المجلس الحادي والستون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: فصل، والحجر على ستة، يعني إما ستة أصناف عليها الحجر، أو يعني أن الحجر على ستة أنواع لكل. صنف نوع الصبي: أول واحد من الستة. والصبي علة الحجر فيه
أنه لا يملك رشادة التصرف. ويظل الصبي صبياً حتى يخرج من نطاق الطفولة. ونطاق الطفولة عند جماهير العلماء مرتبط بالبلوغ، لأنها علامة طبيعية وقدرة جسدية لمسألة الزواج عند الرجل وعند المرأة، أو عند الفتى وعند الفتاة، وبعد أن تطورت. الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة وعدتنا ألا نعيش أمسنا في يومنا ولا يومنا في غدنا. رأى أهل
الفكر في الأرض أن يجعلوا نهاية الطفولة ثمانية عشر سنة فحددوها، وهذا يؤذن بتخلف عقلية البشر. يعني البشر كانوا أذكى وأكثر نضجاً لأنهم كانوا إذا بلغ أحدهم بلغ معه قدرته على تصريف شؤون الحياة، من تسطيح التعليم ومن ميوعة التربية ومن قلة الديانة أصبح الشخص يصل إلى ثمانية عشر سنة ولا يزال كالأبله. فمراد الشرع الرشادة في التصرف، فلما
تتبعنا الأمر في ذلك والله أعلم بما هنالك وافقناه، رأينا أن في تحريك هذا تحقيقًا لمراد الشرع. فالذي في كتب الفقهاء الموروثة أنه آخرنا خمسة. والذي في دستور البلاد كلها في العالم أن آخرنا ثمانية عشر، يعني قبل ثمانية عشر يكون طفلاً، بعد ثمانية عشر يصبح ليس طفلاً، يدخل في دور يُسمى بالشباب. في العالم ينتهي الشباب عند الثلاثين، في
مصر نصّ الدستور على خمسة وثلاثين، ولا تعليق، لا تعليق كي لا تُؤخَذ علينا. إنما يعني الثلاثون أحلى وأفضل من الخمسة والثلاثين طبعًا، الذي هو ما بين ثلاثين وخمسة وثلاثين فرحٌ بأنه ما زال شابًا. نعم يا حبيبي، أنت شاب في الدستور فقط، ولكنك خرجت من الشباب إلى الكهولة. ووزارة الشباب تعني حتى تخدم أكبر قدر من الناس حرّكت السن من خمسة وثلاثين التي فيها في الدستور إلى أربعين، فيُعَدُّ ما تحت الأربعين شباباً، والكهولة
تبدأ من أربعين. حتى إذا بلغ أربعين - ماذا تقول الآية؟ - "حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي"، يعني النضج بدأ هنا، لكن هذا هو النضج التام. الذي سنُطبّق عليه هذه الأحكام هم من هم دون الثامنة عشرة. القانون المصري يسير على ثمانية عشر عاماً بالسنة الشمسية. البعض يفكرون ويخططون لجعلها ثمانية عشر بالسنة الهجرية حتى تصبح أقل قليلاً.
أحد عشر يوماً في ثمانية عشر عاماً تصنع مائة وثمانية وتسعين يوماً، أي نصف سنة، من أجل بعض يتظاهرون بالغباء ويرتكبون جرائم فيُحاكمون كأحداث حيث لا توجد العقوبة الجنائية الكاملة، فيفكرون هكذا في كل حين. وهناك من يقول: ما رأيكم أن نجعلها ثمانية عشر سنة، لماذا؟ لأجل العلم، يعني الذي نحن نعيش فيه، ولكن نجعلها بالقمر وليس بالشمس أو بطريقة أخرى للتفكير، لكننا حتى الآن نسير وفق حساب أصبح بالغاً ويخرج من حالة الحجر عليه، وعندما أذهب لأفتح حساباً في البنك لمن هو دون هذا السن، سن الطفولة، فيقول لي:
لا بد من وصي، الوصي هو القائم بالحجر، والحجر يعني منع التصرف، أي أنه لا يستطيع أن يستقل بالتصرف، فالحجر عليه يعني منعه من التصرف، فأول نوع هو. من هو الصبي الذي له وصي، ووصيه هو وليه الطبيعي وهو أبوه، فيكون هو الذي يتولى شؤونه حتى يبلغ مبلغ الرجال أو النساء، ويعطيه هذا الأمر. كلمة "مبلغ الرجال والنساء" كما رأينا في الفقه الإسلامي هي أمر مرتبط بالبلوغ: الحيض عند البنت والاحتلام عند الولد، لكن في...
الوضع الآن أن الطفل يكمل ثمانية عشر عامًا ونمنعه من التصرف حتى لا يضيع أمواله. وهذا الصبي أيضًا على درجات، فسبع سنوات يُسمى قبل سن التمييز. هذا أيضًا كان في الماضي، أما اليوم فمع الإلكترونيات وغيرها، تجد الطفل الذي يبلغ ثلاث سنوات يلعب بالهاتف المحمول أفضل منك ويلعب ألعابًا أمرٌ حسناً، هذا ليس مميزاً، فلقد قال لك سبع سنين والثاني اثنتي عشرة سنة في الدرجة الثانية، والثالث عندما المراهقة، أي قارب على البلوغ. لدينا المراهقة الآن أصبحت فوق الثمانية
عشر إلى أن يصل إلى خمسة وعشرين، أما قديماً فالمراهق هو من لم يبلغ بعد ولكنه سيصل قريباً. للبلوغ اليوم وغداً، يعني مراهق البلوغ، فتكون الدنيا قد تغيرت حتى في تلقي الإنسان للتعليم وللتربية. الصنف الثاني قال: والمجنون، يكون الصنف الأول الصبي، يكون المجنون عليه حجر أيضاً، عليه حجر. سنحجر على المجنون لأنه مجنون، والمجنون يتبع كلام الناس أنه من
فقد إدراك الزمان أو المكان أو الأشخاص أو فقد الكل فيصبح اسمه الجنون المطبق. يفتح في الصباح فيجد الرجل الذي يبيع اللبن - كان قديماً يمر رجل اللبن هكذا بالتقسيط ويعبئ (اللبن) - لا أعرف إن كان موجوداً الآن أم لا، يبدو أنه غير موجود. فيقوم بالحديث معه في فلسفة نيتشه. هل هذا الرجل المسكين يعرف فلسفة في الواقع، هو لا يعرف ولا سمع عنه، ثم يذهب إلى الجامعة ليحدثه عن فوائد اللبن للأطفال. نعم، هذا لديه خلل. أين نحن يا سيدي؟ الطقس صيف وهو يرتعش هكذا، يقول لك:
"أنا أشعر بالبرد"، كأن الدنيا شتاء وهو طرزان في جزيرة يشعر بالبرودة. هذا يعني أن هناك خللاً ما. نحن في النهار يقول لك في الليل، ونحن في الليل يقول لك في النهار، فيكون هناك خلل. أيُّ خلل؟ الجهات الأربع التي نحفظها هي: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. عدم إدراك واحدة من هذه يُعدّ نوعًا من أنواع الجنون. لو كان فقدان الإدراك للأربعة مجتمعة، فيكون مجنونًا تمامًا، ولكن على كلٍّ... حال هذا الشخص غير رشيد ويسميه الشرع الشريف نوعاً من أنواع السفه؛ سفيه. "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل
الله لكم قياماً". يعني إذا كان هذا محتاجاً إلى وصي يدير أمواله، فيُفرض عليه الحَجْر. كلمة "الحجر" في اللغة العربية كلمة لها معانٍ كثيرة، فهذه المادة الحاء والجيم والراء منها. ركبتُ فرساً وطفتُ البيت خلف الحِجر، أتيتُ حجراً عظيماً، لا أقول الحجرَ لله، حجرٌ على ما دخلتُ الحِجر. ما هذا الكلام؟ حجرٌ هنا "ركبتُ
حجراً" يعني فرساً، وطفتُ البيت خلف الحِجر الذي هو حِجر سيدنا إسماعيل، لله حِجرٌ الذي هو حِجر الجماعة الذين تعذبوا هؤلاء، حسناً لا أقول الحجر. يكون الكذب يكون الحِجْر معناه الكذب لله حِجْر علي، لا أقول الحَجَر، حِجْر علي يعني يسمونه بالإنجليزية تابو، يعني الدائرة المقدسة التي لا ينبغي أن تخترقها، وهي دائرة الحلال والحرام، يعني الواجب لا تتركوه والحرام لا تفعلوه، ولكن هنا لدينا بفتح
الحِجْر لأنه هذا. مصدر والمصدر هذا، لكنه نفس الآية، نفس المادة. والسفيه المبذر لماله، مبذر لماله، ماذا يعني؟ وماذا يعني سفيه؟ حسناً، هناك أشياء يفعلها بعضهم لا يقبلها البعض الآخر. في العطور مثلاً، تجد درهماً من العود الكمبودي بثلاثة آلاف ريال سعودي. الله! أمجنون أنت لتشتري؟ خاصّتها هكذا هو درهم، أي ثلاثة جرام وتمر، ثلاثة جرام وتمر. مشترٍ ثلاثة
جرام عود بثلاثة آلاف ريال سعودي، أي بتسعمائة دولار، أي بخمسة وأربعين ألف جنيه. فيقوم بعضهم ويقول لك هذا سفه، يعني يذهب ويشتري شيئاً بخمسة وأربعين ألف جنيه، إن شاء الله محط عطره إن. ما شاء الله، حتى أصبح الأمر مقبولاً ومعفواً عنه. وبعد ذلك، هو معه ربنا ورزقه، فلماذا لا يجلب ما يريد؟ هذا يعني أن الأرقام لن تنفع في تحديد السفه من عدمه. من الممكن أن يرتدي شخص حذاءً - والعياذ بالله تعالى
- بتسعين ألف جنيه، ونظارة تكون مثلاً من نوع وهو يرتديها، لا إله إلا الله، وشخص ينزل إلى العتبة ليشتري نظارة بثلاثة جنيهات أو أربعة، يزيدونها إلى خمسة، وكلها متشابهة. أليس سفيهاً ذلك الذي يرتدي الماركة بمائة وعشرة جنيهات، وأصبحت الآن بمائة وستين جنيهاً بعد ارتفاع الأسعار، سواء كان معه المال أم لم يكن معه، أليس سفيهاً؟ ماذا يعمل هذا الرجل الذي يرتدي هذه الأشياء؟ أهو وزير؟ حسناً، وزير أدب! إذاً هو مدني. حسناً، هل هو مَدين بسبب شعره؟ نعم، إذاً هو
مدني ويستحق الضرب أيضاً. ماذا يعني أن تضع نظارة شمسية على وجهك وأنت مَدين؟ أتأخذ أموال الناس وتلبس بها نظارات لتتباهى بها؟ إن هذا التباهي... ما الذي سيجلبه لنا هذا؟ ما معنى التفاخر؟ يعني أنك تنفق أكثر من قدرتك على ما ليس لك، هذه ليست حاجتك. إذًا تحديد السفاهة أمر نسبي، هذه النقطة الأولى. فالمديون أو الفقير أو محدود الدخل عندما ينظر إلى الطبقات التي هي أعلى منه ويتهم من هو مثقل بالديون بناءً... على التفاخر يكون
سفيهاً، فالمسألة ليست محددة بأرقام بل محددة بتصرف يوصف أو لا يوصف. عندما ندخل لنشتري شيئاً أو نفعل شيئاً أو غير ذلك، نعطي ما يتيسر، والذي يأتي في النصيب. أي الذي يأتي في هيكل السيارة، لا يوجد أحد. مات ولم يُصَب أحد، الحمد لله. يقول لك الذي يأتي بالريش يصبح شيشاً. فكم كنا قديماً نعطي خمسة صاغ أو عشرة صاغ. هذا ليس أبي، بل أنا الذي كنت أعطي خمسة صاغ، ونذهب لنأخذ الخمسة صاغ من الخزانة المصرية في
ضريح سعد، والعشرة والأربعين جداً جميلين هكذا. لماذا نعطيهم إذن ستة للناس بعد ذلك؟ خمسة ماتت، انتقلت إلى رحمة الله تعالى، التي هي الخمسة صاغ هذه، والعشرة صاغ ماتت. أصبحنا نعطي ربع جنيه، مات. أصبحنا نعطي جنيهاً، مات. أصبحنا نعطي خمسة جنيهات، مات الله. حسناً، وبعد ذلك؟ وأنا صاعد المصعد أكون معي نقود هكذا، أخرج منها وأعطي. كم تعطي الرجل الآن؟ يعني مائة جنيه، والله يستر ولا تمت. أهو الموت علينا حق. انتظاره
لي يساوي مائة جنيه تقريباً؟ لا، آكل مئات بكم؟ بعشرة آلاف جنيه. ما علي إلا أن أخرج العشرة آلاف جنيه وأضعها في يد الرجل صاحب المصعد. سفيه، على طول. هذا لا يصلح. انقضى عليه عمل الناس، فآخر ما نقدمه ورقة ننتزعها هكذا من العلبة ونعطيها له، وتصبح أنت رجلاً من وجهاء الخلق. لكن عندما تعطيه عشرة آلاف مباشرةً، فهذا رجل معي فيه مشكلة. أحمد لاحظ أنني فعلت هذا التصرف، فقام بالإبلاغ عني. هذا الشخص يحتاج إلى من يكون وصياً عليه لأنه سفيه. لماذا؟ لأنه
لم يكن رشيداً في التصرف. هؤلاء هم الآيات الثلاثة الذين يُحجر عليهم من الستة: الصبي، والمجنون، والسفيه المبذر لماله على الدوام. حسناً، من أين أحضر له الحاجر الذي يحجر عليه؟ بالقاضي. حسناً، هل يمكننا أن نجتمع كعائلة ونقول: لا، هذا سيضيعنا، فنعمل؟ لا ينفع، لأنه يمكن أن نظرك فيها يختلف. كان الله يرحمه محمود عبد الحليم. محمود عبد الحليم محمود هذا اسم شيخ الإسلام وشيخ الأزهر الذي هو الإمام الأكبر، وفي ذات الوقت نفسه كان اسم
أحد الأثرياء الأتقياء الأنقياء. كان اسمه عبد الحليم محمود مجاهد. عبد الحليم محمود. عبد الحليم محمود مجاهد. فيبقى خلاف مَن شيخ؟ كان الشخص منجذباً نحو الطريقة الشاذلية، فذهب ورأى ضريح سيدي ابن عطاء الله السكندري. وفي الحقيقة، لم يكن لديه أبناء ذكور بل كان لديه بنات، فقام ببناء ضريح على قبر سيدي ابن عطاء الله السكندري وبنى المسجد الذي ترونه الآن، وإذا ذهبتم إليه ستجدون هناك مسجداً وبنى بجانبه. بجانب سيدي ابن عطاء رضي الله تعالى عنه مدفن
لعبد الحليم محمود. بنى مدفناً لمن؟ يقصد شيخ الإسلام. كان شيخ الإسلام يحبه وهو يحب شيخ الإسلام، فقال له: أنت تأتي لتُدفن بجانب حبيبك ابن عطاء الله. عندما انتقل سيدنا الشيخ عبد الحليم محمود إلى رحمة الله، كانت هناك ظروف للترتيب. دفنوا جثمانه في البلدة، فأصبح القبر الذي أُعد من أجل أن يستقبله فارغاً. الرجل المحسن عبد الحليم محمود مجاهد رأى القبر الذي بناه فارغاً، فقال: "هذا قدر الله هكذا، فلأُدفن أنا فيه". فدُفن فيه، وكانت
هذه جائزة من عند ربنا أن يجاور مَن؟ سيدي ابن عطاء الذي خدمه. ببناء هذا المسجد، فهو ليس لديه ولد، لديه بنات أو بنت بالمعنى الصحيح. ذهب أخوه الذي سيكون وارثًا - يا وارث من سيرثك - ورفع عليه قضية سفه، فالقاضي كلّمه، وأخذ الأخ يتكلم، فقال له: "أتتصور يا حضرة القاضي أن سفاهة أخي عبد الحليم بلغت أنه يذهب ليبني مسجدًا في قلحاء بجوار سيدي
ابن عطاء، فالقاضي لم يعجبه الكلام فقال له: "أعد الكلام مرة أخرى هكذا. ماذا بنى؟ بنى قبراً؟" قال له: "لا يا حضرة القاضي، أقول لك مسجداً والعياذ بالله". قال له: "بنى مسجداً؟! والعوض عليك أنت وهو خارجاً"، وحكم لمصلحة سيدنا الشيخ عبد الحليم محمود مجاهد رضي الله عنه ورضي الله عنه ضد أخيه، حسناً، وأخوه هو ذاهب هو والمحامي الخاص به. نعم، أتتذكرون هذا؟ سفاهة يا بني! لماذا؟ بالملايين! لقد أنفق ملايين. لستُ أنا أولى بها، لا، لستَ أنت أولى بها. سيدي ابن العطاء أولى
بها. وكتب الحكم على دير، المسجد هكذا. هذه مكلفة جداً التي ملايين، فهذا سفه أم ليس سفهاً؟ يقول لنا هكذا. ضحكنا لما قال - والعياذ بالله - بنى مسجداً يعني ليس سفيهاً. وحضرة القاضي فهم أنه ليس سفيهاً، والمسلمون الذين يذهبون لزيارة عبد الحليم محمود المجاهد ويقرؤون له الفاتحة ويدعون له أن ربنا يكرمه، يرونه ليس سفيهاً لأن المسجد مؤسسة عظيمة من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة، بنى الله له به مسجداً في الجنة ومنزلاً. نحن نراه مسافة لأننا مؤمنون بالله ورسوله وبأولياء
الله، ومؤمنون هكذا. وما زال هذا المسجد باقياً في الدنيا هناك، وتحولت الأحوال وأصبح هذا المسجد منارة في العالم. هذا خرج من السفه والعياذ بالله. إن السفه نسبي وله وجهات نظر، لكن لا بد علينا أن نرى إلى أين تتجه الأمور. والمفلس الذي أثقلته الديون ظل ينفق وينفق إلى أن أثقلته الديون، فأصبح مفلساً. المفلس يعني أن ما معه من مال وأصول من نقدية وأصول لا يكفي لسداد الدين، هذا هو معنى
الدين. المُغرق في الديون تكون ديونه أكثر من ملكيته، وفي هذه الحالة نضع أيدينا عليه حتى لا يتصرف. حدث هذا مع سيدنا معاذ حيث أثقلته الديون، فالنبي عليه الصلاة والسلام حجر عليه، أصدر حكمًا بالحجر على سيدنا معاذ، وأتى بماله وباعه وقسّمه قسمة غرماء. ماذا تعني قسمة الغرماء؟ تعالوا يا أبناء. الذي له شيء عند معاذ فليأتِ إليّ هنا. قام خمسة ستة. لك كم ألف؟
وأنت ألفان، وهذا ثلاثة، وهذا أربعة، فيصبحون عشرة آلاف. باع الشيء بالمزاد فجلبت خمسة. قال: كل واحد الآن ليقف في الصف حتى نوفي له دينه. هذا له كم ألف؟ خذ خمسمائة، فهي قد جلبت. خمسة آلاف فقط والديون عشرة آلاف، فيكون خمسين في المائة على الفور. لديه كم؟ ألفان، أعطه ألفاً. لديه كم؟ ستة، أعطه ثلاثة. لديه كم؟ كذا وهكذا إلى أن انتهت الديون التي عليه. فقالوا له: وماذا بعد يا رسول الله؟ والباقي؟ قال لهم: أي باقٍ؟ ليس
لكم إلا هذا. فهذه هي تُنقذ المفلس وتنقذ من معه نسبياً الدائن صاحب المال، لأنه حصل على نصف المبلغ، فقد كان سيخسر ماذا؟ كل المبلغ. لو أنني تركت معاذاً في ماله هكذا يفعل به ما يشاء ويتصرف فيه كما يشاء، فماذا سيفعل؟ سيجلب لي مشاكل وسيُذهب أموال الناس كلها. والمريض المخوف عليه، المريض المُخطِر، يحتاج التي هي العناية المركزة وبين الحياة والموت وعلى الأجهزة ونريد أن
نرى الأموال التي تخصه أين ذهبت ومن أين جاءت، فيجب أن نعين وصياً حتى يتصرف نيابةً عنه هذا التصرف، أو فيما زاد على الثلث لو كان واعياً وجاء وقال: "يا إخواننا، أنا أوصي بكذا وكذا وكذا". حسبناها فوجدناها أكثر تركته التي تبلغ ثلاثين مليوناً، استخدم منها خمسة عشر مليوناً وهذا غير جائز، فالشرع الشريف يُقيّد الوصية بالثلث فقط، والباقي للورثة، "والثلث كثير". وقد نهى سعد عن أن يتصرف فيما يزيد عن هذا. والعبد الذي لم يُؤذن
له في التجارة - وكان قديماً يوجد ما يُسمى بالعبد الذي هو تحت ألغي - الحمد لله - سنة ألف وثمانمائة اثنين وخمسين الثلاثة الأوائل هؤلاء، وهم الصبي والمجنون والسفيه، لا يتصرفون لا في العين ولا في المال ولا في النقود، فيكونون ممنوعين تماماً من التصرف، فلا يستطيع أحدهم بيع بيت ولا حتى التصرف في مبلغ صغير. آلاف ويُعطيها للرجل، التعامل مع المصعد لا ينفع، لا هذه ولا تلك، الثلاثة الأخيرة الذين هم: المفلس، والمريض، والعبد غير المأذون، هؤلاء يتصرفون في الذمم ولا يتصرفون في
الأعيان. يتصرفون في الذمم يعني يمكنهم أن يستلفوا، لكن لا يتصرفون في الأعيان، لا يبيعون شيئاً، كُفَّت يده لأن هذا الشيء... أصبحت وسيلة لسداد الديون، فهذا باب لحفظ ركن من أركان الحياة وهو المال، والمال له أهمية في عمارة الأرض. قال علماؤنا: لمّا كان سيدنا - بجلالة قدره عليه الصلاة والسلام - في مكة لم يكن معه مال، فآمن به مائتان وأربعة عشر، سنة آمن به
مائتان وثلاثة عشر وقليل. فلما إلى المدينة وتكونت الدولة وجاء المال أو جاء المال فبنى دولة، أصبح هناك دولة. وعندما جاء في حجة الوداع كان المؤمنون مئة وأربعة عشر ألفاً حجوا معه، وعندما سألوا أنساً -يعني أمه من الصحابة- أين الصحابة؟ قال: أتسألون عن الأعراب ومن جاء فذهب؟ هم في الصحراء كثيرون. المائة وأربعة عشر الذين حضروا معه الحج أو من جاهد معه الغزوة والغزوتين وبقي
معه سنة والسنتين قالوا لا، هم هؤلاء الذين بقوا معه هكذا، مائة وأربعة عشر. أهل المدينة وقتها كانوا عشرين ألفاً، عشرين ألف شخص كلهم أصبحوا مسلمين. إذاً المال كما قال بعض الاقتصاديين عصب الحياة. لا تستهن بالمال، فالمال أمر مهم، لكنه يجب أن يُوجَّه إلى عبادة الله وعمارة الأرض. وربنا ما ترك لنا شيئاً إلا وقد أوضحه لنا. فاللهم يا ربنا تقبل منا، ونوِّر بصائرنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسِّر أمورنا، وعلِّمنا العلم النافع، واجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة،
وهدِّئ بالنا، وأصلح حالنا. وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وانصر المسلمين، أرحم الراحمين. سدد رميهم وزلزل الأرض من تحت عدوهم، وحرر لنا القدس من غير حول منا ولا قوة. هذا حالنا لا يخفى عليك، وعلم كل شيء في يديك، فاللهم العجل والفرج الفرج يا أرحم الراحمين، لا نعبد ربًا سواك. ولا نعرف إلا إياك، فاللهم التجأنا إليك فانصرنا، ومكّن لنا، واهدنا، واهدِ بنا، واعمر بنا أرضك، وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك. اللهم احشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة، واسقنا من يده الشريفة شربةً هنيئةً
مريئةً لا نظمأ بعدها أبداً، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب. ولا عتاب، وهب مسيئنا لمحسننا، واغفر لنا جملة واحدة، اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، واغفر لحينا وميتنا، وحاضرنا وغائبنا.