المجلس الحادي والثلاثون من شرح متن الغاية والتقريب | أ د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: وفرائضها ثلاثة - يعني فرائض صلاة الجمعة ثلاثة - صلاة كما قلنا مخصوصة، فلها فرائض تزيد على سائر الصلوات. خطبتان، سائر
الصلوات لا خطبتان في صلاة الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر؟ أبدًا، نصليها بدون خطبتين قبلها ولا خطبتين بعدها، لكن لو جئنا واجتمعنا في يوم الجمعة وأردنا أن نصلي الجمعة ركعتين بدون خطبتين، فلا يجوز، والصلاة باطلة، لأن فرائضها ثلاثة: خطبتان يقوم فيهما - يعني مع القدرة - يقوم جلس لا
يصح، ويجلس بينهما، فلو جعلهما خطبة واحدة لا يصح، فيجب أن تكون خطبتين ويكونا قبل الصلاة، يقوم فيهما ويجلس بينهما، وأن تُصلى ركعتين. افترض أن بعض إخواننا قال إنه يريد أن يعبد ربنا أكثر، فألقى الخطبتين وكل شيء في أمانة الله، ثم نزل وصلى بالناس أربعاً، هذا لا بد أن فرائضها تكون ركعتين في
جماعة، وهيئاتها أربع خصال. الهيئة التي من الخارج هكذا، والتي ليست فرائض، يعني لو تُركت لا يحدث شيء والصلاة صحيحة. الغسل هذه هيئة قبلها، أي أن السنة أنك قبل أن تأتي إلى المسجد تغتسل، حتى أن هناك أناس يغتسلون في الأسبوع. والعياذ بالله مرة واحدة، لماذا؟ لأن يوم الجمعة يكون ذلك شيئًا حسنًا وتنظيف الجسد ولبس الثياب البيضاء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أغلب ما يلبس كان يلبس البياض، لكنه لبس في الحِلَّة
الحمراء، ما رأيت أبدع منها صلى الله عليه وسلم، ولبس السواد كذلك، ولبس الوَبَر لكن... غالباً ما كان يلبس اللون الأبيض ويأخذ المقص ليقص أظافره، وهو نوع من أنواع الأناقة، وذلك لأن هذا يوم عيدهم في السماء. والطيب أن تضع طيباً مثل المسك أو أي شيء كالورد الطائفي أو غير الطائفي، فلا يضر شيئاً. ويُستحب الإنصات في وقت الخطبة، والإنصات يعني المتابعة لتعرف ما يقوله فأنت اليوم سمعت
الشيخ وهو يقول: "يا إخواننا، علق قلبك بالله ودع عنك كثرة الكلام وعدم الثقة، وقل يا رب يا رب". كانت الخطبة هكذا: "قل يا رب، فربنا سبحانه وتعالى سيكرمك ويرزقك من حيث لا تحتسب". أول ما سمعت الشيخ يقول دع عنك هذا الكلام وعلق قلبك بالله، بدأت ما هو الدين الذي عليك؟ هل أنت منتبه؟ وهل تعلم أن الزيت قد ارتفع سعره والأرز قد تم إعداده؟ جلست تفكر وضعت من الشيخ، ضعت من الشيخ، فتكون قد تركت أمراً مستحباً. يُستحب الإنصات. ماذا يقول هو؟ كيف يرتب الكلام؟ كم فكرة طرح في الخطبة؟
بأي آيات استدل؟ بأي حديث؟ معه التركيز، معه وهو مستحم. طيب، رجل جالس في آخر المسجد لا يسمع ولا يفهم شيئاً. ثم بعد ذلك، عندما انتهى، سألته: "ماذا كان الشيخ يقول اليوم؟" فقال: "والله لا أعرف، لقد حضرت". قال: "والله حضرت". صلاته تكون صحيحة، تكون صحيحة، لكنه سيحصل على ثواب كبير لأنه كان حاضراً. ماذا يجب أن تركز وتنتبه؟ ويستحب الإنصات في وقت الخطبة، ومن دخل متأخرًا - والعياذ بالله - والإمام يخطب على المنبر يشرح ويقول ويبلغ رسالته، وهذا صاحبنا ما زال
داخلًا، ماذا يفعل هذا؟ أيجلس لكي يستمع إلى الموعظة، أم ماذا يفعل؟ يصلي ركعتين خفيفتين، يعني ليست الأولى بسورة البقرة والثانية... يقول عمران أنه صلى ركعتين خفيفتين هكذا، هو قرأ سورة "ألم" (الم). أتعلم؟ يكون قد صلى. فعند الإمام الشافعي أن من دخل والإمام يخطب يصلي، مستدلاً بحديث أخرجه بعد ذلك البخاري اسمه حديث سليك الغطفاني. كان سليك الغطفاني رجلاً فقيراً من غطفان في البادية، يأتي كل فترة هكذا في... المدينة، فالنبي عليه الصلاة والسلام وهو يخطب، سيدنا سليك دخل
فجلس، فقال له النبي: "يا سليك، هلا صليت ركعتين". أين تحية المسجد؟ أنت عندما تدخل المسجد، تحية المسجد ركعتان، فقم يا سليك لتصلي ركعتين. امتثل سيدنا سليك طبعاً لكلام سيدنا على الفور وقام فصلى ركعتين، وأكمل سماع الخطبة من سيدنا. فالإمام الشافعي قال إنه يكون إذا الذي يأتي متأخراً يصلي ركعتين لأمر سيدنا الرسول لسليك أنه يا سليك هلا حييت بأداء ركعتين هكذا. سيدنا الإمام مالك قال لكن يا إخواننا عندي مشكلة، قلنا
له ما هي؟ قال إن ولا واحد من الذين رأيناهم من أبناء الصحابة كانوا عندما يأتون متأخرين. يصلي ركعتين أو واحدة، وهذا معناه أنهم رأوا آباءهم يفعلون هكذا، وهذا معناه أنه لا توجد ركعتان. قلنا له: "أحاديث سليك"، يعني لا تشكك سيادتك فيها. قال: "لا أبداً، حديث سليك صحيح". والله ماذا نفعل يعني؟ كيف نفهمها إذاً؟ حديث سليك صحيح. قال: "كان صعلوكاً"، صعلوك يعني ما... ليس معه مال، يقف على باب الله هكذا، فأراد النبي أن ينبه من يعطيه شيئاً إليه. هو لا
يريد أن يُحرجه أو لا يريد أن يقول: "لقد أصبحنا إخواناً، فُرجت، وها قد جاء". فحبيبنا صلى الله عليه وسلم مراعاةً لنفسه انطلق، ويريد أن ينبه الناس أنه قد جاء، لأن الناس كل الذي يدخل فيستلقي داخلاً يمكن أن الناس لا تنتبه له، هذا يدخر لنفسه مكيال غلة، وهذا يدخر لنفسه كيسين أو ثلاثة، وهذا يدخر لنفسه شيئاً للأطفال وينتظرون سيدك حتى يأتي ويعطيها له هدايا، فيذهب إلى المكان الذي هو فيه ومعها هدية المدينة. حسناً، هؤلاء الناس إذا لم يروا سيدك بعضها، وذهبت. ستظل هذه الأشياء عندها. فالنبي
صلى الله عليه وسلم رأفة بهم وبسليك قال له: "يا سليك، هلا حييت الله"، يعني هيا أرنا نفسك هكذا يا سليك، قم هكذا دع الناس يرونك. فالناس كلها عرفت أن سليكاً وصل وأنه موجود. الذي أنهى الصلاة من هنا يذهب مسرعاً إلى البيت. يُحضر له هدية الإمام الشافعي، فلم تُعجبه، فقال له: "يعني يا سليكة، هل حياة الله؟ ونحن بحثنا عنه حتى وجدناه، وبعد ذلك تقول لي: 'الأصل أنه كان صعلوكاً، ولأن فيها تخيلك هذا'". فضيلة الإمام مالك قال: "أنا غير موافق عليه، فالنبي يوجِّه". للأمة كلها أن الذي تأخر أيضاً يصلي. هذا هو النزاع بين
السادة إلى الأمة، فعند الإمام مالك لو دخلت تجلس على الفور، بينما عند الإمام الشافعي لا، بل تصلي ركعتين. لماذا؟ لأجل حديث سليك. وحديث سليك ينكره المالكية أو يفهمونه فهماً آخر، يفهمونه فهماً مختلفاً. ثم يجلس بعدما يصلي ركعتين، ويبدأ في الاستماع للإمام. فصل وصلات العيدين سنة مؤكدة، فهذا نجعله في المرات القادمة لأننا دخلنا هكذا في العيد. نعم، يكون هناك شيء قد انتهى، إما الأيام العشرة من ذي الحجة وإما رمضان، فنتوقف عند هذا.