المحصي | من أسماء الله الحسنى | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع اسم من أسماء الله الحسنى، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، نعيش مع اسمه المحصي وهو اسم من الأسماء التي وردت في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة واسم المحصي اسم يدل على كمال الله سبحانه وتعالى فهو لا يغيب عنه مثقال ذرة من خردل ولا من ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر لا يغيب عنه شيء
سبحانه وتعالى في الظاهر والباطن، وهذا الغياب لا يقتصر على الإدراك والعلم، بل إنه في علم الله سبحانه وتعالى أيضا فيه تسجيل، فهو لا يفوته شيء صغر أو كبر، ظهر أو خفي في السماوات وفي الأرض، في الإنسان وفي الحيوان وفي النبات وفي الجماد، في الملك والملكوت فيما هو فوق العرش وفيما هو تحت العرش والعرش أكبر كائن من الكائنات فقد أحصى الله سبحانه وتعالى كل شيء عددا فالإحصاء يقتضي العلم والإحصاء يقتضي القدرة والإحصاء يقتضي التسجيل فليس هناك فوات لأي
شيء وكل شيء عنده بمقدار سبحانه وتعالى أحصى الماضي والحاضر والمستقبل لأن هذه الكلمات ليس لها معنى في قبل الله فالله سبحانه وتعالى لا يحده زمان ولا يحويه مكان ولا يحل في أشخاص ولا يتصل ولا ينفصل عن شيء قد خلق، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فأمره بين الكاف والنون من غير كاف ولا نون، هكذا يقول علماء الإسلام أمره بين الكاف والنون من غير كاف ولا نون يعني من غير ترتيب حروف ولا من غير استعمال أدوات فإنما هي إرادة ربانية تخصص الممكن ببعض ما هو له فإذ
به يظهره سبحانه وتعالى من العدم إلى الوجود ومن العماء والهباء إلى التجلي والتعين فهو سبحانه وتعالى قادر على كل شيء عليم بكل شيء محيط بكل شيء يسجل كل شيء وعنده أم الكتاب سبحانه وتعالى ويمحو ويثبت وعنده أم الكتاب فهو يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء بقدره وبعلمه ولذلك قالوا إن القضاء على نوعين قضاء مبرم وهو ما في علم الله لا يتغير ولا يتحول ولا يبدو لله سبحانه وتعالى شيء بخلاف ما قد علمه لأنه هو الذي
علمه وقدره وأوجده وأنشأه فلا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض وقضاء معلق وهو الذي كتبه أمام الملائكة في الكتاب فهذا يمكن أن يتغير بإرادة الله الذي له القهر على كل مخلوق حتى على الكتاب المكتوب فتعلم الملائكة أن فلانا ستحدث له كذا من الخيرات أو كذا من المصائب أو أنه يموت في يوم كذا كملائكة الموت، ولكن الله وحده هو الذي يقدر على تغيير ذلك طبقا لعلمه، فهو لا يغير علمه ولا يغير قضاءه المبرم، إنما قد يتغير القضاء المعلق، ولذلك يتغير بالدعاء، فيكون مكتوبا أمام الملائكة في الكتاب عند الله. الكتاب المكنون أن فلانا سيصاب
بكذا أو أنه سيأتيه من الخير كذا أو أن موعد موته كذا، ثم بعد ذلك يدعو الإنسان، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيصعد الدعاء وينزل القضاء فيلتقيان فيغلب الدعاء، فالله من رحمته يعلم أنك ستدعو وأنه حتى يتجلى عليك باسمه القهار وهو القاهر فوق عباده سوف يستجيب لك دعاؤك فتشعر بالمنة فإذا به يتغير هذا القضاء لأنه قضاء معلق وليس قضاء مبرما، فالمحصي إذا صفة من الصفات المهمة التي تعرفنا بربنا، سمح لنا الله أن نطلع على أسمائه وصفاته في القرآن والسنة من أجل أن
نعبده حق العبادة وأن نعرف من نعبد هو سبحانه وتعالى المتفرد بالجلال والجمال والكمال وهو سبحانه وتعالى المحصي لكل شيء للحسنات وللسيئات فاللهم اغفر لنا وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته