المجلس السابع والعشرون من شرح متن الغاية والتقريب | أ د علي جمعة

المجلس السابع والعشرون من شرح متن الغاية والتقريب | أ د علي جمعة - الغاية والتقريب, فقه
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: فصل: وخمسة أوقات لا يُصَلَّى فيها إلا صلاة لها سبب. خمسة أوقات تفصيلاً وجمعوها في ثلاثة إجمالاً، فهو اختار التفصيل على الإجمال حتى. يكون متنه شاملاً كاملاً
تاماً بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وعند طلوعها يصبح لدينا اثنان هكذا. لم يقل يعني بعد صلاة الصبح إلى إشراقة الشمس وانتهى، لكن لا، جعلهما اثنين: بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وعند طلوعها حتى تتكامل وترتفع قدر رمح، ثالثاً وإذا استوت حتى تزول استوت. عَدَّ أهل الهيئة السماء عددها
مائة وثمانين درجة، فالاستواء عندما تصل الشمس إلى نقطة تسعين ثم تزول عنها، أي أن طرف الشمس يخرج من دائرة درجة التسعين. فلو تخيلنا أن السماء قسمناها مائة وثمانين درجة بالخطوط، فما بين الخطين درجة، هذه الدرجة تسير فيها الشمس أربع دقائق أو أقل أو أكثر. طبقاً لمواقيت الصيف والشتاء، إنما بالجملة أربع دقائق. هذه الأربع دقائق زيادة قليلة، خمسين يعني، سنتين
أو أقل، لا يحدث شيء. في المتوسط أربع دقائق، فعندما تصل إلى تسعين درجة، تغادر الدرجة بكاملها، ليس بمركزها، ليس بمركز الشمس، إنما بكل الشمس، بحيث أن خط نهاية التسعين يكون مماساً لدائرة الشمس، فيصبح... هذا ما نسميه الزوال. ماذا يعني الزوال؟ يعني زالت الشمس عن منتصف السماء، لأن منتصف السماء هو الدرجة تسعين، حيث أن مائة وثمانين على اثنين يساوي تسعين، فيكون هناك تسعون درجة وتسعون درجة، أي أنها منتصف السماء بالضبط.
فعندما تزول الشمس عن هذه النقطة تغادرها، لأن الشمس في حركتها الظاهرية تسير في... السماء وإن كانت هذه الحركة الظاهرية ناتجة عن حركة الأرض حول نفسها، لا يهم، إنما نحن نراها بالعين البشرية أنها هي التي تسير، وحملوا عليها قوله تعالى ظاهراً: "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم"، فالشمس تجري أمامي، فلما جرت الشمس أمامي لا بد أن تزول عن درجة معينة. تسعون بأكملها، كل الشمس تطلع عن درجة تسعين. إذا برز من الشمس شعاع واحد فوق الأفق،
هكذا يكون الشروق قد تم. والغروب لا يتم إلا بزوالها كلها تحت الأفق، يعني لو كان فيها هذا الشعاع الواحد فلم يحن وقت المغرب بعد. يؤذن المغرب عندما تزول بتمامها، تنغمس بتمامها في الأفق، وإذا... استوت حتى تزول، فتكون في تسعين درجة قبل الظهر بأربع أو خمس دقائق، قبل أربع أو خمس دقائق هذه وهي في الاستواء، لأن الظهر سيؤذن حالاً، بقي أربع دقائق والخمسة ويؤذن الظهر، فهذا وقت الاستواء، ممنوع الصلاة فيه،
وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، أي تمام غروبها، يعني الدائرة الخاصة بها تكون. تحت خط الأفق لا نرى منها شيئاً، وعند الغروب حتى يكتمل غروبها، وتكامل غروبها يكون بزوال جرمها. إذاً، فهذه ثلاثة أوقات إجمالاً: بعد صلاة الصبح إلى أن يتم الإشراق، وعند الاستواء، وبعد صلاة العصر إلى أن يتم الغروب. هذه الأوقات الثلاثة لا
يُصلى فيها، لا يُصلى فيها ماذا؟ لا يُصلى. فيها صلاة بلا سبب فالإمام الشافعي عندما جمع نصوص الشريعة وجد أنه لا بد أن يشترط شروطاً، وذلك أن النبي قال: "يا بني عبد مناف، لا يمنعن أحدكم أحداً يطوف بهذا البيت في أي ساعة شاء من ليل أو نهار". فهذا يعني أن سيدنا أمر سدنة الكعبة الذين يقومون على خدمتها ونظافتها. وصيانتها والمفتاح معهم، وكذلك بنو شيبة. قال لهم ماذا؟ قال لهم: احذروا أن يطوف أحد منكم أربعًا
وعشرين ساعة. حسنًا، وماذا عن الأوقات المنهي عنها؟ فنحن بعد أن نطوف نصلي ركعتين في مقام إبراهيم عليه السلام، فماذا يحدث بهاتين الركعتين في هذا الوقت؟ سيدنا يقول... صليت، نعم، إذن يجب أن أجمع بين هذا وبينها. رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثلاثة أوقات، جاءني في الكعبة واستثناها. حسناً، ما الذي خصص؟ هل الزمان هو الذي خصص المكان أم
المكان هو الذي خصص الزمان؟ وبقوا يفكرون، يعني إياك أن تصلي في هذه الأوقات إلا في الكعبة، صلِّ. ولم تُصَلَّ الأربع والعشرين ساعة في الكعبة إلا في هذه الأوقات. ماذا يعني الذي دخل على الثاني فخصصه؟ هل الزمان الذي خصص المكان أم المكان الذي خصص الزمان؟ يصح هذا ويصح ذاك. إذا قلت الزمان سيخصص المكان فعقلك يجيزها، وإذا قلت المكان هو الذي خصص الزمان فعقلك يجيزها أيضاً. فالشافعي قال ليس... هل انتبهتم؟ قلنا له: حسناً، انتبهنا. الشافعي مفكر فقيه. مرة
بات عند أحمد بن حنبل، فكانت ابنته تسمع سيدنا أحمد يمدحه بشدة، فقالت: والله لأرى ماذا سيفعل. فوجدته لم يقم ولم يفعل شيئاً في الليل، ولم يصلِّ ولا غير ذلك، ولم يظهر أثر التعب عليه، لم يكن هناك شيء. فتقول... لأبيها: ما هذا الرجل الذي تمدحه؟ إنه لم يصلِّ، فسمعها الإمام الشافعي وقال لها: لقد حللتِ ستين مسألة من مشكلات المسلمين، يعني أنه جالس يفكر ويحمل هم الأمة. ليست القضية أنه عمل وعمل وعمل فقط، بل هو الإخلاص والفكر والفقه والحلاوة هكذا. إذن، كيف تفسرين
ذلك يا... سيدنا الإمام الشافعي قال: الصلاة التي لها سبب تُفيد في هذه الأوقات، والصلاة التي لا سبب لها لا تُفيد في هذه الأوقات. قلنا له: حسناً، لا بأس، فنحن ما زلنا مبتدئين. ما معنى "لها سبب"؟ وما معنى "ليس لها سبب"؟ قال: يعني لماذا تصلي أنت؟ قلت له: أصلي لأنني أنا دخلتُ المسجدَ وأردتُ أن أصليَ ركعتين، فسألني: هل السبب سابقٌ أم مقارنٌ أم لاحق؟ فقلتُ له: ما هذا الكلام؟ ما هذا؟
إنه كلامٌ صعبٌ جداً. فقال لي: هذه مسألة سهلةٌ تماماً، ما الذي جعلكَ تُصلي هاتين الركعتين؟ فقلتُ له: لقد دخلتُ المسجد. فسأل: هل الدخول قبل الصلاة أم مع الصلاة أم بعدها؟ الصلاة قلت له لا قبل الصلاة، إنني دخلت فصليت. قال لي: إذاً لم يكن لها سبب سابق، فلنواصل حديثنا. طيب، السبب المقارن؟ قال: مثل صلاة الكسوف والخسوف، فالكسوف يحدث وأنا أيضاً، لماذا تصلي هاتين الركعتين؟ قلت: لأن الشمس مكسوفة وهناك ما يسمى بصلاة الكسوف. قال لي: السبب. قبل أو معه قلت له: "لا، معه". قال
لي: "فإذا كان سابقاً أو مع، صلِّ، وإذا كان لاحقاً". قلت له: "مثل ماذا؟" قال لي: "مثل أن أصلي ركعتين وبعد ذلك أقول: يا رب أنزل علينا الغيث، فالدنيا ليس فيها ماء، فأريد أن تنزل المطر، أو صليت ركعتين وأستخير الله، أو أقضي حاجة". يا رب اقضِ لي الحاجة الفلانية، صلاة الاستخارة أو صلاة الحاجة أو نحو ذلك إلى آخره. السبب، أقول لك: لماذا صليتُ هذه الصلوات؟ تقول لي: لأنني سأدعو بعدها. نعم، بعدها أستخير أو سأدعو بعدها بقضاء الحاجة. أو بلا سبب صليت، فلماذا؟ قلت: نافلة لله
هكذا، اشتقت للصلاة. إذن، السبب هو... سبب أربعة سبق ومقارن صَلِّ، لاحق ولا سبب لا تصلِّ. يكون الكلام الذي لسيدنا في النهي عن الصلاة التي سببها يكون لاحقًا أو لا سبب له. سيدنا ابن عباس وجد أعرابيًا يصلي في هذا الوقت، فقال له: "ماذا تفعل؟" قال له: "شيء لله، هكذا ركعتين لله". قال: "والله لا أعرف". إذا كان يعطيك ثواباً أو عقاباً، أنا لا أعرف ماذا سيفعل الله بك، هل سيعطيك ثواباً على هاتين الركعتين، أم سيعاقبك لأنك خالفت ما
هو وارد؟ أنت عندما تصلي بدون وضوء سيعاقبك على فكرة، أو لو ذهبت وتوضأت باللبن وذهبت للصلاة سيدخلك جهنم إن شاء الله. حسناً، صلّيتُ أنا، أين ما تصلِّ... عاملة مُتعبة تصلى ناراً حامية، تُسقى من عينٍ آنية. هي القضية ليست أنني عملتُ وعملتُ وعملتُ، بل القضية إخلاص، والقضية عبادة، والقضية توجّه وطاعة. ليست القضية أنني عملتُ. إن إبليس كان طاووس الملائكة، كان طاووس الملائكة، لكن لم ينفعه ذلك حين لم يكن هناك إخلاص، إذ أبى إبليس واستكبر. وكان من الكافرين، فإذاً لا
تصلِّ في تلك الأوقات صلاةً سببها لاحق أو لا سبب لها، وصلِّ ما كان لها سبب سابق أو مقارن. تعال الآن يا بني عبد مناف، لماذا تصلي؟ قلت له: هل أنا طفت الطواف سابقاً أم لاحقاً؟ سابق، إذاً صلِّ ولا تقلق، ولا يكون هناك مشكلة. أشكال ولا في تعارض ولا خلافة، قلنا له: إنك ذكي جداً يا إمام، الله! شيء عجيب، هذا الشكل من أذكياء العالم. الإمام الشافعي هذا، نعم، عندنا هنا، هو مصري يعني، نعم. الإمام الشافعي، من أين جاء بهذا الذكاء؟ لأنه لم تفته الأمور هكذا
وانتهى، العالم وبيته أصبح الذين هم... طَلَعوا هؤلاء على طولِ الطريقِ يَتَعَثَّرون، فتجدهُ جالساً يناقضُ نفسَه بغيرِ وعيٍ منه. لم يكن أئمتُنا هكذا، بل كانوا يدرسونَ الأمرَ ويتعمَّقونَ فيه، وفي النهايةِ يُقدِّمونَ أحكاماً واضحةً وعميقةً ومباشرةً، فتظهرُ الشريعةُ أنَّه ليسَ فيها خلافٌ ولا تضادٌّ ولا تناقضٌ، إنما كلامُهم يَظهَرُ. الشريعة كلها تتعارض مع بعضها وهذا حرام، فلا تتحدث بما لا تعرف ولا تتبع ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً. اللهم يا ربنا افتح
علينا فتوح العارفين بك وخذ بأيدينا واهدنا إلى أقوم الطريق. معنا اليوم صوت من بلاد الشام من دمشق. ولا من دمشق من الشام نفسها سنسمع هكذا بعض المديح مديح الله.
أحسنت
وجزاك الله خيراً، وفي قراءة شاذة "يزيد في الحَلْق ما يشاء"، يعني هي في الخَلْق لكن في قراءة قال: "يزيد في الحَلْق ما يشاء". وقال الإمام الغزالي: وذلك في حسن الصوت، فيزيد في الحَلْق ما يشاء. جزاك الله خيراً.