المجلس الرابع والثلاثون من شرح متن الغاية والتقريب | أ د علي جمعة

المجلس الرابع والثلاثون من شرح متن الغاية والتقريب | أ د علي جمعة - الغاية والتقريب, فقه
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين فصل وصلاة الاستسقاء مسنونة فيأمرهم الإمام بالتوبة والصدقة والخروج من المظالم ومصالحة الأعداء وصيام ثلاثة أيام ثم يخرج بهم في اليوم الرابع في ثياب بذلة واستكانة وتضرع ويصلي بهم ركعتين كصلاة العيد أو كصلاة العيدين
ثم يخطب بعدهما ويحول رداءه ويكثر من الدعاء والاستغفار ويدعو بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو اللهم اجعلها سقيا رحمة ولا تجعلها سقيا عذاب ولا محق ولا بلاء ولا هدم ولا غرق اللهم على الظراب والآكام ومنابت الشجر وبطون الأودية، اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً
مريئاً مريعاً سحاً عاماً غدقاً طبقاً مجللاً دائماً إلى يوم الدين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد من الجهد والجوع والضنك ما لا نشكو إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع وأنزل علينا من بركات السماء وأنبت علينا من بركات الأرض واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا فأرسل السماء علينا مدرارًا، ويغتسل في الوادي إذا سال سال، ويسبح
للرعد والبرق، أي إذا حدث. فهذه صلاة نادرًا ما أُقيمت في مصر لكنها أُقيمت. عندما قلّ النيل، والنيل كان يقل في بعض السنين القليلة، وكان هناك مقياس في المنيل منيل الروضة، حتى نقيس به مستوى ماء النهر.
فئة من العلماء يذهبون إلى المقياس لرؤيته وهم شهود عدل بين الحكومة وبين الناس، يعني هيئة مستقلة، هيئة قضائية تتكون من أولئك، ويذهبون في يوم معين اسمه الوفاء. النيل وفاء، النيل يعني أن النيل قد وفى حتى وصل إلى منتهاه، فيرون المقياس إلى أي حد قد وصل الماء في مقياس الروضة. وظل هذا معمولاً به، وهو الذي
جعل المصريين لا يعرفون صلاة الاستسقاء عامة، لكن توقف هذا بعد بناء السد العالي في سنة ألف وتسع مئة وستين، رأوا أن... يستفيدوا من حركة المياه لتوليد الكهرباء ولعمل بحيرة صناعية يمكن أن تكفي مصر من الأسماك ويكون كيلو السمك بأربعة ساغ التي هي بحيرة ناصر ومشاريع أخرى فبنوا السد العالي فلم يعد هناك فيضان للنيل يصل إلى منتهاه في رشيد وفي دمياط لكن
البلاد التي ليس فيها هكذا ماء في النهر الجاري ولذلك نجد أن أهل الشام وأهل العراق لا يقومون بالاستسقاء أيضًا لأن الماء موجود. إنما نحن أصبحنا الآن مرة ثانية في مشكلة في الماء، أزمة الماء العالمية وحروب الماء وعدوان الماء واتفاقيات الماء، لأن الماء لم يعد يكفي استهلاك البشر. وهذا سد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا إن شاء الله. يدمره الله تدميراً بصلاة الاستسقاء،
يعني نحن نطلب السقيا، والألف والسين والتاء تدخل في اللغة العربية للطلب، فاستسقاء أي أننا نطلب السقيا من الله. والسقيا أهم ما تقوم به المياه، أهم ما يقوم به الماء أن الإنسان يشرب، وأنت تستطيع أن تمتنع عن الطعام، وقد عدّوا وجرّبوا فوجدوها أربعين يوماً. يعني تستطيع أن تمتنع عن الطعام أربعين يوماً، وأرجو عندما نتكلم ألا يذهب أحد ليمتنع عن الطعام أربعين يوماً قائلاً لأن الشيخ قال وسنجرب. أنت ضعيف ويجب أن تعتقد في نفسك أنك ضعيف، نعم انتبه لا تتظاهر بالقوة، لكن
عندما امتنع العُبّاد والزُهّاد وغيرهم عن الطعام، امتنعوا نحو أربعين. في اليوم الأربعين تبدأ، أي تظهر مشكلات تحدث في الجسم، فيحدث نقص في أشياء كثيرة، فتبدأ الدوخة ويبدأ الانهيار ويبدأ عدم القدرة على الحركة إلى آخره، لكن السقيا ثلاثة أيام، فهم يكفيهم ثلاثة أيام، تذهب فتجده مُلقى حاراً في الأرض، وهذا يعني أن الذي يمتنع عن الطعام أربعين يوماً يشرب. جلس يشرب وسيدنا أبو ذر حدث معه هكذا عندما جاء إلى مكة، جلس يشرب أربعين يوماً من
زمزم والنبي صلى الله عليه وسلم قال عن زمزم الأولى: "طعام طعم". قال أبو ذر: "فرأيت نفسي قد سمنت" يعني المفترض أنه لا يوجد أكل لمدة أربعين يوماً، يعني هذا رجيم خطير جداً، لا، لقد وجد. روحه أنه لم تكن بطنه فيها ترهل هكذا فأصبحت بها هذه الترهلات، أي سمنت. فوجدت نفسي قد سمنت، من أي شيء؟ من الأربعين يوماً الخاصة بشرب زمزم. زمزم قلوي، ولكن المياه لدينا هذه متعادلة، ليس فيها قلوي ولا حموضة، إنما زمزم فيها شيء من القلوية، وهذا
هناك أبحاث كثيرة تؤكده. ماءً مميزاً ماء زمزم لما شُرب له، فكان العلماء والأولياء والأتقياء يشربون زمزم ويدعون بالدعاء الذي يريدون أن يتحقق ويحصلون عليه. فالاستسقاء سنة مسنونة يعني ليس فرضاً، والاستسقاء لا يكون من أفراد الناس بل بأمر الإمام الحاكم. الإمام هنا ليس إمام الصلاة، بل هو المسؤول عن حكم البلاد والعباد فوجد هذا يأتي ليعلن ويجب أن يعلن قبلها بأربعة أيام، يعني نحن الآن في يوم
الجمعة فسيترك لك السبت والأحد والاثنين لتصوم ويقول لك موعدنا يوم الثلاثاء. فيكون أولاً هذا قرار حكومي، قرار يصدر من حاكم البلاد والعباد: رئيس جمهورية، ملك، سلطان، أمير، شيخ، أي شيء حاكم. المهم أنه يصدر من الكبير بيان عندنا هنا في مصر من رئاسة الجمهورية برقم وتاريخ أنه يا عباد الله نحن سنقيم صلاة الاستسقاء يوم الثلاثاء الساعة الفلانية، ثم خلال هذه الساعة المحددة، هذه المدة، حيث إنه ترك لك ثلاثة أيام غير يوم الإعلام، ماذا تفعل؟
أول شيء تتوب إلى... الله! أنت ترتكب المعاصي وتقول له: "يا رب سامحني" وأنت رجل مجرم، يعني من كبار المجرمين. هذا لا يصح. إذًا هذه فرصة للتوبة والرجوع والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، فيبدأ الإنسان في التخلص من التبعات، من التحقيق الذي سيتم معك في آخر الزمان في يوم القيامة. يوم الدين فترى مغتسلاً أو قطعة أرض تردُّها ولم تقم بتوزيع الميراث فوزِّعوه. إذا كان هناك شخص يماطل في سداد الدين وأنت تعلم أنه في ذمتك فأعطه إياه. إذا كان هناك شخص مخاصم لك وأنت لست عاجزاً، فاذهب
إليه وتفاهم معه لكي تصطلحا وهكذا. افعلوا هذا الأمر وصوموا الثلاثة أيام واخرجوا يوم الثلاثاء من أجل آية الاستسقاء. صلاة الاستسقاء كصلاة العيدين، أي على الفور تكون الصلاة قبل الخطبة. يعني لدينا نموذجان: الجمعة الخطبة قبل الصلاة، والعيدان الصلاة قبل الخطبة. فالاستسقاء هذا من نوع صلاة العيدين، فسنصلي خلف الإمام، ويحضر وجهاء الدولة أيضاً الذين كانوا يذهبون إلى المقياس، ويحضر شيخ الأزهر مع المفتي مع قاضي القضاة الرئيس. رئيس المحكمة الدستورية ورئيس محكمة النقض مع الرئيس، كلهم يخرجون ليكونوا في صف واحد هكذا، فهم عباد الله يتوسلون إلى الله ويخرجون
مع عموم الناس. نحن نريد أن نُظهر الخشوع والخضوع ونُظهر التذلل لله رب العالمين. يقوم الشيخ من هؤلاء وهو يرتدي ياقة جميلة هكذا أو يرتدي شيئاً مثل هذا. لا أعرف ماذا يسمونها، ما اسمها؟ جلابة، جلابة، هي هذه الجلابة. لم أكن أعرف. حسناً، فيأتي شيخ الأزهر وفضيلة المفتي ولا أعرف رئيس اللجنة الدينية في مجلس النواب، يعني هؤلاء الناس الكبار، وماذا يرتدون ومتأنقون هكذا. هو فقال له:
لا، ارتدِ القلنسوة بالمقلوب، وأحدهم ألبسني عباءة هكذا وهو فرح بنفسه. قال له: "اقلبها"، فنخلع القلنسوة ونقلبها بالمقلوب، فالذي بداخلها سيظهر وهو البطانة. فأنت عندما تراني تقول: "هل الرجل جُنَّ أم الشيخ جُنَّ؟". يا أبنائي، نحن نريد ذلك، "الشيخ جُنَّ يا أبنائي"، لأنه يظهر في هيئة مختلفة عن الهيئة التي فيها زينته وفيها جماله وفيها شيء اجتماعي. نريد هكذا فتقلب ملابسك بالمقلوب وتخرج، ما الغرض من ذلك؟ غرضه أنك تقول له: "يا رب أنا ضعيف، انا اتلخبطت المصيبة اللى
إحنا واقعين فيها لم تُعرّفني الوش من الضهر كأنه يعني، كأننا نقول هكذا يعني رمزاً لهذه المقولة: "يا رب أنا ضعيف فتقبلني على ضعفي واعملني". بضعفي ولا تعاملني بأخطائي وذنوبي، فيصبح وآخرون اعترفوا بذنبي يصبحون طيبين. الذين اعترفوا بذنبهم هؤلاء قوم يكرمنا الله ويعطينا. وعندما يكونون على درجة عالية، هذا الإمام والناس الموجودون يتعلقون به وهو يصلي فيكثرون، وعندما يصعد المنبر ويخطب تنزل الأمطار وتغرق الدنيا، فتشعر
أن هناك ربًا. أناس حدث معهم هكذا يعني سينزل ليكلمنا، وهذه حدثت أمامنا كثيراً. وسأحكي لكم قصة من قام الشيخ الشعراوي وهو في الجزائر، فالشيخ قال لهم شروط الاستسقاء إننا سنعلن وسنف... الرجل الكبير عندهم يقول لا يوجد في الأرصاد الجوية ما يشير إلى شيء. نفسه سكت وقال له: والله نفعل. هكذا هي العبادة، وفعلوا ذلك وخرجوا
وكان فيهم الشيخ محمد بلقايد شيخ الشيخ الشعراوي في الطريق إلى الله ودعوا، فامتلأت السماء بالسحب وهم مستمرون في الصلاة وانهالت وانفتحت قرب السماء. نعم، عندما تنفتح الأشياء هكذا، أي سأغرقكم، سأغرقكم في النعم وهكذا. قوم نحن نبكي أيضاً يعني ما منعنا. ذهبنا وبكينا، ومع ذلك ذهب وأعطانا. بكينا أيضاً. إنسان ضعيف، إنسان ضعيف. قام ليخرج هذا الرجل الشيخ. اللهم حوالينا ولا علينا، على النباتات والأشجار، ولا أعرف إلى أين. نعم،
يعني سأعمل سداً حتى لا تغرقنا أبداً، لأنه لو نزلت المياه بهذا الشكل يمكن أن تدمر البيوت وتدمر، وستصبح بلاءً، ستصبح نقمة. ما هي نعمة فنجلس معها. والثاني أنه لا يعني أن تغلق حياتك قليلاً، وهذا ما حدث مع سيدنا مرة عندما طلب الاستسقاء، وبعدها بدأ المطر ينزل وأفسد الدنيا كلها. فجاءه أحد الأعراب يجري وهو ما زال في المسجد، خذ بالك من المسافات ومن قالوا: "يا محمد يا..." "محمد أدرك أمتك" قال له: "ما الأمر؟" قال له: "إن الدنيا غرقت، وإذا استمرت هكذا ستهلك المدينة". فخرج النبي عليه الصلاة والسلام
مرة أخرى وقال دعاء: "اللهم حوالينا ولا علينا" إلى آخر الدعاء الذي ذكرته لكم الآن، فتوقفت الأمطار عن المدينة. فهكذا الأمر، أي عندما تشاهدون شيئًا مثل هذا، ماذا تفعلون؟ ما الأمر؟ هل يوجد مطر أم لا يوجد مطر؟ توقّفْ يا مطر. فتشعر بثقتك بالله، وتشعر برحمة الله بك، وتشعر بأنه يحبك، تشعر بأشياء كثيرة. ولذلك مثل هذه الصلاة لم يذهب وقتها، بل سيأتي وقتها، ما زال سيأتي وقتها، فيزداد الإنسان إيماناً وتعلقاً وحباً
وخوفاً من الله سبحانه وتعالى. فيكون الأمر على ما أراده الله نعم وربنا سبحانه وتعالى يتقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا ويجعل هذا الشهر الفضيل شهراً مباركاً علينا وعلى أبنائنا وأحبائنا وجيراننا وأن يجمعنا على الحق في الدنيا والآخرة وأن ينفع بنا وأن يعمر بنا وافعلوا الخير لعلكم تفلحون.