المجلس الثاني والخمسون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه نقرأ بعد ما أنهينا كتاب الحج من متن الغاية والتقريب لإمام الأئمة أبي شجاع المدني وقيل أنه قد مات عن مائة وستين سنة منهم نحو مائة وثلاثين يخدمون الحجرة النبوية الشريفة رضي الله تعالى عنهم. عنه ورضي عنه ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب البيوع وغيرها من المعاملات. البيوع ثلاثة أشياء - يعني على ثلاثة أقسام: بيع عين مشاهدة فجائز. فالبيع عقد من العقود، وأركان العقد: البائع والمشتري والقبول والإيجاب والثمن
والمثمن. ولكل ركن من هذه الأركان شروط، فيجب على الطرفين. أن يكون من أهل التصرف يعني يجوز لهذا أن يكون طرفاً في العقد ويجوز لهذا أن يكون طرفاً في العقد، ومتى يكون الإنسان مؤهلاً لأن يكون طرفاً في العقد؟ أولاً: أن يكون بالغاً. فلو جاء طفل
عنده سبع سنوات يمتلك بيتاً وجئت إليه من أجل شراء هذا البيت فعقد العقد. معه قال: "نعم، أنا لا أريد هذا البيت، ودمه ثقيل عليّ، وليس فيه المساحة التي كنا نلعب فيها ونحن في الخامسة من العمر، وأبيعه لك وأنت رجل تقي ولست نصابًا". فقلت له: "طيب، هذا البيت بكم؟" قال: "باثنين مليون". فقلت له: "حسنًا، سأشتريه باثنين مليون". قال لك: "وأنا موافق على العقد". باطل، فالناس لما جاءت وحضرت،
القاضي لما عرض عليه هذا العقد، البيت موجود، نعم، ثمن مثمن، والاثنان مليون، معقول؟ نعم معقولان، المكان هذا يساوي اثنين مليون، اثنين مليون أو يعني أيضاً بزيادة مائتي ألف، قال: الله! طيب ما الذي يجعلك تضطر أن تذهب للطفل؟ قالوا: مالك البيت، البيت باسمه ولكن. لأنه ليس أهلاً للتصرف المضمون فإنه يقع باطلاً، ويجوز تصحيح هذا العقد عندما يتدخل القاضي فيبيع، فالقاضي هو الذي يبيع، أو
الولي. مَن ولي هذا الولد؟ عمه. مَن وليه أو وصيه أو المتصرف في شؤونه؟ أمه. هؤلاء هم أهل للتصرف، أما هو فعندما يذهب ليبيع بهذه الصفة فالعقد غير صحيح. موجود والثمن موجود ومعقول ليس فيه غبن ولا غرر ولا غش ولا احتيال ولا خداع ولا سرقة ولا أي شيء، طيب، فيبقى الطرفان يُشترط فيهما ماذا؟ أولاً البلوغ
ورقم اثنين يُشترط فيهما أن يكونا مالكين للثمن والمثمن، يعني نفترض أنني ذهبت إلى الجيران وقلت لهم ما أخبار هذا البيت. نحن نراه مُغلقًا منذ زمن، فقالوا له: "والله هذا البيت أصحابه في الصعيد، فهلّا نشتريه منكم، وعندما يأتون نعطيهم الثمن؟" فقالوا: "حسنًا، والله أنتم جيران طيبون، نفعل هكذا". العقد باطل لأنه باع ما لم يملك، وهكذا. فيجب أولًا أن يكون بالغًا، وثانيًا أن يكون مالكًا.
والثالث أن يكون عاقلاً، لأنه لو كان المالك مجنوناً، لوجب على الولي أن يبيع ويشتري له حتى لا تحدث مشكلة. فالعقل والبلوغ والملكية وهكذا تصبح شروطاً موجودة في الطرفين. وبعد ذلك يجب اللفظ والعقود والألفاظ، وليس الورق. فالورق يُظهر العقد ويثبته ويدل عليه، لكنه ليس هو العقد في ذاته. بعتك. ها هو اللفظ الآن، هذا هو اللفظ الذي هو عقد: "بعتك
هذا البيت بمليوني جنيه"، فرد الطرف الثاني: "قبلت شراء هذا البيت بمليوني جنيه". ما شروط هذا الركن؟ شروط التطابق، أي أنني إذا قلت لك: "بعتك هذا البيت بمليوني جنيه"، فقلتَ أنت: "وأنا قبلت بمليون جنيه"، فهيا يا صديقي، إذاً لا يوجد تطابق. إذاً البيع لم يحدث، أشرت لك بيدي هكذا وذهبنا. جاء اليوم الثاني لتقول ماذا؟ أنت سكت؟ لا يصح، العقد لم ينعقد أصلاً. لا يوجد شيء اسمه "أنت سكت". إذاً إذا كان القبول لازماً يساوي الإيجاب، يجب أن يكونا
متماثلين. بعتك هذا البيت بمليوني جنيه، فقلت: وأنا اشتريت هذا. البيت وأشرت إلى بيت آخر بمليوني جنيه أيضاً. الاثنان كما هما ولكن البيتان اختلفا، فلا يصح ذلك. لا يوجد تطابق بين الإيجاب والقبول، وحيث إن البيع عقد، والعقد يكون بين طرفين، أي إيجاب وقبول متطابقين بين طرفين مؤهلين للتعاقد، بإيجاب وقبول متطابقين، وثمن ومثمن حاضرين، أي موجودين. ليس أوهاماً، إما أن يكون نقداً وإما أن يكون في الذمة عاجلاً أو
آجلاً. لكن مثلاً، إذا قال شخص: "بعتك هذا البيت بالذي يتيسر"، ما الذي يتيسر هذا؟ هذا لا يصح. أو "بعتك هذا البيت بشحنة خمرٍ تُرسل إلى فندقنا في السخنة وقد تبت إلى الله، فخذ الخمر". هذه لا تصلح، فالخمر نجس. أو سأقول لك: بعتك هذا بشيء معي في هذه الحقيبة، وبعد ذلك أخبرتك ووافقتُ،
ففتحنا الحقيبة ووجدنا بعض الصراصير فضربتها بالنعل ووضعتها في هذا الشيء. لا يصلح أن تكون في الحقائب لأن الصراصير مما لا يُنتفع به، ويجب أن يكون طاهراً. ما المنفعة منه؟ يعني بعض الصراصير، ماذا يفعل بها؟ وهي مضروبة أيضاً، فليست مثلاً جيدة ليستفيد منها في التشريح لدى الأطفال في المرحلة الابتدائية وما شابه، بل هي مضروبة بالحذاء، أي محطمة تماماً، فلا تصلح للانتفاع بها. بيعوها! كل هذا الكلام يدور حول كلمة "بيعوها". البيع مصدر من
المصادر، لما قال كتاب البيوع هو المصدر، يجمع المصدر لا يجمع. هذا المصدر كلمة هكذا هو بيع، ضرب، أكل، شرب، لأن الحدث هذا هو نفسه، يعني هو واحد. أنت تصف شيئًا، الأكل غير الشرب غير الجلوس غير البيع غير الشراء غير وهكذا. فالقاعدة تقول ماذا في... اللغة أن المصدر لا يُجمع. لماذا جمعوه هنا؟ الشيخ أبو شجاع لا يعرف شيئًا وأنت الذي تعرف. نعم والله. العبادة لا بد لها من وجه نفهمه، لكن
القاعدة تقول ماذا؟ المصدر لا يُجمع. إذًا كان ينبغي - لو أنك ألّفت - ما أنت عارف الأحاديث ولا ذهبت إلى الأزهر ولا قرأت الكتب. على المشايخ، يقول القوم: "ماذا يقول كتاب البيع؟ اللغة تقول هكذا. سيدنا الشيخ جمع المصدر، لماذا؟" فيكون سيدنا الشيخ محمد يقول: "إنه حضر، حضر قبل ذلك، لكن قبل ذلك لم يكن حاضراً باعتبار اختلاف أنواعه. ألسنا نقول: والبيع ثلاثة أشياء أو على ثلاثة أنحاء، يعني البيع في بيع رقم
واحد." شكله نمرة واحد وفي بيع شكله نمرة اثنين وفي بيع شكله نمرة ثلاثة، يبقى ثلاث دوائر أم لا. فكرر المصدر بتكرار أنواعه، يبقى عندما ننظر إلى ذات البيع فالبيع واحد، لكن عندما ننظر إلى أفراده فهي مختلفة. هذا المذهب هو الذي نجّى أهل السنة والجماعة من التشبيه وجعلهم يتكلمون كلاماً. حقًا في المسائل المُشكلة، فلما جاءت مشكلة كلام الله، فقالوا: كلام الله القائم بذاته غير مخلوق وهو
قديم. وكلام الله المتعلق بالحادثات هو كلام الله الدال على ما قام بالذات. انظر، انظر إلى ذهن فارق. هناك فرق بين كلام الله الذي هو صفته من صفاته وما دل على هذه الصفة. دلّ عليها الذي هو المصحف حادث. المصحف، هل انتهت الطباعة أم لا بعد؟ قال له: نعم، طُبع بالأمس، واستلمناه بالأمس، وجلدناه بالأمس. الله الله الله، هذا المصحف حادث يا أخي. إنه لم يكن موجوداً أول أمس، ثم وُجد بالأمس. حسناً، ألست تقول إن كلام الله قديم؟ أليس هذا المصحف أيضاً يكون... قديم قال لا المدلول قديم
مدلول كلام الله قائم بذات الله فهو أيضاً قديم وأين الدال الخاص به؟ المصحف والدال الخاص به من أيضاً؟ الدال الخاص به الشيخ عبد السلام الأمير الذي يقرأ معنا هنا آية في الجمعة. حسناً، اليوم الدال الخاص به كان من؟ الشيخ محمد وسام، وهل الشيخ محمد وسام هذا قديم؟ لا. ما هو جالس بجانبنا وهو جالس يواسينا ويواسي فيه ها ويقول لنا خطبة وأشياء لست أعرف ماذا ويذكر الشيخ في الخطبة. ما شأنك بالشيخ؟ اترك الشيخ في حاله. لا، إنه أمر غريب جداً، وعلّمنا شيخنا واحد واثنين وثلاثة حديث، يعني مخلوق، طيب،
والكلام الذي هو في... صدره هذا يقرأ القرآن بشكل جميل وهو حافظ للقرآن كله، فهذا ماذا يكون؟ صوته الذي يتلو به القرآن هذا قديم، أي قديم يؤثر فينا هكذا؟ لا، إنه حادث. صوته حادث، وهو حادث، وحفظه حادث، لأنه وُلِدَ سنة كذا، وتعلم القرآن سنة كذا، وأتمه سنة كذا. كل ذلك حدوث. لم يكن موجوداً بالأمس وأصبح موجوداً اليوم، ثم أتى اليوم، لا تفهم أنه اتفق مع عبد السلام الأمير هذا أن يتنحى أم لا. ليست هذه مسألتنا، وذهب وجلس. قرأنا، يا سبحان الله، هل هذه جلوة قديمة؟ والله ليست قديمة،
هذه حادثة! فما الذي هو قديم إذاً؟ مدلول هذه. القراءة هي القديمة، فذهب شخص يقول: "أنا لست فاهماً". إن هناك أناساً هكذا تتعنت ولا ترضى أن تفهم الواضحات البينات. ماذا يحاول؟ أن يشوش على نفسه لأنني لست فاهماً. ما الذي لا أفهمه؟ هذه العملية الصعبة سهلة جداً، فعندما وجد شخص شخصاً من هذا. دخل الشخص ومعه لوحة مكتوب عليها "الله"، وقال له: "أنت الذي لا تفهم، هل هذه اللوحة...". فقال له ربنا: "أعوذ بالله، أنا الذي كتبتها بالأمس.
هو الذي لا يفهم ماذا كتب". لقد كتب لوحة بخط حسن جميل "الله"، والآخر قام بعمل إطار لها وأشياء أخرى وجاء بها. هذه اللوحة قديمة أم حادثة؟ هل هناك أحد منكم فقد عقله ويقول أنها قديمة؟ فليرفع يده ليُضرب. إنه كاللص في المولد، والله كاللص في المولد يُضرب. والله كل البشر سيقولون إنها حادثة، لم تكن موجودة قبل أمس، واليوم الحمد لله صنعنا لها إطارها. إنها حادثة، نعم. يعني أنت تقول إن الله حادث؟
قل له: ما هذا الغباء؟ هو نفس الشاب الذي لا يفهم يقول: ما هذا الغباء؟ ما علاقة اللفظ بالله؟ قلنا له: هذا اللفظ دال، عندما خرج من فمك لفظ "الله"، أهذا الدال ليس قديماً؟ هذا أنا ما زلت أذاكره الآن. طيب، والمدلول الذات العلية. ذو الجلال والإكرام، نعم، الذات العلية ذو الجلال والإكرام، هذا هو رب العالمين، هذا هو القديم الخالق. مفهومة تماماً الأشياء التي لدينا هنا دالة والمدلول، نعم،
يكون هنا المدلول هو القديم. عندما نظموا ذهنهم أن المصدر غير الأفراد، قَبِلَ عقلهم مباشرة فكرة الدال والمدلول، وقَبِلَ مباشرة. فكرة أن الكلام القائم بذاته قديم في حين أن الدال عليه حادث، وهكذا فإن الذهن يقبل بسرعة ولم نواجه إشكالات لأنه تعلم على هذا التجريد، وهو أن المصدر - هذا المصدر الذي هو الحدث الذي سميناه - مثل البيع
والأكل والشرب، غير الوجبات التي تأكلها، فهذه شيء وهذه شيء آخر. بيع عين. مشاهدة فجائز أن يكون البيع عقداً، والعقد له أركان، والأركان لها شروط. انظر عندما تشرح هكذا يا فتى ستصبح أستاذاً بهذا الشكل. أن تقول إن هذا البيع عقد، والعقد اتفاق إرادتين، فإذن له أركان. ما هي أركانه؟ طرفا العقد وشروطهما أن يكونا عاقلين بالغين مالكين إلى آخره. رقم واحد طرفا. العقد
رقم اثنين الإيجاب والقبول رقم ثلاثة الثمن والمثمن، مثمن نعم الثمن والمثمن نعم، فيكون لهم عبارة لطيفة هكذا يقول لك وأركانه ثلاثة إجمالاً ستة تفصيلاً. الثلاثة الإجمالية هم ماذا؟ الطرفان والقبول والصيغة، يطلقون عليها الصيغة ثم يطلقون عليها المحل الثمن والمثمن، فتكون ثلاثة أركان أهم إجمالاً في التفصيل. صار هذا اثنين وهذا اثنين وهذا اثنين فكم يكونون؟ ستة. اثنان
في ثلاثة بستة، ستة تفصيلاً وثلاثة إجمالاً عيناً. فيكون إذا وقع البيع بأحكامه التي سأذكرها هنا على عين، تكون هذه الوردة عيناً. لماذا سموها عيناً؟ لأنها مشاهدة بالعين، مشاهدة بالعين يعني شيء حسي، شيء ملموس. وعندما يكون معنا هكذا وما هو ملموس يُسمى عقداً. أخيراً، لا يكون معنا في البيع، فجئت وقلت: "أنا
لا أريد شراء الشقة، أنا أريد أن أسكن فيها وأنتفع بها لمدة شهر أو لمدة سنة". حسناً، ماذا يريد أن يقول؟ يريد أن يقول لي: "بِعْني الانتفاع". حسناً، هذا الانتفاع غير ملموس. بقاؤك فيها وتصرفك فيها كما تشاء هو الانتفاع، وبقاؤك فيها يعني كيف ألمسه؟ فأنت قد لا تأتي إلى هذه الشقة طوال الشهر، تستأجرها مني ولا تأتي إليها. فإذاً هو غير ملموس، قد أراك وأنت داخل إلى الشقة أو خارج منها، ذاهب إلى المطبخ أو إلى الحمام أو إلى غرفة النوم لتنام.
لا يمكن ذلك لكنها غير ملموسة، فغير الملموس هذا يكون لا يسمى بيعاً. سنسميه إذاً إيجاراً، فيكون الإيجار تبادلاً للمنفعة. بعض الناس يستعمل المجاز وليس الحقيقة. حقيقة البيع أنه على عين مشاهدة، أما المجاز فيقول لك بيع منفعة، نعم ولكن هذا هنا مجاز. بيع منفعة يعني تبادل، أنا سأعطيك. المنفعة وأنت تعطيني الإيجار الخاص بك، أما عندما تأتي لتحرر هذا الكلام فليس بيعاً حقيقياً، إنما هو
مجاز بيع عين مشاهدة، فهو جائز. ويذهبون ليبحثوا عن هذه الجملة "بيع جائز"، جملة ماذا؟ ما دليلها؟ يقول لك قوله تعالى: "وأحل الله البيع"، فإذاً كل شيء يجب أن يكون له دليل، الأمر ليس هكذا، أي بيع عين. مشاهدة فجائز هذا أول نوع من أنواع أو صورة من صور البيع وما دام فيها وهذا كان سبب أن سيدنا استعمل كلمة بيوع مكان بيع، وبيع شيء موصوف في الذمة فجائز إذا
وُجدت الصفة على ما وصف به موصوف في الذمة، يعني نحن هنا في المسجد ولسنا في الأجنس فقلت له: "والله عندي ذلك، هو اسمها سيارة بيجو سبعمائة وخمسة، ثلاثة آلاف وستة، أي سبعمائة وخمسة وأي ثلاثة آلاف وستة؟" وأي الكلام هذا؟ هو الكلام هذا. المصنع وهو ينتج يعمل كتالوجاً، والكتالوج يصف لك فيها من أساسها إلى رأسها. ما هذا الأساس؟ يعني ما الأساس؟ الذي هو الأساس،
الذي هو القدمين من الأساس إلى الرأس، يعني من (أ) إلى (ي)، معناها هكذا من الأساس إلى الرأس. هل يصح أن نقول من الرأس إلى الأساس؟ لا، لأنها وردت هكذا. يقولون لك في: أقبل عليه وأدبره ليلاً نهاراً، صيفاً شتاءً. لم يقل نهاراً ليلاً، يعني يكون نهارك غير جيد عندما... أنت تقلب اللغة، هي أشياء مسموعة تقول ليل نهار، احذر أن تقول نهار ليل. وهذه تفيد في أشياء أخرى، يعني العد الخاص بنا وبداية اليوم من أين. فيقول لك ليل نهار، أي من
الليل. فنحن اليوم في يوم الجمعة هذا، وليلة الجمعة القادمة هذه... لا، بل هي التي مضت والتي هي... بعد مغرب يوم الخميس، ما الذي جعلك تقول هكذا ليلًا ونهارًا؟ أي هذا التركيب المركّب، فيكون إذًا كل شيء له ما يلزمه. علينا أن نتأنى هكذا ونجعلك تتأنى وتتأنى لأن هذا يهيئك لفهم كلام الله. فأنت إن لم يكن معك هذا المفتاح، ستفهم الأمر بطريقة مختلفة، ستفهمه كما تقرأ الصحافة. ها هو كل شيء ممكن، وكله سذاجة، وكله مشاغبة، وكله بطيخ وبلوط. بطيخ في مصر وبلوط في لبنان. يقول لك: والله لا هذا ولا ذاك جاء، ولا بلوط في لبنان. هكذا في مصر يقولون ماذا؟
والله لا جاء ولا بطيخ. طيب لماذا البطيخ هنا والبلوط هناك؟ المنتشر، الشيء المنتشر يعني يتحدثون من البيئة، فإذا الموصوف... في الذمة هل طوّروه وعملوا له شيئًا اسمه الكتالوج؟ فعندما ذهبت أسأله، أجابني قائلًا: "والله لقد بعتها بالأمس، لكن هناك شحنة قادمة في الطريق". فسألته: "ما الذي سيأتيك؟" فأجاب: "سيأتيني ثلاثة آلاف وستة منها". فقلت له: "حسنًا، أين كتالوج هذا المنتج لأعرف قوته واحتياجاته وما إلى ذلك؟" أعطاني الكتالوج فقلت له أنا موافق، فكتبنا استمارة البيع والشراء واشترينا وهي غير موجودة،
فهي ليست عين المشاهدة، هي عين لكنها غائبة. أما عندما اشترينا على هذه الصفات فقد اشترينا ما هو موصوف في الذمة. ثم تطورنا في المؤولات وأصبح هناك شيء يسمى الرسومات، فعندما أذهب للشركة أقول لها أنا. أريد أن أشتري منك شقة، هل يمكنني أن أتفرج عليها؟ أتفرج على ماذا؟ نحن لم نبنِ بعد، هذه مجرد أرض. قلت لهم: حسناً، هكذا يكون فيه غرر. ما هذا؟ موصوف الذمة يا عم، الله يهديك. قلت لهم: أين الوصف إذن؟ آه، ويُخرج لي نموذجاً، ألف نموذج به. انظر، ستدخل من هنا وستجد صالة.
طولها كذا وعرضها كذا كأنها ذاهبة للقضاء لأنه في شباك هنا وفي شرفتها هنا، موصوفة في الذمة. بنيت العمارة وذهبت لأستلمها فوجدت لا صالة ولا شيء. ما دمنا في مصر إذاً، لم أجد الصفة هكذا، فيكون البيع غير جائز، ولي أن أسترد [مالي] كأنك أخذت مني أموالي من غير مقابل. لا يوجد عقد ولا شيء، متى تُحَل؟ عندما أجد الموصوفة في الذمة كما هو الموصوف في الذمة وجدته في الواقع، فيكون إذاً البيع رقم اثنين بيع موصوف في الذمة، فهو جائز إذا وُجِدَ الوصف على
ما كان عليه. هذا النوع الثاني نستعمله كثيراً في جميع السلع، كل سلع الثلاجات والغسالات. الأجهزة والسيارات التي لا نعرفها جميعها لها كتالوج أو لها مواصفات موجودة في الرسومات وفي البيع والشراء إلى آخره، وبيع عينٍ غائبة لم تشاهد ولم توصف، وهذا يسمونه الاكتفاء. كان ينبغي أن يقول ماذا؟ وبيع عينٍ غائبة لم تشاهد ولم توصف. لماذا لم يقل إذن
اكتفاءً بما... بالسياق والسباق وهذا جائز، فلا يجوز البيع هذا، لا لا يجوز لأنه فيه غرر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغرر، ففي الحديث نهى عن بيع الغرر أخرجه مسلم، فيصبح إذاً لكي تكون البيعة صحيحة إما أن تكون في عين مشاهدة حاضرة قادر على تسليمها مستوفٍ لأركان البيع. وشروطه، وإما أن تكون موصوفة في الذمة وأتى الوصف على ما كان عليه الاتفاق، وإما أن تكون على غير ذلك فيكون غرراً ويكون
باطلاً، فالغرر يبطل البيع. ذهبت إلى الجماعة الذين هم يفتحون على النيل أو على البحر في الإسكندرية وقالوا لي: "سنصنع لك شيئاً جميلاً". ما هو هذا الشيء؟ قال لي: سنرمي لك الشبكة، والذي يخرج منها هو الذي سنبيعه. سألتُ: كيف ستبيعه؟ بكم ستبيعه؟ يعني سترمي الشبكة ثم نرى ما يخرج منها، وبعدها نتحاسب، نزن ونرى كم سعر الكيلو وبكم تبيعه؟ قال: لا لا لا، إن الرمية بألف جنيه، سنرمي الشبكة وما يخرج
منها يخرج، ولو كانت قيمته بعشرة. آلاف جنيه، شيء بخمسة آلاف جنيه، حظك يا أبا بخيت. قلت له: "ما هذا؟ حظك يا أبا بخيت". إن الشعب الماليزي لا يعرف معنى "حظك يا أبا بخيت". ماذا يعني ذلك؟ يعني هكذا، يعني أشتري لك، وبعد ذلك اتصلت بالشيخ، اتصلت بالشيخ محمد والشيخ أشرف لأستفتي في هذه المسألة. نعم يا شيخ محمد، هل يصح هذا؟ قال لي: "والله لا يصح هذا، فهو كبيع السمك في الماء والطير في الهواء". وأسمعني الآية، وقال إنه لا يجوز بيع السمك في الماء والطير في الهواء. لا يصح. أقول لك:
انظر، انظر، انظر إلى سرب الحمام هذا. تقول لي: نعم، رأيته. ماذا؟ رأيك تشتريه بألف جنيه؟ قلت له: كيف أشتريه بألف جنيه؟ حسناً، أنت الآن غير قادر على التسليم. قال: لا، سأصطاده وأحضرهم لك. كم عددهم؟ لا أعرف، حظك أبو بخيت. وبعدها يذهب ويصطاد عصفورين منهم، وعصفورين مريضين، ويقول: ها هم هؤلاء بألف جنيه. فإذا كان هذا... الغرر هو تردد الأمر بين شيئين، أخوفهما أعظمهما. فعندما يأتون ما هي الحالة التي شرحناها هذه؟ قال: عندما يأتون ليعرفوها، يعرفونها بهذا الكلام. الغرر يعني تردد الأمر، والأمر هنا هو الحصول على هذا الطير،
بين شيئين: إما أن يفعلها أو لا يفعلها، غالباً هكذا. يبدو أنه سيتتبع الطيور التي في الهواء ويأتي بها إليه. كيف ذلك؟ إنها طيور تطير في الهواء، وأغلب الظن أنه لن يفعل ذلك. أخوفني أنني لن أخرج من المولد بشيء. تسعة وتسعون في المائة أنه لن يستطيع فعلها، وواحد في المائة لا أعرف كيف يمكنه أن يجمع الطيور. الذي في الهواء هذا ويأتي به، وبعد ذلك قمت وقلت له: "لا، دعنا من موضوع الشبكة هذا". قال لي: "حسنًا، لدينا أسلوب
آخر". قلت: "ما هو؟". قال لي: "انظر، البحر مليء بالسمك من خيرات الله، اختر ما تريده، أشر إلى السمكة هكذا بعود، وسأحضرها لك من الماء وأعدها لك". وسألته فقلت له: هذه عين المشاهدة، ليست مثل الثانية، وليست مثل هرمي الشبكة وبائعي الكابوكيط، هذه شيء آخر. نعم، يجوز هكذا، إذًا لابد أن تتصور المسألة في ذهنك لتعرف إن كانت جائزة أم لا. وبعد ذلك قال: "ويصح بيع كل طاهر منتفع به مملوك" فهذا... أريد كلاماً كثيراً فلنجعله للمرة
القادمة إن شاء الله، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.