصدقة فتنفع للكافر. ومن تلزم المزكي نفقته (الوالد)، فأبي فقير، فينبغي أن أصرف عليه آخر قرش. فما الذي جعلها عليّ أنا أصلاً زكاة؟ إنني أملك مدخرات، فهذه المدخرات لا يصح أن آتي... أمام أبي وأقول له: "والله ليس معي ما أنفق عليك، خذ من الزكاة". زكاة! زكاة! يعني معك أموال، فالزكاة معناها أن لديك أموالاً حال عليها الحول.
حسناً، وأبوك لماذا لم تنفق عليه نصابك هذا؟ كان ينبغي أن تصرفه أولاً حتى لا تكون عليك زكاة أصلاً، ولذلك لا يجوز إعطاء. من الزكاة للفرع والأصل لا يدفعها إليهم إلا باسم الفقراء والمساكين لأنه واجب عليه ألا يجعلهم فقراء وألا يجعلهم مساكين، ولكن ذهب الشافعية إلى أنه يجوز أن يدفعها إليهم كغارمين. أبوه قال له: "يا بني، الأكل والشرب أنت تكفينا والحمد لله، لكنني عليَّ شيك بمائة ألف". جنيه سيدخلني السجن، فالابن
يعطيه المائة ألف جنيه من الزكاة وإن كان أباه، لأنه ليس فرضاً عليه أن يكفي أباه فيما ورط نفسه فيه، إنما الفرض عليه أن يخرجه من الحاجة إلى الغنى: أكل، شرب، لبس، علاج، سكن، هكذا عليه أن يفعل هذا مع صغاره ويفعل هذا مع أبيه. والزكاة من الأركان التي حاول كثير من الأغنياء نسيانها، وكثير من الأغنياء يكون عليهم زكاة بالملايين فيستكثرونها، وهم ينسون أنها واحد على أربعين مما
رزقهم الله سبحانه وتعالى. ينسون هذا، ولذلك يجب عليهم أن يفيقوا قبل الفوت والموت، وأن يراعوا ربهم، ويقيموا ركنهم، ويفعلوا الخير. وافعلوا الخير لعلكم تفلحون.