المجلس السبعون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة

المجلس السبعون من شرح متن الغاية والتقريب | أ.د علي جمعة - الغاية والتقريب, فقه
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال المصنف رحمه الله تعالى: ومعناه أن شخصاً يعترف أن ذمته مشغولة، فيكون الاعتراف بانشغال الذمة هو الإقرار. أقررتُ يعني
قلتُ: نعم، هذا في ذمتي. هذا يدل على ماذا؟ إنه يدل على شيء. على حقٍ أنا مكلف به عليَّ وليس لي، فلماذا أكون دائناً؟ عليَّ أن أكون مديناً. والمقر به، يعني الحق المقر به، يكون صفة لموصوف محذوف وهو الحق. ضربان (نوعان): هذا الحق على نوعين:
حق الله تعالى - هذا أول واحد - وحق الآدمي. إذن إما أن يكون هذا الحق... لله كأنني أقررت واعترفت أن الحج في ذمتي يعني أنني لم أحج بعد، والله على الناس حج البيت، فيصبح الحج حقاً تنشغل به الذمة، فاعترفت أنني ما زال في ذمتي هذا الحق. هل صليت الظهر أم لا بعد؟ قال: لا، لم أصلِ بعد.
أقر بحق في ذمته حق الله. منها الزكاة ومنها النذور ومنها الكفارات وهي مسائل مالية. فاعترف أن لله عليّ زكاة هذا العام، أعترف بأن في ذمتي كفارات يستحقها المسكين أو الرقيق لما كان عندنا رق، أو يعترف بذنب، يقول: والله أنا وقعت في هذه الفاحشة أو في هذه
الخطيئة. في هذه الخطيئة حق الله أن نقيم. عليه الحد، يكون هذا حق الله. الحق الذي اعترف به أو اعترف بعقد أو اعترف بملكية أو بميراث إلى آخره، حق الله تعالى وحق الآدمي. فحق الله تعالى يصح الرجوع فيه عن الإقرار به. قلتُ فعلاً: أنا في ذمتي هذه الخطيئة التي تستوجب
الحد، فوجدت إخواناً من المباحث قبضوا عليّ، الله! هذه الحكاية بأنها جد! أين تأخذونني؟ قال: والله نأخذك إلى حضرة القاضي حتى يحكم عليك بالحد. لماذا؟ قالوا: ألست معترفاً للتو وهم مسجلون لك، والنيابة هي التي أرسلتنا لنسجل لك. انتبه! قلت لهم: النيابة ذاتها؟ قال: نعم هي جهة رسمية وغير مزورة وعليك شهود. وقد وقعتُ في المصيبة. نعم، لقد قلت لهم خلاص وأنا أتراجع عن إقراري، أنا
لم أرتكب الذنب، كنت أمزح معك. قالوا له: وماذا عن هذا التلاعب؟ قلنا له: والله، أأنت قادر على أخذي من الدار إلى النار؟ كنت أمزح معك. وذهبنا إلى حضرة القاضي، وكان القاضي في حي صبيس. يا بني، أنت قلت... هذا الكلام قلت له نعم قلته الساعة العاشرة يا ابني يا حبيبي، وقلت الكلام الثاني أنك لم تفعل، قلت له نعم قلته الساعة الثانية عشرة. رجعت في كلامي، أنا كنت أمزح معهم وظنوا أنني جاد في هذا الأمر، لكنني ظننت هكذا، لا أبداً لم أفعل شيئاً.
وأنا عملت شيئًا، ما عملت شيئًا، فقام القاضي يقول: حسنًا، ماذا أفعل؟ درسنا عند الشيخ علي في متن أبي شجاع، وبحق الله، يصح الرجوع فيه عن الإقرار به. كان معكم هنا الذي هو حضرة القاضي هذا، كان يدرس ماذا معنا هنا؟ فلما عرضت المسألة عليه، تذكر درس من؟ فضيلة مولانا الشيخ علي الذي كان يقرأه أين في كتاب أبي شجاع الذي كان يقول ماذا؟ يقول: "وحق الله يجوز"، يصحح ليس "يجوز"، يصح، صحيح، شيء صحيح مائة في المائة الرجوع فيه عن الإقرار
به. قال: "الله سبحان الله"، هذا الشيخ - رحمه الله وأحسن إليه وفتت الطوبة التي... تحت رأسه الذي هو الشيخ هذا، لا أن وضع كتاباً ما، خلاص رحمه الله، لا تخف، هذه هي الحكاية. لله، كان لها معنى، لقد عرفت الآن المعنى أنه هو حافظ حفظ. مات فحق الله يصح الرجوع فيه عن الإقرار به. قال للنيابة: حكمت المحكمة ببراءة المتهم. الرجل الذي في النيابة الله سبحانه لا يكذب. قالوا إنه يكذب ولكنه لا
يكذب. يجوز الرجوع فيه ويصح الرجوع فيه لماذا؟ لأنه حق الله. لماذا؟ لأن الله غفور رحيم، الله واسع، الله صبور، الله لا يناله منا ضر ولا نقص. إنما هو كله لعبة نحن قاعدون نلعب فيها على أنفسنا. هل أنا عندما ارتكبت حاشاه، فهذا رب العالمين. فلما اعترفت بالمعصية التي توجب المؤاخذة ثم رجعت عنها تبت، يأخذ الله توبتك، ومن تاب الله عليه. حق الله لأن الله لا يُضار
بأحد لأنه جل جلاله عظيم الشأن لا يتضرر بأحد، ولذلك يصح الرجوع في الإقرار به. خلاصًا فهمنا هذه المسألة، وحق الآدمي لا توجد معلومات عن الإقرار به مختلفة. أصبحت الساعة العاشرة عندما كانوا يسجلون لي في النيابة، قلت: "أنا كنت قد استلفت من الشيخ عبد الله بكير الذي هو صاحب - لا أعرف
- فرقة سماها نور النبي حوالي مليون جنيه". وبعد ذلك الساعة الثانية عشرة قلت: "أأنا سأستلف من هذا الضعيف لا تُدخل هذا المحتال هو وفرقته كلها. يعني لم يجلبوا عشرين ألفاً وسيشترون له بليوناً. لماذا جاء؟ لا، لم أقترض. ذهبوا مُقدِّمين للقاضي التسجيل الخاص بالساعة العاشرة والتسجيل الخاص بالساعة الثانية عشرة. فقال القاضي: "ادفع يا عزيزي للشيخ عبد الله بكير المحترم صاحب فرقة نور النبي للمدح". مديح
سيدنا مليون جنيه دائماً، كنت أهزه مليون جنيه، فهو معروف، هذا عريان باشا الملط، هذا مثال يعني، أنا لا أقصد يا مولانا، عريان باشا الملط يعني لا يوجد شيء يمكن أن تأخذه الريح، لا يوجد شيء على الإطلاق، قال لي إنه يوجد، لا يوجد، عريان باشا الملط، ليس عريان السيد، لقد أقررت بما يخص الأمور الإنسانية، وافترض أن إقرارك هذا إن شاء الله صحيح، والحمد لله قد نصبنا لك كميناً وأخذنا منك التسجيل بإذن النيابة، وأخذ
الكلام منك الساعة العاشرة تماماً، كله سليم، فلا تستطيع أن تتراجع عن إقرارك الذي أقررت به. الشيخ محمد وسامة قال: يا مولانا، ليس هذا الذي استلف منك خمسة جنيهات لأجل أن يحضر شطيرة فلافل من عند جده، هل هو هذا أم غيره؟ قلت له: نعم هو والله. قال لي: حسناً، وهذا كان يملك مليون جنيه من أين يا مولانا؟ أنت في ذمتك فعلاً يا مولانا مليون جنيه؟ قلت له: لا والله، كنت أمزح إنما التهويل هنا ظهر ماذا؟ لا تدفع يا حلو، جلبه
عبد الله. ما زال مصمماً على دعواك أن الشيخ أخذ منك مليون جنيه. قال: نعم، أمواله كثيرة، أمواله كثيرة، نعم. مليون من الملايين هذا أخذه وذهب. وماذا أخذ مني؟ المليون جنيه سيُحاسب بها عند ربنا، لكنني أنا الذي أخطأت. ما هذا الخطأ؟ الخطأ في أنني أقررت على نفسي في حق الآدمي فلا رجوع، وهذا يرضي الله. نعم، يرضي الله. أي أن هناك أموراً تصح وأموراً لا تصح. هذه حقوق الناس، وما معنى ذلك؟ معناه
تعظيم حقوق الناس. نعم، إذاً ربنا يريد منا أن نعظم حقوق الناس. افترض أنه كان عليها فعلاً مليون جنيه، وأيضاً للشيخ عبد الله بكير باعتباره مدير بنكه أو شيء ما، وهو طيب، وسددتهم له السنة الماضية. أخذت منه المليون بدون إيصال ورجعت له المليون بدون إيصال، حيث إن الرجل لم يأخذ مني إيصالاً. أخذتهم كما هم وأرجعتهم كما هم. ما هم أيضاً بعد أن أحضرتهم فلما سألوني
الساعة العاشرة قلت نعم أنا في ذمتي مليون جنيه، نسيت أن في ذمتي مليون جنيه، وأنا ماذا؟ نسيت! والحقيقة فعلاً كان منذ سنتين تقريباً كان في ذمتي مليون جنيه والحمد لله سددتهم. جاء الساعة الثانية عشرة وقالوا لي تعال لكي نذهب إلى قلت لهم: "ما هذا القاضي؟ أنا ظننت أنني سددت له المبلغ في يوم كذا وكذا، ويوجد شهود". قالوا لي: "هل لديك أوراق؟" قلت لهم: "لا". قالوا: "إذاً عليك دفع مليون جنيه". حسناً، ثانياً، يعني في ثلاث حالات أنه فعلاً إذا كان السيد - حفظه الله -
أخذ المليون جنيه هكذا، وأنا الذي سأُحاسَب لأنني رجعت في إقراري، والرجوع في الإقرار للإنسانية حرام لا يصح أن أرتكب الباطل. والحالة الثانية أنني كنت أكذب، سأُغرَّم المليون جنيه. من قَبِلَ ذلك على نفسه سيُحاسَب يوم القيامة. الحالة الثالثة سدَّ التهالف وهو يتذكر، وبعدين سدَّ التهالف ثانيةً، سيُحاسَب يوم القيامة. طيب هو ليس متذكراً؟ أنه فعلاً أعطاني مليون جنيه، لكنه نسي مسألة السداد لأنه يتعامل في الملايين وأكثر. نعم، دعنا نفصّل مليون الخاص بعلي جمعة، ملايين وأكثر ومليارات. مديونيته وصلت إلى
ثلاثة تريليونات. تحبون الدولي كثيراً هكذا. هذه الثلاثة تريليونات تعني أن البنك وجد له ستة وستين من عشرة حالياً تريليون. نعم، يا من فماذا يعني تريليون؟ وتقولون في بعض الأحيان أنه لو ملأ الدنيا كلها. لا، هذا بنك واحد فقط بستة تريليونات. إذاً، ألن يُحاسَب أو سيكون هذا عذراً عند الله فيجعله يغفر لنا نحن الاثنين ويدخلنا الجنة لأننا حضرنا مولد النبي؟ وماذا فعل هو؟ أحيا الليلة. هذا حسن وجيد، والمقر به
ضربان: حق الله تعالى وحق الآدمي. فحق الله تعالى يصح الرجوع فيه عن الإقرار به، وحق الآدمي لا يصح الرجوع فيه عن الإقرار به. وتفتقر صحة الإقرار إلى ثلاث شرائط. متى يكون الإقرار معتبراً أمام حضرة القاضي؟ البلوغ. الشيخ علي عنده خمسة وسبعون سنة، إذن... بالغ تجاوز الخمسة عشر عاماً يُعتبر بالغاً أم لا، والعقل سليم ويُجاري الزمن، وبالله هو معدود من أذكياء العالم، فهو يمشي، والعقل موجود، والاختيار
موجود. هل يوجد أحد يقدر أم لا أحد؟ بصراحة يعني، إذاً هذه الشروط الثلاثة تجعل الإقرار صحيحاً. ثلاثة شروط لصحة الإقرار: البلوغ والكبر، أما إذا كان عنده تسع سنوات ويقول: "أنا رأيت أبي أخذ أو أعطى". لا يُعتبر شخصاً مجنوناً ويتخيل خيالات، ولا يُعتبر شخصاً تحت الإكراه، ولا يُعتبر وإن كان بمال. ولو كان المُعترف به مالاً، فسيدخل فيه النقود، وسيدخل فيه العقار، وسيدخل فيه الأرض، ويدخل في عالم الأشياء: السيارات، الطائرات،
الأمتعة، الشركات، إلى... آخره وإن كان بمال اعتُبر شرط رابع وهو الرشد أن يكون رشيداً وليس سفيهاً. فقالوا: كيف نعرف الرشيد من السفيه؟ قال: بحكم القاضي. فيكون إذا صدر عليه حكم مسبق من القاضي أنه سفيه وُضِعَ عليه وصي للتصرف في ماله، وهو ما نسميه الحجر. والسفيه هذا قد يكون لأنه... نفد صبره ويريد أن يبذر المال لأنه كبر في السن وأصبح لديه مرض الزهايمر أو
توصلوا بشرائين فوجدوا أنه لا يعرف ولا يفرق بين المئة جنيه والجنيه الواحد، لا يميز بينهما، لا يفرق، يظن هذه مثل هذه. إنه سفيه، ماذا نفعل به؟ "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، فهذا يعني ممكن. السفيه ليس هذا هو القصد، ربما تكون حالة الصبي نحجر عليه، المجنون والمعتوه والذي على شاكلته نحجر عليه، وكذلك الكبير في السن والهَرِم نحجر عليه، أما السفيه فهو الذي بمعنى أنه مسرف، أيضاً نحجر عليه. فجاء هذا السفيه وقال: حسناً، والله أنتم ترفعون عليّ قضية وتحصلون على حكم وتعينون الشيخ
واصل عليها. حسناً، والله لأريكم مجتمعين غير متفرقين. ماذا تفعل يعني؟ ادّعى الفقر على نفسه بمليون جنيه، فقام الشيخ حماد وأخرج لهم من جيبه حكم القاضي بسفه هذا. يقول له: هل حضر راضي؟ هذا سفيه. يقولون له: لا، خلاص، السفيه لا رأي له ولا إقرار، لا يصلح أن يكون. له رأي وليس إقرار، وإذا أقر بمجهول، إذا كنت أنا قد أقررت بشيء مجهول، وقالوا لي: "الشيخ عبد الله باكير له في
ذمتك أموال"، فقلت له: "أظن هذا صحيح، لكن ما هي وكم مقدارها؟ أظن ربما مائتين"، "مائتين ماذا؟ يعني مائتين جنيه أم مائتين ريال أم مائتين دولار أم مائتين ماليزي يعني مائتين ماذا بالضبط؟ شيء مجهول! مائتين ماذا؟ أهي مائتا بقرة أم مائتا شجرة؟ لماذا يكون "مائتين" شيئاً ما زال مجهولاً؟ أو أقول لماذا يكون مبلغاً في ذمتي كم؟ لا نعرف! هذا ما سجلته النيابة عليّ هكذا. ذاهبون إلى القضية الآن، فيرجع
إليه في بيانه، فيقول له القاضي: "ماذا أو أنت كنت قرأت أنه يقول: نعم، في ذمتي كذا، قُل حتى يكون إقراراً في البيان. فيكون هو أقرّ إجمالاً، والإجمال لا يغني عن التفصيل، ويصح الاستثناء في الإقرار إذا وصله به. وأنا أقول عليّ مليون
جنيه، فتذكرت هكذا أنني سددت منهم مائتين في مائتين، وهما صحيح إلا لما... أخذتهم منه كانوا مليوناً، لكن بعد شهرين رجعتين ومائتين، بعد شهرين رجعتين ومائتين. فانتظرت قليلاً هكذا يعني شيئاً أتذكر وأحسب مرة اثنتين، طيب وفي الثالثة دفعتموها رجعتم؟ قال: لا، كانوا مائة. فقلت: إلا خمسمائة، إلا خمسمائة. أهذا في نفس المجلس الذي قلت فيه مليوناً أم لا؟ فيسمونه. المتصل والمنفصل، فنحن نريد أن يكون الاستثناء متصلاً،
أي بينها. شربت بعض الماء هكذا، وضعتهم، نُفِّذت، فعلت هكذا، أي على هيئة المتذكر والمتدبر، فيكون هذا متصلاً. لا، أنا قلت مليون، متأكد أنه مليون، قلت ماذا إذن؟ مليون، تمام. فعندما ذهبنا إلى حضرة القاضي، قلت تراجع قليلاً عن المليون، فقلت له: كانوا مليونًا ما عدا أربعمائة ألف. يقول لي: "لا ينفعني هذا الكلام، أنت أقررت بأنهم مليون وكان لك أن تستثني متصلًا فلم تفعل، ولا يجوز الاستثناء منفصلًا". حسنًا، الاتصال والانفصال قال بما يقتضيه الحال. يعني هذا أصبح
ماذا؟ فن القضاء، عندما يرى أنني أخذت نفسي. رن الهاتف. فردّت عليه: يُعتبر هذا اتصالاً، لا، هذا يكون في وقت وذهاب وإياب وما شابه، فيُعتبر هذا انفصالاً. ويصح الاستثناء في الإقرار إذا وصله به، يعني إذا وصله به، ماذا يعني؟ فإذا فصله فلا يصح. وهو في حال الصحة والمرض سواء، كان الشخص في مرض، سواء كان مرض الموت أو مرض العارض أو سواء كان في صحة، هو الإقرار هو الإقرار وله شروطه كما ذكرنا الشروط الثلاثة وزدنا عليهم واحداً المال،
وأيضاً أجزنا الاستثناء لكن بشرط أن يكون متصلاً لا منفصلاً. هذا هو باب الإقرار كما وضحه مولانا الشيخ أبو شجاع، فاللهم يا ربنا علمنا العلم النافع وثبته في قلوبنا. علّمك كما ترضى وكما أوصلته إلينا غضباً طرياً