المجلس السادس والخمسون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

المجلس السادس والخمسون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة - الغاية والتقريب, فقه
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين ولا يجوز بيع الثمر مطلقا إلا بعد بدو
صلاحها وبين أن صلاحها أن تحمر أو تصفر يعني النبات عادة يخرج أخضر فإذا مال إلى الحمار أو إلى الصفار بدا نضجه فإما أن تطيب وتصبح قابلة للأكل وإما أن تصفر وتحمر فيكون قد بدا صلاحها يعني هي لم تصلح بعد ولكن بدا صلاحها وذلك منعاً للغرر لما نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر قبل بدو صلاحها من أجل عدم الغرر لأنني لو بعتك إياها قبل بدوّ الصلاح والنضج، وبالتالي لأن بدوّ الصلاح قبل النضج، لو بيعت قبل بدوّ الصلاح لا نعرف الكم الذي بعناه إياه. يعني هذه النخلة ستنتج كم من التمر قبل بدوّ الصلاح لا نعرف. إذاً فقد بعتك مجهولاً، وعندما يبدو صلاحها قد تنقص أو قد
تزيد، يبارك. الله فيها وتزيد. الثمن الذي دفعته أنت مقابله مجهول، تظن أن هذه الثمرة ستكون ألف كيلوجرام، هذا البستان سيُنتج ألف كيلوجرام، فيأتي بمائة أو مائتين أو ثلاثمائة أو أربعمائة بخلاف تقديرك ولو كنت خبيراً. إذاً، فالغرض هو إنشاء العقود المتوازنة في موازنة بين الثمن وبين المثل، لا تظلمون. ولا تَظلِمون. لا نريد
وقوع الظلم بين أحد من الأطراف، لا البائع ولا المشتري، وهذا يقلل الخصومة بين الناس ويقلل المنازعة. والديانة مبنية على ذلك؛ تقليل المنازعة بين الناس. لا يبيع أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبته حتى يذر، حتى يدع هذا الذي أخذها أولاً، لأن ذلك ينشئ. الخصام والنزاع والصدام بين الناس والشرع والديانة على الوفاق والجمع والرحمة بين الخلق، فكل المنهيات لها غرض، وهذا
الغرض هو العدالة، وهذا الغرض هو التوائم والوئام، هذا الغرض هو الرحمة، هذا الغرض هو جبر الخواطر، ولا يجوز بيع الثمر، يبقى الذي تكلمناه كله هذا أين؟ في البيع، في بائع. ومشترٍ وبعتك واشتريت وثمن ومثمن عقد فحصل في البلاد كمصر والشام والعراق عندنا مزارع وبساتين
إذا انتظرنا حتى يبدو الثمر في صلاحه خسر البائع والمشتري، يعني لو التزمنا بذلك يخسر البائع والمشتري. فهناك أمر يحتاج إلى تفكير، فلا يمكن أن تدلنا الشريعة على شيء إلا وفيه مصلحة فلما نهت. الشريعة عن هذه الصورة فالمصلحة فيها في هذا النهي، لكن الواقع أن عندي مزرعة وزارع
فيها موز وأريد أن أبيع الموز، لابد أن أبيعه قبل بدو صلاحه، بل قبل إنشائه. التاجر يأتي ويقول لي: أريد أن أشتري ثمر هذه المزرعة لمدة ثلاث سنوات. هذا لن يشتري الإنتاج الذي نراه الآن. ولم يبدأ طلاحه بعد، بل سيشتري في السنة القادمة التي هي في علم الغيب، والسنة التي بعدها التي هي أيضاً في علم الغيب. سألته: لماذا تفعل هكذا؟ فأجاب: حتى ينتظم الحصول على الثمرة ونقلها إلى الأسواق وترتيب المسألة. فقلت
له: لا، هذا حرام، فالشيخ سمعناه في الدرس يقول إنه حرام. فقال: حرام. كيف؟ فماذا أفعل؟ قلت له: لا بد من عندي بدأ صلاحها. فذهب لغيري ووافق لأنه لم يحضر الدرس ولم يعرف أن هذه الصورة محرمة. فالرجل باع له ثلاث سنين، كل هذا من تجار السوق. جاء بدأ صلاحها فاتصلت به، قلت له: خلاص بدأ صلاحها، اجلس، تعال اشترِ. قال لي: لا. اشتريتُ هل أنا أنقصك حتى تتأخر عليّ كل هذا الوقت؟ شكراً
لك. اتصلتُ يميناً واتصلتُ شمالاً، ولكن لا يوجد أحد، ولا أحد راضٍ أن يشتري الصبر. فلما حدث ذلك قلت: يا الله! وبعد ذلك جاء شخص يمشي هكذا وقال: يا الله، أنت لم تبع بعد؟ قلت له: لا، لم أبع بعد. قال: سآخذها بعشرة في المائة من السعر. ظلمة يعني هي تسوي لها مائة ألف ويعطيني عشرة. العشرة اشتريت بها سماداً أصلاً ورعيت الزرع وصنعت مضخة مياه لكي تدخل المياه. يعني أنا صرفت عليها خمسة عشر وهو سيعطيني عشرة، فمن أين سآكل وأشرب؟ إذاً فنحن في حالة خطيرة. عُرض
هذا الأمر على شيخ الإسلام ابن تيمية فقالوا... له: "ماذا نفعل إذاً؟ جميل، أنت تتظاهر بالاجتهاد، قل إذاً"، فقال: "آه، عندما نواجه شيئاً كهذا، يجب أن نفكر خارج الصندوق (Out of the box)". هو لم يقل هكذا بالضبط، أنا الذي أعبّر يعني أحكي القصة. "خارج الصندوق"، ما هو المنهي عنه؟ قلنا قال... والله يا حضرة، ابن تيمية: المنهي عنه هو البيع، بيع الثمر. قال: طيب، ما رأيكم في الإجارة؟ قلنا له: الإجارة؟ قال: بل الإجارة
مبادلة بين الإيجار وبين منفعة لم تنشأ بعد. يعني ماذا؟ أن أنت مؤجر شقة لكي تسكن فيها، والسكن حصل أم لم يحصل بعد؟ لم يحصل بعد، فإذاً إذا لم تُخلق. بعد ذلك أدفع لصاحب الشقة الإيجار وآخذ منه المنفعة، والمنفعة ليست ملموسة، وهي منسوبة إلى المستقبل، وكل الإيجار ندفعه أولاً. فعندما يأتيك هذا الرجل قل له: ما رأيك؟ سنصل إلى نفس النتيجة التي تريدها. ما رأيك أن تستأجر مني الشجر؟
قال لي: أنا موافق على استئجار الشجرة منك، لكن يجب أن تكون تحت سلطتي. أعْطِهِ بعضَ السمادِ، وأرعاهُ، وأقصُّ منهُ شيئاً لكي تُزهِرَ الزهرةُ هكذا وتكثرَ. نعملُ تلقيحاً بينَ شجرةٍ وشجرةٍ. قلتُ لهُ: حسناً، استأجِرْ مني المزرعةَ ويكونُ كأنني بِعتُ ثمرتَها لمدةِ ثلاثِ سنواتٍ، لكنني لم أبِعْ. وفي السنةِ أنتجَ ألفَ كيلو منَ المزرعةِ، فأصبحَ مسروراً غايةَ السرورِ، وأعطاني مائةَ ألفِ جنيهٍ وباعَها. هو بمائتين ألف جنيه، يكون رابحاً. الحمد لله. في السنة الثانية وصلوا إلى
تسع مائة، أعطاني مائة ألف جنيه وباعها بمائة وثمانين ألف جنيه، رابحة والحمد لله. في السنة الثالثة وصلت إلى ألف ومائة، وليست ثمان مائة، بل ألف ومائة. أعطاني مائة ألف جنيه وباع هو بمائة وعشرة آلاف، فيكون مسروراً غاية السرور إذا تحققت الحيلة. فيها يكون إيجار الشجر وليس الثمر. شخص مهمل دخل في الدور الجديد ليست لديه خبرة في الزراعة، فأعطاني مئة ألف جنيه ولم يذهب ولم يعتنِ بها ولم يرها ولا أي شيء، فأنتجت بدل ألف كيلو مئتي كيلو. ليس
له شيء عندي، أنا أجّرت له الشجر مثل ماذا؟ أتيت تقول لي أنا... أريد أن أستأجر سيارتك. قلت لك: "لا بأس، ستدفع في الشهر ثلاثين ألف جنيه". قال لي: "تفضل، أنت رجل طيب، إنها بخمسة وأربعين خارجاً". حسناً، وأخذ السيارة وركنها تحت بيته لمدة شهر. ما شأني بأنه ركنها أو استعملها أو ذهب بها إلى الطبيب أو ذهب بها إلى النادي أو أي شيء آخر. ما شأني أنا؟ لقد أجّرتك السيارة، أنتَ وضعتها في الجراچ وبكيت وبقيت شهراً مريضاً، ولا شأن لي بذلك. أنتَ استأجرت مني السيارة بثلاثين وأخذت السيارة وبقيت عندك،
إذاً أنا لا شأن لي بها. الشجر، أنا أجّرت لك الشجر لتستعمله وترعاه، سواء أنتج لك قليلاً أو كثيراً، أنا لا شأن لي بذلك. استعملت العربية مائة مرة خمس مرات، ليس لي علاقة، أنا لم أؤجر لك شيئاً للزمن بالزمن، لم أؤجرك الشقة. إذا ذهبت وسكنت فيها، سكنت فيها شهراً واحداً فقط، ليس لي شأن بذلك. فأخرجنا ابن تيمية رحمه الله تعالى من هذه الورطة بتحويل العقد من البيع الذي هو منهي عنه والذي يجب. نقول آمين، والذي نقف فيه وجميعهم من رسول الله ملتمسون غرفًا من البحر أو رشفات من الديم، وواقفون لديه عند حدهم. طالما سيدنا قال، فيكون صحيحًا هكذا.
ربما بعض التكوينات والمكونات وما شابه لم يعجبها هذا الأمر، لكننا هكذا، وحرية الفكر متاحة، أليس كذلك؟ حرية الفكر مباحة، فنحن... نُحِبُّ سيدنا، حرية فكر، وواقفون لديه عند حدهم. نعم، حرية فكر، ليس لأحد عندي شيء، والذي يقول غير ذلك يُضرب بالحذاء. نعم، هو حُرٌّ أن يقول لك: "أنا كافر بسيدكم هذا". حسناً، اكفر، ما شأني بذلك؟ "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". نعم، أأنت نفسك تريد دخول جهنم؟ تدخل نفسك كلها جهنم؟ هذا أنت فاجر يا رجل! ما هذا؟ أنت تريد أن تدخل جهنم؟ تفضل ادخل جهنم. "جو
تو هيل" يعني اذهب إلى الجحيم، أتفهم؟ لكنني أريد أن أدخل أنا عقيدتي. أنا هكذا، حرية فكر أم لا؟ حرية فكر مائة في المائة. إذاً ابن تيمية طبعاً هو يعني رحمه. الله تعالى كان آخذاً في وجهه هكذا في أمور في اللغة وفي العقيدة فاختلط قليلاً، فالناس تغضب منه ويقول لك: "لماذا تقول ابن تيمية رحمه الله تعالى؟" حسناً، لقد حلَّ لنا مشكلات، إذاً على من نقول "النور رحمه الله تعالى"؟ أليس عليه أيضاً؟ ولكن الحق حق والباطل باطل. باطل والحق أحق أن يُتَّبع، فإذا علَّمنا هذا الرجل بعلمه أننا نقف عند كلام رسول الله،
ولكن بدقة وبعلم، ماذا تتكلم فيه؟ في بيع وشراء له أحكامه وتوابعه. حسناً، ما رأيك لكي نصل إلى مصلحتنا وراحة البال، أن نجعلها إيجاراً؟ والله كلام سليم ويستقيم. فما هو رأيك؟ راقٍ لأنه أخرج لنا مخرجاً لم يكن قد خطر ببال من سبقه، ولا يُباع ما فيه الربا بجنسه رطباً لأن الرطب فيه مياه. يعني مثلاً سنبيع تمراً بتمر، فنقول: هل هما متماثلان في الجنس؟
كيف بالضبط؟ حسناً، ولو كان أحدهما ناشفاً (تمرة ناشفة) والآخر رطباً (تمرة طرية)، فهذه الطرية من أين جاءتها الطراوة؟ الطراوة آتية من المياه، إذ أن هذه المياه قد تبخرت منها ولم يبق إلا اللحم، وهذه المياه تملؤها. فعندما نزن هذا كيلو وهذا كيلو معاً هكذا، أو هذا صاع وهذا صاع، لا يكون صاعاً وصاعاً بل يكون مختلفاً، فيظهر أن هذا أكثر من هذا لأن هذا فيه تمرة زائد ماء وهذا فيه. تمرة فقط فيكون لا يصح، فذهبوا ناهين عن الأصناف
الربوية التي هي المطعومة. طبعاً الذهب والفضة لا يوجد فيهما ماء، لكن المطعومات فيها ماء. البليلة مع القمح، فالبليلة هي القمح والقمح هي البليلة، لا يصح لأن هنا يوجد ماء. قال: طيب، أنتم بهذا الشكل لن يكون هناك. ربا رطبا وباس، لأجل قصة المياه. جيد أنكم انتبهتم لقضية المياه، وأنه لن يكون هناك تساوٍ حقيقي. والنبي يريدنا أن يكون هناك تساوٍ حقيقي. حسناً، واللبن باللبن؟ قال لبن باللبن! هذا يتطلب منا إجراء تحليل لنرى هل هذا اللبن هو الذي ينزل من البقرة أمامنا هكذا
وذاك ينزل. من بقرة ثانية أو من جاموس في لبن جاموسي ولبن بقر، نسبة المياه هنا مثل نسبتها هناك، والدهون هنا مثل هناك. قالوا: لا. قالوا: حسناً، إذاً يجوز البيع. إذاً لا يجوز إلا اللبن، ونكتفي بهذا لأن بعد ذلك فصل في السلم وهو موضوع آخر.