المسؤولية والمشاركة والتداول | المبشرات | حـ 20 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامج المبشرات مع فضيلة الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك يا مولانا. أهلاً وسهلاً. بك يا مولانا كان علينا أن نتحدث عن صفات جيل النصر يا مولانا، وبعد ذلك سنفرد إن شاء الله باقي الحلقات للكلام عن المبشرات والوقائع التاريخية فيها. كنا وصلنا يا مولانا للكلام عن الشورى في نهاية الحلقة الماضية، وفضيلتك قلت لنا أن هناك ثلاثة أمور: المسؤولية، وما هو الأمر الثاني يا مولانا المسؤولية؟ والمشاركة والتداول المسؤولية والمشاركة والتداول تفضل حضرتك. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قضية الشورى قضية أخذت مساحة كبيرة بالطبع في كلام الناس الآن، ومقارنات بينها وبين الديمقراطية،
والدعوة إلى الديمقراطية، والفوارق بينهما إلى آخره، لكن أهم فارق هو أن... المسلم ينطلق من أن الحاكم هو الله وأن سقفه الذي لا يستطيع أن يتعداه هو مقاصد الشرع الشريف التي تمثل له النظام العام، لا يستطيع إطلاقاً أن ينقضه ولا أن يكرّ عليه بالبطلان: حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ الدين، حفظ العرض، كرامة الإنسان، حفظ الملك والمال ومثل هذه المقاصد. تسري فيها سريان الماء في الورد. القِيَم تعني العدالة والمساواة والإخاء والحرية وهكذا. فالمسلم عنده أن الشورى صفة من الصفات الواجبة لتحقيق هذه المقاصد، ولكن
الحاكم هو الله، لا يستطيع أن يشاور إخوانه في معصية الله، ولا يستطيع أن يشاور إخوانه في نقض ناموس الله سبحانه وتعالى، ولذلك نرى أنه. طبعاً في الديمقراطية يجلس مجلس النواب ليقرر أي شيء، فيقرر أن الرجل يتزوج رجلاً والمرأة تتزوج امرأة، وأن الإجهاض حلال، وأن القتل الرحيم حلال، أو أن المخدرات مباحة. يقرر ما يشاء وحصل على صوت الأغلبية، خلاص، أليس كذلك؟ يقرر ما يشاء، وكهنة الديمقراطية أوجدوا مشكلات في الديمقراطية حول هذا الأمر، أن الديمقراطية... هي تقتضي تمثيلًا لكل طوائف المجتمع في البرلمان. قالوا: طيب، وطائفة اللصوص، هل لا بد من أن يكون لطائفة اللصوص من يمثلهم ويدافع عن وجهة نظرهم وعن مصالحهم وما إلى ذلك؟ وكان
هذا إشكالًا كبيرًا عند الديمقراطيين وعند المفكرين في الديمقراطية: المخالفون لنظام الدولة أو مخالفو نظام المجتمع، كيف نتعامل معهم؟ معها كيف لو أن مجموعة من البشر جاءت وقالت والله نحن أناس قتلة مأجورين فنريد أن نؤسس نقابة اسمها نقابة القتلة، فماذا يكون؟ ولهم في ذلك كلام طويل وفلسفة وكلام طويل جداً وسفسطة. هذه القضية لم تُثر عندنا لأن الحاكم هو الله، ولا أستطيع إطلاقاً في مشورتي أن أصل إلى حِل الزنا، ولا حِل الخمر، ولا حِل الشذوذ، ولا حِل الإجهاض، ولم تحلّ المخدرات. لماذا؟ لأن هذا حرام في شرع الله. أنتم تقولون: أليس
لديكم حرية؟ لا، نحن ليس لدينا حرية بالمفهوم المطلق، بل لدينا التزام. وهناك فرق كبير بين الحرية بمعنى التفلت والحرية بمعنى الالتزام. فحريتنا هي حرية الالتزام، توجد حرية في التنقل. حرية في الاعتقاد، حرية في العمل، حرية في كذا، ولكن هناك أيضاً محافظة على النظام العام. فحرية الاعتقاد معناها أن الحرية موجودة، لا أُكره الناس على الدخول في الإسلام ولا أُكره الناس على دين واحد، ولكن في نفس الوقت الإسلام يمثل النظام العام، ونقض الإسلام ونقض النظام العام يستوجب العقاب. وهكذا فالحقيقة أن الشورى، يقولون لنا: طيب، إذا كان الأمر كذلك وأن هناك حداً للشورى هو
شرع الله، وأن هناك حداً للشورى لا نستطيع أن نتعداه وهو المقاصد الشرعية والنظام العام المكون هذا التكوين، حسناً، فماذا تفعلون في الثلاث أشياء الخاصة بنا التي نتحدث عنها؟ ما هي الثلاث أشياء؟ قالوا لنا: "هل لديكم مسؤولية؟ هل لديكم جهة تراقب وتسأل وتحاسب؟ تحاسب الحاكم وتحاسب الحكومة وتحاسب الأجهزة المختلفة؟" فقلنا لهم: "نعم، لدينا. لدينا شيء يسمى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لدينا شيء موجود في الشريعة وفي الفقه وفي تفاصيل كثيرة جداً اسمه الحسبة. نعم، والمحتسب هذا كان ينزل." ومن مهامه أنه يراقب اللبن إذا كان مغشوشاً أم غير مغشوش، وأنه يراقب الموازين في الأسواق، وأنه
يراقب حركة المرور، وأنه يراقب البيوت هل أقمنا شرفات أو بلكونات بارزة لتسد الطريق فيحرر له مخالفة. فيكون المحتسب هذا هو الذي نراه الآن في صورة الشرطي. المرور وأيضاً مفتش التموين ومفتش الصحة الذي يمر على البقالة والمطاعم ونحو ذلك ليرى هل هي موافقة للشروط الصحية أم لا، وكذلك مسؤول الحي الذين يراقبون المخالفات المتعلقة بالبناء، نعم هناك مسؤولية وهناك رقابة، هناك مسؤولية تُسأل عنها الحكومة وهناك شيء يسمى استجواباً في مجلس الشعب مثلاً. يقول لي هكذا: قُلْ له إننا نقبل بهذا ونوافق عليه، ولذلك عندما دخلت هذه النظم التي هي ماذا؟ النظم المتعلقة
بالفصل بين السلطات الثلاث، وافقنا عليها لأنها لا تخالف الإسلام ولا مبدأ الشورى. ففيها سلطة تنفيذية وتشريعية وقضائية، ولا مانع لدينا من ذلك، ولا مانع عندنا من هذا، وكان لدينا تقسيمات أخرى كوزارة التفويض. ووزارة التنفيذ ووزارة كذا، كان لدينا في التاريخ الإسلامي هكذا، وكان هناك خليفة، وكان هناك والٍ، وكان هناك خديوي، وكان هناك حاكم، وكان هناك جابٍ للخراج، وكذا إلى آخره. فهذه نُظُم، لكن المهم ما هو الفكر؟ إنها تكون تحت سلطان الله، فتصبح المسؤولية. نحن لدينا مسؤولية، حسناً، وموجود الآن في... التراث وفي القرآن وفي السنة وفي كلام الصحابة فإذا انحرفتُ فقوِّموني بسيفكم هذا، وهكذا أصبح يعني هناك مسؤولية. طيب،
والمشاركة؟ نعم، هناك مشاركة، والمشاركة أبدع ما تكون فيها الشورى. هذه هي علاقة الشورى بالكلام، فالشورى هي التي تمثل المشاركة، وكما ذكرنا في حلقة سابقة ما هي مكونات هذه الشورى وكيف تتم. وهكذا إلى آخره، كذلك التداول. يا سلام على ما فعله سيدنا عمر مع خالد بن الوليد، جميل! أزالوه من القيادة في عز أو في أوج مجده، في أوج مجده، فأصبح مجرد عسكري أو جندي ولم يتأثر ولم يحدث شيء. حسناً، إنهم متربون ما شاء الله، متربون عندما جاء سعد بن عبادة. في فتح مكة قال: "اليوم يوم الملحمة، سنجعل الدماء تصل إلى الركب، اليوم أُذلت قريش"، فذهب أبو سفيان مسرعاً
إلى العباس واشتكى سيدنا سعداً - وهو قائد فرقة، نعم، سعد كان شخصية كبيرة من الأنصار، ركن أساسي في المدينة، لكنه أخطأ - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغة قريش: "كذب سعد" يعني. أخطأ سعد. الكلام الذي قاله غير حقيقي. صحيح أن الكذب عندنا يجب أن يكون متعمداً، لكن الكذب في لغة قريش هو الخطأ، مخالفة الواقع. فقال: "كذب سعد" ليس لأنه كذاب، بل "كذب سعد" تعني أن هذا مخالف للحقيقة. وحقيقة الفتح سنتحدث عنها فيما بعد، سيدنا. النبي لأنه مستخدم لغة قريش لكي يطمئنهم، يطمئنهم قال: "كذب سعد". نعم، اليوم يوم المرحمة ما شاء الله، وليس يوم الملحمة. حسناً، قام يحضر من؟ عندما يعزل سعد
ابنه، ابنه قيس، لكي لا يغضب سيدنا سعد وقومه. جميل ما شاء الله، قيس هذا كان طوله ثلاثة أمتار ما شاء الله. وكان ممن يركب الفرس فتعلم قدمه في الأرض لا يجد ما يركبه نعم، مثل سيدنا عمر هكذا من الناس الطوال، هؤلاء طولهم عريض هكذا، نعم يقولون ابن معدي كرب وكذلك قيس بن سعد وكان على شرطة رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني نستطيع أن نقول إنه كان وزير الداخلية، نعم وزير. الداخلية في عهد النبوة أي فقيس يعني خبير ورجل بحجم كبير وهكذا إلى آخره وابن سعد، نعم حتى لا يغضب سعد يقول له أنا أستبقيك لأمور سياسية، فإذا بالتداول سعد لم يغضب ولم يعتبرها إهانة. لماذا؟ لأن التداول جزء
لا يتجزأ من تكوين عقل المسلم. اليوم أصبح... أنا قائد يا خالد بن الوليد، غداً أصبح جندياً، اليوم أنا قائد فرقة، أخطأت اقتضت السياسة الخاصة بالدولة، فتمت إزالتي، وسأرجع جندياً مرة أخرى، وسأعود إلى الجندية ثانية وأقاتل بنفس الهمة وكأن شيئاً لم يحدث. اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا. ما شاء الله، حسناً فلنخرج. الفاصل يا مولانا عند هذا المعنى الجميل أن القائد عندما يُعزل يصبح جندياً، لا يختلف الأمر معه لأنه لا يبحث عن المنصب والشهرة، وإنما يبحث عن مرضاة الله سبحانه وتعالى. المسؤولية، التداول، المشاركة، المشاركة. نخرج للفاصل ونعود لنستكمل هذا الحوار الشيق مع مولانا الإمام الدكتور علي جمعة، فإلى ذلك الحين فاصل ونعود. إليكم فابقوا معنا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عدنا إليكم من الفاصل، الجزء الثاني من حلقة اليوم من
حلقات برنامج المبشرات مع فضيلة الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة. كنا نتحدث عن الشورى، ومولانا قال لنا أن هناك ثلاثة أشياء. هنا يا مولانا، سيدنا خالد بن الوليد عندما عُزل وعاد جندياً. هذا لم يقدح في قوته أنه سيف من سيوف الله المسلولة، وظل كذلك إلى يوم الناس هذا، إلى يومنا هذا، ونحن نقول: "خالد سيف الله المسلول"، خالد هو سيف الله يعني. وإلى الآن تجد بعض الناس حتى من المسلمين وهم يسمون أبناءهم "خالد" أو يسمون ابنهم "سيف الله" لكي يكون سيف الله. خالد جميل أو سيف الله، ويُسمى خالد لكي يكون خالد سيف الله، هكذا شيء حتى يومنا هذا. فهذه أمور تدعونا للتساؤل: لماذا كان هذا الجيل بهذه الصفة؟ لأنه كانت فيه فعلاً صفات جيل النصر، صفات مَن بشرهم الله سبحانه وتعالى
بالدفاع عنهم وبالنصر وبالعزة وبالتمكين، وقد كان جميلاً صدق وعده. نصر عبده، أعز جنده، هزم الأحزاب وحده. كما نذكر في التلبية وفي التكبير وفي الذكر، وكذلك ونحن نصف الله سبحانه وتعالى في خطبنا وفي دروسنا، نقول هكذا: صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. هذا فعلاً واقع لأنهم تمثلوا بهذه الصفات التي ذكرناها. بعضهم في تلك اللقاءات كانوا متوكلين حق التوكل على الله، كانت الدنيا في أيديهم وليست في قلوبهم، كانت الشورى هي نهجهم الذي لا يحيدون عنه، كان هناك تداول، كانت المسؤولية، كانت المشاركة، كانت كل هذه المعاني موجودة فيهم يعيشونها، لا يقولونها
بألسنتهم وتأبى قلوبهم أبداً، فلم يجدوا في أنفسهم حرجاً. مما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا له تسليماً أن لدينا في القرآن آيات أو في العلم الشرعي أن الشورى حتى في موضوع الطلاق والتشاور من أجل الطلاق، وفي نفس الوقت يا مولانا الشورى كما قال بعض السادة العلماء أنه إذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي يوحى إليه. إليه قد أمر أن يشركهم في الأمر فغيره أولى أن لا أحد يستبد برأيه، وهذا يخرجنا من الطغاة من حكام الطغاة إلى آخره. نريد يا مولانا أن نتحدث في وقت الحلقة الذي قرب أن ينفد، فلندخل على العشرة الأخرى من الحلقات التي تتحدث عن المبشرات التاريخية، نريد أن نرى يا مولانا ماذا... أول بشرى من مبشرات كأحداث تاريخية أو كوقائع ومواقع وغزوات، ما هي أول بشرى يا مولانا؟ يعني هي قضية
المشاورة في الطلاق وما إلى ذلك، أوردها الله سبحانه وتعالى بصورة واضحة في قضية التحكيم أي فحكمٌ من أهله وحكمٌ من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما، فهذا من أجل أسرة من أجل عشرة من أجل أبناء، إذا وُجِد الأبناء. فإذا أبقينا الأسرة تقوم على أسس سليمة، وإذا أنهينا الأسرة تنتهي على قواعد معروفة وعلى أشياء واضحة. فإذًا الشورى هي منهج حياة وليست فقط في مجال السياسة، بل هي في مجال الفرد، مجال الجماعة، مجال المجتمع، مجال الأمة. فهي في المجال الفكري، في المجال العلمي، في كل المجالات، الشورى جزء لا يتجزأ من مكون عقل المسلم. أما المبشرات التاريخية فهي كثيرة جداً، كما أنها لم تنتهِ، لم تنتهِ،
لم تنتهِ وإلى يوم الناس هذا. أول بشرى هي انتصار، أو أول بشرى هي دخول العرب في الإسلام، دخول. العرب في الإسلام معجزة غير مسبوقة. العربي هذا شخص عنيد مستعد من أجل فرسه أن يقتل قبيلة. نعم، هذا صحيح، فقد كانت هناك حرب تسمى "داحس والغبراء"، وهذه أسماء الخيول التي كانت بين قبيلتي عبس وذبيان. عن هذه الحرب التي دارت بين عبس وذبيان، يقول زهير بن أبي سلمى: "تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا". ودُقَّ بينهم عطر منشم، يعني كادوا أن يهلكوا
بعضهم، ويفنوا بعضهم. كل هذا لماذا؟ من أجل فرس! فرس، سبحان الله تعالى! والله هذا العربي الذي يقول: "أبا هند فلا تعجل علينا، واتركنا ننبئك اليقين، فإنا نورد الرايات بيضاء، ونصدرها حمراء قد روينا. وكأساً قد شُرِبت، شربت بعلبك وأخرى." في دمشق وقاصرين ألا لا يَجهلنَّ أحدٌ علينا فنجهلَ فوق جهل الجاهلين، إذاً ما هذا! نجهل فوق جهل الجاهلين. نعم، يعني إذا تجاهل علي أحد سأكون أجهل منه. لا حول ولا قوة إلا بالله، هل يُعقل أن هؤلاء يدخلون الإسلام من سبع غزوات؟ مات في الغزوات السبع جميعها، أولهم عن آخرهم، مسلمون وغير مسلمين ألف. واحد، نعم، هذا لا يمكن أن يكون صحيحاً. فهذه
بشرى وهي من عند الله. لا يمكن تخيل أن قوماً بهذا العنف وبهذه القسوة وبهذه الجاهلية، معتادين على القتل والقتال، نعم، ومعتادين عليه، يستسيغونه من أقرب طريق. كان هناك جماعة منهم يُسمون شياطين العرب، واحد منهم اسمه سليك بن السلكة، وآخر اسمه تأبط. شرٌ انظر الكلمة تأبط شراً، أخذ الشر تحت إبطه وخرج، وهؤلاء كان اسمهم شياطين العرب، هؤلاء الناس مثل عنترة بن شداد وغيره. وبعد ذلك، في عشر سنوات قام النبي عليه الصلاة والسلام بثمانين غزوة، أي كل شهرين غزوة. فالعشرة في اثني عشر تساوي مائة وعشرين، ومائة وعشرون في ثمانين يصبح... هذه الثمانون غزوة قاتل في سبعة منها فقط، وخرج في أربعة وعشرين. القتال الذي حدث وبقية الغزوات هذه مثل ماذا؟
أرسل سرية أو شيئًا أو هكذا، ليس فيها قتال. فآمن العرب، وهذه هي البشرى. عندما آمن العرب حدث شيء آخر، وهو أنهم مع إيمانهم اتحدوا، اتحدوا وهم ليسوا معتادين على الوحدة، نعم. اعتادوا على التفرق والقبلية والعنف والتباعد وكل ذلك، فاتحدوا والذي وحّدهم هو الإسلام الجميل. حاول بعضهم ألا يتحد، فرأينا مسيلمة في اليمامة يحاول أن يدعي النبوة ففشل، ويحاول مالك بن نويرة أن يمنع الزكاة ففشل، ويحاول بنو تغلب الذين كانوا نصارى العرب أن يفعلوا شيئاً ما ففشلوا، وفوجئنا بأن العرب قد اتَّحَدَتْ بُشْرَى
أُخْرَى الثالثة أنهم قد انتصروا على كل من فارس والروم، هذا شيء كالغير متصور، دولتان عظيمتان في هذا الوقت، والاثنتان نعم، والاثنتان في نفس الوقت، يعني ليس هذا لا يمكن، صحيح، لا يمكن تصور هذا الكلام، نعم، وحدث، وحدث في منتهى العجب والغرابة، جميل، الله سبحانه. وتعالى أراد لهذه الأمة أن تبقى، وأراد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بشيراً، وكلمة "بشير" أيضاً على وزن فعيل، أي كما قلنا إن وزن فعيل يصلح للدلالة على اسم الفاعل واسم المفعول، فهو المُبشِر (اسم فاعل) والمُبشَر (اسم مفعول). فالنبي عليه الصلاة والسلام
هو مُبشِر والمُبشَر جاء ليبشرنا. بُشِّرنا بالجنة، بُشِّرنا بالانتصار، بُشِّرنا بالبقاء إلى يوم القيامة، بُشِّرنا أن مكة والمدينة ستظلان دار إسلام إلى يوم القيامة، بُشِّرنا بالكثرة، وبشَّره ربه بأشياء كثيرة، وكلها تمت وتتم، عليه الصلاة والسلام. عندما يقول له: "إنا أعطيناك الكوثر"، نعم، أي أعطاه الشيء الكثير، نعم "إن شانئك هو الأبتر" في آخر السورة. نعم، فصلِّ لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر. يعني هناك شخص كان يطعن في النبي، سأقطع دابره. ومن هو هذا الشخص؟ لا أعرف. ترجع إلى التفسير فتجد ثلاثة أو أربعة أقوال عن من هو شانئه هذا الذي أبغض النبي صلى الله
عليه وسلم فعاقبه ربه بقطع نسله. نعم، حتى نحن أنفسنا لا نعرفه. صحيحٌ جُهِلَ أو أصبح مجهولاً في التاريخ، كيف هذا؟ فمن هم الكوثر الذين للنبي؟ من هم أهل بيته؟ نعم، "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله" - وقد حُفِظ - "وعترة أهل بيتي" أخرجه الترمذي، و"سنتي" أخرجه أحمد. فحُفِظَ الكتاب وأهل بيته وسننه. بشرى، بشرى أن آمن العرب، بشرى أن اتحدوا. العرب بشرى أن انتصر العرب، آمن العرب واتحد العرب وانتصر العرب. نختم بهم يا مولانا، وإلى لقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله، نستكمل الحوار عن المبشرات. فإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.