المجلس السابع من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

المجلس السابع من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة - الغاية والتقريب, فقه
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: فصل: والاستنجاء واجب من البول والغائط. فالألف والسين والتاء تدخل للطلب، فكلمة الاستنجاء معناها طلب النجو، والنجو هو الخلاص، فهو يتخلص من النجاسات. والألف والسين والتاء التي
أصلها تدخل للطلب تدخل على عشرة أنحاء، لكن في جملتها فيها معنى الطلب سواء كان حسيًا أو معنويًا أو مجازيًا. فيقول العرب: استحجر الطين، أي كان الطين طالبًا أن يكون حجرًا، فكلها تدور حول الطلب. ومنها الاستثمار أي طلب الثمرة، والاستهبال أي طلب أن تكون أحمقَ. والاستعباط يعني طلب أن تكون أبله. كل الألف
والسين والتاء يكون معناها الطلب. الاستقبال يعني تطلب أن تُقبَل، ولذلك يسمون المكان الذي في المستشفيات بالاستقبال. والأطباء عندما يفقدون فيه الأمل يقولون عن الاستقبال: الاستهبال. وهكذا الاستقالة تعني طلب الإقالة. طلب الإقالة واجب، فيجب أن نطلب زوال هذه. النَّجاساتُ وَالَّذِي يُحَدِّدُ النَّجاساتِ هُوَ الشَّرْعُ الشَّريفُ، أَيْ رَبُّ العالَمينَ. بِمَعْنى، مَنِ الَّذي أَخْبَرَنا أَنَّ البَوْلَ نَجِسٌ؟ الشَّرْعُ،
لا الطَّبْعُ. فَلَوْ كانَ البَوْلُ مُفيداً ما زالَ نَجِساً. فَالخَمْرُ نَجِسَةٌ، وَمَنِ الَّذي أَنْبَأَنا أَنَّ الخَمْرَ نَجِسَةٌ؟ الشَّرْعُ. فَإِذا كانَتْ فيها فائِدَةٌ ما زالَتْ نَجِسَةً. أَيْ أَنَّ النَّجاسَةَ لا عَلاقَةَ لَها بِالفائِدَةِ ولا بالاستقذار وعدمه، فالبول والغائط من المستقذرات، أي يستقذرها الإنسان ويتنزه عنها، لكنها نجسة. والخمر ليست من المستقذرات، فمن خفَّ دينه
وعقله يشرب الخمر، لكنها نجسة حتى لو كانت من غير المستقذرات. وستظل الخمر نجسة لأن الشرع وصفها بذلك. يسألونك عن الخمر... ماذا تقول؟ إنما الخمر، إنما الخمر. والميسر والأزلام والأنصاب رجس، يعني نجس، خلاص تكون رجساً، نعم ولكن هذه التي تعدل مزاجك، تعدل مزاجك، مزاج الذين أنجبوك، هي نجس وأنت تشرب نجساً هكذا، هو دائماً وستظل نجساً حتى لو أفادت وحتى لو
لم تستقذر، ستظل نجاسة والاستنجاء واجب، فإذاً إزالة النجاسة واجبة وثبت شرعاً. في البول والغائط الخارج من الإنسان نجاسة، والخارج من الإنسان على قسمين: قسم من السبيلين (القُبُل والدُبُر) وقسم من غير السبيلين. القسم الذي هو من السبيلين منه البول والغائط النجس، ومنه
ما ليس بولاً ولا غائطاً كالحصاة. الحصاة تتكون في الكلية في الحالب ثم تنزل إلى المثانة ثم قد تُطرد. خارجاً فنزلت من غير بول فهي نجسة، وعللوا ذلك بأنها من منعقد البول، يعني هي بول منعقد، أي بعض المواد التي تكون في هذا السائل المسمى بالبول انعقدت وترسبت وكوّنت هذه الحصوات. وشخص بلع
جنيهاً من الجنيهات المعدنية، فنزل إلى بطنه ثم خرج كما هو، فمعدته لم تستطع هضم الجنيه. قالوا نجسٌ متنجسٌ، يعني نغسله ونستعمله لأنه في أصله كان طاهراً ولم يتحول. الطعام تحوَّل، لكن الجنيه المعدني هذا نزل كما هو وخرج كما هو، لكن أحاطته النجاسة فتنجَّس. إذاً هناك فرق بين النجس والمتنجس: النجس لا يصلح في حلٍّ ولا
إبرام، لكن المتنجس يمكن أن تغسله وتستعمله على. لم تكن الزجاجة التي كانت تحتوي الخمر نجسة بل متنجسة، فيجوز لك أن تغسلها وتستعملها، تستعملها في وضع قليل من الماء وحفظها في الثلاجة. لماذا؟ لأنها كانت متنجسة وليست نجسة. والاستنجاء واجب من البول والغائط. أما ما خرج من السبيلين من غيرهما كالريح، فالريح التي تخرج من السبيلين طاهرة عند فَمَنْ
خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِنْجَاءُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ مِنْهُ طَاهِرٌ. إِذًا فَهُنَاكَ خَارِجٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَيْسَ بِنَجِسٍ، هُنَاكَ خَارِجٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ نَجِسًا. وَالْأَفْضَلُ اِسْمُ تَفْضِيلٍ، وَاسْمُ التَّفْضِيلِ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ. اسْمُ التَّفْضِيلِ أَصْلُ بَابِهِ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ، فَعِنْدَمَا نَقُولُ حَسَنٌ أَفْضَلُ مِنْ حُسَيْنٍ يَكُونُ حَسَنٌ. يوجد
فضل في الحسن وفضل في الحسين. عندما تقول "أفضل"، فهذا يعني أن الاثنين فيهما فضل، وأثبتَّ لهما فضلاً، ولكن الفضل في الحسن أكثر من الفضل في الحسين. في هذا المثال، يكون "أفعل التفضيل" يقتضي المشاركة في أصل بابه. الباب الخاص به أصلاً يقتضي المشاركة، ولكن إذا خرج عن بابه الله أحسن الخالقين، أيعني ذلك أن هناك خالقاً وهناك ربنا وربنا أحسن من ذلك الخالق في الخلق؟
كأننا أجرينا اسم التفضيل على قاعدته المعروفة، ولكن هنا يقول المفسرون إن اسم التفضيل ليس على قاعدته المعتادة. وأنت تقرأ بعين المتأمل وتكون في حيرة شديدة. ما معنى "ليس على قاعدته"؟ يعني أنه التي موجودة في قولنا حسن أفضل من حسين، هنا حسن أفضل من حسين، حسن فيه فضل وحسين فيه فضل، وفضل الحسن أعلى وأزيد وأكثر من الحسين. ولكن عندما يأتي ويقول: تبارك الله أحسن الخالقين، الذي لا خالق سواه، فهذا ليس على بابه، فيقولون هكذا فقط. نحن
افتقدنا اللغة عندما... تجد المفسر يقول "تبارك الله أحسن الخالقين" وأفعال التفضيل هنا ليست على بابها، يعني لا توجد مقارنة أصلاً ولا توجد زيادة في طرف عن طرف. هذا هو باب أفعل التفضيل في اللغة أصلاً، لكنه هنا خرج عن بابه، ليس من هذا النوع، والأفضل أن تكون الصورتان فيهما فضل فقط. واحدة أعلى قليلاً في الفضل من الأخرى، واحدة حصلت على النجاح وحصلت على درجة سبعة، والأخرى نجحت وحصلت على درجة تسعة، فهذه أفضل من تلك، لكن
الاثنتين نجحتا. والأفضل أن يستنجي بالأحجار، يقصد بالأحجار هنا هذه لغة الفقهاء. وأيضاً هذا مما افتقدناه، افتقدنا ماذا؟ أن نفهم اللغة الاصطلاحية (المصطلحات)، انتهى لنتحدث معه بالإنجليزية يا عزيز، لقد فقدنا حتى مصطلحات الفقهاء، فالحجارة هي كل جاف صلب قالع للنجاسة طاهر، فتكون الحجارة هي شيء يُسمى هكذا. هذه الشروط الأربعة تُسمى حجارة، وليس بالضرورة
أن تكون حصى، وليس بالضرورة أن تكون حجارة التي هي "stone"، بل الحجارة هنا معناها الطاهر القالع الجاف، نعم هذا غير المحترم هو النمرة خمسة، لكننا قلنا الآن أربعة. نعم، القالع الطاهر الجامد الجاف غير المحترم. لماذا ذكروا "غير المحترم"؟ ذكروها بسبب رغيف الفينو، رغيف الفينو هكذا. هل يجوز أن نستنجي به؟ فقال: لا،
هذه سيئة، كيف تستنجي به؟ هل يجوز أن نستنجي بطعام من الأطعمة، خضار مثلاً جامد؟ وطاهرٌ ونظيفٌ وما إلى ذلك، لا، لأنه محترم. فغير المحترم أي المُعدَّل، هذا مثل ماذا؟ مثل الحصى. هذا الحصى يكون في نفس الشيء الذي هو ماذا؟ الذي في هذه الأشياء. فالحصى هذا حجارة في هذه اللغة، وليس بالضرورة الحجارة التي لو ضربت بها شخصاً ستطرحه أرضاً، لا، هذا وذاك. في الماضي لم يكن هناك صرف صحي ولا حمامات ولا غير ذلك، فكانوا يقضون حاجتهم في
الصحراء، فيجدون قطعة حجر صغيرة بجانبهم، قطعة حجر أو ما شابه، طاهرة، نظيفة، جامدة، جافة، وغير مستخدمة، فأطلقوا على هذا النوع الحجارة. فالحجارة هذه عنوان وليست مسألة حصرية، بل هي عنوان. لصفات معينة تحدّث عنها الفقهاء، والأفضل أن يستنجي بالأحجار ثم يتبعها بالماء، لأن الماء هو أصل الطهارة. الماء هو الذي يزيل العين والرائحة واللون والملمس، كل
شيء بالماء. وإذا خُيِّر بينهما اختار الماء، وإذا جمع بينهما فإنه يأخذ درجة زيادة أفضل حتى لا تحدث التهابات وحتى لا تحدث جروحات. حتى لا يحدث شيء مثل ذلك فهو أفضل، ويجوز أن يقتصر على الماء أو على ثلاثة أحجار ينقي بهن الموضع، فإذا أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل لأنه هو الأصل. ويجتنب يعني في غير البنيان في الصحراء استقبال القبلة واستدبارها،
أما في البنيان الذي نملكه فإلى أين سيذهب؟ هو كما صنعه المهندس، ستضطر إلى أن تجلس مستقبلاً مستدبراً أو غير ذلك ويجتنب استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء. بقي في ماء راكد ليس جارياً، ما هو هذا الماء الراكد؟ قال مثلاً ترعةٌ، وفي العربية بالتاء المضمومة ليست "ترعه" كما تقولونها، لا، "ترعةٌ" كما يقولها أهل الصعيد. الماء الراكد في... قال: إذا حركت ضفة من الضفتين
فتحرك الماء في الضفة الثانية، فهذا ماء راكد. وإذا أتيت بغصن وحركت المياه به، فصنعت دوائر تصل إلى الضفة الثانية، فهذا ماء قليل راكد ليس بشيء. ولكن إذا حركت الطرف هنا، ولم تصل الدوائر إلى الطرف الآخر، فهذا ماء جارٍ. يكون الماء الراكد أقل من الجاري، وأكثر شيء في الراكد هو أنك تحركه هنا فيتحرك هنا، أو أقل وأقل فهذا لو ألقينا فيه النجاسة تنجس لأنه محدود وثابت راكد، وليس جارياً، وليس متحركاً. ويُجتنب البول والغائط في الماء
الراكد حتى لا يؤذي الناس وحتى. لا ينجس هذا الماء وتحت الشجرة المثمرة لأن الشجرة ستنزل منها الثمرة عندما تنضج فتسقط في النجاسات فيصبح الإنسان يعافها، وفي الطريق فيه أذى للناس، والظل يجلس الناس فيه، تجلس وتجد هذا المكان، فالأفضل تركه، والثقب لأن هذا الثقب قد يكون فيه عقرب أو قد يكون فيه ثعبان. فيخرج الثعبان ويفزعه فينجس نفسه، ولا يتكلم
عند التبول والتغوط على سبيل الكراهة. لماذا لا يتكلم؟ قالوا إذا كان رد السلام الذي هو واجب لا ترده عندما يقضي المرء حاجته، فإذا مر عليه أحد وقال له: "السلام عليكم"، لا يرد عليه، وهذا واجب، فما بالك بما هو أقل من الواجب، هذا خالص ولا يستقبل الشمس والقمر ولا يستدبرهما أيضاً، كل هذا في غير البنيان يعني في الصحراء. فإذا لم يترك لنا صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً إلا وقد علَّمنا ما الذي يقربنا إلى
الله وما الذي نتنزه فيه عما حكم الله عليه بالنجاسة وبالاستقذار وبالضرر وبغير ذلك من المحرمات: حرم الله علينا أن نتناول النجاسة وأن نتناول الضار كالسم وأن نتناول المستقذر الذي يستقذره الإنسان حتى لو كان طاهراً. اللعاب مستقذر، البلغم مستقذر، لكنه طاهر، ولكن لا يجوز أن نبتلع هذه الأشياء لأنها من قبيل المستقذر. وحرم علينا المحترم، فلا
يجوز أن نأكل من جثة إنسان، لا يجوز محترم وحَرَّم علينا شيئاً خامساً. ما هو يا شيخ سيد؟ الأشياء الخمسة التي حرَّمها علينا غير هذه؟ حسناً، قُل أي شيء، قُل لنا هكذا أي شيء، أتحفنا بأي شيء. ألم نقل النجس، وقد دخل فيه كل هذا، وقلنا المستقذر، وقلنا المحترم، وقلنا المستقذر. هناك شيء خامس، ما هو؟ ولكنه دار ما هو داخل في الدار. نعم،
أنت تكلم نفسك. نعم، مُلكه ما هو محترم، ما هو حرَّم علينا المحترم، ومن ضمن المحترم ملك الغيب. أنا كنت أقول لكم في الأزهر خمسة، ولما جئنا هنا بعد أربعين سنة أو ثلاثين سنة تذكرت أربعة، وما زال ينقصني واحدة، والذين حضروا أتذكرون، حسنًا، أجلس أنفخ في قربة مقطوعة، يقول لي أحدهم: لم تحضر يا أستاذ، بل أنت حاضر بالفعل. حرَّم الله علينا النجاسة بكل أنواعها، بما فيها الخمر وغيرها وما شابه ذلك، وحرَّم علينا المستقذر، وحرَّم
علينا الضار كالسم والمخدرات وما إلى ذلك من الأشياء الضارة، وحرَّم علينا المحرَّم، وقال لنا الإنسان، أو مثل أكل مال الغير، أو مثل كذا إلى آخره، ابقوا في هذه الخمسة، هذه الأربعة، وأنا الذي سأتذكر الخمسة إن شاء الله. قالوا: كيف نتذكرها؟ قال الشيخ: بإحسان النية منه ومن السامعين. يعني أنتم لو أحسنتم نياتكم قليلاً هكذا، الآن ستجد: أجل ها هي جاءته، ها هي! أوه ورأيناها في مشايخنا
عندما نُحسن النية فقط، لكننا كنا قليلين قليلاً، لأنكم ما شاء الله لا قوة إلا بالله. وكان الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني عندما يرى الحضور قد زاد، يقوم بتحصينهم، يُجري التحصين لأنه يخاف عليهم من العين. فإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، وندعو الله أن يفتح عليكم فتوح العارفين. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار وأجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة وعلّمنا العلم النافع وأقمنا حيث ما ترضى وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك. اللهم يا ربنا أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظله
واحشرنا تحت لواء نبيك واسقنا من يده الشريفة شربة. هنيئة المريء لا نظمأ بعدها أبداً، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا، واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً، كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حينا. وميتنا وحاضرنا وغائبنا
    المجلس السابع من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة | نور الدين والدنيا