المجلس السادس والسبعون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين فصل وكل ما أمكن الانتفاع به مع بقاء عينيه صحت إجارته والإجارة يعني استيفاء منفعة في مقابل مال قد تكون هذه المنفعة منفعة عيبٌ مثل البستان، مثل الشقة، مثل العقار، مثل السيارة، ويمكن أن تكون منفعة
عمل مثل الخدمات التي يقدمها الناس للناس. عقد الإجارة في الأعيان أحكامه هي عقد الإجارة في الأشخاص، فيكون قد استأجروا أجيراً وقد استأجروا عيناً. إذاً الإجارة قد تكون على الأعيان وقد تكون على الأشخاص وحكمهما واحد. ما أحكامه لا بد أن تكون لها مدة، ولذلك عندما وضع المصريون القانون المدني جعلوا الإيجار من العقود المؤقتة. لا بد أن نحدد لها بداية
ونهاية، فكان يقول العقد الذي بيني وبينك مسانهة. مسانهة تعني سنوي، أي لمدة سنة. مشاهرة تعني لمدة شهر، أسبوع يكون. سأؤجر لك هذا المكان أو سأعمل عندك لمدة أسبوع وهكذا. لا بد أن يكون عقد الإيجار عقداً له مدة، فيبقى عقداً مؤقتاً، مؤقتاً بمدة طالت أو قصرت. يعني يمكن أن أؤجر لك المكان مائة سنة، لا يضر شيئاً، خمسين سنة لا يضر شيئاً، لكن في النهاية الإيجار إيجار،
لابد أن يكون له. مدة عقود الإيجار عندما ذُكرت عندنا، ذُكرت أين؟ في القانون المدني. جاءت القيادة السياسية ورأت أن الناس في أزمة وضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، فقالوا: عقد الإيجار مؤبد مخالفاً لأصله. يبقى هذا قرار فعله الولي الحاكم رئيس البلاد. حينئذ عقد الإيجار يا إخواننا سنجعله دائماً. لماذا هكذا؟ إنني...
أريد أن أرفع الإيجار وأطرد الساكن وأذله ليذهب من مكان إلى آخر وينكسر الأثاث، أي أنه قال: أنا لا أريد هذا الدور، أنا أريد أمناً اجتماعياً. أغلب الناس مستأجرة والمُلاك هم القليلون. هذا الشعب فرح، لكن هذا خلاف ماذا؟ الأصل هو عقد الإيجار، فجاء الحاكم وقيد هذا الأصل وقال: لا، عقد الإيجار من العقود المستمرة، وعندما أتت سنة ستة وتسعين، ضجّ المُلّاك واختلفت البلاد واختلف العباد، فاجتمع مجلس التشريع وقال: "يا إخواننا، نريد أن نُرجع
عقد الإيجار إلى أصله الذي هو أن يكون مؤقتاً، حيث زالت الضرورة الاجتماعية التي رآها الحاكم أنها آمنة للبلاد والعباد، فلنرجع مرة ثانية"، وأحدهم رفع يده من. قال للجالسين من أهل الاختصاص: "هذه ستكون فتنة عارمة عندما تُلغي الإيجار هكذا وتجعله دائماً، لأن أغلب الناس لديها الإيجارات ومتعودة على النظام القديم الذي نسير عليه منذ ثلاثين أو أربعين سنة، فلنأخذها واحدة واحدة". قالوا: "حسناً، نبدأ بعقد الإيجار الجديد،
ويبقى الماضي يُسوّي أمره على مهل هكذا، يأخذ وقته". أربعين خمسين سنة أخرى لا مشكلة في ذلك، لكن الأمن الاجتماعي لا بد أن نراعيه، وهذا ما يُسمى في الفقه مراعاة المآلات. المشكلة التي ستحدثها الآن، ستؤدي إلى ماذا؟ لابد أن تنتبه وتُعمل عقلك وتتصور العواقب، وإلا سيكون حكمك وفتواك مخالفين للشرع. فقالوا دعنا نقسمها إلى قسمين ليصبح عقداً إيجارياً جديداً. أصبحت أذهب بدلاً من أن نسكن بعشرين جنيهاً في أحسن حي وفي أحسن شقق، أصبحت بثلاثة آلاف وستة آلاف واثني عشر ألفاً، وأصبحت بعشرين ثم أربعين. فالملاك قالوا: انظر كم نحن مظلومون،
الشقة التي استأجرتها منذ أربعين سنة مضت، خمسين سنة مضت، بعشرين جنيهاً، قيمتها اليوم اخرج منها هكذا. آتي بمهرها بمبلغ جديد أربعين ألف جنيه، أربعين على عشرين فيها اثنان وأمامهما ثلاثة أصفار، فيصبح ألفي مرة ما تعطيه، ليس عشر مرات، ليس عشرين مرة، بل ألفي مرة ما تعطيه. فبدأ الحل من ستة وتسعين حتى اليوم، يقول ستة وعشرون مع خمسة وعشرين، هل لا هي وبعدها ستة. وعشرون، فكم يُصبح؟ أربعون سنة، أربعون سنة. لدينا أربعون
سنة في هذه العقود الجديدة، نعم، ثلاثون، دعهم ثلاثون، لا يحدث شيء. ثلاثون سنة وأعطنا سبعين سنة في إلغاء أصلها، ثم جاء المشرّع أيضاً واجتمع القوم هكذا وقالوا: "يا جماعة، ما رأيكم أن نخطو خطوة للأمام في عقود الإيجار القديمة هذه؟" تكون للجيل الأول فقط، فتُورَث للجيل الأول فقط. وماذا عن الأحفاد؟ لا، لا تُورَث. يعني لو كان العقد باسم جدي فلا يصح ذلك، لكن إذا كان باسم أبي أستمر
في الإيجار، فتبقى فيها الزوجة والأولاد. صدر هذا التشريع، وهذا الأمر أيضاً يخطو الحاكم نحو إرجاع الإيجار إلى أصله، خطوة واحدة فقط من أجل ماذا؟ هذا من أجل المآلات، حتى لا يترتب على حكمي ضرر. أنا لا أريد أن أضر الناس، لا المالك ولا المستأجر، وإنما شيئاً فشيئاً، أو بمعنى آخر بالهدوء، بحيث أننا نخرج من المشكلة التي اضطرتنا إليها ظروف الاحتياج في بداية الأمر، وبعد ذلك يتهيأون الآن إلى أنهم
يفكرون في الرجوع مرة أخرى إلى الأصل. جاءت كورونا فأخّرت المسائل، وبعدها التضخم العالمي أخّر المسائل، وبعدها حرب أوكرانيا أخّرت المسائل، وبعدها مصائب سوريا والسودان والعراق وليبيا ومن حولنا سعياً إلى إسقاط جيش مصر. لا حقق الله مرادهم ولا هدفهم وجعل الدائرة عليهم، لأن مصر هي التي تحمي العالم الإسلامي وهي التي تحمي العالم العربي. فلنصبر قليلاً. إذا كان هؤلاء حكماء، فلماذا هم حكماء؟ لأنهم
يراعون المآلات، يراعون ما الذي سيترتب على عودة عقد الإيجار إلى... انظر، الأمر السهل هو أن نُرجع عقد الإيجار إلى أصله. إنها مصيبة كبرى، لابد أن نمضي خطوة خطوة. وقال إن كل هذا من شرع الإسلام. أهكذا هو شرع الإسلام؟ هل قال لك أن تتبرع في الناس؟ قال... لك تحقيق المصالح، ومن هنا كان عقد الإيجار أول شيء في أصله أن تكون له مدة نحفظها من أجل أن نصل إليها. ثانياً، الأصل فيه أن يكون مُقَوَّماً: هذه الشقة بكم؟ هناك شقق الآن بأربعين ألف، إذاً فقيمته أربعون ألفاً.
كنا في الماضي نحسب إيجار الشهر. ونضربه في مائتين فيخرُج إيجار العقار، يعني مثلاً الشقة هذه أؤجرها بكم في الشهر؟ قلت لك أؤجرها بأربعين ألفاً، في مائتين بثمانية ملايين، فتكون قيمتها ثمانية ملايين. كانوا دائماً يتوصلون إلى الإيجار العادل بقسمة القيمة على مائتين. هذه المائتين من أين جاءوا بها؟ جاءوا بها من الإحصاء، جاءوا بها من تتبع السوق. فهو... رقم يسمونه الرقم القياسي الذي تستطيع أن تصل به إلى القيم كمصنف وخبير عقار بعشرة
ملايين تقسم على مائتين، فيكون ذلك عشرة ملايين على مائتين يساوي خمسين ألفاً في الشهر. ثم تقول لإخواننا الشقة هذه بخمسين، فيكون ذلك عادلاً لأنه قد استعمل الرقم القياسي للوصول إلى الحقيقة، الرقم القياسي. هذا آتٍ من أين؟ من كل شيء، من مستوى الأسعار، من سعر الكوريدور الخاص بالبنك المركزي، من الاستثمارات التي تكون في السوق، عندما تضخ هكذا خمسة ستة ملايين، كم سيجلبون لك؟ كل هذه الأشياء موجودة ويعرفون
منها الرقم القياسي. إذاً المسألة ليست سهلة. حسناً، شخص طلب ستين، لا، فهو مبالغ. إذا ضغط عليه شخص وأعطاه أربعين، أيكون ذلك ظلماً؟ هل يجوز إذا وافق؟ أنا أحتاج إلى الأربعين، فتسهلت الأمور، ولم يحدث شيء. إذاً إذا كان لا بد من الإيجار، فينبغي أن يكون محدداً لا موهوماً. حسناً، العين بالمدة والعمل بالمجهود، فإذا كان عندي شيء متعلق بهذا وشيء متعلق بذاك، فعلينا أن نفرق بينهما. نُسمي هذا إيجارًا
ونُسمي هذا أجرةً في حين أن مفهومهما واحد وهو الإجارة، فالإجارة منها إيجار متعلق بالأعيان أو أجرة متعلقة بالأشخاص. أصل الإيجار المتعلق بالأعيان هو المدة، كم ستستأجر مني ولأي مدة؟ أصل الإيجار المتعلق بالأشخاص هو العمل، ماذا ستعمل لي؟ ومن هنا قال: وكلما أمكن الانتفاع به مع بقاء صحت إجارته إذا قدرت، يجب أن تكون قابلة للتقدير منفعته بأحد أمرين. انظر إلى عمق
فهم الرجل الواضح جداً: بمدة أو عمل. حُلت المسألة: بمدة تكون عيناً، أو بعمل يكون شخصاً. نعم، وإطلاقها إذا قلت استأجرنا يقتضي التعجيل، يقتضي تعجيل الأجرة. يعني إذا لم تقل ما هي الأجرة في... الأول الأصل فيها أن تكون الأجرة في أول الشهر، هذا هو الأصل. فجئت وقلت لي: لا بأس، أنا ظروفي ومراسلاتي وأنا أريد استئجار هذه الشقة لكن أسدد لك أواخر الشهر، دائماً آخر الشهر أسدد لك.
وأنا قلت: لا مانع. لكننا لم ننص في العقد، لم ننص ولم نتكلم عن هذه النقطة. هذه تكون في أول الشهر، ويكون الأصل فيها أن يكون لها مدة، والأصل فيها أن تُقدَّر بأجرة محدودة، والأصل فيها أن تكون تلك الأجرة أين؟ في البداية. فاستشكل بعض الحكماء كيف تعطي شيئاً مالاً لشيءٍ لم آخذه بعد؟ إنني سآخذه يوماً بعد يوم بعد يوم بعد يوم، وقد أعطيتك الإيجار. ولم آخذ بعد المنفعة الخاصة بالثلاثين يوماً، في حين أننا في السلع ماذا نفعل؟ أعطيك الثمن وآخذ السلعة
وأنا واقف، لكن هنا لم آخذ المقابل الذي هو المنفعة التي هي سكني في هذا المكان لمدة ثلاثين يوماً، لم آخذها. فذهبوا وقالوا إذن فالإجارة خلاف الأصل. انظر كلام الفقهاء لكي تقرأه. تفهمه أن الإجارة خلاف الأصل، أصل ماذا؟ أصل أن تكون المقابلة فوراً، فلما كانت المنفعة تُؤخذ شيئاً فشيئاً، فهذا خلاف الأصل، أُجيزت للحاجة إليها. يعني نفترض أن الناس، ليس فقط الناس في بلد معين ولا في زمن معين، بل الناس كلها،
يعني لا يحتاجون إلى الإجارة، فالشرع سيقول أن هذه الإجارة... حرام أو سيقول لا تعط الأجر أولاً، يجب أن تعطيه في الآخر، لكن الشرع لم يقل هكذا. الشرع قال أن تأخذه في البداية فيكون هذا هو الأصل، وعند الإطلاق تسدد أوله. إذن، أليست الإجارة بهذا الشكل مخالفة للعقل الذي بنيته لي؟ قال له: نعم، فالإجارة خلاف الأصل، الإجارة خلاف. الأصل الذي هو ماذا؟ الأصل الذي هو "هات فهات" أي هاء وهاء فوراً هكذا. حسناً، لماذا خالفت هذا الأصل؟ هذا للاحتياج
إليها، لأنه يوجد احتياج فعلي على مر تاريخ البشرية وفي كل مكان وزمان. يوجد احتياج فعلي للإجارة، وليس كل شخص قادراً على التملك، إلا أن يشترط التأجيل. أما لو اشترطت أن تكون... آخر الشهر تصلح أو تبطل الإجارة بموت أحد المتعاقدين. أثناء عملي مع النجار والكهربائي والسباك وفي عقد إيجار بيني وبينه، توفي الرجل الكبير فقال لي ابنه "نحن نكمل". أقول له "حسناً، هل يجوز بنفس الشروط وبنفس الأرقام وبنفس الأمور؟" أو إذا توفي صاحب الملك وورث العين ورثة،
هل يستمر العقد ولا يتغير؟ شيء وتبطُل وتتلف العين المستأجرة. إذا تلف موضوع الإجارة، خلاص، تكون قد بطلت. سقطت القنبلة ونزلت على الشقة، لم تعد هناك شقة. فتأتي وتقول لي: "ماذا سنفعل الآن؟ ابحث لي عن شقة أخرى". فأقول لك: العقد الأول الذي بيني وبينك بطل. لماذا؟ لذهاب المحل. الشقة ذهبت، فذهاب المحل يستوجب البطلان. حسنًا، الإجارة كانت... عليّ أن أعمل الكهرباء الخاصة
بالشقة، فالشقة أتعبتني مع موضوع أن الإجارة انتهت خلاص، باطل. طيب، أنا استأجرت الشقة وحدث فيها خلل في الحمام، فاستدعيت السباك فقال لي: "والله هذه تحتاج إلى تغيير كل المواسير التي فيها"، فتكون التكلفة على من؟ قال: على المؤجر صاحب الملك، لأن هذه ملكيته كأنه أعطاها لي وهي... ناقصة، وأنني عندما أصنع هذا كله في الحمام، فيجب أن يكون هو الذي يدفع لأنني أسير وفق توقيت
محدد. متى تكون على المستأجر؟ تكون يد المستأجر على العين المؤجرة يد أمانة، لا يضمن. هل تكون عليه الصيانة أم لا تكون عليه الصيانة؟ على من تكون إذن؟ على صاحب الملك عندما جعلنا الإجارة دائمة وعندما حدث. التضخم والانهيار الاقتصادي، وعندما حدث هذان الأمران معاً، ذهبت إلى المالك وقلت له: "لقد تعلمنا في درس الشيخ علي أنه عندما يخسر الحمام، فأنت الذي تدفع". فقال: "أدفع ماذا؟ هل تعطونني شيئاً حتى أدفع شيئاً؟ كم سيكلف هذا الحمام؟" قال الرجل: "أنا أحضرته"، وقال لي:
"دخله...". في عشرين ألف، قال له: "أنت تعطيني عشرين جنيهاً في الشهر، يعني أنت تريد أن تقيم هنا مجاناً ألف شهر (ثمانية وثمانين سنة) لكي أدفع لك عشرين ألف. إنك تعطيني عشرين جنيهاً، لكن عندما آخذ منك اثني عشر ألفاً وخمسة عشر ألفاً وأربعين ألفاً، فأنا بالطبع يجب أن أسدد". هذا الرجل الذي جاء لأنني أسدد منذ شهر واحد، الشهر الثاني الأمور سليمة معي بما أسدد به، كيف أسدد لك؟ فأصبح الحال معكوساً في مصر، وأصبح المستأجر لا يذهب إلى المالك ولا أي شيء ولا يكلمه لأنه يعرف الرد، وأصبحوا هم الذين يقومون بالإصلاح. طيب متى المستأجر هذا يدفع؟ التقصير أو التعدي
قصّر وترك البوتاجاز مفتوحاً، فاشتعلت الشقة. أحضرنا المطافئ وأطفأناها والحمد لله، ولكن الشقة دُمرت. من يعيدها الآن؟ هو المستأجر لأنه نتج عن تقصيره. أو كان جالساً يخرب في الحمام ولديه حالة نفسية، يبحث عن الآثار. حسناً، أنت الآن تبحث عن الآثار في الحمام؟ قال: لقد رأيت رؤية وهكذا. يا إخواني أجننتموني وستجننونني، قلت إنني لم أجن بعد أنا شخصيًا، يعني ما زلت متماسكًا، لكن مسألة أن الجنة تبحث عن الآثار
في الحمام دمرته، فيكون ذلك على حسابك يا حلو. أنا أبيت بأربعين ألفًا، فتصير أربعين أو أربعمائة عليك لأنك تعديت، فيكون ضمانًا لعقد الإيجار بالتقصير أو التعديل. احفظها هكذا لأن... يدُ المستأجر يدُ أمانة لا يضمن إلا بالتقصير والتعدي، لا يضمن إلا بالتقصير والتعدي أو التعدي، ولا تبطل الإجارة بموت أحد المتعاقدين، هذا أساس، وتبطل بتلف العين المستأجرة، هذا أساس ثانٍ، ولا ضمان على الأجير إلا بعدوان، ومن ضمن العدوان صورة التقصير البليغ الذي ينهى،
رضي الله تعالى عن مشايخنا. وعلمائنا وجزاهم الله عنا خيراً ونسأل الله أن ينفعنا بمثل هذا العلم ويجعل هذا المجلس في ميزان حسناتنا جميعاً يوم القيامة ومن رآه واطلع عليه.