المدارس الثلاثة للتصوف |أ.د علي جمعة

المدارس  الثلاثة للتصوف |أ.د علي جمعة - فتاوي
التصوف الكاتبون فيه عبر القرون كتبوا على ثلاثة مشارب، المشرب الأول ما يسمى بالتصوف السلفي، والتصوف السلفي من أئمته الإمام مالك والإمام الشافعي والفضيل بن عياض وأمثال هؤلاء الأكابر، وهو يساوي الزهد، الزهد في الدنيا، وملخصه أن تكون الدنيا في يدك وليست في قلبك كما كان حال إبراهيم بن أدهم. كان أميراً، وكما كان حال الإمام مالك، كان واسع الثراء. والإمام أبو حنيفة كانت حلته بتسعين ألف دينار.
تسعين ألف دينار هذه يعني ولا بريوني ولا غيرها، ما من أي ماركة تُحضر بتسعين ألف دينار الآن. فكان يلبس الحلة وحده. الله الله، بتسعين ألف! ما هذا؟ تسعين. ألف دينار كيف يعني؟ فهؤلاء كانت الدنيا في أيديهم وليست الدنيا في قلوبهم. كان سيدنا الإمام أبو حنيفة من أبناء ملوك فارس، فليس جديداً عليه أن يلبس هكذا ولا يعيش هكذا، لكن الدنيا في أيديهم، لم يفعلوا الحرام أبداً ولا يلتفتون إلى الآخر. فهذا يسمى في الدراسات. التصوف السلفي الذي هو الزهد، وقد ألف فيه كثيرون تحت عنوان الزهد، حتى
البيهقي ألف كتاب الزهد، وهناد ألف في الزهد، وهناك الزهد للإمام أحمد، وهكذا. يعني المشرب الثاني هو المشرب السني، ويمثله الغزالي. المشرب الثاني الإمام الغزالي هو الذي يمثله في هذا مجموعة من الأفاضل منهم مكي بن أبي طالب. ومنهم القشيري عبد الكريم القشيري أبو القاسم، ومنهم أمثال هؤلاء، ومن المشرب أو التصوف السني نبت أبو الحسن الشاذلي، فأبو الحسن الشاذلي من هذه المدرسة وليس من مدرسة ثالثة ولا أولى، أي أنه ليس منتمياً إلى التصوف السلفي ولا إلى
الثالث الذي هو التصوف النظري أو الفلسفي، وهذا كان. يمثله محيي الدين بن العربي والعفيف التلمساني وعبد الكريم الجيلي وابن سبعين وأمثال هؤلاء. فلما جاء الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، الشيخ أبو الحسن الشاذلي مولود متى؟ خمسمائة وثلاثة وتسعين. خمسمائة وثلاثة وتسعين. أبو الفرج بن الجوزي متى توفي؟ خمسمائة وخمسة وتسعين يعني. كان الشاذلي عنده سنتان عندما توفي الغزالي. متى؟ خمسمائة وخمسة، يعني بعد تسعين سنة، ثمانية وثمانين سنة بالضبط، وُلد الإمام أبو الحسن الشاذلي. إذاً بين الوفاة والميلاد نحو تسعين
عاماً ما بين هذا وذاك. هذا مات سنة خمسة، وهذا وُلد سنة كم؟ ثلاثة وتسعين. فلما الإمام أبو الحسن الشاذلي... كان موجوداً الإمام الغزالي، وكان قبله مكي بن طالب، وعبد الكريم القشيري قبله، وهؤلاء الأشخاص الأفاضل كلهم كانوا متقابلين، فكانوا مكونين مدرسة وهي مدرسة التصوف السني. فجاء الغزالي الشاذلي من هذه المدرسة، مدرسة التصوف السني، وليس من التصوف الفلسفي الذي ينتمي إليه محيي الدين، ولا التصوف السلفي الذي ينتمي إليه الإمام مالك الإمام أبو. الحسن توفي سنة ست مئة وستة وخمسين بعد دخول التتار بغداد، وهو الذي قال إنه لو
قرؤوا حزبه في بغداد ما دخلتها التتار. نعم، وله حزب البر والبحر والنصر والإخفاء والشكوى إلى آخره واللطف. له أحزاب جمعها أتباعه وأولاده وأولاد أولاده، وكان من ضمن الجامعين. في هذا ابن عطاء الله السكندري له كتاب تلقاه عن المُرسي أبي العباس الذي هو تلميذ أبي الحسن الشاذلي، اسمه "لطائف المنن". ولطائف المنن جمع فيه كل ما ورد إليه من أخبار وكرامات وأوراد السيد أبي الحسن الشاذلي، وأبو الحسن الشاذلي كان من
أهل البيت وكان حسنياً وكان من قبيلة. غمارة وغمارة في المغرب نزلها الأدارسة، فهو من الأدارسة وممن نزل في المغرب، فهو غماري. وغمارة قبيلة كانت دائماً تتمركز حول طنجة ما بين طنجة وما بين العرائش، التي منها شيخه الشيخ عبد السلام بن بشيش أو مشيش، هي هي، إما بالباء أو بالميم، بشيش أو مشيش. فلما طلع أبو الحسن الشاذلي أراد سلوك الطريق فسلكه على مدرسة الغزالي، وانتبه إلى أن هذا ما يقوله الشيخ، أن الحدادية أو العطاسية أو العيدروسية، يعني الذين في حضرموت، هم يأخذون من مدرسة الغزالي.
ما هي مدرسة الغزالي؟ هي أنه ينبغي لشيخ الطريقة أن يكون عالماً لا أن يكون تقياً فقط. الإمام الغزالي الإمام الغزالي مع سعة علمه في أمور التوحيد ومع سعة علمه في أمور الفقه فله كتب في الفقه فألف في الفقه البسيط ثم اختصره في الوسيط ثم اختصره في الوجيز ثم اختصره في الخلاصة والخلاصة متن صغير ولكن جاء الوجيز ركن من أركان المذهب الشافعي فلما جاء الإمام الرافعي شرح الوجيز في
شرح ضخم كبير سماه فتح العزيز شرح كتاب الوجيز، في الأول سماه العزيز في شرح كتاب الوجيز، ثم رأى مناماً كان فيه عتاب أن يسميه باسم من أسماء الله تعالى، فلما قام غيَّره وجعله فتح العزيز في شرح كتاب الوجيز، والوسيط والوجيز وشرحه فتح العزيز كلها. مطبوعة موجودة في الأسواق، وفتح العزيز هذا هو الذي اختصره النووي وأضاف إليه ونظمه وجعله تحت عنوان الروضة، "روضة الطالبين وعمدة المفتين"، وهي مطبوعة.
والروضة شُرِحت في كتاب كبير اسمه "خادم الروضة"، يخدم مَن؟ سيدنا الإمام النووي في الروضة، لأن هذا لابن الرفعة هكذا في الخادم. هذه هي الحكاية.