المجلس الرابع والخمسون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

المجلس الرابع والخمسون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة - الغاية والتقريب, فقه
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين فصل والربا في الذهب والفضة والمطعومات الربا شكل من أشكال البيوع فيه تبادل مثل الثمن والمثمن فهنا فيه مال بإزاء مال ولذلك اختلط الأمر على المشركين
في مكة فقالوا إنما البيع مثل الربع يعني هذا فيه مبادلة وهذا فيه مبادلة وفي المبادلة زيادة بين الثمن والمثمن وهنا زيادة بين الثمن والمثمن فما الفرق نحن نبيع ونشتري والفرق هو أن الله سبحانه وتعالى أمر بحرمة الربا من أجل الحفاظ على نظام الاقتصاد النقدي من لو أباح الله الربا لكان هناك زيادة في وسيط التبادل دون زيادة الإنتاج، ويحدث بذلك
التضخم من داخل النظام. فإذا حدث التضخم من ذات النظام، فالذي يتضرر بذلك محدود الدخل، الذي يتضرر بذلك الفقير. فحرَّم الله الربا من أجل ألا يقع ظلم على الفقير، وأوجب الزكاة حتى يتعادل الدخل. الفقير لأداء مقتضيات الحياة، فتحريم الربا مرتبط في النظر الإلهي مع إيجاب الزكاة. حرم الله الربا وأوجب الزكاة
من أجل حماية إنسانية الفقير محدود الدخل، فلا يجد الأسعار فوق الطاقة، ويستطيع أن يحصل باستهلاكه لما أخذه من الزكاة ما يريد من مقتضيات الحياة. فإذا كان الأمر كذلك وهذا... نظام رباني إلهي كان حراً لا يستطيع أحد أن يتحكم فيه لا في اجتماع ولا في سياسة ولا في اقتصاد، يُكمل المنظومة الصلاة، فإذا
ذهب إليها الناس وقفوا متجاورين، الغني بجواره الفقير، والفقير بجواره المسكين، والمسكين بجواره الغني، لا فرق بينهم، والصف الأول متاح لمن سبق، سبق إلى الصف الأول الغني. أو سبق إلى الصف الثاني أو سبق إلى الصف الأول، الفقير لا يستطيع أحد أن يكذبه من أوليته حتى يتأخر بسبب غناه أو جاهه أو سلطان، لأن من جاء
فوجد الصلاة فليلحق بها حيث ما انتهى به الصف، وكذلك في طلب العلم حيث ما انتهى به المجلس من أين تتأتى. هذه النفسية الأبية من دون كبر إنما بعزة ورقي وإنسانية بوجوب الزكاة، فالزكاة ليست منة ولا عطية ولا هي يد عليا، وبحرمة الربا حتى يحافظ على النظام الاقتصادي من داخله من التضخم. ذهبت الأيام وجاءت الأيام وتسلط علينا أبالسة الجن والإنس، وأخرجوا
الذهب والفضة من التعامل واستبدلوا بها حيلة سخيفة. وهي حيلة الورق النقدي، جعلوا له أولاً غطاءً ثم بعد ذلك تناسوا الغطاء، فأصبح ورقاً لا قيمة له في إنتاجه مع قيمته. دينار الذهب أربعة جرام وربع، لو سبكناه يخرج أربعة جرام وربع ذهب، ولو بعناه يخرج أربعة جرام وربع ذهب، قيمته فيه. الورقة
ذات المائتي جنيه التي في جيبك مكلفة. ستة عشر قرشاً ثمن هذه الورقة وقليل من الأحبار التي عليها، ستة عشر قرشاً. حسناً، أين الفرق بين ستة عشر قرشاً ومائتي جنيه؟ إنها سلطة الدولة، سلطة الإصدار. وكيف تُحسب سلطة الدولة هذه في نفسها؟ بها، أي داخل مصر هكذا تكون بها، يعني المائتا جنيه تساوي مائتي جنيه. وفي خارجها تكون بقوة. إنتاجها فالدولار يصبح بخمسين جنيهاً الذي
كان بتسعة وثلاثين قرشاً ونصف، أي أن الجنيه كان يساوي خمسة دولارات، وبعد ذلك عندما انهار أصبح اثنين ونصف. في البداية، في الأربعينات، كان الجنيه المصري يساوي خمسة دولارات. خمسة دولارات في خمسين جنيهاً تساوي كم؟ تساوي مائتين وخمسين مرة، أي أن الجنيه منذ أربعين سنة كان يساوي أربعين. مائتان وخمسون جنيهاً من الجنيهات التي معنا هذه، تخيل أن تضرب دخلك في مائتين وخمسين. فلو سألنا الشيخ فلاناً أو علاناً: "كم تأخذ؟"، يقول لك: "عبارة عن ستة آلاف جنيه في الشهر".
حسناً، ستة آلاف جنيه في الشهر اضربها في مائتين وخمسين يصبح مائة وخمسين وكذا صفراً، يصبح مليوناً ونصفاً، ها. تخيَّل نفسك أنك تمتلك مليوناً ونصف كل شهر، ستتمكن من السكن، وستتمكن من شراء سيارة لك بحوالي مليونين، وهذا أقل شيء. حتى السيارة بأربعة عشر مليوناً يمكنك الحصول عليها بالتقسيط. بالله، ما الذي حدث؟ تدخل... وهذا التدخل ماذا يعني؟ يعني أن هذا الوسيط للتبادل لم يعد. سبباً لإغناء الفقير. هذا الكلام كله يا أخي وجدنا
الشافعي يفهمه، والكلام الذي قلناه هذا والإمام الغزالي ركن الشافعية يفهمونه ويكتبونه بشكل عادي هكذا. فيقول رضي الله تعالى عنه: "الذهب والفضة هذا جزء علة"، يعني جزء العلة، يعني إذا خرج عن الذهبية والفضية فلا ربا. ويقول ابن الحاجب: "وهل حُرِّم الربا". لجوهرهما أو لجوهريتهما الذهب والفضة لجوهرهما لأنهما
ذهب وفضة أم لأنهما وسيط للتبادل؟ قال: بل لجوهرهما. لجوهرهما يعني لأنهما ذهب وفضة، وليس لجوهريتهما يعني لكونهما وسيطاً للتبادل بين الناس. لو كان وسيط التبادل لكان الورق المتداول الذي معنا هذا يكون فيه الربا، وتصبح البنوك حراماً والشركات حراماً وكل شيء حراماً. في حرامٌ لكنه لما كان ورقاً بنك نوت فإنه خرج عن نطاق الربا الشرعي. فعندما
نأتي ونقول لإخواننا النابتة: يا جماعة، إن هذا البنك لا يفعل شيئاً، لا يُسلف ولا يَستلف ولا يعمل وكذا إلى آخره، هذا ورق، وليس فيه ذهب وفضة. فلا يستطيع أن يفهم لأنه غير مستوعب للكلمتين. الذي قلته لكم الآن وأخشى أنه بعد أن يسمع هذا الكلام أيضاً لن يفهم، حسبنا الله وإنا إليه راجعون. أجمع الأئمة الأربعة على أن علة الربا تعبدية وأن الذهب والفضة مقصودان لذاتهما وأن جوهرهما هو العلة، ولذلك تجد
أنه كان في الماضي عندما أقول لك هذه بعشرة دنانير، كان الدينار ذهباً. أربعة جرام وربع. قلت له: أنا سأشتري منك عشر حبات، كل واحدة بعشرة دنانير، فيكون المجموع مائة دينار. هيا نعد. قلت له: تعد ماذا؟ قال لي: عدّ الدنانير، واحد، اثنان، ثلاثة. قلت له: لا، ربما تكون أخذت الدينار من هؤلاء واستخدمت ورق الصنفرة عليه وأنقصت منه نحو ربع جرام أو شيئاً ما، أليس كذلك؟ هو أربعة وربع، تجد أن الجرام الذي أعطيتني
إياه، هذا الدينار الذي أعطيتني إياه، هو أربعة فقط. قال: حسناً، وبعد ذلك ماذا نفعل في هذه الورطة؟ قلت له: نزنه، نُحضر ميزاناً. أربعة وربع في عشرة يساوي اثنين وأربعين جراماً ونصف. اثنان وأربعون جراماً ونصف في عشرة يساوي أربعمائة وخمسة وعشرين. هاتِ الآن. الكيس الذي معك عندما نزنه يبلغ أربعمائة وخمسة وعشرين، حسناً، لو بلغ أربعمائة وعشرين فأنت تنقص خمسة جرامات أي ما يعادل ديناراً، وإذا بلغ أربعمائة وعشرة فهذا يعني أنك تنقص خمسة عشر. لقد كانوا يزنون الذهب
والفضة، فأبو حنيفة يأتي ليقول لك: ماذا في كل مكيل وموزون؟ حسناً، ماذا عن الأوراق النقدية؟ الذي في جانبنا هذا يُوزن أم لا يُوزن، فاختلط حتى على كثير من العلماء هذا الفكر، أن وجوب الزكاة وحرمة الربا من عند الله، وأنهما معاً يهبان إنسانية الإنسان للفقير من غير مِنَّة ومن غير تكبر من الغني ولا صاحب السلطان على الفقير. الذهب والفضة من الموزون،
فالشافعي اختلف. فقهاء الإسلام على عشرة أقوال في علة الربا. اختيار الإمام الشافعي بعد أبحاثه وأدلته أن الربا يجري في أمرين: في الذهب والفضة من الأثمان، وفي المطعوم من الأشياء. مطعوم يعني ماذا؟ مطعوم يعني شيء من أربعة: القوت المدخر. ما هو القوت المدخر؟ هو ما يتحول إلى دقيق،
فإذاً القمح من... القوت المدخر الشعير من القوت المدخر، الماش من القوت المدخر، الحمص من القوت المدخر، الفول من القوت المدخر، لأن كل هذه يمكن أن نطحنها ونصنع منها ماذا؟ نصنع منها دقيقاً. كل هذا يكون قوتاً مدخراً. وسُمي القوت قوتاً لماذا؟ لأن به قوت الإنسان، يعني يقوم الإنسان بهذا القوت. والنوع الثاني من المطعمات هو الفاكهة. ونمرة ثلاثة من المطعومات الأدوية، ونمرة أربعة من المطعومات الماء،
ونمرة خمسة من المطعومات المحسنات، قليل من العسل يعني سبحان الله، قليل من الزيتون هكذا، أشياء مقرمشة حلوة جيدة هكذا، فتصبح هذه الخمسة هي المطعومات. المطعومات المحرمة هذه مختصة بالبشر. قلنا طيب، ولكن يوجد برسيم ويوجد تبن ويوجد أشياء
كثيرة. ما هذا الذي نعتبره من المطعوم أم ليس مطعوماً؟ قال: حسب الاستعمال الشائع، هذا التبن يأكله البشر؟ قالوا: لا. قال: خلاص، هذا خالص للحيوان البهيمة. الكعكة والجاتوه والآيس كريم، هل تأكلها الحيوانات؟ قال: لا، إلا إذا أدخلناها بقوة أو شيء ما فتبتلعها، لكن هذا لأجل ماذا؟ للبشر، فيجري فيها الربا. طيب، قالوا إن هناك شيئاً يكون بين بين، يصلح لهذا وذاك، ماذا تفعل فيه؟ قلنا: لنرَ هل هو أقرب في الاستعمال إلى الحيوان أم أقرب في الاستعمال
إلى الإنسان؟ مثل ماذا؟ مثل البرسيم. جاء أناس من جماعة المتفاخرين هؤلاء وأصحاب العصائر، وقالوا: والله لقد جربنا عصير البرسيم ووجدناه حلواً. فذهبوا وفتحوا ومَاذَا فعلوا؟ صنعوا عصير الجزر، فوجدناه جيداً وحلواً. وعصير البرسيم وجدناه أحلى، أحلى من ماذا؟ من الجزر. فذهبوا وفتحوا محلات لعصير البرسيم. كان ذلك في عهد الملك فاروق رحمه الله، فقال الملك فاروق: "لا يا إخواننا، هذا لا يصلح"، وأغلق هذه المحلات، لكن ذلك من الناحية السياسية، أما نحن... في الشرع نعالجه
من طريقة أخرى، فهو يُستعمل أو صالح للإنسان، وحينها كتبوا كلاماً كثيراً عن عصير البرسيم وأنه مفيد ومليء بالفيتامينات وأشياء أخرى ويعالج أمراضاً، ثم أُغلق، وأتمنى لماذا؟ لمسألة سياسية، مسألة سياسية، لكن هذا أخرجه الله من الأرض تصلح لهذا وتصلح لهذا فإن. كانت أقرب إلى الحيوان في انتشارها فهي منه، وإن كانت أقرب إلى استعمال الإنسان فهي مما يجري فيه الربا. يبقى والربا في الذهب والفضة والمطعومات. انظر إلى الدقة وانظر
وراء كل شيء قصة، لكن أمثال الشيخ أبي شجاع، الحلاوة التي له أنه يذاكر ويعرف ثم يحول هذا إلى متن، هذا المتن الآن. في اللغة الإنجليزية يقولون "تكست بوك" أي الكتاب الأصلي الذي بعده تأتي لتشرح، فتتوقف عند الذهب في محاضرة، وعند الفضة في محاضرة، وعند المطعمات في محاضرة وهكذا، وهي كلمة واحدة، لكن هذا قد قيل في الصياغة ونقل العلم بين المسلمين. ولا يجوز بيع الذهب بالذهب، ولا الفضة كذلك،
أي بيع الفضة بالفضة. إلا متماثلاً نقداً، انظر، انظر، انظر، ما هذا؟ ما هؤلاء الناس؟ ما هذا؟ إنها عميقة جداً. ألا يسكت ويقول "إلا متماثلاً"؟ لا، لماذا "نقداً"؟ ماذا يعني "نقداً"؟ هل الإخوة الذين هم من كلية الطب الذين يتظاهرون بأنهم مشايخ وما إلى ذلك لا يعرفون؟ لم أعرفهم هذه الأشياء. أول شيء قال: هل هم. داخلون السيد، أنتم متفوقون، أنتم حاصلون على أكثر من مائة، أنتم لستم مبالغين فيهم ولم تبالغوا حتى الغد. حسناً، ما شأنك؟ اعمل في طبك. ما الذي أتى بك في المضايق وأنت أصلاً ضعيف في جميع النواحي؟ حسناً، لا عليك. فيأتي هنا ويقول
لك: الذهب لا نبيعه إلا... بالذهب متماثلاً نقداً يبقى إذا لابد من التماثل. إذا كان معي بعض الذهب من إنتاج مصر وبعض الذهب من إنتاج البحرين، ثم أردنا أن نتبادل، فلابد أن نزن ويكون متماثلاً. ما معنى متماثل؟ يعني عيار واحد وعشرين وعيار واحد وعشرين، وهذا وزنه خمسة وهذا وزنه خمسة، وهاءً بهاء، يداً بيد. طيب وأيضاً هذا. يبقى
في النقد لأن النقد هو المعتبر الذي أريد أن يستقر سعره من أجل عدم دخول التضخم من خلال النظام الاقتصادي النقدي. حسناً، وماذا بعد في المأزق الذي وقعنا فيه منذ القرن التاسع عشر ومنذ عام ألف وتسعمائة وسبعين الخاص بنيكسون حيث عوّم الدولار وأخرج قاعدة الذهب تماماً من التعامل أصبح الذهب سلعة كسائر السلع، لم يعد كما كان، فهو يتحدث عن أنه ينقدك وليس أنه ذهب مقابل ذهب في محل الصاغة. لقد أصبح
سلعة وانتهى الأمر، لم يعد هو الثمن ولم يعد هو المرجع إليه ولا المقبول قبولاً عاماً ولا مخزن القيم، وإنما أصبح سلعة كبقية السلع، مثلما تنزل لتشتري قطعة. أرض تشتري أقلام رصاص وتشتري ذهباً، فما هي؟ إذاً، إذا تنتبه لماذا وأنت تقرأ هكذا نقداً، لا ينتبه إليها من لم يذهب إلى المشايخ. ماذا سنفعل؟ حسناً، نقداً يعني افهم أنه لا يجوز بيع الذهب بالذهب ولا الفضة كذلك إلا متماثلاً نقداً يداً بيد كما ورد
في... الحديث يتقابض البدلين في المجلس متماثلاً دون زيادة أو نقصان، ونقف عند هذا رضي الله تعالى عنهم أجمعين وعن مصنفنا.