المجلس الخامس والخمسون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

المجلس الخامس والخمسون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة - الغاية والتقريب, فقه
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: ولا يجوز بيع الذهب بالذهب. لما كان الذهب وسيطاً للتبادل خرج عن حد السلعة، لأن الذهب كان لصك العملة فيصاغ منه العملة وعملة. الذهب كانت تُصَك في الروم منذ القدم وكان وزنها ثابتاً
عبر القرون أربعة وربع جرام من عيار واحد وعشرين، وهذه الدنانير التي كان يتعامل بها قيصر الروم وكانت شائعة في الأرض كانت لا تصدر إلا عن روما، يعني لا يجوز لدولة أخرى أن تصدر هذه العملة فأصدرتها في سورة الدينار. وكل إمبراطور أو ملك يأتي يصور نفسه عليها ويسكها، وتصبح هذه سكة معتمدة في العالم كله، فأصبحت
مادة الذهب هي مادة وسيط التبادل. ومن هنا، والشرع يريد استقرار النظام النقدي الاقتصادي من داخله، حرم الربا كما قلنا، وأوجب الزكاة حتى يجعل الإنسان حراً وإن كان فقيراً صاحب كلمة ورأي. لا يبيع نفسه ولا رأيه بعرض من أعراض الدنيا إلا إذا كان صاحب هوى، لكن الله يتيح له هذا العيش المستقر الذي لا يتذبذب حتى يضج الناس من أموال أحوالهم وأعمارهم
وحياتهم. فقال رضي الله تعالى عنه: "ولا يجوز بيع الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة". إنما هو قال: "ولا الفضة". كذلك كاف للتمثيل يعني مثل ذلك إشارة على هذا المهم، والإشارة على المهم بذلك يعني أن ذلك مضمون ما سبق. كذلك مثل الذهب والفضة، مثل الذهب والذهب، فيكون الذهب بالذهب، وتكون الفضة بالفضة، والذهب بالذهب إلا متماثلاً. بالحساب الدقيق آخذ
منه عشرة جرامات أعطيه عشرة جرامات، وهذه معاملة كيف شكلها؟ هذه. يعطيني عشرة جرام وأعطيه عشرة جرام، ما فائدتها؟ لا فائدة لها. قال لك: حسناً، ما دام لا فائدة لها فلا تفعلها. أي هنا هو لا يصوّر صورة تحدث في الواقع، بل يقول لك الحكم: أن الذهب إذا استُبدل بذهب، فالذهب والذهب مادة متماثلة، يداً بيد، هاءً وهاء، طيب وهذه... ما فائدتها يعني؟ أنا معي عشرة جرام وأنت معك عشرة جرام، فأقوم أنا بإخراج ما في جيبي وأعطيه لك، ثم تقوم أنت بإعطائه لي. ما هذا العبث؟ قالوا: نعم، هي هكذا، عندما
تأتي لتفعلها، تفعلها هكذا. حسناً، ما دامت بلا فائدة فلا تفعلها. هذه هي الحكاية، والصورة الأخرى غير أن لا تفعلها. أن أعطيك ذهباً مكسراً فتعطيني ذهباً مسكوكاً، يعني أنا معي عشرة جرامات، فأقول لك: أنا أريد دنانير لأن الناس غير راضية بهذا الذهب. لو تذكرت في الحديث قال: "فكان كقدر نواة"، النواة هي مثل البذرة هكذا، لكن من ذهب، فأنا معي نواة وزنها، وجدناها عشرة جرامات، وأنت معك. دنانير أربعة جرام وكم وربع يعني هذا
سيساوي له اثنين جرام تصنع ثمانية ونصف، اثنان دينار تصنع ثمانية ونصف من العشرة، كم يصير؟ واحد ونصف جرام، نحاسب عليه ونرى بقدرهم. فعندما جئت لأبيع وأشتري هنا، البيع والشراء ماذا؟ هاء بها يداً بيد متماثلين لكي أحول الكسر الذهب الخام إلى دينار ولا يجوز بيع الذهب بالذهب ولا الفضة كذلك إلا متماثلاً نقداً، ولا بيع مُبتاعِهِ حتى يقبضه. كل هذا عندما كان الذهب يُتعامل
به، فلما خرج الذهب عن التعامل مطلقاً أصبح الذهب سلعة. نذهب إلى الصاغة لنشتري أساور، فالذي يحدث أن المرأة معها ثلاث أساور، ذهبت ووزنته وقالت له: أعطني من عندك مقابل هذا فقال: لا، أنا سأعطيك القطعة واحدة بهذا الوزن أو أكثر وتدفع الفرق. هل يصلح؟ أين إذاً التماثل؟ إنه غير موجود. لماذا؟ لأن الذهب أصبح سلعة ولم يعد نقداً يُتبادل به بين الناس، ولا يبيع ما يملكه حتى يقبضه، أي يجب أن يقبض
ما يملكه لكي يستطيع بيعه. أريد أن أشتري شيئاً فاشتريته ولا أستطيع أن أبيعه إلا بعد أن أقبضه. يقول إذا كان تاجر الذهب يخزّن الذهب فهذه عروض تجارة عليها الزكاة. لا، هو يشتري ذهباً ويبيع ذهباً، وهذا لا علاقة له بحلي النساء. ما كان في صيغة حلي، يعني مقبول اللبس، يعني قابل لأن ترتديه المرأة. لبستْهُ أو لم تلبسْهُ، جاءت به ادخاراً
للزمن، كل هذا ليس فيه ذكاء، لكن الذكاء في ماذا؟ في عروض التجارة. عندما يكون تاجراً، ليست مهمته أن يجلس ليلبس، وهو رجل لا يلبس الذهب، بل يشتري ثلاثة كيلو ذهب ويبيع ثلاثة كيلو ذهب لكي يكسب. هذه عروض تجارة وعليها الذكاء وليس بيع اللحم بالحيوان، يعني عندنا عشرون كيلو لحم ووزن الحيوان وجدنا عشرين كيلو خروف صغير، فقلت له: تأخذ العشرين هؤلاء وتعطيني هذا الخروف. لا يصح، لا يصح بيع اللحم بالحيوان، ويجوز بيع
الذهب بالفضة متفاضلاً نقداً، وكذلك المطعومات لا يجوز بيع الجنس منها. بمثله إلا متماثلاً نقداً، والمطعومات كما ذكرنا أربعة: القوت والفاكهة والدواء، وعدوا الرابع الذي هو المحسنات، واعتبروا الماء من المطعمات. يبقى كل هذه الأشياء لا يجوز بيع الجنس منها بمثله إلا يداً بيد وقيمة بقيمة، ويجوز بيع
الجنس منها بغيره متفاضلاً نقداً نقداً يعني حالاً الآن، ولا يجوز بيع. الغرر وضربنا مثلاً في هذا الغرر بأنه كالطير في الهواء والسمك في الماء، ويبدو أننا قرأنا هذا الكلام سابقاً. فصل: والمتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، يبقى هنا شيء اسمه المجلس، مجلس البيع. أنا والبائع أو أنا والمشتري في مجلس في شأن، فيكون هذا هو المجلس ونحن جالسون هكذا. في المجلس قال لي: "بعتك هذا العقار"، فقلت: "اشتريت". جاءه اتصال
هاتفي، وبعد ذلك قال لي: "لا، أنا رجعت في البيعة". المتصل سأله: "بكم بعت؟"، فأجابه: "بخمسة عشر"، فقال له: "لا، هي الآن أصبحت بعشرين". فقال: "والله خمسة ملايين ليست قليلة، إنها بالملايين". أصبحت القصة أن كل واحد مليونير، فقال له: "لا يا سيدي، أنا لن أبيع". فقلت له: "أهذا كلام؟ أنت رجل، ألا يُقال إن الرجل يُربط من لسانه؟ أيصلح هذا الكلام يا أبنائي؟" قال: "نعم، والبيعان (البائعان) الاثنان اللذان يبيعان ويشتريان بالخيار ما لم يتفرقا،
هذا هو الحكم الشرعي"، قال له: "نعم". لكنك قلت بعت واشتريت وحددت وعملت وسويت مكارم الأخلاق التي كان عليها أجدادنا، أنه خلاص الرجل يُربط من لسانه ويمشي البيعة هذه، أما شرعاً فيجوز له هذا. إذن هناك فرق بين الحكم الشرعي وبين الخلق المحمدي الإسلامي، هناك فرق. كان سليم بيك أبو العلة يفعل هكذا، نعم يبيع الإثم. وبعدين يأتيه الخواجة - كان الخواجات يشترون القطن كي يسرقوه منها ويصدّروه للخارج لأنه
متوفر هناك ليصنعوا منه نسيجًا - فسليم بيك أبو العلا باعه للأول بسبعة، فيأتي ويقول له: "لا، بتسعة وكميات". يقول له: "لكنني قد بعت". فيرد عليه: "لكنك ما زلت في المجلس، والمتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا". هذا الخواجة. الذي يقول إنني أعرف مصلحتي، ستجده يعرفها بالفعل، والبائعان بالخيار ما لم يتفرقا، ونحن ما زلنا لم نتفرق. يقول له: "أبداً، ما دامت كلمة خرجت من سليم بك أبو العلق، فقد انتهى الأمر". يعني تشعر هكذا بالشهامة، بالرجولة الحقيقية، شخص مالئ منصبه، مالئ مركزه، أما من ناحية الحلال والحرام، فقد يجوز. يجوز له في مساحة
له، إنما من ناحية الخلق الكريم فلنتجنبها ونخسر هذين. فأبى الرجل، فأخذ الشيء في اليوم التالي ومضى. وفوجئ سليم بالمصيبة أن الرجل الأجنبي الذي دخل عليه قال له: "اشتريها بتسعة"، وجاء بالمشوار ليقبل يديه، فقال له: "ما الأمر يا سيد؟" لماذا تُقبّل يديها؟ قال له: أنقذتني. نزل إلى ستة ونصف، فانظر كيف أن الشهامة
ليست فقط بالخير الذي يعم على المرء، بل يعم حتى على الذي غضب. لقد غضب بالأمس غضبة كبيرة. قال له: أأنا سأعطيك تسعة جنيهات؟ قال له: كان سيُخرب بيتي، أنت أنقذتني. وأخذ يقبّل يديه. مَن سليم بك أبو العلي؟ احفظها، والمتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا. ولهما يبقى هذا خيار نُسميه ماذا؟ خيار المجلس. أنواع الخيار كثيرة، يوجد هنا خيار ماذا؟ خيار المجلس. كان ابن عمر يشتري مثلاً الكتاب ويريد إذن أن البيع يتم نهائياً ويأخذ الكتاب. حتى الآن
يمكن للرجل أن يسحب منه الكتاب ويعطيه. المال لأنه ما زال في المجلس خيار المجلس، لكن هكذا أعجبه كثيراً فيجري به خارج المحل. كان ابن عمر إذا أخذ سلعة فأعجبته يعني خرج من المجلس أنهاه أول ما يخرج من الدكان أو يخرج من الشقة أو يذهب إلى مكان آخر، فخلاص انقطع خيار المجلس وانتهى وتم. البيع يكون إذا كان هذا الخيار متعلقاً بالمجلس، وجعلنا المجلس حداً للخيار. ولذلك عندما تطورت الوسائل وجاء الهاتف، قلنا: حسناً،
أنا هنا والآخر في الإسكندرية، فأين المجلس؟ قال: المجلس هو خط الهاتف. قالوا: يعني متى ينتهي خيار المجلس؟ قال: عندما أضع السماعة، عندما تضع السماعة هكذا وتغلق الخط، يكون... تم. ما هو خيار المجلس وما لا يصح بعد أن وضعنا السكة؟ طيب، افترض أن السكة انقطعت، خلاص انتهى الخيار. يعني بعد أن انقطعت السكة اتصل بي. انقطعت هي بلا سبب منا فيها، وقال لي: "على فكرة أنا رجعت في كلامي". قل له: "هذا لا يصح". قال لي: "نحن لسنا نحن الذين..." قطعنا لأني وضعت السماعة أو أنت وضعت السماعة. قل له لا
يصح، بما أنه انقطع فقد انتهى الأمر. إذاً المسألة عند الشافعي هي مسألة موضوعية وليست مسألة ذاتية. لا تبحث فيها في النيات، أأنا ناوٍ أم غير ناوٍ، وهل أنهيت المجلس أم لا. أنت في مكان خرجت منه، انقطع الخيط، إنها مسألة موضوعية. وبها أخذ الفقه الألماني الفقه الفرنسي يأخذ بالمسألة الذاتية وهم فيها مضطربون مرة هكذا ومرة هكذا لكن الألمان أخذوا المدرسة التي للشافعية التي هي المدرسة الموضوعية، أنت في المجلس كان بها خرجت عن المجلس خلاصاً، واحد زائد واحد يساوي اثنين فيريح القاضي ويريح المتعاملين ولهما طرفان أن.
يُشترطُ الخيارُ، فإذا وقعَ الشرطُ من أحدهما بطلَ، لازمٌ الاثنان يتفقا إلى ثلاثةِ أيامٍ. يبقى إذا المكانُ سنسميهُ خيارَ الآيةِ، المجلسُ خيارُ المدةِ ثلاثةَ أيامٍ، اشترطنا ذلك. قلتُ لهُ على كلِ حالٍ مثلَ عندما نذهبُ إلى مكانٍ يقولُ لهُ: طيبٌ أنا اشتريتُ هذا الكتابَ. يقولُ لهُ: خلاصٌ تصفحهُ هكذا وفي خلالِ. ثلاثة أيام، إذا أعجبك فهو لك، وإن لم يعجبك فارجع وخذ أموالك، هذا هو خيار المدة. الخيار الثالث هو خيار العيب. عندما
فتحت الكتاب لم أجد ملزمة، ووجدت بدلاً من ذلك: "إذا أردت أن أستغل خيار العيب، فلابد أن يكون ذلك فور العلم وعلى حسبه". فور العلم وعلى حسبه. كيف عرفت هذه المسألة؟ قلت أنا. أصبحت أقرأ للأولاد يوم الجمعة، اكتشفت ذلك يوم الجمعة والمكتبة مغلقة، إذاً يوم السبت. المكتبة مغلقة أيضاً يوم السبت، إذاً يوم الأحد. حسناً، ذهبت يوم الاثنين. لا يصلح الفورية، كل شيء أحسبه أنا. عرفت متى؟ عرفت الساعة
الثالثة أن المكتبة مفتوحة. مفتوحة، هل أستطيع الذهاب إليها الآن؟ يعني متيسر؟ نعم تستطيع. قلت: لا. دعها للسنة القادمة عندما أمر عليه في يوم من الأيام سأعطيه إياها. فهو رجل طيب، ولذلك لا يصح أن يسقط خيار العيب لأنه قد فقد الفورية فوراً. إذن، الخيارات هي ثلاثة: خيار المكان، وخيار الزمان، وخيار العيب. والله ستصبحون فقهاء فيما يبدو، أليس كذلك؟ لا أعلم حسناً. وإذا وجد بالمبيع عيب فللمشتري رده أي فوراً، يجب أن يكون الرد فورياً،
ثم دخل بعد ذلك. ولا يجوز بيع الثمرة مطلقاً قبل بدو صلاحها، وهذا معنى آخر.