المجلس الثمانون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين فصل والوقف جائز بثلاث شرائط والوقف له أسماء في الفقه الإسلامي منه الصدقة الجارية وسميت جارية لأن ثوابها يجري على الإنسان حياً وميتاً وهي واردة في الحديث النبوي من لفظ
سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: من عمل صالح، أو ابن يدعو له، أو صدقة جارية، علم ينتفع به". وأول العمل الصالح بالصدقة الجارية، ثم سماها المسلمون بعد ذلك بالوقف لأنك قد أوقفت. بيعها فلا تباع وشراؤها وهبتها والتنازل عنها واستبدالها والتصرف فيها وتوجيهها إلى غير ما أراد
الواقف، فوقفت على شرط واقفها، ولذلك سمّوها الوقف، وسمّاها بعضهم بالحبس لأنك أيضاً قد حبستها فلا تتصرف فيها بأي وجه من الوجوه، وتُجمع على أحباس، والوقف يُجمع على أوقاف، وهذا اللفظ في لغة العرب له جموع إلا أن الاستعمال قد اختار جموعاً دون جموع للدلالة على معانٍ مختلفة،
فالوقف نراه في القراءة في قراءة القرآن، أهل القرآن عندهم وقف قد يكون الوقف جائزاً وقد يكون ممنوعاً وقد يكون واجباً، وقد يكون الوصل أولى وقد يكون الوقف أولى، وقد يكون الوقف طيباً وهكذا، والوقف والابتداء فن. من فنون القراءة لأن المعنى يختلف وهذا يجمع على وقوف بالرغم أن الوقف هنا هو الوقف هنا في المعنى وقف
أي منع وقف أي سكن فلم يسر لكن هنا يجمع على أوقاف في عرف الاستعمال لا تقل في جمع الوقف الذي هو الحبس والصدقة الجارية لا تقل أوقاف لا تقل وقوف، لا تقل هذا، والوقف الذي هو في القرآن، لا تقل أوقاف بالرغم من أن اللغة تسمح بذلك في أصلها، لكن لما كان هذا في اصطلاح القراء وهذا في اصطلاح الفقهاء وجرى العمل على ذلك، أصبح أن هذا اللفظ له عموم بحسب الوضع وله خصوص بحسب الاستعمال. اكتب هذه القاعدة.
كانوا يسمونه العلم بالغلبة كالعقبة، فكل ما كان علماً بالغلبة له عموم بحسب الوضع. عقبة كلمة "عقبة" معناها ما يمنع سير الإنسان في الطريق، عقبة في الطريق، لكنها أُطلقت على عقبة السويس، خلاص صارت علماً عليها. لها عموم بحسب الوضع ثم ترى لها خصوص بحسب الاستعمال. دابة، دابة لها كل. ما يدب على الأرض فسيادتك
دابة، يعني ماذا دابة؟ يعني تدب على الأرض. سميتني شيخاً ولست بشيخ، إنما الشيخ من يدب دبيباً. أما في عرف أهل مصر فالدابة هي الحيوان وليس كل ما يدب على الأرض. كل ما يدب على الأرض معناها تدخل النملة وتدخل الحشرة ويدخل الإنسان ويدخل الحيوان. ويدخل كل ما يتحرك فيكون له عموم بحسب الوضع، ثم يطرأ له
خصوص بحسب ذلك، فهذا يسمونه الغلبة، يعني غلبت - غلب المعنى المستعمل على المعنى الأصيل اللغوي. فإن كان في الأعلام كالعقبة سُمي العلم بالغلبة، وإن كان بما نحن فيه سُمي الجمع بالغلبة، وهكذا. يبقى الغلبة معناها ماذا؟ أن يكون له... عمومًا بحسب الوضع فيأتي له خصوص بحسب الاستعمال. قال: والوقف جائز. يبقى إذا الوقف ليس حرامًا وليس فيه تعطيل لمصالح الناس وإهدار لأملاكهم أبدًا. الوقف جائز بثلاث
شرائط. ما الشرائط الثلاثة؟ كل شيء بشروطه: أن يكون مما ينتفع به مع بقاء عينه. إذًا لا يصح أن أحضر لك طبق تفاح وأقول. لقد أوقفتَ هذا عليك، ماذا أفعل به؟ إذا أكلته فلن يكون وقفاً لأن عينه لا تبقى وإنما ستُستهلك، فلا يصح وقف المستهلكات. يجب أن يكون الوقف شيئاً يبقى زمناً بعد زمن بعد زمن. ما الذي تكون صفته هكذا؟ الأرض والبستان والمبنى والعمارة. إذاً
فالعين مطابقة، فهل يجوز؟ هكذا أن نعدّ منها النقود، النقود الآن في البنك. أذهب إلى البنك وأقول له: يا بنك، أنا أريد أن أضع فيك مليون جنيه وأوقفها، والثمرة الخاصة بها، الربح الذي ستعطونني إياه، أوجهه لطلبة العلم بالأزهر الشريف. فالشافعية قالوا: لا، والمالكية قالوا: نعم، يمكن أن تفعل ذلك. لماذا يا جماعة؟ قالوا: لأنه عين وانتفعوا بها. وباقية
بعد عشر سنوات، ذهبت إلى البنك وقلت له: "انظر لي كم رصيدي عندك"، فقال لي: "لديك مليون". سألته: "هل تعطيني عائدها؟"، قال: "أعطيك عائدها كل سنة"، وجّهته إلى المكان الصحيح. قال: "وجّهته إلى المكان الصحيح". إذن التعريف موجود فيها. الشافعية نظروا إلى أن النقود تُستهلك، يعني لو أعطتك عشرة. لا يصح أن أقول لك خذ هذه العشرة جنيهات وقفاً، لأن معنى الوقف هو الحبس. وفي عصرنا ظهرت أشياء جديدة ومؤسسات تسمى البنوك، ظهر في عصرنا أن الأموال تُحجز فيها وتُحبس، وظهرت في العصر الحديث مع
الربح، فهذه صورة جديدة لم يكن يعرفها الشافعيون. القدماء لكن التعريف عليها بالضبط أن يكون مما ينتفع به المليون جنيه ينتفع به مع بقاء عينه، المليون جنيه بقي عينه، وأن يكون على أصل موجود وفرع لا ينقطع. شجرة الأصل موجود ها هو والفرع الخاص بها الثمرة، الشجرة والثمر ولا ينقطع، يبقى إذاً ممكن أن أعمل بستان فواكه
والفواكه أذهب لأبيعها وأجلب. أموال وأصرف على جهة الوقف التي أوقفتها، وأن لا يكون في محظور. فلا تأتي لتعمل مزرعة خنازير توقفها وتبيع نتاج الخنازير، لأن الخنازير محظورة ولا يصح ذلك. والوقف على ما شرط الواقف، لدرجة أن العلماء وضعوا قاعدة حتى يشددوا في هذا الأمر ويبينوا أهميته، وقالوا: نص الواقف. شرط الواقف كنص الشارع كأنه
فيه حديث أو آية، إنها أمر مهم جداً أن لا نتلاعب بشرط الواقف. الواقف قال: "أوقفت هذا على جهة الخير هذه". مات الرجل ومات أحفاده، فنُبقيها كما هي على شرط الواقف. تهاون بعض الحكام عندنا في هذا، ووضعنا نحن قوانين الوقف لضبطه وللاستفادة منه. منه وإدارته وكذلك وضعناها في سنة ألف وتسع مئة ستة وأربعين والذي وضع هذا القانون كان الشيخ فرج
السنهوري رحمه الله تعالى، والشيخ فرج كان من كبار علماء الأزهر وكان يدرس في كلية الحقوق، وكان من أساتذة الشيخ محمد أبو زهرة. الشيخ فرج السنهوري وضع القانون ووضع له لائحة تنفيذية. جيدة وشرحه وظل القانون يعمل ثم جاءت فترة تجرؤوا فيها على الأوقاف وصدر نحو واحد وعشرين قانوناً يغير في ملامح ما كتبه الشيخ السنهوري في ستة وأربعين. قانون آخر كرّ على القانون الأول
بالتقييد والتعطيل فعزف الناس. هذه هي الخطورة التي يراها الفقهاء ولم يرها هذا الحاكم الذي أحدث البلوى. لذلك عزف الناس عن الوقف ولم يعودوا يوقفون، يقول لك: "لا يا سيدي، الدولة ستأخذها". وبما أن الأمر كذلك، ثم بعد ذلك بدأ الناس يستيقظون ويرون أن هذا ضرر على المجتمع، وبدأوا يعودون مرة أخرى لإلغاء هذه القوانين العشرين أو الواحد والعشرين حتى يعود القانون مرة أخرى إلى حالته الأولى. وقد كان ثمّ أنشؤوا ما يُسمى بهيئة الأوقاف تُدير هذه الأوقاف وتحميها وتُدافع
عنها وتُحسن استثمارها وتتاجر بها وتستفيد منها وتوجهها إلى أفعال الخير، وبدأ أناس في إنشاء ما يُسمى بالحسابات الاستثمارية الحديثة حتى تكون مُعبّرة عن الصدقة الجارية أو عن الأوقاف، فتأخذ حكمها في الشرع من عدم جواز الإخلال بشرط. الواقف في شرط الواقف: رأينا عبر القرون أن الدنيا تتغير، فمثلاً أكون
قد أوقفت قطعة أرض فيأتي طريق يمر بهذه الأرض فتضيع. فأنشؤوا ما يسمى بالاستبدال، قالوا: من الذي أخذها؟ من الذي أخذ هذه الأرض ليجعلها طريقاً؟ الحاكم. قلت له: يا حاكم، أنت أخذت وقفاً، لابد أن تجعل مكاناً مثله تماماً. أتحدث عن الأوقاف حتى يستمر الوقف في العطاء. قال: "أنا أفعل هذا لمصلحة المسلمين". قلت له: "هذا أيضاً لمصلحة المسلمين فسمّوه استبدالاً". إذن الاستبدال جائز، ولكن لا
بد أن يعطيني قطعة أرض مماثلة أو أكبر منها. لا مانع أن تكون أكبر منها، لكن على الأقل أن تكون مساوية ولا يعطيني نصفها. فأصبح هناك فكرة الالتزام بالوقف لمصلحة الوقف ومصلحة المستفيد، ومن أجل هذا والتزاماً بشروط الواقف نلتزم بالتقديم وبالتأخير وبالتسوية وبالتفضيل وبالتفصيل وبالاستبدال وما إلى ذلك، يسمونها الشروط العشرة. الشروط
التي في الآية العاشرة، فهناك إذاً فقه كبير لإدارة هذا المال المحبوس أو الموقوف، أي الجاري كصدقة جارية من أجل الله، وبإذن الله. ينزل ليقبض منا الغلة الخاصة بهذه الأشياء، قال: لا، كلما كان لدينا في الشريعة شيء لله فهذا حق الله، أي أنه للمجتمع بالتعبير الحديث، نحن نسميه لله. فعندما جاء علم الاجتماع - وعلم الاجتماع لا يعرف ربنا ولا يعرف شيئاً - سماه للمجتمع،
وهو في الحقيقة لله. ماذا يعني لله؟ سأشرح. هكذا لأجل رجاء ثواب الله في الآخرة، إنما النفع ذاهب لمن؟ للناس الذين سمّوهم المجتمع. فتنتبه أن كلمة المجتمع تُغَبِّش على كلمة الله. نعم، انتبه أنه لو كنت تعرف علم الاجتماع، ماذا يُقصد بالمجتمع عندهم؟ عندنا اسمه ماذا؟ الله، والله يعني. ماذا يعني شيء لوجه الله نفعله لخدمة الناس للتخفيف عن آلامهم لحل مشكلتهم لتعليمهم لصحتهم لتكافلهم الاجتماعي وهكذا؟
وهو على ما شرط الواقف من تقديم أو تأخير أو تسوية أو تفضيل إلى آخر ما هنالك من الشروط. الآية العاشرة وهكذا نكون قد أخذنا فكرة عن ماذا؟ عن الوقف لأجل... عندما ندعو إلى الوقف، يُبادر الناس لأن هناك صوراً حديثة ولأن هناك هيئات أصبحت تدير هذا الوقف حتى لا يضيع، حتى لا ينتهي، حتى لا يُؤخذ في هدف آخر، وحتى نراعي شرط الواقف جزاه الله خيراً عما أوقف.
دليل هذا ما كان من نصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسلم وبعض الصحابة في فدك في خيبر فإنه قد أوقفها لله ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيد هذا العمل الصالح الذي بُنِيَت عليه الحضارة الإسلامية، بُنِيَت به المساجد والجامعات والمدارس، كُتِبَت به الكتب. كان هناك من الأوقاف أوقاف
غريبة عجيبة، من ضمنها كان وقف لمساقي الكلاب، مسقى الكلاب يضعون فيه. المياه لأجل الكلب المسكين الذي في الطريق كي لا يعطش، لأنه دخل رجل الجنة بسبب كلب وجده عطشان فقال: "قد بلغ العطش به ما بلغ به"، فأتى بماء من بئر فأدخله الله به الجنة. فذهبوا وأنشأوا وقفاً لسقاية الكلاب، كان هناك وقف للغلال كان موجوداً أمامكم مقابل الأزهر مباشرة. في مسجد إذا نظرت إلى الأعلى تجد فوق الدكاكين أبو ذهب محمد أبو الذهب، فقد صنع أربع صوامع للغلال يضع فيها القمح حتى
تأكل طيور السماء. انظر كيف أن الحضارة الإسلامية راعت الكلاب وراعت القطط وراعت المرضى في المستشفيات وراعت العلم وراعت كل الحضارة وكل العلوم ألف. اكتشاف واكتشاف اكتشفها المسلمون هذا عنوان كتاب واختراعها ألف اختراع واختراع من أين من الحضارة الإسلامية