المجلس الرابع والسبعون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: فصل وللقراض أربعة شروط. يتبين إذاً أن هناك شيئاً سماه الشيخ أبو شجاع القراض وغيره يسميه المضاربة، فهما سيان. القراض كأنه مستنبط من القرض.
أي أنني أعطيتك مالًا على صورة القرض، أي أنني أعطيتك مالًا فهو في ذمتك إلى أن ترده، فيكون هذا قرضًا. والقرض عندنا بلا زيادة ولا نقصان، وكل قرض جرَّ نفعًا فهو ربا. قديمًا درج الناس على أنهم إذا اقترضوا أو استلفوا، فعندما يردونه يردونه مع شيء من الهدية، كعلبة عسل أو اثنين كيلو موز أو قفص. برتقال أو
كيس جوافة أو شيء كهذا يعني لا يتناسب لا مع الزمن ولا مع... إنما هو ود وهدية كما قالوا. فلو كانت هذه الهدية قد شاعت شيوع العرف الملزم فالمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، فكأننا لما أعطيته السلف مائة ألف جنيه اشترطت عليه أنه يرجعها مع ماذا؟ علبة العسل، فيكونان ريبة فيتنزهون إذاً. شاع في البلد العرف بأنه لا بد أن أدفع الهدية، فتبقى الهدية حراماً تنزهاً عن تلك القاعدة التي رويت حديثاً وإن كان ضعيفاً:
"كل قرض جر نفعاً فهو ربا"، وهي وإن كانت قد رويت في مسند أسامة بن الحارث ضعيفاً، إلا أنها قاعدة متفق عليها، مجمع عليها، لا خلاف بين. أحد من المسلمين فيها كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا، إذاً فالهدية مقبولة إذا لم يجرِ بها العرف حتى صارت كالمشروط شرطاً، وإلا كانت شرطاً ففسد القرض. أعطيتك مالاً، دعنا نقيّم الأمر، ماذا قلنا عنه؟ قرض. حسناً، أعطيتك مالاً حتى تقلبه بيعاً
وشراءً وتخزيناً ومكسباً وما إلى آخره لأنك ماهر في... هذه الحكاية تُجيد البيع والشراء جيداً، تعرف أين الموارد وأين المصارف. فأعطيتك المائة ألف لتدخل بها في تجارتك. بعض الناس يبيع لك هذه الطواقي، فأنا دخلت معه. أخذ يا فلان مائة ألف ليشتري بها طواقي ويتاجر ويذهب ويعود، فذهبوا مزودين ألفاً لأن المال سيأتي إليّ ومعه زيادة وهي. الربح الذي حققه من جراء التجارة والزيادة في المبنى زيادة في المعنى، فراحوا مضيفين إليه ألفاً
لكي يسموه بدل القرض قراضاً. يبقى أنا أعطيه المائة ألف ولا أسأل عنه ولا شيء، وعندما يحين الأجل يردهم لي. قراض بقى؟ لا، هو أخذهم من أجل أن يقلب المال حتى يربح. أصبح موقف شريكي أننا شركاء في الربح، فقد جاء وقال لي: "والله، عليّ ضرائب، ومسؤولو الحي يضايقونني ويمرون، وهكذا. فيطلبون كوب شاي أثناء ما يفتشون، إلى أن يروا الرخصة، وإلى أن يفعلوا كذا. فلديّ تكاليف، فلنجعلها ثلثاً وثلثين". حسناً، وسكتنا ولم نقل فلتكن مناصفة. ونصف يكون
الخمسين في المائة، وخمسون في المائة عند الآية السكوت وعدم الاتفاق على نسبة المخالفة. أقول: لا والله، أنت رجل لديك أولاد، والأولاد في المدارس، اجعلها ربعاً وثلاثة أرباع. يكون قد تركته قليلاً. الثلث ثلاثة وثلاثون وثلث، والربع خمسة وعشرون، فيكون قد تركت له ثمانية في المائة من عندي هكذا محبة. نعم، فإذا نتفق على ما نتفق عليه يكون القرار سمّوه قيراطاً لِمَ؟ لأن فيه تسليماً، لأن فيه تسليماً للمال، وتسليم المال تأتي القاف والراء والضاد على الفور، لو ستأخذه
وترجعه يكون قرضاً، لو ستأخذه وتزيده يكون قراضاً لأنه في زيادة هكذا، طيب، إذاً لماذا سمّوه ضربة؟ وصف الحال لأنك... تأخذه فتضرب به في الأرض ذاهباً آيباً، ذاهباً آيباً، ذاهباً آيباً، وتشتري وتبيع والمخازن تمتلئ وتفرغ، أي أنك تضرب في الأرض، تضرب في الأرض للعمل. لأنني أعطيتك المال، فيكون المال من عندي والعمل من عندك، وبمناسبة وجود سيدنا الشيخ عبد الله بكير، يكون المال من عندي والعمل ماذا؟ من عنده.
لكي نضرب الأمثال وهو كان خائفاً من ضرب الأمثال يعني هناك شيء ليس تماماً على ما يرام. ها هي الحمد لله وستأخذ المال وربنا يصلح وتعمل وتأخذه وتعمل. حسناً، أنا أعطيت المال وقلت له: "ما الأمر؟ هيا اقلب رزقك واضرب في الأرض واشترِ وبِع ما تريد"، فتصبح مضاربة مطلقة أي أطلقت يده فيها. يعني يختار الذي يريده، وفي مضاربة مقيدة أقول له: "لكنني خائف خوفاً شديداً على أموالي يا شيخ عبد الله". فيقول لي:
"ماذا أفعل؟ حسناً، أنت خائف خوفاً شديداً؟" قلت له: "نعم جداً، لا أنام الليل لأن المال أخو النفس، عزيز عليَّ جداً". هناك أناس هكذا، وهو حتى يعد النقود ويتعب. يرميها من عينيه هكذا يقول لك: "هذا أنا أخذتهم من عينيك". يحب الأموال والمال، هل المال يُحب في الحقيقة؟ لكن ليس لهذه الدرجة، ماذا يعني "أحبب حبيبك هوناً ما"؟ سيدنا يقول هكذا، نعم. فيحب المال وهو متعب نفسياً. إلى أين ستأخذها؟ قال: "ماذا أفعل؟" قلت له: "تتاجر في اللب". لكن الناس جميعها تجلس للتفاهات والتفاهة هذه دليل تخلف،
ولكن شائعة أنهم يستوردون بمائة وخمسين مليون دولار ليل بوزداد لكي يلهوا الناس. حسناً، كنا نشترك دائماً كل سنة أيام الملك فاروق رحمه الله في معرض فرانكفورت في ألمانيا، وكان المبعوث هتلر قد زار المعرض، فزار المعرض المصري فوجدهم واضعين طبقاً ممتلئاً. لبّ محمص حلو جيد، فأمسك الملعقة ليأخذ ملعقة منه، فقال: "لا، هذا يؤخذ واحدة
واحدة، واحدة واحدة". قال: "كيف واحدة واحدة يعني؟ والله هم عندهم وقت أن يقضموه واحدة واحدة هكذا؟" هو نعم يتسلى. قال: "يا سلام، هذه.. هذا تخلف"، ولم يرضَ أن يكمل الزيارة، لعنه الله. فأنا قلت للشيخ... عبد الله أخذ المائة ألف وذهب ليتاجر في اللب. لا أعرف لماذا اختار تجارة اللب هذا. قلت: الناس تحب اللب ولن تستغني أبداً عن اللب أو الفول السوداني أو بذور القرع وهذه الأشياء، وهذا الأمر رائج. فذهب الشيخ عبد الله ليتاجر في هذا الصنف بالذات، فتاجر في سواه. قال: يخسر. لماذا هذا؟ الشيخ يده تخبط في
رأسه وهذا غير منتبه. العلم أثّر على عقله من كثرة المذاكرة، فالعلم أحياناً يؤثر على العقل. العلم أثّر في عقله، هو يظن ذلك، نعم، حقاً، نعم والله. وذهب يتاجر في المحاريث الصناعية والمحاريث الزراعية، يشتري المحراث الأوتوماتيكي ويبيعه، ويشتريه ويبيعه، يشتريه، فخسر. نعم، إذا خالف الشيخ فتكون الخسارة على من؟ عليه. ردَّ لي المائة جنيه، حسنٌ من مائة ألف. طيب، لو التزم باللب وأحضر شاحنة
كبيرة هكذا، سيارة بجرار، وحمل البضاعة المستوردة من الخارج، وفي طريق العودة سقطت في الطريق، والسبب هو الذي قال: اسحب، فتكون المسؤولية عليَّ. هو أطاعني والتاجر في الـ... اللب وحدث الذي حدث وخسرنا، هو لا شيء عليه. إذن، يد المضارب الذي هو الشيخ عبد الله على مال المضاربة يد أمانة لا يضمنها إلا إذا قصّر أو اعتدى. عندما ذهب واشترى المحاريث الزراعية اعتدى
لأنه خالف شرط صاحب المال. عندما ذهب واشترى اللب التزم، إذن هو يده. عليها يدُ أمانة، ففضيلة مولانا الشيخ أبو شجاع سيُحدثنا عن هذه القصة عندما نُحضر مالاً ونُعطيه لأحدهم، وهذا الأحد يعني أن يكون عنده العمل ويكون من عندي أنا المال، فأكون صاحب المال وهو العامل، أو نُسميه المضارب، ومال المضاربة، وموضوع أو بضاعة المضاربة ونقل، والربح الناتج نتفق عليه، فإن لم نتفق... فيكون
على النصف بالنصف، وإذا اتفقنا على ما كان من اتفاق فهو جائز لأن الأعمال تختلف والخبرات تختلف والاحتياجات تختلف وقيمة المال الآن تختلف وهكذا. الشيخ أبو شجاع كان وسيط التبادل عنده الذهب والفضة، الدينار والدرهم. نحتاج أن نبتعد عن الغرر وعن عدم التحديد وعن التوهيم والتدليس والغش والخداع. في كل العقود التي لنا فقال: "وللقراد أربعة
شرائط"، كل الديانة فيها شرائط، انتبه جيداً. وقلنا قبل ذلك مراراً: الذي بيننا وبين النابتة الخوارج إدراك الشرائط، هم لا يدركون يعني الجهاد ولا الحرب ولا السلام ولا المعاهدة ولا العهد ولا الفقه. لا يوجد شيء، فهو الذي قرأ كلمتين، وهو الذي قرأهم فأخضع بها نفسه. فابتدأ يشتغل على أن يكون لديه نقد من الدراهم، النقد أو "السيولة المالية"، وأحدهم يقول لي: "لا أعرف الإنجليزية، ماذا تعني السيولة المالية؟" تعني المال السائل، أي النقدية
بلغتها "السيولة المالية" تعني سائل. أما ما هو ضد السائل؟ الأعيان. لدي دكان، ولدي قطعة أرض تصلح لمخزن، ولدي شقة تصلح للإدارة. كل هذا لا يصلح أن نضارب به ونجعله مالاً للمضاربة. مال المضاربة نقدية موجودة على الطاولة، نقود من التي تركب بها الحافلة، تعطيها للمحصل وتأخذ التذكرة. لا يصلح أن تكون من الأعيان ولا أن تكون من الذمم هذه وهؤلاء. تعال يا شيخ عبد الله، هل تتذكر من ثلاث سنوات أعطيتك. مائة ألف جنيه، قال:
"لا، لست أتذكر". أنا أتذكر أنك أعطيتهم لي منذ عشرين سنة. طيب، هي هي، هل يمكنني أن أشاركك عن طريق القيراط بالمائة ألف التي في ذمتك؟ لا يصلح، هذه في ذمته، هل معه أم ليس معه؟ هذه له منذ عشرين سنة لم يسدد. أيضاً لا توجد فائدة. ها، وقعت أنت أيضاً يا مماطل. فطوال عشرين عاماً وهو لم يسدد، فهل سيسدد الآن؟ من أين سيأتي لك بمائة ألف؟ إنه يتمنى ويدعو كل يوم أن تُسقط عنه هذه المديونية، ثم تأتي أنت لتقول له تعال شاركني بها واعمل قراطاً ومضاربة على نقدٍ من الدراهم، على نقدٍ من المال.
بخصوص المال الذي معنا هذا، والذي هو وسيط التبادل بين الناس، والذي نسميه الآن في لغتنا ماذا؟ السيولة، أي الأموال النقدية، أي التدفق النقدي. هذا التدفق النقدي هو ما سنعمل عليه. أي نريد شيئاً أمامنا هكذا، وهذا يمنع الغرق لأنه بعد... هكذا أقول له: إنني أعطيتك محلاً بمليون جنيه، فيقول لي: والله، إنه يساوي عشرة آلاف. ونبقى هكذا نتنازع مع بعضنا. الشرع لا يريد هذا، الشرع يريد شيئاً محدداً واضحاً لا نزاع فيه ولا خصام ولا توهيم. فيكون الشرط الأول
أن يكون على ناطق من الدراهم والدنانير، هذا وهذا الذي... هو وسيط التبادل وأن يأذن ربُّ المال للعامل في التصرف مطلقاً، هذه صورة: "اعمل ما تريد"، أو فيما لا ينقطع وجوده غالباً، هذه صورة ثانية مقيدة قليلاً، وأن يشترط له جزءاً معلوماً من الربح. سنبدأ بتحديد نصيبك: لك عشرة في المئة، عشرون في المئة، أو لك تسعون. لا يقولوا أبداً "والربح لك". لا بد أن آخذ ولو واحداً في المائة، وإلا
يُقدّر بمدة. لا يقولوا: "أنا سأعطيك المائة ألف هذه لمدة شهر ثم ترجعها". لماذا؟ دورتي أنا قد تكون ستة أشهر أو قد تكون سنة، فلا يُقيّدونني بمدة لأنه لو قيّدوا بمدة أصبح الأمر كأننا نشبهه بماذا؟ بالقرض ونحن نريده قراضاً لا نريده قرضاً لأنه سيكون فيه ربح والآخر ليس فيه زيادة ولا نقصان. هذا نص يحتاج منا إلى فقه جديد لأنه يقول أن يكون القرار على ناضٍ من الدراهم والدنانير أي الذهب والفضة. حسناً، لا يوجد ذهب
ولا فضة الآن كوسيط. للتبادل، ولو أمسكوني في المطار وأنا داخل ومعي عشرة جنيهات ذهب، يضعونني في السجن أيضاً. أي أن النص هنا لو وقفنا عند ظاهره، تصبح كل معاملات الدنيا باطلة، والزواج باطل لأنه ليس على قطع من المال. هذا بنكنوت، هذا ورق. عندما تشعل النار في المائتي جنيه، تشتعل وتصبح رماداً، لكن... عندما يشتعل الجنيد (الذهب)، يتحول إلى ذهب، ولا يرضى أن يخرج عن ذهبيته. وتشتعل في الدرهم
الفضة، تجدها فضة قطعتها هكذا، من جوهرها هكذا، فضة أيضاً، وتبيعها بوزنها فضة، سواء كانت مسبوكة أو ذائبة، لا يصيبها شيء. لكن البنكنوت هذا أمره غريب عجيب، ولذلك اتفق الأربعة على أنه... لا يجري الربا فيه، قالوا: ليس هناك ربا في العملات الورقية ولو راجت رواج النقدين. قالوا ذلك لأنه يتعرض لظاهرة تسمى بظاهرة التضخم، ويطلق عليها في اللغة الإنجليزية "انفليشن". تتعرض للتضخم، أقرضتك المائة، ومضت سنة، هذه المائة كانت تشتري
سيارة، ثم أصبحت السيارة بمليونين، ما هذا؟ فأين المائة التي أنا... دفعتَك المائة التي دفعتَها ذهبت مع الريح، في رواية هكذا اسمها "ذهب مع الريح"، فهذا أيضاً ذهب مع الريح. ولذلك أن يكون على نقد من المال يحتاج أن يكون بمعنى السيولة لوسيط التبادل، فتفهم منه أمراً خارج المصطلح. بعض الناس، وهم قلة، فعلوا هذا وقالوا: يا إخواننا. إنَّ البشرية كلها الآن في حالة يُرثى لها، وكل العقود باطلة، وعقود الزواج
باطلة، والشركات باطلة، والميراث باطل، وانتقال الملكيات باطل. هناك أناس هكذا قالوا وكفَّروا المسلمين بها. فهؤلاء يقول فيهم الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: "ومن فعل هذه الغباوة" - وما هذه غباوة بل غباوة متناهية - "فإنه يدَّعي أنه يتورع". ورعاً لم يتورعه الأنبياء، والذي يعتقد أنه تورع ورعاً لم يتورعه الأنبياء ما بين الفاسق والفاجر، إنه شخص عنده خلل في عقله. ولذلك
تكلم العلماء عن هذا، وأن الورق هذا ما دام هو معتمد الناس في التبادل فهو المقصود من التحديد، وهذه قراءة ما وراء النص. الذي يريد أن يقف عند النص فهو في ضلالة. يقول الإمام القرافي في "الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام": "ومن قرأ الكتب ولم يدرك الواقع وحكم بما فيها عليه فهو ضال مضل". كلام الإمام الغزالي:
شخص ضال هو في الظاهر هكذا، وأما من الداخل فيعلم الله، لا يصلح، ومثله من... من المضحكات أن يعترض على القراء المصريين العظام، قراؤنا من هم؟ سيدنا الشيخ الحصري، سيدنا الشيخ المنشاوي، سيدنا الشيخ مصطفى إسماعيل، سيدنا الشيخ البنا، فالمسكين يقول إنهم يخطئون. حسناً يا موقوس، ألا تدرك أنهم الذين علموك؟ ألا تدرك أنهم قد نالوا قبولاً عاماً؟ أنت لا تدرك. انتبه أن الله أقامهم في حفظ دينه وقرآنه، يعني
هذه لم تنتبه إليها يا منكوس الرجاء يا معكوس الفطرة. القراء المصريون الذين هم شموس في سماء القراءة تقول عنهم هكذا؟! قال! حسناً، إنه توجد خاصية تسمى الهمس، وهؤلاء لا يهمسون لا الكاف ولا السين ولا التاء. قلنا له إن الغباء نوعان: غباء وضيع أصابك الله به، وغباء بسيط لست راضياً حتى بالوقوف عنده، حتى قال حمار الحكيم توما: "لو أنصف
الدهر لكنت أنا الراكب، فأنا جاهل بسيط وصاحبي جاهل مركّب". اعترض الحمار على الحكيم توما لأن الحكيم توما يدّعي العلم لكنه لم يتعمق فيه بعد. ما قصة الهمس هذه التي سبق فيها الشيخ الحصري؟ كان لدينا رجل هنا اسمه لبيب السعيد، وكان موظفاً في وزارة المالية، وقد آتاه الله حب القرآن، فقرأ القرآن على سيدنا الشيخ عامر، وكان الشيخ عامر هو القارئ وهو يرتقي إلى مقام سيدي الشيخ.
محمدٌ المتولي الكبير، والشيخ محمدٌ المتولي الكبير توفي عامَ ألفٍ وثمان مئة وتسعين، يروي عن الشيخ الأزميري، وكان يقول: "نحن أزميريون". مصطفى الأزميري، فالشيخ عامر أحيا سُنن الأولين في القراءة، وقرأ على الشيخ الصحار وعلى الشيخ الجنيني وعلى الشيخ فلان وعلان كثيرًا. قرأ على أُمَّةٍ، وحبَّبَ اللهُ له القرآن، فكان يسير. في المساجد والزوايا وغيرها، ويجمع الناس ليعلمهم كيفية القراءة، فوجدنا الدكتور كامل كان صيدلياً يحفظ القرآن بالقراءات العشر،
والدكتور عبد المنعم أبو الفضل كان يحفظ القرآن بالقراءات العشر، وكثير من الأطباء، فهذا دكتور تحليل، وهذا في الصيدلة، وهذا مهندس، وهذا غير ذلك من تلاميذ الشيخ عامر، وكان من تلاميذه الدكتور إبراهيم بدران. رحمه الله تعالى ويحفظون القرآن ويحفظونه بالقراءات، وبعد ذلك هؤلاء الناس كان منهم واحد اسمه الشيخ محمود برانق والشيخ عامر، كانوا في لجنة معينة وكانوا يختبرون القراء. فلما جاء الشيخ الحصري وهو صغير من البلد قالوا له: "اقرأ يا ابننا"، فقرأ وكان جالساً، ومن كان جالساً هناك الشيخ عفت فتح القاضي والشيخ محمود برانق.
والشيخ الضباع والشيخ عامر والشيخ الزيات عبد العزيز، فلما قرأ الشيخ الحصري قالوا: "فتح الله عليك يا بني، ما هذا؟ كأننا نسمع جبريل! يا بني، أنت لم تترك شيئاً إلا وفعلته". قال: "يقول لك همسي الكاف والسين والتاء وكذا"، "لا أعرف ماذا! ما هذا؟ من الذي علمك هكذا؟" الحرف هذا حقه ماذا؟ قال له: لا أعرف. قال له: يعني لا تعرف أنت يا بني؟ مددت المدود بشكل صحيح، وكل الصفات الحق والمستحق صحيحة، والوقوف صحيح، وكل شيء صحيح، والمخارج صحيحة. أنت يا بني، من الذي علمك؟ أنت لا تعرف من هنا في أي مد وما هو المد؟ قال: لا، لا أعرف. علَّمني
سيدنا الشيخ هكذا منذ صغري، هو يقرأ وأنا أردد خلفه. سألوه: ما اسمه؟ فقال لهم: اسمه الشيخ فلان. قالوا: هل نقرأ الفاتحة؟ هل هو موجود؟ فقال لهم: لا، لقد توفي. فقالوا: لنقرأ الفاتحة لسيدنا الشيخ فلان الذي علَّمك هذا التعليم العجيب وأنت لا تعرف الأحكام. فأخذوا الشيخ عبد الفتاح القاضي وعلَّموه الأحكام. حتى صار إماماً فيها وألَّف الكتب، يأتي صاحبنا المسكين، لم يقل ليس لديه، وليس هكذا فحسب، بل يتكلم "أنا شجاع". ماذا حدث؟ ما حدث للربيب السعيد أنه جاء في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي كان يرأسه توفيق عوضه رحمه الله تعالى، وكان عبد الناصر
قد أنشأ هذا المجلس من من أجل خدمة إفريقيا، وبدأت الحملات التبشيرية تشكك في القرآن وتغيره وتحرفه عندما تدخل هذه البلاد مبشرة بديانتهم، فوصل الأمر إلى مصحف محرف مطبوع في إفريقيا. فقام المصريون دفاعاً عن الله ورسوله، ودعا لبيب السعيد قائلاً: "يا جماعة، لا بد من إنشاء جمع صوتي للقرآن حتى تستفيد
منه إفريقيا". فالمجلس الأعلى قال... يا إخواننا، من الذي يأتي ليفعل هذا الأمر؟ سيدنا الشيخ الحصري أخبرنا ولوجه الله بدون مقابل، وذهب واللجنة موجودة الآن وما زالوا يعيشون، وقرأ المصحف المرتل وبعده المصحف المعلم وبعده المصحف المجود وبعده المصحف بقراءة قالون عن ورش عن قالون عن نافع، وبعده ورش عن نافع. قالون تقرأ بها ليبيا وورش. يقرأ بها المغرب حفصاً، ويقرأ بها مصر وسائر الشرق. قرأ بكل هذه القراءات لكي تكون حجة ولكي يمنع من التلاعب المطبعي للمصحف الشريف. نحن نتكلم هكذا. سنة كم؟
سنة أربعة وستين. المجلس أعطاه أربع سنوات لكن أنشأ ثلاث سنوات. الشيخ وهو يعمل جالس في شيء اسمه الهندسة الصوتية صاحبنا. لا يعرفها، الهندسة الصوتية هذه ماذا تفعل؟ الميكروفون له حساسية معينة ترسم على المونيتور الصوت، والهمس يعطيك علامة صغيرة هكذا، وذروته تعلو وتهبط، تعلو وتغطي طبقاً لطبقات صوتك. فيحدث ربما أنكم تسمعون صوت تكييف الآن هكذا، هذا الصوت تزيله الهندسة الصوتية. الهندسة الصوتية
المتاحة حينها ليس لها دخل. بالقرآن ما له علاقة بالأغاني وبالأشياء هكذا. فيُزيلون الضجيج فتُحذَف معها الهمسة. الله! هل أنت غبي أو أحمق أو أنت لا تعلم شيئاً؟ أي منذ كم سنة؟ ستون سنة مضت تطورت الدنيا وأصبح فيها تطورات كبيرة. فالشيخ وهو يقرأ قرأ بالهمس إلى أن قال له الشيخ عامر ماذا؟ يا بني كأننا نسمع جبريل، يا بني ما هو جبريل كان يهمس أيضاً، نسمع جبريل
والله! ما هذا! كأنه يعني إذا أردت أن تقرأ القرآن تسمعوا القرآن كما نزل فاسمعوه بقراءة ابن أم عبد، مخرج ماذا وهمس ماذا وصفات ماذا؟ وكله تمام التمام، فلما فعلوا هكذا الهمسات أُزيلت عندما... أدخلها على الجهاز تجد جزءاً منها ما زال فارغاً لا تسمعه أذن أخينا هذا، لا تسمعه ولا تعرف التقاطها لأنها ليست مقولة. المقولة تلتقطها الله، هذا همس أصبح الهمس، فأين ذهبت؟ بحر، والشيء أُزيل، أين ذهب؟
ذهب في تصفية الصوت. ما هدف القراءة؟ الحفاظ على المصحف وليس قراءة الهمس وإتقانها. يعني في هذا المكان، ولذلك شاع وذاع وانتشر وما إلى آخره. وعندما تأتي لتستمع في المآتم والاحتفالات والمناسبات ونحو ذلك، تجده يهمس ويفعل كل شيء والمدود صحيحة. يقول لك: "أين ذهب المد؟" مع أن المد ست حركات. لقد أُزيل جزء منه أثناء قيامهم بالتنقية، لأن الذوق العام حينئذ كان بدائياً. والمتخصصون لا يعرفون عمق القرآن، هؤلاء يعرفون في أشياء أخرى، فانظر إلى التسرع قبل
التعلم، فمن تصدر قبل أن يتعلم كمن تزبب قبل أن يتحصرم، عمل زبيباً وهو حصرم، فدائماً يقولون أن العلم بحر ليس ككل البحور، فإن العائم فوقه يهلك وأن الغائص فيه ينجو، ما هو لا يعرف. هذه العبارة محيرة ومربكة، فهو يظن أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في حين أنه يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فعندما نقرأ نصاً مثل هذا أنه على قدر من المال، اعلم أن وراءه قصة، ادرسها جيداً وكن حذراً، لأن مما
أدرك الناس من من حكمة آل داود أن يكون المؤمن مدركاً لشأنه عالماً بزمانه، وربنا سبحانه وتعالى حذّر بأن لحوم العلماء مسمومة، والعادة في منتقصيهم معلومة. ما هي العادة في منتقصيهم؟ "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين". استدرك المسكين فاعترض على ابن الجزلي، قال أخطأ ابن الجزلي أيضاً كما أخطأ. الشيخ الحصري وأخطأ الشيخ المنشاوي ابن الجزري الذي هو شمس القراء الذي اتفقت عليه الأمة. أخطأ ابن الجزري في الكتاب مكتوب، يعني ليس مسموعًا ولا فيه تحريف ولا
هكذا. أخطأ ابن الجزري! إنا لله وإنا إليه راجعون. من أجل تمام العمل ندعو من، يعني، لم يحترم العلماء والقراء. والفقهاء أنه يتوب إلى الله حتى يفتح الله عليه بدلاً من أن يستدرك